akdak

المقالات

قسم التراجم

الشيخ الكليني

389

حمود الصراف

الشيخ الكليني المُكنّى بـ(أبي جعفر) امتاز بخصائص علميّة، وفضائل عقليّة، علَماً بين أقرانه.. وظلّ كذلك على مدى أحد عشر قرناً، والى الان يُنظَر إليه بعين الإجلال والإكبار، ويُعتنى بطريقته في فحص الروايات وضبط الأسانيد والمتون في النصوص ونقل الأحاديث من أصولها..

وكتابه النفيس(الكافي)، نال فضيلة الشهرة، والذكر الجميل، وانتشار الصيت.. فلا يفارقه أهل الفقه، ولا يزال حملة الحديث عاكفين على استيضاح غرته، والاستصباح بأنواره، وهو مدد رواة آثار النبوة، ووعاة علم آل محمد – صلى الله عليه وآله – وحماة شريعة أهل البيت، ونقلة أخبار الشيعة، وما انفكوا يستندون في استنباط الفتيا إليه، بما تضمن من محاسن الأخبار، وجواهر الكلام، و طرائف الحكم..

نبذة موجزة عنه:
هو الشيخ محمّد بن يعقوب الكُلَيني، الرازيّ نسبةً إلى (الريّ) المدينة الواقعة جنوب طهران.. أمّا (كُلَين) فهي قرية من قرى الريّ من قُرى فشارية، كان فيها مولده.
كما يستفاد من مجموعة من القرائن التاريخية أنّ زمن ولادته يقارب ولادة الامام الحجّة المنتظر عليه السلام في سنة 255هـ وأنّه عاش في زمن الغيبة الصغرى. واحتمل السيد بحر العلوم أنّه أدرك بعض أيام الحسن العسكري. فيما ذهب السيد الخوئي إلى القول بأنّ ولادته كانت بعد وفاة الحسن العسكري عليه السلام وفي بدايات الغيبة الصغرى.
ينتسب الكليني إلى بيت أصيل معروف في الري، وقد عرف من رجال هذا البيت مجموعة من العلماء وحملة الحديث والفقه، منهم: والده يعقوب ابن إسحق الذي يعدّ من كبار علماء الإمامية زمن الغيبة الصغرى في كلين، وخاله أبو الحسن علي ابن محمد المعروف بـ(علان)، ومحمد بن عقيل الكليني، وأحمد بن محمد أخو أبي الحسن.
نشأ الكليني في مدينة الري التي حوت جميع المذاهب من الإسماعيلية والأحناف والشافعية فضلاً عن الشيعة الإمامية، فكان على معرفة جيدة بآراء ونظريات تلك المذاهب الكلامية والفقهية، والى جانب ذلك قرر الخوض في مجال علم الحديث حفظا وتدوينا متتلمذاً على كبار أساتذة الفن في مدينة الري كأبي الحسن محمد بن جعفر بن عون الأسدي، ثم شدّ الرحال صوب مدينة قم لمواصلة الدراسة في مجال علم الحديث متتلمذاً على محدثيها ممن رووا عن الإمامين والهادي العسكري (عليهما السلام) مباشرة وبلا واسطة.
هاجر الى بغداد سنة 327 هجرية وبقي فيها السنتين الأخيرتين من عمره حيث كانت بغداد تمثّل المركز العلمي للعالم الإسلامي… رجع إليه الشيعة والسنة في الفتوى حتى وصفوه بـــ ثقة الإسلام.

أقوال العلماء فيه :
قال النجاشي: محمد بن يعقوب بن إسحاق، أبو جعفر الكليني – وكان خاله علان الكليني الرازي- شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم..
وقال الشيخ الطوسي: محمد بن يعقوب الكليني، يكنى بأبي جعفر، ثقة، عارف بالأخبار..
وقال الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي في إجازته للسيد علي بن الصائغ في سنة 958ه‍:..الشيخ السعيد، الجليل، رئيس المذهب، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني عن رجاله المتضمنة لكتابه ” الكافي “، الذي لا يوجد في الدنيا مثله، جمعا للأحاديث، وتهذيبا للأبواب وترتيبا، صنفه في عشرين سنة، شكر الله تعالى سعيه، وأجزل أجره، عن رجاله المودعة بكتابه، وأسانيده المثبتة فيه..
وقال محمد تقي المجلسي الأول : والحق أنه لم يكن مثله فيما رأيناه في علمائنا، وكل من يتدبر في أخباره، وترتيب كتابه، يعرف أنه كان مؤيدا من عند الله تبارك وتعالى، جزاه الله عن الاسلام والمسلمين أفضل جزاء المحسنين..
وقال المحدث النيسابوري : ..ومنهم : ثقة الاسلام، قدوة الاعلام، والبدر التام، جامع السنن والآثار، في حضور سفراء الامام، عليه أفضل السلام، الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي، محيي طريقة أهل البيت على رأس المائة الثالثة.
من أساتذته:
أبو الحسن محمّد بن الأسدي الكوفي، أحمد بن محمّد الأشعري، الشيخ أحمد بن إدريس الأشعري، عبد الله بن جعفر الحميري، أحمد بن محمّد بن عاصم الكوفي، حسن بن فضل بن زيد اليماني، محمّد بن حسن الصفّار، سهل بن زياد الآدمي الرازي، محمّد بن إسماعيل النيشابوري، أحمد بن مهران، علي بن إبراهيم القمي.

تلامذته والرواة عنه:
تتلمذ عليه وأخذ الحديث عنه الكثير من الرواة منهم من يندرج في عداد كبار علماء الشيعة الإمامية، ومن هؤلاء التلاميذ:
أبوعبد الله أحمد بن إبراهيم المعروف بابن أبي رافع الصيمري، أبو القاسم جعفر ابن قولويه صاحب كتاب كامل الزيارات، أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري، أبوغالب أحمد بن محمد الزراري، محمد بن علي ماجيلويه القمي، أبوعبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر، أبوعبد الله محمد بن أحمد بن قضاعة الصفواني.

الكافي للكليني:
كتاب قيم.. فمنذ أحد عشر قرناً ـ ما زالت تنصبّ عليه جهود كبيرة من المطالعة الفاحصة والتحقيق العميق، ومراجعة المحدّثين والمفسّرين والمتكلّمين، فيحظى بموضع الإجلال من كبار أهل الاختصاص والخبرة. فالأخبار الواردة فيه منقولة عن لسان المعصومين، النبيّ وآله المهديّين صلوات الله عليهم أجمعين، ومكتوبة من قِبل أصحابهم الثِّقات المؤتمَنين، ومتداولةٌ يداً بيد من مؤمن ثقةٍ إلى ثقة.. حتّى وصلت إلى يد الشيخ الكلينيّ.
فهو يشتمل على ثلاثين فصلاً بعنوان كتاب: ـ أوّل كتبه: كتاب العقل وفضل العلم، وثانيها: كتاب التوحيد، ثمّ كتاب الحُجّة، والإيمان والكفر، والدعاء، وفضائل القرآن، والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحجّ، ثمّ النكاح والطلاق والعتق والتدبير.. ويتناول فيما بعد شؤون المعيشة والقضاء، والأطعمة والأشربة، إلى أن يبلغ الجهاد والوصايا والحدود والفرائض.
وقد ضمّ مجلّداتٍ ثمانية اشتملت على: أصول الكافي، الفروع من الكافي، الوافي من الكافي، الروضة من الكافي..
والكتاب يحكي لنا في فصوله وأبوابه وعناوينه.. جودة منهجية في ترتيب أبواب علوم الإسلام، ودقّة التقسيم لمواضيع العقيدة والأخلاق والمعاملات والأحكام وقد أصبح من المراجع والمصادر التي يُؤوى إليها، وفي الموارد الوثيقة التي يُؤخذ منها.. مِن قِبل العلماء وأهل التثبّت والاستدلال والاستنباط، ومن قِبل المعنيّين بعلوم الأخلاق والتفسير والسيرة والتاريخ والرجال.

وفاته وقبره:
قال النجاشي: ومات أبو جعفر الكليني رحمه الله ببغداد سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، سنة تناثر النجوم، وصلى عليه محمد بن جعفر الحسيني أبو قيراط، ودفن بباب الكوفة
قال السيد الاجل: ثم جدد – القبر -، وهو إلى الان مزار معروف بباب الجسر، وهو باب الكوفة، وعليه قبة عظيمة، قيل: إن بعض ولاة بغداد رأى بناء القبر فسأل عنه، فقيل: إنه لبعض علماء الشيعة، فأمر بهدمه، وحفر القبر، فرأى فيه جسدا بكفنه لم يتغير ومعه آخر صغير كأنه ولده بكفنه أيضا، فأمر بابقائه وبنى عليه قبة، وقيل: إنه لما رأى إقبال الناس على زيارة الكاظم عليه السلام حمله النصب على حفر القبر، وقال: إن كان كما يزعمون من فضله فهو موجود في قبره، وإلا منعنا الناس عنه، فقيل له: إن هاهنا رجلا من علماء الشيعة المشهورين ومن أقطابهم، اسمه محمد ابن يعقوب الكليني، وهو أعور، فيكفيك الاعتبار بقبره، فأمر به، فوجده بهيئته كأنه قد دفن تلك الساعة، فأمر بتعظيمه، وبنى قبة عظيمة عليها، فصار مزاره مشهورا..
والقبر الشريف في شرقي بغداد، وعليه شباك من الخارج إلى يسار العابر من الجسر المشهور، تزوره العامة والخاصة.

نشرت في الولاية العدد 95