akdak

المقالات

القسم العام

الدور الرقابي في مؤسسات الدولة

116

حيدر محمد الكعبي

الجهاز الرقابي في المؤسسات والدوائر التي وجدت لخدمة الصالح العام، احد المفاصل الأساسية لتشييد بناء الدولة الإسلامية، ولعل احد أوضح الآثار التي تدلنا على تأكيد الإسلام على بناء الدور الرقابي للمؤسسات الحكومية ما كتبه الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى مالك الاشتر(رضوان الله تعالى عليه) الوارد في نهج البلاغة، حيث جاء عنه(عليه السلام) في باب علاقة الوالي مع العمّال الذين يوكل إليهم تولي شؤون الناس قوله: (ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَتَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ) ( نهج البلاغة 3: 96).

فأمره(عليه السلام) بضرورة إرسال العيون على العمال أمر واضح في تفعيل الدور الرقابي لمؤسسات الدولة، كما انه في الوقت نفسه يعطينا المواصفات التي ينبغي ان يتحلى بها القائمون على هذا العمل، إذ لا بد من ان يكونوا من أهل الوفاء والصدق، لأنهم ان لم يكونوا كذلك ضللوا الأمور وشبهوها، وفي ذلك تغييب للحق وضياع الحجة.
واذا ما ثبت لدى الحاكم جور الولاة وتقصيرهم من خلال العيون، كان لزاما عليه ان يتخذ فيهم الموقف المناسب، وامير المؤمنين(عليه السلام) يحذر من التواني عن ذلك، قال(عليه السلام) لمالك الاشتر: (وَإِيَّاكَ وَالِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ وَعَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ)( نهج البلاغة 3: 109).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ما يأمر به الإمام(عليه السلام) جاء على خلاف ما يدعيه بعضهم من أن إرسال العيون على العمال في البلاد أمر يستهجنه الإنسان، لأنهم يعدُّون بث العيون ونقلهم الأخبار للحاكم نوعا من الوشاية وإفشاء الأسرار والنفاق تقربا الى الحاكم، في حين أن الأمر على عكس ذلك بالنظر إلى أهمية ضبط العمال في البلاد ورقابة سيرهم على الصراط المستقيم، ومن دون ذلك قد لا يؤمن الوالي من الانحراف والزيغ بعيدا عن أعين الرقباء، فتظلم العباد وتفسد البلاد ولا من سامع لشكوى العامة ولا من منقذ لظلامتهم، قال(عليه السلام) : (فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَتَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ).
ولا يفوتنا أن نذكر في هذا المقام، بأننا نجد ــ من خلال استقراء المفاهيم الإسلامية العامة التي تسالم على صحتها كل المسلمين ــ بان عمل الدور الرقابي في مفاصل الدولة يرتبط ارتباطا وثيقا بأحد أهم فرائض الدين الإسلامي الحنيف، ألا وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تأخذ ــ بطبيعتها ــ حيزا واسعا في مجال الإصلاح الشامل، ابتداءً من تهذيب الذات وانتهاءً بإصلاح المجتمع والقائمين على تسيير شؤونه بشكل عام، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(التوبة/ 71).
إن الدوائر والمؤسسات الرقابية تتحمل المسؤولية الشرعية قبل أن تتحمل المسؤولية القانونية، حينما التزمت بحمل أمانة هذا الدور الحساس بشكل دقيق، وهي مسؤولة عن العهد الشرعي الذي يكلفها بها الحاكم الإسلامي لانجاز هذا العمل الشاق على أتم وجه، لا سيما ان العاملين في هذا المجال معرضون لشتى أنواع الإغراءات التي تحاول ان تحرفهم عن أداء الأمانة، ولكن على الرغم من كل ذلك لا عذر لأحد منهم عن التخلف عن أداء هذا الواجب المقدس في كل الظروف والأحوال، قال امير المؤمنين(عليه السلام) في النهج: (وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ وَلَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ وَالْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُمَّةِ وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ)( نهج البلاغة 3: 27).

نشرت في الولاية العدد 100