akdak

المقالات

قسم الفكر الاسلامي

الإســلام وتنميـــة المـــوارد البشـــرية

247

د. مريم التميمي

يعد مفهوم التنمية البشرية من المفاهيم الحديثة التي شاعت في العقود الأخيرة من خلال الدراسات العلمية والتقارير الدولية التي ترصد حياة الإنسان وتسعى الى إيجاد بيئة أفضل للعيش وممارسة الحياة.
وعلى الرغم من حداثة استخدام المفهوم فإن فكرة التنمية البشرية ليست حادثة على الإنسان بل تمتد بامتداد الوجود الإنساني ذاته، فالسعي للتنمية والتطور والنماء ملازم لمسيرة الإنسان في حياته، وشكّل احدى الوسائل التي تطورت بها الحياة البشرية على كوكب الأرض.

وقد شهدت الحياة البشرية تطورا في مفهوم التنمية البشرية حتى استقر على ما وصلت اليه تقارير الأمم المتحدة التي ترصد هذه التنمية منذ خمسينيات القرن الماضي.
إن تعريف التنمية البشرية يتطلب منا الإحاطة بمفهوم التنمية أولا بوصفها الأساس الذي يتم فهم المصطلح من خلاله، فقد تطور تعريف التنمية وتعددت رؤية الباحثين له باختلاف مشاربهم الثقافية وتخصصاتهم واهتماماتهم، فبعضهم كان يرى فيه الجانب الاقتصادي، وبعضهم نظر الى التنمية من جانبها الاجتماعي، إلا ان هذه التعريفات لم تصمد طويلاً، اذ تطور التعريف سريعا ليشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية، ولذا يصعب اعطاء المفهوم تعريفا محدداً، لكن يمكننا تحديد مفهوم تنمية الموارد البشرية بأنه عملية واسعة وشاملة ومستمرة ومتعددة الجوانب لتغيير حياة الإنسان وتطويرها الى الأفضل.

تكريم الاسلام للانسان:
لعل من المهم ان ندرك اولاً طبيعة النظرة الإسلامية الى النفس الإنسانية بصفة عامة، فالنفس الإنسانية بصفة عامة مكرمة ومعظمة.. وهذا الأمر يؤخذ على اطلاقه، وليس فيه استثناء بسبب لون أو جنس او دين، قال تعالى في كتابه: (وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً){الإسراء/70}
وهذا التكريم عام وشامل، وهو يلقي بظلاله على المسلمين وغير المسلمين.. فالجميع يحمل في البحر، والجميع يرزق من الطيبات، والجميع مفضل على كثير من خلق الله عز وجل.
وقد انعكست هذه الرؤية الشاملة لكل البشر، وهذا التكريم لكل إنسان على كل بند من بنود الشريعة الإسلامية، ومن ثمّ انعكست على كل قول أو فعل لرسولنا الكريم.
وهذا يفسر لنا الطريقة الراقية الفريدة الرحيمة التي تعامل بها الرسول العظيم(صلى الله عليه وآله) مع المخالفين له والمنكرين عليه.
وهو يتعامل مع نفوس بشرية مكرمة فلا يجوز اهانتها او ظلمها أو التعدي على حقوقها، او التقليل من شأنها، وإذا كان الإنسان هو مرتكز التنمية البشرية فإن الإسلام قد سبق كل الرؤى لذلك، اذ إن اختيار الإنسان لحمل الرسالة الإسلامية جعله المحور الذي تقوم عليه عملية البناء والتنمية والتطوير في المجتمعات الإسلامية، فهو الحامل للأمانة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا){الأحزاب/72}.
وهذا الحمل للأمانة يقتضي استعدادا لدى الإنسان المسلم لذلك، وهو ما تتجه اليه الرؤية الإسلامية لمفهوم التنمية البشرية.

التنمية في المصادر الإسلامية:
على الرغم من أن مصطلح التنمية لم يرد في المصادر الإسلامية، فإن المفهوم حملته مصطلحات أخرى وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية ومن ذلك:
1.
التزكية: في قوله تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) {الشمس/7 ـ10}
قال الطبري: (قد أفلح من زكّاها) قد افلح من زكى نفسه فكثر تطهيرها من الكفر والمعاصي وأصلحها بالصالحات من الأعمال، وقيل: أي طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب ورقاها بطاعة الله وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح.
وقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل وعذاب القبر اللهم آتِ نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكّاها أنت وليها ومولاها).
وقال: (اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها).
والتزكية هنا بمعنى النماء والزيادة والصلاح والطهر، وهي المعاني التي تتضمنها التنمية بمفهومها الإسلامي، فليس المقصود هو الزيادة فقط، بل المقصود ان تكون هذ الزيادة صالحة ونافعة.
2.
الاعمار: فقد قال تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ){هود/61}.
قيل في تفسيرها: (استعمركم فيها أي جعلكم عُمّارا تعمرونها وتستغلونها).
وقد شرح القرطبي معنى الاعمار بقوله: (أي جعلكم عمّارها وسكانها، والاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب، كما ان (استعمركم فيها) خلقكم لعمارتها). ولا شك ان عمارة الأرض تتطلب عنصرا فاعلا ومؤثرا وهو الإنسان، إذ لا يمكن ان تتم عملية الاعمار الا بإنسان قادر ومهيأ بالإيمان والعلم والفكر والمهارة التي تمكنه من القيام بعملية الاعمار، وهذا لبّ التنمية البشرية التي ترتكز على تطوير الإنسان بجميع مكوناته النفسية والعلمية.
3.
التنشئة، قال تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ){هود/61}، وقال أيضاً: (فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ){المؤمنون/19}، والتنشئة تأتي بمعنى التربية والزيادة والإيجاد والتنمية قال ابن منظور (نشأ ينشأ.. ربا وشبّ، وارتفع).

نشرت في الولاية العدد 76