akdak

المقالات

قسم التأريخ

الإدارة الفرعونية في وصف القرآن الكريم

96

سامر الصائغ

قبل الدخول في الكلام عن الادارة الفرعونية وملامحها في القرآن يجب ان نبين ولو مختصرا معنى الادارة فنقول: مفهوم الإدارة: أصل كلمة إدارة(Administration) لاتيني بمعنى(To Serve) أي (لكي يخدم) والإدارة بذلك تعني «الخدمة» على أساس أن من يعمل في الإدارة يقوم على خدمة الآخرين.. وفي ظل الاهتمام الذي حظيت به الإدارة إلا أن تعريفاتها التي قدمها العلماء والرواد قد تباينت، شأنها في ذلك شأن كثير من مصطلحات العلوم الإنسانية، فكل منهم قد تأثر بمدخل معين.

وقد عرفها بعض الكتاب بأنها “النشاط الموجه نحو التعاون المثمر والتنسيق الفعّال بين الجهود البشرية المختلفة العاملة من أجل تحقيق هدف معين بدرجة عالية من الكفاءة “.
وهناك من يعرف الإدارة بأنها ” عملية توجيه الجهود البشرية بشكل منظم لتحقيق أهداف معينة ” ويمكن تعريف الإدارة بأنها “عملية اجتماعية مستمرة تسعى إلى استثمار القوى البشرية والإمكانات المادية من أجل تحقيق أهداف مرسومة بدرجة عالية من الكفاءة”.
ومن هذا التعريف يُمكن استخلاص العناصر التالية:
أن الإدارة عملية تتضمن وظائف عدة هي التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة.
أنها اجتماعية فهي لا تنشأ من فراغ، بل تنشأ داخل مجموعة منتظمة من الأفراد وتأخذ في الحسبان مشاعرهم واحتياجاتهم وتطلعاتهم.
أنها وسيلة وليست غاية فهي وسيلة تنشد تحقيق أهداف مرسومة.
أنها عملية مستمرة.
أنها تعتمد على استثمار القوى البشرية والإمكانات المادية المتاحة.
أنها تسعى إلى تحقيق الأهداف بدرجة عالية من الكفاءة.
الإدارة علم أم فن ؟
الإدارة مزيج من العلم والفن، فهي علم لأن لها مبادئ وقواعد وأصول علمية متعارف عليها، وتقوم على توظيف مناهج البحث العلمي في استكشاف نظرياتها وفحصها، وفي الوقت ذاته هي فن لأنها تعتمد على القدرات الإبداعية والمهارات الابتكارية والمواهب الذاتية، وإذا كان هذا الموضوع مثار جدل بين المتخصصين في حقل الإدارة على اعتبار أن هناك من يرى أن الإدارة علم، وهناك من يرى أن الإدارة فن، ولأنصار كل اتجاه حججهم ومبرراتهم، فإن الفصل في هذا الموضوع هو القول إن الإدارة هي فن استخدام العلم، فهي علم له أصوله وقواعده، ويبرز الفن في القدرة على توظيف تلك الأصول والقواعد، والاختيار الواعي من بينها بما يتلائم مع طبيعة الموقف.
يبقى ان نختم المقدمة بأن الادارة هل تأتي باكتساب او عن موهبة ؟
لاشك ان كل المهارات تأتي من التجارب والدراسة والمثابرة كذلك الادارة لكن لا يخفى ان للموهبة دورا كبيرا في تطوير المهارة فهناك بعض الاداريين والقياديين بطبعهم هم اصحاب موهبة في ذلك ولكن ذلك بنسبة قليلة مقارنة مع الاكتساب.
بعد هذه المقدمة ندخل في صلب الموضوع لو استقرأنا الآيات الواردة في فرعون يمكن ان تستخلص بعض ملامح الادارة الفاشلة او الادارة الفرعونية كما أسميها والصفات التي جاءت فيها وهذه بعض منها:
1-
الشمولية:
(
قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) الأعراف: ١٢٣
(يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) غافر: ٢٩، (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) القصص: ٣٨
وهذا هو منهج الاداري الشمولي فأن من الأمور المهمة لدى المدير الفاشل الانفراد باتخاذ القرارات الخاصة بالعمل والموظفين، وعدم أخذ آراء مرؤوسيه أو قيادات العمل بصورة مستمرة لكل صغيرة وكبيرة، ويبدو أمام نفسه الشخص الذي يحظى بالعلم والتجارب، فهو يرى أن هؤلاء المرؤوسين إنما هم أقل علمًا وأقل خبرة ولا ينبغي أن تؤخذ آراؤهم . وفي أغلب الأحوال ؛ فإن هذا المدير يتحمل خطأه وحده، ويتعرض لانتقادات كثيرة، منها ما هو مستتر ومنها ما هو صادر عن رؤسائه في المناصب الأعلى وهذه الصفات إنما تدل على الاستبدادية في العمل والمركزية في سلطات وواجبات كان من المفترض أن تكون في حوزة الموظفين الذين وظفوا لينجزوها، لا لأن يقضوا أوقاتهم يندبون الحظ الذي أردى به تحت سلطة مسؤول مستبد .
2-
الامتيازات :
(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)الزخرف: ٥١
حيث بينت هذه الآية اعتقاد فرعون بان مُلك مصر والأنهار انما هي امتيازات خاصة به دون غيره وهذه تنعكس على صاحب المسؤولية كمدير وجد نفسه فجأة قادراً على المجيء متأخراً، أو المغادرة متأخراً، أو الغياب أكثر من ساعة في اليوم، أو إجراء اتصالاته الشخصية من مكتبه الفاخر، وأصبح مأخوذًا بمكانته الجديدة وبسلطاته الواسعة، فأصبح يمارس هذه السلطات بأشكالها المتعددة.. لكن هذا المدير ينسى أن جميع العيون مسلطة عليه، وينسى أنه مثال حي لكل من يعمل معه، ويغفل أنه يجب أن يكون قدوة ومن المفترض أن العاملين أو الموظفين في المؤسسة يتبعونه في كل تصرفاته كما ان مفهوم السلطة عند المدير الفاشل يختلف اختلافاً جوهرياً عن مفهوم السلطة عند باقي المديرين، فهو يتصور أن السلطة هي الحق المعطى له من أعلى لإلزام الآخرين، كما يتصور أن السلطة هي سلطة القبول من التابعين – أي من أسفل على حد تعبير (المدرسة السلوكية) في علم النفس، ويتصور أن السلطة تمارس بشكل مباشر.
يمكن باختصار أن نقول: إن المدير الفاشل يفهم السلطة على أنه صاحب السلطة، وهو الذي يملي ما يجب عمله، فهو ينظر إلى السلطة على أنها إلزام الآخرين بعمل معين.. و بالتالي فإن المدير الفاشل ينظر إلى مفهوم التنظيم على أنه تنظيم فردي لا يمكن لأحد غيره أن يقوم به.

3- حاشيته اصحاب التملق والمصالح:
(وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) الأعراف: ١٢٧
وهذه مصيبة لما يبتلي بها كل صاحب مسؤولية لذا عادة ما تجد المدير الفاشل يحيط نفسه بسياج من الأشخاص المحيطين به يمنعونه من الوصول إليه وتجد أبوابه دائماً موصدة، وحتى تصل إلى هذه الأبواب الموصدة لابد من أن تمر على أشخاص يحملون مسميات ومناصب مختلفة فحتى تمرر ما تريد إلى هذا النوع من المدراء ؛ فلابد أن تتحدث أولاً إلى كل هؤلاء، ولابد من تمضية وقت كبير معهم حتى تشرح طلبك للواحد تلو الآخر، حتى ربما يدفعك حنقك إلى التفكير في الاستغناء عما تريد أو ربما تتحمل وتصبر حتى يصل طلبك إلى هذا المدير ويكون تحقيق الطلب بلا قيمة في هذه الحالة بسبب ضياع الوقت في تنفيذه . وغالبا ما يزينون قبح عمله الى حسن ويخفون عنه كثيراً من الامور حتى لا تتضارب مع مصالحهم خلاصة القول : إن المدير الفاشل هو الذي يبني حاجزاً بينه وبين مرؤوسيه من خلال هؤلاء الأشخاص المحيطين به.
4-
التفريق والمحاباة :
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) القصص: ٤
ان التفريق والمحاباة مظهر واضح للادارة الفاشلة فهو يرجح بعض الموظفين على بعضهم الآخر في كثير من الامتيازات، ومن ثم يصبح التفكك وتنافر القلوب هو السمة السائدة في المنشأة أو المؤسسة، مما يسبب ضعف الإنتاج، وليس معنى المساواة جعل غير المتساويين متساويين، بل معناه جعل المتساويين متساويين، وإلا فهو ظلم وإجحاف بحق المتفوقين.
5-
الاقصاء والتهميش
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)ﱠ غافر: ٢٦
ان عجز فرعون عن رد موسى جعله يكشف اخر ورقة لديه وهو القتل وهذا ما نراه في الادارة الفاشلة حيث سياسة الاقصاء والتهميش وبخس قدرة الاخرين لأجل ايصال فكرة ان مستوى الادارة منحصرة به وغيره غير قادر ولكي يحافظ على منصبه فلابد له من عدم تمكين الآخرين من الوصول إلى منصبه أو المناصب الأقل، ولذلك فمن وجهة نظره ألا يعمل على ترقية مستوى مرؤوسيه.

6- الاسراف:
(مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ) الدخان: ٣١
لاشك ان هذه الصفة ظاهرة في الادارة الفاشلة حيث على النحو المادي او المعنوي الاستخدام المفرط للتهديد والعقاب.. وهو يستخدمه للتخلص من سلوك سلبي معين ولكن العقاب في حد ذاته وسيلة معدومة التحفيز والتشجيع وتفتقر كثيرا للإيجابية الضرورية بين أعضاء الفريق. وقد أثبت التجربة والدراسات والبحوث أن التهديد والعقاب ليست وسيلة مثلى في فن القيادة الحديثة كما ان مفهوم الرقابة مختلف عنده فهو يعتقد ان الرقابة على الآخرين ومعرفة كل شئ عنهم وما يدور بينهم أثناء العمل، ومن الأمور المهمة بالنسبة للمدير الفاشل المراقبة الشديدة لمرؤوسيه والحد من نشاطهم.

7- خالية من التسديد الالهي:
(أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) غافر: ٣٧ ، (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)ﱠ هود: ٩٧
ان مصير هكذا ادارات مصيرها الفشل واللوم لأنها بعيده عن التسديد الالهي.
بقي علينا ان نختم هذه المقالة بخلاصة وهي:
ان اي صفة من هذه الصفات المذكورة تكون في المدير تجعله فاشل اما اذا اجتمعت في شخص فتلك الطامة الكبرى كما أن كل المُدراء الناجحين متشابهون ولكن كل مدير فاشل قد فشل بسبب خاص به. فالمدير يكون متربعاً على قمة مؤسسته او قريباً جداً من القمة ثم ما يلبث ان يسقط فيتساءل ويتساءل الناس معه عما حدث ويكون الذي حدث ان الدنيا قد تغيرت من حول هذا المدير وبقي هو على حاله لا يلحظ علامات التغيير، وتوقف عن التعلم، ويجهل تماماً الاساليب الادارية الحديثة واستمر يعمل في محيط روتيني ويحيط نفسه بمجموعة من الموظفين الذين يدينون له بالولاء ويزينون له الامور عكس ما هي عليه واخيراً يتخذ القرارات غير المبنية على الاسس العلمية السليمة فيسقط وتسقط المؤسسة وتتخلى عن المركز الذي كانت تحتله إن هذا الأمر حصل لمديرين كثيرين ومؤسسات كثيرة وسوف يحصل لمديرين اخرين ولمؤسسات أخرى ـ فلقد تغير عالم الادارة ولم يعد المدير هو اقدم الموظفين الموجودين بل اصبح هو اكثرهم علماً بالفنون الادارية وتطبيقاتها.

نشرت في الولاية العدد 94