akdak

المقالات

القسم العقائدي

الإسراء والمعراج بين الحقيقة العلمية والفلسفة

233

د.حسين الشريفي

تعد حادثة الإسراء والمعراج معجزة كبرى يضيق المقام عن سرد أحاديثها، قد أيّد الله تعالى بها نبيه (صلى الله عليه وآله)، وذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الإسراء: 1)

حدثت هذه المعجزة في السنة الثانية عشرة من البعثة النبوية الشريفة في ليلة السابع عشر من ربيع الأول، أرى الله سبحانه وتعالى فيها النبي عجائب آياته الكبرى ومنحه عطاء روحياً عظيماً تثبيتا لفؤاده مع بيان الحكمة الإلهية منها وموقف أهل مكة منها وماذا يستفاد منها في الواقع، وقد أثير حولها جدال كثير بين علماء الإسلام، فبعضهم يرى أن تلك معجزة حصلت فعلاً بالجسم بينما الآخرون يرون أن الروح وحدها هي التي أسرى بها وعرج إلى السماء وليس ذلك إلا رؤيا صادقة، وهذا ما نبحث عنه حول حقيقة الإسراء والمعراج بعد ان نمر على معنى المعجزة وتعريفها.

المعجزة:
عرفت بتعاريف عديدة من القدماء والمعاصرين منها ما ذكر في كتاب التجريد من أن المعجزة هي: (ثبوت ما ليس معتاداً او نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى) وقد عرفها الشعراني بقوله: (ثبوت ما ليس بمعتاد مع خرق العادة كصيروة عصا موسى عليه السلام ثعباناً أو نفي ما هو معتاد).
توضيح التعريف: الحوادث الواقعة في العالم أما إن تكون لها أسباب ظاهرة ويمكن التعرف عليها من خلال التجربة الحسية كالظواهر الفيزيائية والكيميائية وأما أن تكون لها أسباب ظاهرة يمكن التعرف عليها من خلال التجربة الحسية فأسبابها غير عادية وهي بدورها تنقسم على قسمين.
الأول: إن أسبابها إن لم نعرفها بالفعل ولكن يمكن التوصل إليها بالتعلم كما انه يمكن لقوة أخرى قهرها والمنع من حدوثها أو بقائها وإبطال تأثيرها أمثال السحر وأعمال المرتاضين إذ يمكن تعلم السحر او المنع من تأثيره.
ثانيا: الأعمال الخارقة للعادة غير قابلة للتعلم ولا يمكن لأي قوة أخرى قهرها، وهي تختص بالأنبياء وربما صدرت من بعض الأولياء، ولكن لو صدرت من النبي (سميت بالمعجزة) ولو صدرت من الولي (سميت بالكرامة) والمعجزات تقترن بدعوى النبوة، فالنبي عيسى(عليه السلام) ادعى النبوة وانه يحيي الموتى، وقد طابق عمله دعواه.

انكار المعاجز والكرامات:
ولعل إنكار صدور المعاجز والكرامات وأمثالها من المقامات المعنوية والغيبية للأنبياء والأئمة والأولياء عند بعضهم ناشئ من سيطرة التفكير المادي والوضعي لدى بعضهم بصورة شعورية او لا شعورية، مما يدفع عددا من الباحثين المسلمين إلى التشكيك والاستغراب من هذه الظاهرة.
وعلى كل حال ان المتفق عليه عند جمهور علماء المسلمين ان الإسراء تم بالروح والجسد معاً لأنه لو كان بالروح فقط لما احدث خلافاً ولما كان داعياً لكل هذه الضجة التي حدثت بين القوم يوم ذاك، إذ تكون كما لو انها مجرد رؤيا تحدث لأي إنسان في منامه.
والذين يدركون شيئاً من القدرة الإلهية لا يستغربون من واقعة كهذه، لان تلك القدرة إرادة نافذة تهون أمامها جميع الأعمال التي تبدو في نظر الإنسان صعبة او مستحيلة بحسب ما اعتاده أو رآه انطلاقاً من قدراته المحدودة، ولو كان الأمر لهذه القدرات لما كان فيها معجزة تشهد لصاحبها بصدقه فيما جاء به.
فالنقلة من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى والوصول اليه بسرعة عظيمة ليست اغرب من الاتصال بالملأ الأعلى وتلقي القرآن والرسالة عنه، كما صدقه ابو الحسن علي بن ابي طالب عليه السلام الذي كان يرد المسألة المستغربة عند القوم الى بساطتها وطبيعتها.
ان جمهور علماء الإسلام قد جزموا بان الإسراء كان بالروح والجسد.. يقظةً لا مناماً معتمدين على ادلة كثيرة منها في بعض النقاط الآتية:
1:
ثبت ان قريشاً كذبوه في الإسراء واستبعدوا وقوعه ولو كان مناماً لما كذبوه ولا استنكروه لجواز وقوع مثل ذلك وابعد منه لآحاد الناس.
2:
ان التسبيح في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ)الإسراء(1) انما يكون في الأمور العظام ولو كان ذلك مناماً لذكره الله تعالى كما ذكره عند النبي إبراهيم عليه السلام حين امره ان يذبح ولده إسماعيل في الرؤيا، ولما كان للحادثة هذا الشأن الذي يستحق التسبيح.
3:
ان الله سبحانه وتعالى اثبت رؤيا القلب في قوله تعالى (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) النجم (11) ورؤيا العين بقوله تعالى: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) النجم(17-18).
4:
قوله تعالى (بِعَبْدِهِ) يدل على مجموع الروح والجسم.
5:
ان التعبير القرآني جاء بلفظ السر الذي يدل على الستر والخفاء وجعل هذا الستر والخفاء في مضمون ستر آخر هو الليل.
6:
ان عملية الإسراء في هذه السرعة ممكنة في نفسها بدليل ان الرياح كانت تسير بالنبي سليمان(عليه السلام) الى المواضع البعيدة قال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) (الأنبياء:81).
ونستدل ايضا بنقل عرش بلقيس من وزير سليمان(عليه السلام) الذي كان له علم من الكتاب في قوله تعالى: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل:40).
وتبقى معجزة الإسراء والمعراج والمتأمل لها يزداد انبهاراً بقدرة الله وإعجازه في خلقه فكل نبي له طابع يميزه وسمات يختلف بها عن الآخر ولكن كل انما يدل بمعجزته على الله تبارك وتعالى.