akdak

المقالات

قسم الرجال والحديث

«أشهر أطبّاء العرب» أبو بكر الرازيّ

332

حمود الصراف

المعلم والطبيب الفذ الذي أسهمت إبداعاته العلمية في ازدهار العلم وخدمة البشرية.. وكان كتابه(الحاوي في الطب) أول كتاب طبي ترجم في أوربا.. وهو من الأفذاذ الذين برعوا في مجالات مختلفة من العلوم، فلم يكن طبيبًا او معلِّمًا فقط، وإنما أبدع في مجالات الأخلاق والقيم والدين وشتى العلوم الإنسانية، ذلك هو أبو بكر محمد بن زكريا الرازي.
وُلِدَ في مدينة الرَّيّسنة(250هـ/ 864م)، ومنذ طفولته كان محبًّا للعلم والعلماء، درس في بلدته العلوم الشرعية والطبية والفلسفية.. ثم هاجر إلى عاصمة العلم في العالم حينذاك(بغداد) في شِبه بعثة علمية مكثَّفة، تَعَلَّم فيها علومًا كثيرة مركّزا اهتمامه على الطب، وكان أستاذه الأول علي بن زين الطبري صاحب أول موسوعة طبية عالمية اسمها (فردوس الحكمة).
يُعد الرازي عَلَمًا من أعلام الطب في الحضارة الإسلامية، ومن أعظم مُعَلِّمي الطب الإكلينيكي، وقد تولَّى تدبير مارستان (مشفى) الرَيِّ، ثم رئاسة أطباء المارستان المقتدري في بغداد، وهو أول من أدخل المركبات الكيمياوية في العلاجات الطبية، وأول من صنّف مقالات خاصَّة في أمراض الأطفال، وأول من استعمل أمعاء الحيوان كخيوط في العمليات الجراحية.
وهو أول من دوَّن الملاحظات على مرضاه مبينا فيها مراتب تَطَوُّر المرض، وأثر العلاج فيه، وأول من وصف مرض الجدري والحصبة، وشخّص العدوى الوراثية، واستخدم الحيوان في تجارِب الأدوية، ومن مؤلَّفاته غير الكتاب المذكور: رسالة في الجدري والحصبة، والكتاب المنصوري، وكتاب الأسرار، والكتاب الجامع.
أطاح بنظريات جالينوس التي ادَّعى فيها أن في الحاجز الذي بين الجانب الأيمن والجانب الأيسر من القلب ثقوبًا غير منظورة يتسرب فيها الدم من جانب إلى آخر، وما وظيفة الرئتين إلاَّ أن ترفرفا فوق القلب فتبرِّد حرارته وحرارة الدم، ويتسرب شيء من الهواء فيها بوساطة المنافذ التي بينهما وبين القلب فيغذِّي ذلك القلب والدم. فانتقد الرازي هذه الآراء، حتى أنه ألَّف كتابًا خاصًّا للردِّ على جالينوس أعظم أطباء اليونان، وسمَّاه (الشكوك على جالينوس) ذكر فيه الأخطاء التي وقع فيها جالينوس، وصوّب هذه الأخطاء، وبيّن كيفية الوصول إلى هذه النتائج.
اهتمَّ الرازي أيضًا بالعلوم التي لها علاقة بالطب كعلم الكيمياء والأعشاب، وقد أنفق سنوات من عمره في تَعَلّم كل ما يقع تحت يديه من أمور الطب كما انتقد آراء العلماء السابقين نتيجة تجارِبه المتكررة التي أدت الى نتائج جديدة.
أرسى الرازي دعائم الطب التجريبي على الحيوانات، وكان أول مبتكر لخيوط الجراحة، وقد استخرجها من أمعاء القطة وظلَّت تُسْتَعْمَل ءعدة قرون، وهي المعروفة بخيوط أمعاء القط، وهو أول من فرّق بين النزيف الوريدي والنزيف الشرياني، وقد توصل الى ان استخدام الضغط بالأصابع يوقف النزف الوريدي، واستخدم الربط لإيقاف النزيف الشرياني، وكان أول من وصف عملية استخراج الماء من العيون، وهو أول من استخدم الأفيون في علاج حالات السعال الجاف فضلا عن انه أول من صنع مراهم الزئبق.
اهتمَّ الرازي بالتأليف، فكان مُكثرًا من تدوين المعلومات وكتابة الكتب الطبية، وقد أحصى له ابن النديم في كتابه (الفهرست) اكثر من 100 كتاب و25 رسالة، وكان مؤلفه(الحاوي في علم التداوي) موسوعة طبية شاملة للمعلومات الطبية المعروفة في عصره، جمع فيه كل الخبرات التي عرفها، وكل الحالات المستعصية التي عالجها.
وله كتاب (المنصوري) الذي تناول فيه موضوعات طبية متعددة في الأمراض الباطنية والجراحة والعيون يقع في عشرة أجزاء، ترجمه العلماء الأوربيون مرَّات عدَّة إلى لغات مختلفة، منها اللاتينية والإنجليزية والألمانية والعبرية.
توفي الرازي عن عمر بلغ الستين عامًا، في شعبان عام 311هـ

نشرت في الولاية العدد 79