akdak

المقالات

قسم الرجال والحديث

ابن البيطار

280

حمود الصراف

 

يحفل تاريخ المسلمين بالمآثر نظرا لما قدموه من نتاجات عظيمة في العلوم المختلفة.
ومن العلماء البارزين في هذا المجال «ابن البيطار» الذي كانت له بصمات واضحة في مجال الطب وبخاصة في علم الصيدلة والعقاقير، ليس في زمانه فحسب بل إنّ إفاداته استمرت ليستنبط منها أطبّاء عصر النهضة ما يحتاجونه من خبرات في مجال عملهم الإنساني.

ولد ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي في حدود سنة 1197م. ولقب بالمالقي لأنه ولد في قرية «بن المدينة» التي تقع في مدينة مالقة بالأندلس، اشتهر بابن البيطار لأن والده كان طبيباً بيطرياً ماهراً.
بدأت حياته العلمية في الأندلس، ثم انتقل في أول شبابه إلى المغرب، فجاب مراكش والجزائر وتونس باحثاً ودارساً ومحاوراً للباحثين بعلم النبات والعاملين به، وانتقل إلى آسيا الصغرى ماراً بأنطاكية ومنها إلى سوريا ومصر فالحجاز وغزة والقدس وبيروت ثم انتقل إلى بلاد الاغريق ووصل إلى أقصى بلاد الروم.
وكان في كل محطاته مثال العالم الباحث عن علوم الأدوية والنباتات.. وصار أوحد زمانه وعلّامة وقته في أنواع النبات ومواضع منابته ونعت أسمائه على اختلافها وتنوعها، حتى استقر في مصر وحظي بمنزلة رفيعة عند سلطانها الأيوبي.. وبعد وفاته انتقل ابن البيطار إلى خدمة ابنه وكانت له حظوة عنده متقدماً في أيامه، فذاع صيته واشتهر شهرة عظيمة.

أساتذته
من أساتذة ابن البيطار أبو العباس بن الرومية وكان طبيبا ونباتيا وصيدلانيا بارعا في إشبيلية وهو صاحب كتاب (الرحلة). وابن الحجاج الأشبيلي، وعبد الله ابن صالح الكتامي. وتلقَّى دروساً تحت إشراف أساتذة يونانيين من باليرمو في صقلية، والبندقية في ايطاليا..
تلامذته
كان لابن البيطار تلاميذ أخذوا عنه الطب وعلم النبات منهم: أحمد بن القاسم بن أبي أصيبعة صاحب كتاب (عيون الأنباء)، وإبراهيم بن محمد السويدي الدمشقي، وداود بن عمر الأنطاكي الطبيب السوري الذي كان ضريرا غير أنه كان ماهرا في صناعة الطب، وكان رئيسا لأطباء مصر.

صفاته
من صفات ابن البيطار أنه كان صاحب أخلاق سامية، ومروءة كاملة، وعلم غزير. وكانت له قوة ذاكرة عجيبة، أعانته على تصنيف الأدوية التي قرأ عنها، واستخلص من النباتات العقاقير المتنوعة فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا طبقها بعد تحقيقات طويلة.
يعد ابن البيطار أعظم عالم نباتي ظهر في القرون الوسطى ومن أكثر العلماء إنتاجاً، درس النباتات وخواصها في بلاد واسعة، وكان لأبحاثه الأثر الكبير في السير بهذا العلم خطوات مهمة.. وكان مصدر معلوماته في أبحاثه مستمداً من علماء يونانيين وهنود وصينيين وعرب.

مدوّناته
دوَّن ابن البيطار آراء علماء يونانيين، كان من بينهم «ديسكوريدس»، ودوَّن كذلك آراء علماء مسلمين كالرازي وابن سينا.
ودوَّن أسماء النباتات التي تحضى بقيمة طبية بعد أن أجرى عليها أبحاثاً في مختبره وراقب استخدام سكان القرية لهذه النباتات.
اسهم ابن البيطار في تطور الحضارة البشرية من خلال علوم النبات والصيدلة والطب اسهاماً عظيماً باكتشافاته العلمية المهمة، ومؤلفاته تدل على تفوقه ونبوغه، مما جعله يرقى إلى مصاف كبار علماء العرب والمسلمين الذين أغنوا المكتبة العربية والعالمية ببحوثهم ودراساتهم القيّمة.. كما يمتاز ابن البيطار بعقلية علمية أصيلة تميل إلى التجربة وتؤمن بالمشاهدة والملاحظة والاستنباط، وكان لملاحظاته القيّمة أكبر الأثر في تقدم علم الصيدلة.
وقد استطاع أن يخرج من دراسته للنبات والأعشاب بمستحضرات ومركبات وعقاقير طبية تعد ذخيرة للصيدلة العالمية.

أهم مؤلفاته
يعد الجامع لمفردات الأدوية والأغذية المعروف بمفردات ابن البيطار من أنفس الكتب النباتية وأشهرها.
أودع فيه كل تجاربه ومشاهداته خلال سنين أبحاثه الطويلة.. ألفه في أُخريات حياته بعد دراسات عملية قائمة على التجربة والمشاهدة كأساس لدراسة النبات والأعشاب والأدوية وهو من أجلّ ما ألّف العرب في موضوع الأدوية المفردة وعلم النبات طوال الحقبة الممتدة من ديسقوريدوس إلى القرن السادس عشر الميلادي.
فقد كان كدائرة معارف ضمت كامل الخبرات الإغريقية والعربية.

وفاته
توفي ابن البيطار في دمشق بسوريا سنة 1248 وهو في التاسعة والأربعين من عمره.. وهو يقوم بأبحاثه وتجاربه على النباتات، وتسرب اليه السم في أثناء اختباره لنبتة حاول صنع دواء منها، كانت نهاية حياته غريبة، إذ كانت أبحاثه سبباً لوفاته.

نشرت في الولاية العدد 81