akdak

المقالات

القسم العقائدي

من فلسفة العقيدة : وحدة معاني الكمال في العلم والدين

335

الاُستاذ محمّد محسن العيد

في الكون بدهيّات يدركها كلّ مهتمّ بالعلم ، وأساس تلک البديهيّات الكونيّة هو الحسن في شكله ومضمونه في الكون كلّه وفي أجزائه .

فالكون كلّه يحمل معاني الحسن ... وفي كلّ خلق من أجزائه تحمل معاني الحسن ، بل وتسعى إلى الحسن ... فالحسن هدف لذاته في هذا الكون .

  وهذه المعاني الحسنة ، ندركها بالبداهة ، ومن خلال سنن تحكّمت في الكون ، فلا تبديل لها ولا تحويل ، فهي غايات في ذاتها. تقف عندها النفوس في سعيها إلى الحسن ، وهذه السنن الكونية الحسنة أو الغايات النفسيّة الحسنة هي  :

1 ـ الطاعة : فالطاعة لازمة لأيّ موجود، ولا موجود بلا طاعة لأمر وجوده أو نظام وجوده .

2 ـ الحقّ : فالحقّ أساس كلّ وجود. فلا يقوم أيّ موجود إلّا بالحقّ ، ولا يدوم مع الباطل .

3 ـ الرحمة : الرحمة سبب كلّ وجود. فلا يقوم أيّ موجود إلّا بالرحمة ، ولا يدوم مع القهر والبغضاء والتنافر.

4 ـ الموت : الموت حتم على كلّ موجود. فلا موجود يفلت من الموت .

5 ـ الإمامة : كلّ موجود له إمام من ذات خلقه ... وكلّ صنف من الموجودات له إمام من ذات صنفها... ولا وجود بلا إمام من ذاته أو من ذات صنفه .

6 ـ البلاء: كلّ موجود إلّا مبتلي أو مبتلى به ... ولا وجود بلا بلاء.

7 ـ التوحيد: كلّ موجود تعبير لوحدة الكون ... فلا موجود خارج عن تلک الوحدة .

8 ـ الدعوة للحسن والأحسن  : كلّ موجود يسعى للأحسن ... في تفاعلات الجوامد... وفي تطوّر الكائنات الحيّة ، وفي سعي العقل في الإنسان ... فلا موادّ بلا تفاعل ولا إحياء بلا تطوّر، ولا عقل إلّا مع الحسن ، بل لا يعرف العقل إلّا بمقدار ما يحسن .

والنفس الإنسانية بما فيها من وجود مادّي ، وبما فيها من حياة ، وبما فيها من روح الله  تعالى ...     

تعني أنّ خلقتها وتكوينها ينطوي على كلّ اُصول خلقة الكون ، بما     

فيه من مادّة ونظم وجودها، وبما فيه من حياة ونظم حياتها، وبما فيه من عقل ونظم لقيامه وتوجّهاته ... ولذا فإنّ سنن الحسن في كلّ الكون وفي مفرداته تسري على النفس ... إلّا أنّ الروح التي تتلبّس كيان النفس الإنسانيّة ـوالروح من أمر الله، وأمر الله محض الحسن ـ جعلت تلک السنن الكونيّة الحسنة سننآ تكوينيّة فيها، فصار فيها إرادات للحسن الربّاني تسعى إليها وبها للمطابقة مع السنن الحسنة في الكون باعتبارها اُصول خلقتها وتكوينها، وهي:

1 ـ إرادة الطاعة والدعاء في النفس مقابل سنّة إطاعة الموجود لأمر وجوده.

2 ـ وإرادة المحبّة والرحمة في النفس مقابل سنّة الرحمة الواسعة في أصل الكون واستمراره .

3 ـ وإرادة العدل وطلب الجزاء في النفس مقابل سنّة الحقّ كأساس للوجود وبقائه .

4 ـ وإرادة السيادة في النفس مقابل سنّة الإمامة باعتبارها معنى الحسن في كلّ خلق .

5 ـ وإرادة الصبر في النفس مقابل سنّة البلاء الكونية باعتبارها سنّة تجلّي الحسن في المخلوقات .

6 ـ وإرادة الثواب للمحسن والعقاب للمسيء في النفس مقابل سنّة الموت باعتبارها حتمٌ على كلّ المخلوقات .

7 ـ وإرادة التوحيد في النفس مقابل سنّة التوحيد الكونية باعتبار وحدة الكون وإنّ كلّ ما فيه مترابط ومشروط ومربوب لوحدانية الخالق .

8 ـ وإرادة الأحسن في النفس مقابل سنّة الدعوة للأحسن الكونية ، باعتبار أنّ كلّ ما في الكون يسعى للأحسن والأفضل دومآ.

بهذه الإرادات تندفع النفس الإنسانية دومآ، وحسب نماء الروح فيها إلى المطابقة بين سننها التكوينية الحسنة وبين السنن الكونية الحسنة... وبمقدار الجزئيّة والكلّية تحصل على العلم في جزئيّته أو تمامه .

فالعلم : هو تطابق أنماط ثابتة للحسن في النفس مع أنماط ثابتة للحسن في الكون . وكلّما تكون تلک المطابقة تامّة يكون العلم في جهته وموضوعه تامّآ... وكذلک يكون العلم في جهته وموضوعآ جزئيآ إذا كانت المطابقة جزئيّة ... ولولا ثبات الأنماط هذا فلا علم على الإطلاق ... فالنفس لا تستقرّ إلّا عند تمام معاني الحسن فتنعقد عليه وينطوي في قلبها علمآ ومعرفة .

فالحسن : أمر الله تعالى في خلقه ، وصفة مشيئته ... ومعانيه هي معاني إرادته سبحانه ، برز في سننن تحكّمت في الكون وفي أجزائه ... والنفس الإنسانية تسرّ بالحسن وتبتهج له وتنجذب إليه ، تسعى إليه ولا تستقرّ إلّا عند معانيه فيها وحيثما يطابق سننها التكوينية وأنّى يكون ؛ فيكون جوهرها وقلبها وعقيدتها.

إنّ كلّ خلق في هذا الكون يحمل معاني الحسن في شكله ومضمونه ، بل ويسعى إليه ، فالحسن هدف لذاته في هذا الكون ، وغاية كلّ خلق وكلّ شيء أحسنه .

ومعاني الحسن هذه تدركها النفس الإنسانية بالبداهة ، إذ أنّ سننه برزت في أنماط واضحة لا تبديل لها ولا تحويل .

1 ـ فالحسن يبرز في الطاعة أساسآ؛ فلا معنى للحسن في أيّ مخلوق إلّا مع تمام طاعته لأمر وجوده أو نظام كونه ... والطاعة لازمة لأيّ وجود... فلا موجود بلا طاعة لأمر وجوده ونظام وجوده .

2 ـ والحسن يستند أساسآ في معناه في أيّ خلق إلى الحقّ ، ويدوم هذا المعنى الحسن في أيّ كائن مع العدل ... لأنّ الحقّ ؛ هو الصدق الثابت المدرک في واقع أيّ وجود... والعدل ، هو تجسيد الحقّ في الواقع ... ولا معنى للحسن في أيّ وجود مع الواقع الباطل أو الظلم .

3 ـ والحسن في كلّ معانيه يلتصق بمعاني الرحمة في الكون ، فلا حسن مع القسوة ، والبغض والتنافر، بل لا معنى للوجود أصلا بلا رحمة .

4 ـ والحسن في معانيه يتجدّد بالموت ، ولولا سنّة الموت فلا معنى للحسن ولا أمل بالأحسن .

5 ـ ويتكامل معنى الحسن في أيّ خلق في معنى الإمامة ، ولا معنى لحسن أيّ خلق بلا إمامة ، سواء في ذاته أو في صنف خلقه .

6 ـ ومعاني الحسن تتجلّى في البلاء... ولولا البلاء فلا حسن يميّز ولا أحسن يبرز.

7 ـ والحسن يأخذ تمام معناه في التوحيد، فالحسن مجزوء في الأجزاء.

8 ـ ومعاني الحسن تحفظ وتتوضّح في الدعوة إليه من قبل المحسن سبحانه ... فهو سبحانه الذي شاء الحسن وهو الذي يتكفّل ببيانه ... ولا تحفظ النفس حسنها إلّا من خلال التزامها معاني الدعوة إلى الأحسن التي برزت في الكون بإرسال رسل المحسن وإنزال كتبه وقيام معاجزه .

بهذه السنن التكوينية الحسنة ، تسعى النفس الإنسانية للتطابق مع السنن الكونية لبلوغ تمام معاني الحسن في خلقها... ولذا فمن أجل وحدة معنى الحسن فلا بدّ من تداخل إرادات الروح كلّها في السعي للحسن في أيّة جهة وأيّة موضوع من جهات ومواضيع الكون إزاء النفس ، حيث أنّ الإنسان إنّما صار خليفة بهذه الروح ... وإنّ تمام معنى الحسن في خلق الإنسان إنّما تبلغه نفسه مثلا بتمام طاعته لله تعالى متداخلة مع المعاني الاُخرى في الحقّ والعدل والرحمة والصبر والإمامة والبلاء والتوحيد والدعوة إلى الأحسن .

وإنّ أية سنة حسنة في تكوين النفس وإن بدت مستقلّة إلّا أنّ تمام معناها الحسن لا تدركه النفس إلّا من خلال استيفاء معاني السنن الاُخرى في تكوينها.

بعبارة اُخرى ؛ إنّ تمام التطابق بين السنن التكوينية للنفس مع السنن الكونية في سعي النفس لبلوغ الحسن والاستقرار فيه ، لا يكتمل إلّا من خلال حصول النفس على المعاني الحسنة لباقي السنن الكونية الاُخرى في كلّ مرّة يحصل فيها التطابق .

ويمكن إبراز هذا القصد من خلال البيان التالي  :

 1 ـ الطاعة  :

وهي استجابة الموجود لنظام وجوده ، أو لأمر الله تعالى بوجوده وفق معاني الحسن الربّاني ... فكلّ ما يصدر من المحسن المطلق هو محض حسن ، وأوامر الله تعالى في خلق كلّ ما في الكون ، هي سنن حسنة نفذت ومضت وتحكّمت في كلّ الكون وكلّ ما فيه ، فلا تبديل لها ولا تحويل .

وكلّ موجود في الكون إنّما يأخذ تمام حسنه بتمام طاعته ... ويتحقّق هذا الحسن ظاهرآ للحواسّ والبصيرة في جمال الكون وحسنه شكلا ومضمونآ، وفي جمال الكائنات الحيّة وحسنها شكلا ومضمونآ... فقد أخذت الكائنات تمام حسنها بتمام طاعتها... أمّا الإنسان الذي تميّز بروح من الله في خلقه ، فجعل طاعته خيارآ لأمر روحه ، باعتباره خليفته في أرضه ، فلا يبدو في تمام حسنه إلّا بكمال طاعته لغايات روحه وإرادتها الحسنة كاملة .

فطاعة الإنسان لربّه ، تتضمّن الرحمة بالنفس وبالناس وبباقي المخلوقات ، فلا طاعة لظالم مبغض قاس ... وتتضمّن الطاعة معنى الحقّ والعدل ، فلا طاعة للنفس مع الباطل والجور... وتصحّ الطاعة مع معاني الإمامة ، فلا طاعة للنفس بلا إمام من الله تحتذيه النفس اُسوة حسنة ... وتتطلّب الطاعة إيمان النفس بالآخرة فلا طاعة مع عدم الإيمان بما بعد الموت ... وتتطلّب الطاعة الصبر على البلاء، فلا طاعة للنفس بلا صبر على ما أمر الله أو بلا صبر عمّا نهى الله تعالى ... وتتطلّب الطاعة التوحيد من النفس ، فلا طاعة مع الشرک ، وتتطلّب الطاعة من النفس التزامها بالدعوة إلى الأحسن من خلال التزامها بكتاب الله المنزل وسنّة المعصومين من أنبياء وأئمة  :... فلا طاعة بما وراء ذلک .

وبهذا فإن استيفاء تمام معنى الطاعة في النفس لربّها يتمّ من خلال نفاذ إرادات الحسن وغايات الروح في خلق الإنسان متداخلة ... ويبدو الإنسان في نفسه بكمال الحسن عند كمال طاعته لله تعالى بهذه المعاني كلّها متداخلة في معنى طاعته ، وهذا هو دين النفس لله.

 2 ـ الرحمة  :

هي المحبّة والحنوّ والاُلفة والرغبة والميل والعشق والاشتياق والودّ من النفس الإنسانية بشرط أن تكون هذه المعاني باتّجاه بلوغ تلک النفس معاني الحسن الربّاني في الطاعة لله تعالى بتمام معناها... وفي معاني الحقّ والعدل ، إذ لا رحمة مع الباطل والظلم ، وأن تكون الرحمة في النفس بمعاني الإمامة ، باعتبارها معنى الحسن في خلق الإنسان ، فلا رحمة من غير مثل من إمام حقّ فهو «رحمة للعالمين »... وأن تكون الرحمة من النفس مع الصبر، فلإتمام معنى الرحمة في النفس بلا تمام لمعنى الصبر فيها؛ فلا محبّة ولا حنوّ ولا اُلفة ... في النفس بلا ثبات من النفس على تلک المعاني . والرحمة في النفس تتضمّن معنى التوحيد فلا رحمة مع الشرک و(إنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ... ولا رحمة في النفس إلّا مع القوامة عليها من الكتاب والمعصومين  :، أو من خلالهما يرتبط حبّ النفس وحنوّها واُلفتها واشتياقها وعشقها بحبّ الله ورسوله وأوليائه ...

هكذا تتداخل غايات الروح وإرادات الحسن الربّاني في نفس الإنسان مع معاني الرحمة كسنّة كونيّة . وفي هذا دين النفس لله تعالى .

 3 ـ الحقّ والعدل  :

الحقّ : هو الصدق الثابت الذي يدرک من واقع الوجود والموجودات وفيها... والعدل هو تجسيد الحقّ في الواقع ، لذا فالحقّ معرفة والعدل فعل . وكلاهما لا تبلغه النفس في حسن معناه إلّا مع الطاعة لله في حسن معانيها، فلا حقّ ولا عدل خارج معنى الطاعة لله، وذلک لأنّ الحقّ والعدل إن اُعلنا أو جُسّدآ إذا لم يقصد بهما وجه الله الحقّ فلا بدّ يراد بهما باطل ... وقد أشار الإمام علي  7 إلى ذلک في قولته المشهور: «كلمة حقٍّ يراد بها باطل »، وكذلک نرى الظلمة يقيمون العدل في زاوية صغيرة تحت الأضواء ليدوم ظلمهم في كلّ المساحات الاُخرى .

وكذا لا يبلغ الحقّ ولا العدل تمام معاينهما في النفس إلّا مع معنى الرحمة الحسن ، فلا حقّ مع البغضاء والتنافر ولا عدل يجسّد مع الكره والبغض في النفس ، وذلک لأنّ الحقّ غاية النفس في الاستقرار، والعدل يشيع في النفس المسرّة والابتهاج .

وكذا لا تدرک النفس الحقّ إلّا مع الصبر، ولا تستطيع تجسيده إلّا من خلال الصبر... فلقد جاء في قصّة موسى  7 مع الخضر  7 :(فَوَجَدَا عَبْدآ مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمآ * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أتَّبِعُکَ عَلَى أنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدآ * قَالَ إنَّکَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرآ * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرآ) .

وفي القصّة صورة لمعاني الرحمة والصبر في معانيهما الحسنة ... فقد خرق الخضر بما عنده من رحمة وعلم ربّانيين سفينة المساكين ، وقتل الغلام ، وأقام جدارآ للئام ... وهو عمل في ظاهره غير معلول للرحمة ولا للعدل ، وكان على موسى الذي يريد بالعلم معرفة الحقّ أن يصبر، فقد ابتلي بالرباني الذي طلب أو اشترط عليه الصبر، حتّى بلوغ تمام معاني الحسن الربّاني في الحقّ المجسّد عدلا، فهذا الربّاني عندما تبعه موسى إنّما اتّخذه إمامآ له ، وكان فعله طاعة ورحمة وحقّآ وعدلا (... رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أمْرِي ...) ، فلا حقّ يدرک ولا عدل يجسّد بلا إمام ربّاني (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا اُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ... ولا حقّ يدرک ولا عدل يجسّد بلا إيمان بالآخرة ، حيث الوعد الحقّ لثواب المحقّ المقسط ، وعقاب الظالم المبطل ، ولا تمام لمعاني الحقّ والعدل إلّا مع التوحيد الخالص للحقّ المحيط بكلّ خلق والواحد الحكم العدل سبحانه . ولا معنى للحسن في الحقّ والعدل بلا قوامة للكتاب المنزل والمعصوم المكلّف  7 على النفس . هكذا تتداخل إرادات الحسن الربّاني في نفس الإنسان في تكامل معنى الحقّ ، كبديهيّة كونيّة يتكمال معنى العدل كسنّة تكوينيّة في النفس ... وهو الدين في تمام معناه .

 4 ـ الإمامة  :

هي معنى الحسن في كلّ خلق ... ممثّلا العقل في كلّ نفس إنسانيّة هو إمامها يوجّه حواسّها وجوارحها بالاتجاهات الحسنة والفاضلة ... ولذا فلا معنى حسن لخلق الإنسان بلا عقل ، وكذا الإمام في الناس ، هو أرجح العقول وأحسنها بمعايير الحسن الربّاني ... ولذا فلا معنى حسن لخلق الناس إذا كانوا بلا إمام ، أو كانوا كلّهم مجانين .

ولا تبلغ الإمامة تمام معناها الحسن في النفس إلّا مع تمام الطاعة لله تعالى ... فالأئمة (لا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) .

وكذا لا تبلغ الإمامة تمام معناها الحسن في النفس إلّا مع تمام معاني الرحمة (وَمَا أرْسَلْنَاکَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) .

وكذا لا تبلغ الإمامة تمام معناها الحسن في النفس إلّا مع تمام معاني الحقّ والعدل (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ... فلا إمامة مع الظلم والباطل .

وكذا لا تبلغ الإمامة تمام معناها الحسن في النفس إلّا مع تمام الصبر (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) .

وكذا لا تبلغ الإمامة تمام معناها الحسن في النفس إلّا مع تمام معنى التوحيد لله تعالى : (وَإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأتَمَّهُنَّ قَالَ إنِّي جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إمَامآ...) . فلا إمامة مع الشرک ، بل لا بدّ من إخلاص الأداء لله تعالى .

وكذا لا تبلغ الإمامة تمام معناها الحسن في النفس إلّا مع تمام معنى الإيمان بالحياة الاُخرى ، فلا إمامة مع عدم الإيمان بالآخرة (وَإنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَـنَاكِبُونَ ) .

وكذا لا تبلغ الإمامة تمام معناها الحسن في النفس إلّا مع تمام معنى الدعوة للأحسن فيما يقوّم به الكتاب والمعصومون معاني الحسن في النفس (رَبَّـنَا آمَنَّا بِمَا أنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) .

وهكذا فإنّ التمام في معنى الإمامة يبرز من تداخل غايات الروح وإراداتها للحسن الربّاني كسنّة تكوينية في النفس إزاء كون الإمامة سنّة كونيّة ، وهو المعنى لتمام الدين ، وقد قال الله تعالى عن معنى إكمال الدين في معنى إعلان النبيّ  9 لولاية عليّ  7 في الناس من بعده في منصب الإمامة : (اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) .

5 ـ البلاء والصبر :

البلاء؛ هو كلّ ما يعارض في النفس غايات الروح وإرادات الحسن في النفس ... والصبر هو ثبات النفس على إرادة الحسن لأجل اجتياز كلّ العقبات وتحقيق تلک الإرادة في الحسن .

والإنسان ، بما هو خليفة في الأرض ، أو بما هو أحسن المخلوقات في الكون ، فإنّه وبما فيه من روح الله تعالى وهي محض حسن ، يريد أن يحتفظ بميزة الحسن هذه في نفسه ، لذا وبإزاء هذه الإرادة فهو في بلاء دائم من نفسه بما فيها من غرائز وطاقات حيوانيّة فهي عقبات تقابل إرادة الحسن فيه ... وكذلک فهو في بلاء دائم من واقعه وقتآ وجهدآ ومالا وسلطانآ وجاهآ... فالوقت هو عمره الأجل الذي يحدّده ، والمطيّة التي تحمله إلى اللقاء الحتمي بربّه المحسن الذي يطالبه بالإحسان فهو بلاء... والجهد الذي يحدّده ، فهو كادح إلى ربّه كدحآ فملاقيه فلا بدّ له من الإحسان فهو في بلاء... والمال الذي يتعامل به ، فما لم يصرف في حسن فإنّه يصرف في سوء وهو بلاء... وإن كان له سلطان ولو على نفسه أو عائلته فإن لم يحسن السلطنة فإنّه سلطان سوء وهو بلاء... وإن كان له جاه ، فإنّه في مقابل بلاء بقدر جاهه ، فلا بدّ لإرادة الحسن فيه أن تنفذ من خلال هذا الجاه .

والإنسان إزاء هذه البلاءات من نفسه ومن واقعه يحتاج إلى الصبر لاجتيازها بإرادته إلى الأحسن ، فلا بدّ له من ثبات دائم على غايات الروح فيه للحفاظ على ميزة الحسن والخلافة ، وإلّا فهو خاسر.

(وَالعَصْرِ * إنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) .

ولا يأخذ الصبر تمام معناه في الحسن إلّا مع تمام الطاعة في النفس لله تعالى بما في الطاعة من لزوم الأوامر والثبات عليها والامتناع عمّا نهى الله عنه والثبات عليه .

وكذا لا يأخذ الصبر تمام معناه الحسن في النفس إلّا مع معاني الرحمة (وَإذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) ... (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِکَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ) ... 

(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ ) ...

وكذا لا يأخذ الصبر تمام معناه الحسن في النفس إلّا مع معاني الحقّ ؛ (وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) .

وكذا لا يأخذ الصبر تمام معناه الحسن في النفس إلّا مع معاني الإمامة ؛ (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) .

وكذا لا يأخذ الصبر تمام معناه الحسن في النفس إلّا مع المعنى الحسن لإيمانها بالآخرة (وَالَّذِينَ صَبَرُوا آبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ...) ؛ فلا 

معنى للصبر بلا إيمان وكذا لا معنى للإيمان بلا صبر... فمن لا صبر له لا إيمان له وبمعايير الحسن الربّاني فإنّ حسن الصبر بحسن الإيمان . والعكس صحيح .

وكذا لا يتمّ المعنى الحسن للصبر في النفس إلّا بتمام معاني التوحيد والوحدانيّة فيها، فإنّ الله مع الصابرين . ولا يكون الصبر جميلا إلّا مع المعاني الحسنة في التوحيد.

وكذا فإنّ تمام معنى الحسن في الصبر في النفس يتمّ مع تمام معاني الدعوة للأحسن فيها... (وَآصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) .

هكذا تتداخل غايات الروح وإراداتها للحسن الربّاني في النفس بتكامل معنى البلاء كسنّة كونية مع تكامل معاني الصبر كسنّة تكوينيّة .

 6 ـ الإيمان  :

هو إذعان النفس بوقائع الغيب من مصدر تطمئن بتكوينها إلى صدقه .

لذا فإنّ الإيمان بمعناه الحسن في النفس لا يتمّ إلّا مع معاني الطاعة لله تعالى ... إذ الله تعالى مصدر الصدق في الإخبار عن الغيب (وَمَنْ أصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلا) .

وكذا فإنّ تمام الإيمان بمعناه الحسن في النفس لا يتمّ إلّا مع معاني الرحمة ... فالرحمة كتاب الله تعالى على نفسه ، بمعنى سرمديّة الرحمة وعدم انقطاعها بالموت ، فيأخذ الإيمان بالغيب معناه الحسن في النفس ، فلا إيمان بلا معنى الرحمة هذا.

وكذا فإنّ تمام الإيمان بمعناه الحسن في النفس لا يتمّ إلّا مع معاني الحقّ والعدل بما هما سنّة الكون فلا انقطاع لهما بالموت ، وإنّهما سرمديّان في ما أعدّه الله تعالى من عدل في العقاب وحقّ في الثواب ، فيأخذ الإيمان تمام معناه الحسن في النفس ، ولا إيمان مطلقآ مع الظلم والباطل .

وكذا لا يأخذ الإيمان معناه الحسن في النفس إلّا مع معاني الإمامة الصادقة ؛ إذ هي الشاهد والمعلّم والمخبّر بالغيب الذي يعزّز معاني الإيمان بالنفس .

(إنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْـتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إمَامٍ مُبِينٍ ) ؛ إذ الإمامة هي معنى الحسن في كلّ خلق . ولذا قال الحقّ سبحانه (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ اُنَاسٍ بِإمَامِهِمْ ) ، وإذا أخطأت الإمامة معناه الحسن هذا، فإنّ الإيمان يفقد معناه كذلک في النفس التي لم تصب الحسن في إمامتها، لذا فإنّ فرعون يقدم قومه إلى النار، قال تعالى في مثل هذا (وَجَعَلْنَاهُمْ أئِمَّةً يَدْعُونَ إلَى النَّارِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ لا يُـنصَرُونَ) .

وفي مثل هذا قال تعالى : (... فَاتَّبَعُوا أمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَـقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ) .

وكذا فإنّ الإيمان في معناه الحسن لا يتمّ في النفس إلّا بتمام معنى الصبر فيها، فلا إيمان لمن لا صبر له ، وإنّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.

وكذا لا يتمّ المعنى الحسن للإيمان في النفس إلّا مع معاني التوحيد والوحدانية الخالصة لله تعالى ، فلا إيمان مع الشرک لتعارضهما بالعلّة ، فالإيمان مصدره الحقّ الواحد، والشرک لا يتمّ في معناه إلّا بالتعدّد... يقول الحقّ سبحانه : (وَكَأيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بِاللهِ إلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) .

وما ضعف الإيمان في النفوس إلّا بسبب هذا الشرک الخفي على تلک النفوس .

وكذا فإنّ الإيمان في معناه الحسن في النفس لا يتمّ إلّا مع معاني الدعوة إلى الحسن والأحسن في كتاب الله وسنّة المعصوم  7 نبيّ أو إمام . حيث بهما يقوّم الإيمان بالإخبار بالحقّ وبالغيب وبهما معآ تحصل النفس على معاني السداد.

وهكذا تتداخل غايات الروح وإرادات الحسن الربّاني في النفس في تكامل معنى الإيمان كسنّة تكوينيّة في النفس مع معنى الموت كسنّة كونيّة .

 7 ـ التوحيد :

هو كلّ معاني الوحدانيّة التي تبرز من توجّه النفس الإنسانيّة بوحدة الإرادة للحسن في الروح إزاء بديهية كون كلّ ما في الخلق مترابط بوحدة الثوابت والشروط أيضآ... فأحكام العقل بين الوحدة في الأصلين 

تتّجه للتوحيد ضمن نمط التعميم المعروف في المعرفة والتعلّم . (سعي العقل لانتزاع العموميّات من الجزئيّات ).

ولذا فلا يبلغ التوحيد تمام معناه الحسن إلّا مع تمام الطاعة لله في معناها الحسن في النفس بما تعنيه الطاعة من فروض الوحدانيّة لله تعالى بلا شريک ، ونجد هذا المعنى الحسن بارزآ في قول سيّد الموحّدين إبراهيم  7: (إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفآ وَمَا أنَا مِنَ المُشْرِكِينَ).

وكذا فإنّ التوحيد لا يبلغ معناه الحسن في النفس إلّا مع معاني الرحمة الحسنة بما فهيا من محبّة وشوق وعشق لله تعالى محض الحسن والجمال ومصدرهما حيث تتعلّق النفوس وتسرّ وتبتهج ، ويبدو ذلک في قول إبراهيم  7 سيّد الموحّدين : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) .

وكذا فإنّ التوحيد لا يبلغ معناه الحسن في النفس إلّا مع معاني الحقّ والعدل .

فالتوحيد من معاني الحقّ في الكون ، أو أنّ الوحدانية من معاني الحقّ التي يعرف بها؛ فالحقّ واحد لا يتعدّد ولا يتبدّد (فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إلاَّ الضَّلالُ ) .

وكذا فالتوحيد لا يبلغ معناه الحسن في النفس إلّا مع معنى الإمامة كونها الاُسوة الحسنة المجسّدة لمعاني الوحدانية في الواقع : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَـعْـبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَـفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَـيْـنَـنَا وَبَـيْـنَـكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أبَدآ حَتَّى تُـؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ ...) .

وكذا فالتوحيد لا يبلغ معناه الحسن في النفس إلّا مع تمام معنى الإيمان بالآخرة بل الإيمان في معناه وجه لمعنى التوحيد، فلا إيمان في النفس بلا توحيد، ولا توحيد لله تعالى خالص بلا إيمان خالص به . وإنّ معنى أحدهما ينتفي من النفس بانتفاء الثاني .

وكذا فالتوحيد لا يبلغ معناه الحسن في النفس إلّا مع تمام معنى الصبر؛ فمع الصبر وبالصير تبلغ النفس معنى التوحيد من خلال إرادتها في تعميم القوانين في سنن والسنن في وحدة الحسن ، ومحض الحسن هي الوحدانية للمحسن ، مصدر كلّ حسن وجمال في الكون .

وكذا فالتوحيد لا يبلغ معناه الحسن في النفس إلّا مع تمام معنى الدعوة للأحسن ، فيما يقوّمه الكتاب المنزل بالوحي وما يجسّده المعصوم من معاني ذلک الوحي .

وهكذا تتداخل غايات الروح وإرادات الحسن في النفس في تكامل معنى التوحيد كسنّة تكوينية في النفس مع مربوبيّة كلّ ما في الكون لوحدانيّة الله تعالى كسنّة كونيّة .

 8 ـ الدعوة للأحسن  :

هي سنّة المحسن سبحانه التي برزت في إرسال الرسل  : وإنزال الكتب وإقامة المعجزات منذ بدء خلق الإنسان وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وبروزها اليوم يتمثّل بالقرآن كتابآ ومعجزة خالدة تتحدّى العقول ... وبوجود الإمام المعصوم ، صاحب الزمان  7، وكلّ من الكتاب والمعجزة والمعصوم إنّما هم دعوة الله تعالى للإنسان للأحسن مقابل سعي الإنسان للحسن وانجذابه إليه سنّة تكوينية في خلقه ، وكون الحسن هدف لذاته في كلّ الكون .

ولا يبلغ معنى الدعوة للأحسن غايته في النفس إلّا من خلال معاني الطاعة لله تعالى بما فيها من التمسّک بكتبه ورسله .

ولا يبلغ كذلک معنى الدعوة للأحسن غايته في النفس إلّا مع معاني الرحمة فالرسل  : والكتب هي رحمة الله تعالى إلى العالمين ، بما في الرحمة من معاني المحبّة للرسل والأئمة  : وللكتب المقدّسة .

وكذا لا تبلغ الدعوة للأحسن معناها الحسن إلّا مع معاني العدل والحقّ ، فلا شيء أحسن مع الباطل والظلم .

وكذا لا تبلغ الدعوة للأحسن معناها الحسن في النفس إلّا مع معاني الإمامة الحسنة ؛ حيث الدعوة للأحسن هي بذاتها مهماّت الإمامة الحسنة ، وهي معنى الحسن في كلّ خلق .

وكذا لا تبلغ الدعوة للأحسن معناه الحسن في النفس إلّا مع معاني الصبر على البلاء. بل الصبر والعزيمة عليه هي سمات الرسل  :، ولا معنى لعصمتهم  : إلّا مع الصبر (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ اُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ...).

وكذا لا تبلغ الدعوة للأحسن معناه الحسن في النفس إلّا مع معاني الإيمان بالغيب ذلک لأنّ من معاني الإيمان هو إذعان النفس لسرمديّة السنن الحسنة في الكون ومع عدم الإذعان هذا فلا معنى حسن في النفس ، فكيف يكون معنى للدعوة للأحسن .

وكذا لا تبلغ الدعوة للأحسن معناها الحسن في النفس إلّا مع معاني التوحيد؛ حيث الوحدانية هي مصدر كلّ حسن ، والشرک مصدر كلّ قبح ، بل (إنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .

وهكذا تتداخل غايات الروح وإرادات الحسن الربّاني في النفس الإنسانية لعصمتها من الوقوع في القبح ولدعوتها للأحسن في القول والعمل من خلال رسله وكتبه ومعجزاته القائمة في كلّ زمان ومكان مقابل سعي الإنسان للحسن وانجذابه إليه كسنّة تكوينية بارزة في خلقه .

وإلى هذا يشير قول المصطفى  9: «خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي آل بيتي ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ».

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .