المقالات
قسم الفكر الاسلامي
في رحاب الإستعاذة والبسملة
إنّ الاستعاذة بالله عزّوجلّ من الشرور النفسانيّة والشيطانيّة بمعنى سدّ وغلق أبواب المعاصي والآثام وعدم اتباع خطوات الشيطان الرجيم، فالاستعاذة في بدء الأعمال والأقوال تعني سدّ أبواب الشرور ووساوس إبليس وجنوده من الجنّ والانس، ثمّ ردفها بالبسملة تعني فتح أبواب الخير والطاعات، فانّه كلّ عمل لم يبدء بالبسملة فهو أبتر، أي مقطوع الخير والبركة، وحينئذٍفإن كلّ معصية يغلق بابها بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، كما آنّه تفتح أبواب الطاعة والعبادة بالبسملة وباسم الرحمن الرحيم.
ثمّ لو عرف الانسان أمرين لوقف على حقيقة إنسانيته، وخرج عن كونه جماداً ونباتاً وحيواناً، وبلغ القمّة والشموخ في الانسانيّة، في استخلاف ربّه في أسمائه الحسنى وصفاته العليا وآياته الكبرى.
والأمران عبارة عن: 1- معرفة النفس 2-ومعرفة الربّ، فانه من عرف نفسه فقد عرف ربّه، كما ان من عرف ربّه عرف نفسه. فيعرف الانسان من هو؟ ومن أين أتى؟ وإلى أين يذهب؟ وماذا يراد منه؟ وما فلسفة حياته وسرّ خليقته؟!
و رحم الله من عرف من أين؟ و إلي أين؟ و في أين؟
وإذا أراد أن يعرف كلّ هذا، فعليه بكتاب الله القرآن الكريم، فانّ فيه تبيان وبيان كلّ شيء، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وانّه هدى للناس، وبشرى للمؤمنين أنه يهدي للتي هي أقوم، انّه القرآن الكريم في كتاب مكنون وإنّ الكريم لا يردّ السائل، فلا يردّ من يسأله عن حقائق الاُمور، وعن معرفة النفس، ومعرفة ربّ العالمين، الا ان هذا القرآن في كتاب مكنون لا يمسّه إلاّ المطهّرون.
فالنفي والاثبات (لا يمسّه) (الاّ المطهّرون) ممّا يقسم ظهر الكُمّلين من البشر، ويحيّر اُولى الفكر، ويُدهش ذوي النظر، ومن المعلوم أن ظواهر القرآن وألفاظه غير حقيقته وواقعهُ، فانّه كبدن الانسان وروحه، فان الانسان انسان بروحه العرشيّة السماويّة الملکوتية الغيبية، لا ببدنه الأرضي الترابي الفاني الذي يأكله الديدان، والاّ فانّ الجسم الذي يشبه بدن الانسان انسان في الظاهر، الا انه غير انسان في واقع الأمر.
فما بين الدفّتين من القرآن الكريم إنّما هو شكل القرآن وظاهره، وانّه مقدّس، ولا يجوز مسّه ولمسه من دون الطهارة، الا انّه ليس نفس القرآن وحقيقته، فالألفاظ القرآنيّة لا يمسّه الانسان بجسده إلاّ إذا كان متطهّراً ومتوضأً، وكذلک بواطن القرآن وتأويله لا يمسّه إلاّ الراسخون في العلم، ومن كان متطهّر الروح والعقل فانّه يقف على حقائقه ولطائفه واشاراته من كان طاهراً في معتقداته وسلوكه وأخلاقه.
فإذا أردت أن تتلو القرآن، فانّه يستحبّ لک الوضوء، ويجب لو أراد أن يمسّه، وكذلک في باطنه لابدّ من طهارة الروح والعقل والنفس، والطهارة الروحية انما هي بمجاهدة النفس الامارة بسوء الواصلة الي النفس المطمئننة بذکر الله سبحانه. من خلال العبودية باتيان الواجبات والمستحبات و ترک المحرمات والمکروهات و الشبهات.
واعلم انّ في القرآن الكريم قد ذكر كلمة (لو) في موضعين ليشار إلى أمر بالغ الأهميّة وذلک في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرآناً سُيِّرَتْ بِهِ آلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ آلاَْرْضُ أَوْكُلِّمَ بِهِ آلْمَوْتَى بِل للهِِ آلاَْمْرُ جَمِيعاً} وفي قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هذَا آلْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ آللهَ}.
يا ترى ما في هذا القرآن الكريم من أسرار وقدرة خارقة حيث يقطع بها الأرض قطعة قطعة، ويسيّر به الجبال، ويحيى بها الموتى، وتخشع لها الجبال؟!
ومع وجود هذه القدرة القرآنية نراه يتحدى الكلّ، ويصرخ في الجنّ والانس أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو بسورة واحدة، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وما ذلک إلاّ لإتمام حجّته وقوّة برهانه، ولكماله وصدقه، وعلى كلّ واحد من المسلمين أن يسلک صراط الله المستقيم، وينهج منهجه القويم، ويكشف مفاتيح القرآن الكريم، وليعلم انه لا يتمّ ذلک إلاّ بطهارة الروح وسلامتها من شوائب الذنوب وأوساخ الرذائل.
لقد ثبت في علم اصول الفقه ان المقتضي المشروط من دون شرطه محال، فان الصلاة وإن كانت مقتضية لمعراجية المؤمن (الصلاة معراج المؤمن) إلاّ انّه من دون الطهارة والوضوء لا معنى لذلک، فانّه (لا صلاة إلاّ بطهور).
وحينئذ ما هو شرط معرفة القرآن الكريم لنصرف له النفس والربّ وما في الكون من أسرار وحقائق ولنفتح أبوابه، ونمرح في رياضه وجنانه، ونحلّق في أجوائه، ونعيش في رحابه بحياة طيّبة وسعيدة؟!
لقد اخبرنا الله بذلک في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ آلْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهَ مِنَ الشَّيْطَانِ آلرَّجِيمِ} وقال سبحانه: {آقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ آلَّذِي خَلَقَ} فلابدّ من الاستعاذة والبسملة أوّلاً، وان الاولى ترمز الى غلق أبواب المعاصي والذنوب بالاجتناب عنها، والثانية: تشير إلى اتيان الواجبات والفرائض، والعمل بالأركان وفتح أبواب الطاعات والقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وتقف حينئذٍ على ما تبغي في حياتک الطيّبة والعيش السعيد. . . وأمّا عظمة القرآن الكريم وما ورد فيه بمقدار ما يطيقه البشر ويتقبّله الانسان، فاليک نماذج من الأحاديث الشريفة:
قال أميرالمؤمنين علي× في صفة القرآن الكريم: «جعله الله ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجّ لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظلمة».
(ان الله سبحانه لم يعط أحدً بمثل هذا القرآن، فانّه حبل الله المتين، وسببه الأمين، وفيه ربيع القلوب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره. . . ). (القرآن أفضل الهدايتين).
ولمّا سمع ضجّة أصحابه في المسجد وهم يقرءون القرآن قال×: (طوبى لهؤلاء كانوا أحبّ الناس إلى رسول الله).
(أهل القرآن أهل الله وخاصّته) (لقاح الايمان تلاوة القرآن) (من أنس بتلاوة القرآن لم توحشه مفارقة الاخوان).
قال رسول الله‘: (إذا أحبّ أحدكم أن يحدّث ربّه فليقرء القرآن) (ألا من اشتاق إلى الله فليسمع إلى كلام الله) (عليک بتلاوة القرآن فان قراءته كفّارة للذنوب، وستراً من النار، وأمان من العذاب) (يدفع عن قارئ القرآن بلاء الدنيا، ويدفع عن مستمع القرآن بلاء الآخرة).
هذه نماذج من الاحاديث الكثيرة في فضل القرآن وتلاوته، وأمّا في فضل تعلّمه والعمل به:
قال×: «من تعلّم القرآن ولم يعمل به، آثر عليه حبّ الدنيا وزينتها، واستوجب سخط الله، وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذين ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم، ومن قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى، فيقول يا رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً؟ قال: كذلک أتتک آياتنا فنسيتها، وكذلک اليوم تنسى، فيؤمر به إلى النار، ومن تعلّم القرآن يريد به رياءً وسمعةً ليماري به السفهاء، ويباهى به العلماء، ويطلب به الدنيا بدّد الله عظامه يوم القيامة، ولم يكن في النار أشدّ عذاباً منه».
عن الامام الصادق×: «من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه وبدمه، وجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة ويقول، يا ربّ انّ لکلّ عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي، فبلّغ به كريم عطاياک، فيكسوه الله عزّوجلّ حُلّتين من حلل الجنّة، ويوضع على رأسه تاج الكرامة، ثمّ يقال: هل أرضيناک فيه، فيقول القرآن: يا ربّ قد كنت ارغب له فيما هو أفضل من هذا، قال: فيعطي الأمن بيمينه والخُلد بيساره، ثمّ يدخل الجنّة، فيقال له: اقرأ آية وأصعد درجة، ثمّ يقال له: بلغنا به وأرضيناک فيه فيقول: اللّهمّ نعم، قال: ومن قرأه كثيراً، وتعاهده بمشقّة من شدّة حفظه، أعطاه الله أجر هذا مرّتين».
وقال×: «ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لا ينام حتّى يقرء سورة من القرآن، فتكتب له مكان كلّ آية يقرؤها عشر حسنات، ويمحى عنه عشر سيّئات».
ثمّ لكلّ شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان المبارک، فان تلاوته والتدبّر فيه يفتح عليک أبواباً من المعرفة والعلم، فان المعرفة القرآنيّة تنفتح أزهارها كما تنفتح الزهور في الربيع.
ومن كرامة القرآن الكريم:
قيل لأبي الحسن الرضا× في شهر نيابة رمضان: ختمنا القرآن لجدّک رسول الله، وآخر لجدّک أميرالمؤمنين، وهكذا بقيّة الأئمّة الأطهار، وأخيراً ختمنا القرآن عنک أي نيابة عنک فقال×: ستكون يوم القيامة معهم، فقال الراوي معهم؟ قال: نعم، نعم، نعم.
حبّذا ان نختم القرآن في كلّ شهر عن مولانا وامام زماننا صاحب الأمر بقية الله الأعظم الحجّة بن الحسن العسكري#، و نهدي ثوابه إلى الأربعة عشر المعصومين: فاطمةالزهراء وأبوها وبعلها وبنوها الأئمّة الأحد عشر صلوات الله عليهم أبد الآبدين، ورزقنا الله في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم، وأماتنا على ولايتهم، وحشرنا في زمرتهم، وجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم وأدبنا بأدبهم وخلقّنا بأخلاقهم، ورزقنا الشهادة في سبيلهم.
ومن يذكر صاحب الأمر# فانّه يذكره أيضاً بالدعاء والسلامة، فانّه مظهر أسماء الله وآياته وصفاته، وانه مرآة ومجلى لقوله تعالي: (اُذكروني اذكركم) فلا تغفل عن هذا السبيل القويم والصراط المستقيم، واغتنم الساعة التي أنت فيها، واستعذ بالله من شرّ الشيطان الرجيم والنفس الأمّارة بالسوء، واقرء باسم ربک الذي خلق، وإذا قرء القرآن، فاستمعوا له، وأنصتوا لعلّكم ترحمون، والعاقبة للمتّقين وآخردعوانا ان الحمدلله رب العالمين.
اكثر قراءة