akdak

المقالات

القسم العقائدي

دور العقل في إثبات النبوة

534

السيد عادل العلوي

بسم الله الرحمن الرحیم

وصلى الله وسلّم على أشرف الخلق وأعزالمرسلين سيدنا وحبيبناوشفيع ذنوبنا أبي القاسم الأمجد خير خلق الله محمّد وعلى آله الاطهار

 

النبوة حالة إلهية(وإن شئت قل غيبية) نسبتها إلى هذه الحالة العمومية من الإدراك و الفعل نسبة اليقظة إلى النوم، بها يدرك الإنسان المعارف التي ترفع الإختلافات والتناقض في حياة الإنسان، وهذا الادراك والتلقى من الغيب هو المسمى في لسان القرآن بالوحي، والحالة التي يتخذها الإنسان منه لنفسه بالنبوة.

ومن هنا يظهر أن هذا أعني تأدية الفطرة إلى الإجتماع المدني من جهة وإلى الإختلاف من جهة أخرى وعنايته تعالى بالهداية إلى تمام الخلقة مبدأ حجة على وجود النبوة بعبارة أخرى دليل النبوة العام.

تقريره: أن النوع الإنسان مستخدم بالطبع، وهذا الإستخدام فطري يؤديه إلى الاجتماع المدني وإلى الاختلاف والفساد في جميع شؤون حياته الذي يقضى التكوين والإيجاد برفعه ولا يرتفع الا بقوانين تصلح الحياة الإجتماعية يرفع الإختلاف عنها وهداية الناس إلى كماله وسعادته إلى أمرين: إما بفطرته وإما بأمر وراءه، لكن الفطرة غير كافية، فإنها هي المؤدية إلى الاختلاف فكيف ترفعها فوجب أن يكون بهداية من غير طريق الفطرة والطبيعة وهو التفهيم الإلهي غير الطبيعي المسمى بالنبوة والوحي وهذه الحجة مؤلفة من مقدمات وكل واحد من هذه المقدمات تجربية يبينها التجربة للانسان في تاريخ حياته واجتماعاته المتنوعة التي ظهرت وانقرضت في طي القرون المتراكمة الماضية، إلى أقدم أعصار الحياة الانسانية التي يذكرها التاريخ.

هذا التعريف جاء ليعرف النبوة والحاجة إليها أما الآن نتعرض إثباتها فلسفيا.

مسألة النبوة العامة بالنظر إلى كون النبوة نحو تبليغ للأحكام وقوانين مجعولة مشرعة وهي أمور اعتبارية غير حقيقية وان كانت مسألة كلامية غير فلسفية فإن البحث الفلسفي انما ينال الاشياء من حيث وجوداتها الخارجية وحقائقها العينية ولا يتناول الأمور المجعولة الاعتبارية.

لكنها بالنظر الى جهة أخرى مسألة فلسفية وبحث حقيقي وذلك أن المواد الدينية من المعارف الأصلية والأحكام الخلقية والعملية لها ارتباط بالنفس الإنسانية من جهة أنها تثبت فيها علوماً راسخة وأحوالا تؤدي الى ملكات راسخة وهذ العلوم والملكات تكون صوراللنفس الإنسانية تعين طريقها الى السعادة والشقاوة والقرب والبعد من الله سبحانه، فإن الانسان بواسطة الأعمال الصالحة والاعتقادات الحقة الصادقة يكتسب لنفسه كمالات لا تتعلق الا بما هي له عند الله سبحانه من القرب والزلفى والرضوان والجنان وبواسطة الأعمال الصالحة والعقائد السخيفة الباطلة يكتسب لنفسه صور لا تتعلق الا بالدنيا الدائرة وزخارفها الفانية ويؤديها ذلك ان ترد بعد مفارقة الدنيا وانقطاع الاختيار إلى دار البوار ومهاد النار وهذا سير حقيقي.

توضيح المسألة: إن هذه الصور للنفس الانسانية الواقعة في طريق الاستكمال والانسان نوع حقيقي بمعنى أنه موجود حقيقي مبدأ الآثار وجودية عينية، والعلل الفياضة للموجودات أعطتها قابلية النيل إلى كمالها الأخير في وجودها بشهادة التجربة والبرهان. والواجب تعالى تام الافاضة فيجب أن يكون هناك إفاضة لكل نفس مستعددة بما يلائم استعدادها من الكمال ويتبدل به قوتها الى الفعلية من الكمال الذي يسمى سعادة ان كانت ذات صفات حسنة وملكات فاضلة معتدلة أو الذي يسمى شقاوة وإن كانت ذات رذائل وهيئات ردية.

واذا كانت هذه الملكات والصور حاصلة عن طريق الافعال الاختيارية المنبعثة من اعتقاد الصلاح والفساد والخوف والرجاء والرغبة الى المنافع والرهبة من المضار وجب أن تكون هذه الافاضة أيضاً متعلقة بالدعوة الدينية بالتبشير والانذار والتخويف والتطميع لتكون شفاء للمؤمنين فيكملوا به في سعادتهم وخسار للظالمين فيكملوا به شقاوتهم، والدعوة تحتاج إلى داع يقدم بها وهو النبي المبعوث من عنده تعالى.

فإن قلت: كفى في الدعوة ما يدعوا اليه العقل من اتباع الانسان للحق في الاعتقاد والعمل وسلوكه طريق الفضيلة والتقوى فأي حاجة إلى بعث الأنبياء؟

العقل الذي يدعو الى ذلك ويأمر به، هو العقل العملي الحاكم بالحسن والقبح دون العقل النظري المدرك لحقائق الأشياء كما مر بيانه سابقاً والعقل العملي يأخذ مقدمات حكمه من الاحساسات الناصبة، والاحساسات التي هي بالفعل في الانسان في بادئ حاله، هي احساسات القوي الشهوية والغضبية أما القوة الناطقة القدسية فهي بالقوة وقد مر أن هناك الاحساس الفطري يدعو الى الاختلاف فهذه التي بالفعل لا تدع الانسان يخرج من القوة الى الفعل كما هو مشهود من حال الانسان فكل قوم أو فرد فقد التربية الصالحة عاد عما قليل الى التوحش والبريرية مع وجود العقل فيهم وحكم الفطرة عليهم، فلا غناء عن تاييد الهي بنبوة تؤيد العقل.

فعلى هذا صحيح ان العقل يثبت الضرورة في احتياج الناس بالنبوة والأنبياء فلا عقل بمفرده يستطيع إيصال الناس إلى الكمال المفروض وصوله أما مانشاهده في الخارج والغرب يدعى بأنها كمال هو جمال ظاهري سريع الزوال فهو يرتبط بواحدة من أبعاد الانسان وهو بعد المادي أما الابعاد الروحي فلابد به بقوة وراء العقل يسوق الانسان الى تنميتها وتغذيتها.

بعد هذا البحث والاثبات بأن النبوة ضرورة في حياة الناس نميل إلى البحث في صفات هؤلاء الأنبياء وخواصهم هل من المعقول أن يكونوا مساوين مع الناس؟ هذا التساؤل جوابه هو أنه واضح بالعقل والفطرة أنه لابد بفارق بل فروق بين الناس والأنبياء والا لكان ترجيح بلا مرجح وهو باطل عقلاً. اذا فلا بد ان يكونوا معصومين أوّلا.

توضيح وجود العصمة للانبياء هو

ان العصمة على ثلاثة أقسام: العصمة عن الخطأ في تلقى الوحي، والعصمة عن الخطأ في التبليغ الرسالة، والعصمة عن المعصية، وهي ما فيه هتك حرمة العبودية ومخالفة المولوية ويرجع إلى قول او فعل ينافي العبودية منافاة ما، ونعني بالعصمة وجود أمر في الانسان المعصوم يصونه عن الوقوع فيما لا يجوز من الخطأ أو المعصية أما الخطأ في غير باب المعصية وتلقى الوحي والتبليغ وبعبارة أخرى في غير باب أخذ الوحي وتبليغه والعمل كالخطأ في الأمور الخارجية نظير الاغلاط الواقعة للانسان في الحواس وادراكاتها او الاعتباريات من العلوم ونظير الخطأ في تشخيص الأمور التكوينية من حيث الصلاح والفساد والنفع والضرر ونحوها فالكلام فيها خارج عن هذا البحث.

وكيف كان فالقرآن يدل على عصمتهم^ في جميع الجهات الثلاث:

اما العصمة عن الخطأ تلقى الوحي وتبليغ الرسالة عليه قوله تعالى في الآية: (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِه).فإن الظاهر من الآية أن الله سبحانه إنما بعثهم بالتبشير والانذار وانزال الكتاب (وهذا هو الوحي) ليبنوا للناس الحق في الاعتقاد والحق في العمل، وبعبارة أخرى لهداية الناس إلى حق الاعتقاد وحق العمل، وهذا هو غرضه سبحانه في بعثهم وقد قال تعالى: (لا يضل ربي ولا ينسى) فبين أنه لا يضل في فعله ولا ينسى ولا يخطئ في شأنه، فإذا أراد شيئاً فإنما يريده من طريقه الموصل اليه من غير خطأ واذا سلك بفعل إلى غاية فلا يضل في سلوكه وكيف لا و بيده الخلق والأمر وله الملك والحكم وقد بعث الأنبياء بالوحي اليهم وتفهيمهم معارف الدين ولابد ان يكون، وبالرسالة لتبليغها للناس ولابد أن يكون! وقال تعالى أيضاً:(إن الله بالغ أمره قد جعل لكل شيء قدرا) وقال ايضاً: (والله غالب على أمره) ويدل على العصمة على الخطأ ايضاً قوله تعالى:(عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد ابلغوا رسالات ربهم واحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا) فظاهره أنه سبحانه يختص رسله بالوحي فيظهرهم ويؤدهم على الغيب بمراقبة ما بين أيديهم وما خلفهم والاحاطة بما لديهم لحفظ الوحي عند الزوال والتغير بتغير الشياطين وكل مغير غيرهم ليتحقق ابلاغاتهم رسالات ربهم ونظيره قوله حكاية عن قول ملائكة الوحي (وما نتنزل الا بأمر ربك ما بين أيدينا وخلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا) الآيات على ان الوحي من حين شروعه في النزول إلى بلوغه النبي إلى تبليغه للناس محفوظ مصون عن تغيير أي مغير يغيره.

وهذان وجهان من الاستدلال وإن كان ناهضين على عصمة الأنبياء^ في تلقى الوحي وتبليغ الوحي والرسالة فقط دون العصمة عن المعصية في العمل على ما قررنا لكن يمكن تتميم دلالتهما على العصمة من المعصية أيضاً بأن الفعل دال كالقول عند العقلاء، فالفاعل لفعل يدل بفعله على أنه يراه حسنا جائزاً كما لو قال: إن الفعل الفلاني حسن جائز فلو تحققت معصية من النبي وهو يأمر بخلافها لكان ذلك تناقضاً منه، فإن فعله يناقض حينئذ قوله فيكون حينئذ مبلغاً لكلا المتناقضين وليس تبليغ المتناقضين بتبليغ للحق فإن المخبر بالمتناقضين لم يخبر بالحق لكون كل منهما مبطلا للآخر، فعصمة النبي في تبليغ رسالته لا تتم إلا مع عصمته عن المعصية وصونه عن المخالفة كما لا يخفى.

ويدل على عصمتهم مطلقاً قوله تعالى: (أولئك هدى الله فبهداهم اقتده) فجميعهم^ كتب عليهم الهداية، وقد قال تعالى: (ومن يضلل الله فماله من هاد ومن يهدي الله فماله من مضل) وقال تعالى: (من يهد الله فهو المهتد) فنفي من المهتدين بهدايته كل مضل يؤثر فيهم بضلال فلا يوجد ضلال وكل معصية ضلال كما يشير إليه قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطن إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلاً كثيرا) فعد كل معصية ضلال حاصلاً باضلال الشيطان بعد ما عاهدها عبادته للشيطان فإثبات هدايته تعالى في حق الانبياء^ ثم نفي الضلال عمن اهتدى بهداه، ثم عد كل معصية ضلالاً تبرئة منه تعالى لساحة انبيائه عن صدور المعصية منهم وكذا عن وقوع الخطأ في فهمهم الوحي وابلاغهم إياه.

ويدل عليها أيضاً قوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) وقال أيضاً: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم والضالين) فوصف هؤلاء الذين أنعم عليهم من النبيين بأنهم ليسوا بضالين، ولو صدر عنهم معصية لكانوا بذلك ضالين، وكذلك لو صدر عنهم خطأ في الفهم أو التبليغ ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى فيما يصف به الانبياء (اولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجداً وبكيا فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وسوف يلقون غيا) فجمع في الانبياء او لا الخصلتين: أعني الانعام والهداية حيث اتى بمن البيانية في قوله وممن هدينا واجتبينا بعد قوله: أنعم الله عليهم ووصفهم بما فيه غاية التذلل في العبودية ثم وصف الخلف بما وصف من اوصاف الذم، والفريق الثاني وعرفهم بأنهم اتبعوا الشهوات وسوف يلقون غيّا فالفريق الاول وهم الأنبياء ما كانوا يتبعون الشهوات ولا يلحقهم غي ومن البديهي أن من كان هذا شأنه لم يجز صدور المعصية عنه حتى أنهم لو كانوا قبل نبوتهم ممن يتبع الشهوات لكانوا بذلك ممن يلحقهم الغي ومن البديهي ان من كان هذا شأنه لم يجز صدور المعصية عنه لمكان الاطلاق في قوله (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وسوف يلقون غيا

وهذا الوجه قريب من قول من استدل على عصمة الأنبياء من طريق العقل بأن ارسال الرسل واجراء المعجزات على أيديهم تصديق لقولهم، فلا يصدر عنهم كذب وكذا تصديق لأهليتهم للتبليغ، والعقل لا يعد انساناً يصدر منه المعاصي والافعال المنافية لمرام ومقصد كيف كان اهلا للدعوة إلى ذلك المرام فاجراء المعجزات على ايديهم يتضمن تصديق عدم خطأهم في تلقى الوحي وفي تبليغ الرسالة وفي امتثالهم للتكليف المتوجهة اليهم بالطاعة.

بعد هذه الأدلة لاثبات العصمة فلنتصور اشكالا في خدش العصمة للأنبياء أو بعبارة أخرى تفسير العصمة للأنبياء.

فإن قلت: الذي يدل عليه ما مر من الآيات الكريمة هو أن الأنبياء^ لا يقع منهم خطأ ولا يصدر عنهم معصية وليس ذلك من العصمة في شيء فإن العصمة على ما ذكره القوم قوة تمنع الانسان عن الوقوع في الخطأ وتردعه في شيء فإن العصمة وافتراق الخطيئة وليست القوة مجرد صدور الفعل او عدم صدوره وإنما هي مبدأ نفساني تصدر عنه الفعل كما تصدر الافعال عن الملكات النفسانية.

نقول: نعم لكن الذي يحتاج اليه الابحاث السابقة هو عدم تحقق الخطأ والمعصية من النبيّ ولا يضر في ذلك عدم ثبوت قوة تصدر عنها الفعل صواباً أو طاعة وهو ظاهر.

ومع ذلك يمكن الاستدلال على كون العصمة مستندة إلى قوة رادعة بما مر في البحث عن الاعجاز من دلالة قوله تعالى: (إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً) وكذا قوله: (ان ربي على صراط مستقيم) على أن كلا من الحوادث يحتاج إلى مبدأ يصدر عنه وسبب يتحقق به فهذه الافعال الصادرة عن النبيّ على وتيرة واحدة صواباً وطاعة تنتهي إلى سبب مع النبيّ وفي نفسه وهي القوة الرادعة.

وتوضيحه: أن أفعال النبي المفروض صدورها طاعة أفعال اختيارية من نوع الأفعال الاختيارية الصادرة عنا التي بعضها طاعة وبعضها معصية ولا شك أن الفعل الاختياري انما هو اختياري بصدوره عن العلم والمشيئة وانما يختلف الفعل طاعة ومعصية باختلاف الصورة العلمية التي يصدر عنها، فإن كان المقصود هو الجري على العبودية بإمتثال الأمر مثلاً تحققت الطاعة،إن كان المقصود المطلوب -أعني الصورة العملية التي تضاف اليها المشيئة

- بإتباع الهوى وافتراق ما نهى الله عنه تحققت المعصية فاختلاف أفعالنا طاعة ومعصية لاختلاف علمنا الذي يصدر عنه الفعل ولو دام احد العلمين أعني الحكم بوجوب الجري على العبودية وامتثال الأمر الهي لما صدر الطاعة ولو دام العلم الآخر الصادر عنه المعصية لم يتحقق الا المعصية وعلى هذا فصدور الأفعال عن النبي وصف الطاعة دائماً ليس إلا ان العلم الذي يصدر عنه فعله بالمشيئة صورة علمية صالحة غير متغيرة وهو الاذعان بوجوب العبودية دائماً ومن المعلوم أن الصورة والهيئة النفسانية الراسخة غير الزائلة هي الملكة النفسانية كملكة العفة والشجاعة والعدالة ونحوها، ففي النبي ملكة نفسانية يصدر عنها أفعاله على الطاعة والانقياد وهي القوة الرادعة عن المعصية.

ومن جهة أخرى النبي لا يخطئ في تلقى الوحي ولا في تبليغ الرسالة ففيه هيئة نفسانية لا تخطئ في تلقي المعارف وتبليغها و لا تعصي في العمل ولو فرضنا ان هذه الأفعال وهي علي وتيرة واحدة ليس فيها إلا الصواب والطاعة تحققت منه من غير توسط سبب من الاسباب يكون معه ولانضمام من شيء الى نفس النبي كان معنى ذلك أن تصدر أفعاله الاختيارية على تلك الصفة بإرادة من الله سبحانه من غير دخالة النبي فيه ولازم ذلك ابطال علم النبي وإرادته في تأثيرها في أفعاله وفي ذلك خروج الافعال الاختيارية عن كونها اختيارية، وهو ينافي افتراض كونه فرد من أفراد الانسان الفاعل بالعلم والارادة فالعصمة من الله سبحانه انما هي ايجاد سبب في الانسان النبي يصدر عنه أفعاله الاختيارية صواباً وطاعة وهو نوع من العلم الراسخ وهو الملكة كما مر

والاشكال أخر يأتي وهو لو فرضنا أن كل هذه الاقوال والتوضيحات التي تفضلنا به صحيحة ومقبولة في عالم العقل فإذن كيف نفسر الافعال الصادرة من بعض الأنبياء ويمكن تصور جانب المعصية فيها وأبرزها وأكثرها بروز قضية آدم حيث يقول مولانا سبحانه تعالى:(وعصى آدم ربه فغوى) يقول السيد العلامة الطباطبائي في كتابه الميزان الأمر لآدم كان أمر ارشادي لا أمر مولوي والأنبياء)ع) معصومون من المعصية فمخالفة الأمر الارشادي الذي لا داعي فيه احراز المأمور خير أو منفعة من خيرات حياته ومنافعها بانتخاب الطريق الاصلح كما يأمر وينهى المشير الناصح نصحاً فإطاعته ومعصيته خارجتان عن مجرى أدلة العصمة وهو ظاهر

.وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.