akdak

المقالات

قسم القرآن الكريم

الآيات المنسخوخة في القرآن

1288

لبيب بيضون
أهمية الناسخ والمنسوخ: إن أول ما يجب أن يبدأ به المتعلم لعلوم القرآن (علم الناسخ والمنسوخ) فقد روي عن أمير المؤمنين× أنه دخل مسجد الكوفة، فرأى عبد الرحمن ابن دأب صاحب أبي موسى الأشعري، وقد تَحَلّق الناس عليه يسألونه. فقال له: «أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت. وأخذ أذنه فقتلها، وقال: لا تقض في مسجدنا بعد الآن». ولأهمية هذا العلم فقد ألّقت فيه كتب كثيرة، فتحتَ عنوان (الناسخ والمنسوخ) ألف نحو ثلاثين كتاباً، منها كتاب (الناسخ والمنسوخ) لعبد الرحمن بن محمد العتائقي الحلّي من علماء المئة الثامنة للهجرة، وهو الذي اعتمدنا عليه بشكل رئيسي في إعدادنا لهذا الموضوع. النسخ في اللغة: ذكر اللغويون لكلمة (النسخ) عدّة معان، والذي يلتقي منها مع مفهوم النسخ في القرآن والشريعة هو المعاني التالية: 1 ـ الإزالة: مثل نسَخَت الشمسُ الظلَّ، اي أزالته. ونسخَ الآية بالآية إزالة حكمها. 2 ـ الإبطال: مثل قولهم نسخ الشيبُ الشبابَ، إذا أبطله وأقام شيئاً محله. 3 ـ التغير: مثل قولهم نسَخَتِ الريحُ آثار الديار، أي غيّرتها. وعن الفراء: النسخ أن تعمل بالآية ثم تنزل آية أخرى فتعمل بها وتترك الأولى. وفي التنزيل يقول تعالى ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ (البقرة: 106). نوعان من النسخ: في عصر التدوين وبدايات استقرار المصطلحات العلمية وتبلورها نجدج كلمة (النسخ) كمصطلح علمي تأخذ مسارين مختلفين:مسار التفسير والمفسرين، ومسار أصول الفقه والأصوليين. النسخ عند المفسرين: فالنسخ عند المفسرين يشمل التخصيص والتقييد والاستثناء، وترك العمل بالحكم لإنتهاء أمده أو لتغير طرفه أو تبدّل موضوعه. فهم يجَرون على الاستعمال اللغوي لكلمة النسخ وهو المفهوم الذي اتخذه ابن العتائقي في كتابه المذكور. أمثلة على النسخ عند المفسرين: من أوضح الأمثلة التي تساق تحت عنوان ترك العمل بالحكم لتغير ظرفه أو تبدل موضوعه: آية السيف، وهي الآية الخامسة من سورة التوبة ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ...﴾ ومنسوخاتها التي هي بمثابة تعليمات في الدعوة السلمية والحربية حسب مقتضيات الظروف والأحوال، فحين نزلت آية السيف أبطلت تلك التعليمات ونسختها واستعاضت عنها القتال والسيف. وهذه الآية من عجائب القرآن لأنها نسخت 124 آية ثم نُسخت. ومما يدخل تحت عنوان الاستثناء أو التخصيص قوله تعالى ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا ..﴾ حيث قالوا: ان الاستثناء ناسخ لما قبله، ويعنون بالنسخ هنا الاستثناء تماماً، وليس إزالة الحكم السابق وإلغائه مطلقاً، كما في موضوع القبلة. النسخ عند الأصوليين: أما عند الاصوليين فيقتصر معنى النسخ علىمجال واحد من المجالات التي أعطاها اللغويون لكلمة (النسخ) وهو: تبديل حكم بآخر لانتهاء أمد الحكم السابق. وبهذا يخُرجون جملة كبيرة من آيات النسخ عند المفسّرين، إلى غير النسخ. يقول السيد محمد باقر الحكيم في كتابه (علوم القرآن ص155): إنّ الإزالة هي أوفق المعاني اللغوية انسجاماً مع فكرة النسخ في القرآن. فالله يقول: ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ﴾. ويقول ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾. ويقول: ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ...﴾ (النحل: 101). فنجد أن الإزالة هي المعنى الذي ينسجم مع المحو والتبديل. وعليه فإن تقييد آية مطلقة أو تخصيصها أو الاستثناء، كل هذه ليست نسخاً. وقد عرّف الإمام السيد الخوئي+ النسخ بأنه: رفع أمر ثابت في الشريعة المقدسة بإرتفاع أمده وزمانه،سواء أكان ذلك الأمر المرتفع من الأحكام التكليفية (كالوجوب والحرمة) أم من الأحكام الوضعية (كالصحة والبطلان) وسواء أكان من المناصب الإلهية أم من غيرها من الأمور التي ترجع إلى الله تعالى بما أنه شارع. أنواع النسخ: واعلم أنّ الناسخ: هو الذي يرتفع به حكم المنسوخ، والمنسوخ على ثلاثة أنواع: منه ما نُسخ خطه وحكمه، ومنه ما نسخ خطه وبقي منه حكمه، ومنه ما نسخ حكمه وبقي خطه. وهذا تفصيل الأنواع الثلاثة: 1 ـ فأما ما نسخ خطه وحكمه، فهي آيات وسور كان يحفظها ويقرؤها الصحابة، ثم أمر النبي| بأن لا تكتب في القرآن ونسخ حكمها أيضاً. ثم أنساها الله الصحابة ورفعها. وهي مشمولة بقوله تعالى ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ...﴾. 2 ـ وأما ما نسخ حكمه وبقي خطه، فهو مثل الصلاة إلى بيت المقدس الذي أبدل حكمه بالتوجّه إلى الكعبة المشرفة، وظل الحكم المنسوخ مكتوباً في القرآن. هذا ويقع النسخ في 63 سورة من القرآن، وبعض السور فيها ناسخ ومنسوخ (23 سورة)، وبعضها فيها ناسخ بدون منسوخ (6 سور)، وبعضها فيها منسوخ بدون ناسخ (42 سورة). وأعلم أن النسخ لا يدخل إلّا على الأمر والنهي، لأنّ خبر الله تعالى على ما هو عليه وقال الضحاك ابن مزاحم: يدخل أيضاً على الأخبار التي معناها الأمر والنهي، مثل قوله تعالى ﴿الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً...﴾ (النور: 3). ومعناها: لا تنكحوا زانية أو مشركة. هل ينسخ الحديثُ آية؟ إذا اعتبرنا النسخ بالمعنى الأصولي فالحديث لا ينسخ آية، بحيث يبطل حكمها ويأتي بحكم جديد. أما إذا اعتبرنا النسخ بالمعنى التفسيري، فالحديث يمكن أن ينسخ آية، بمعنى أن يقيدها أو يخصصها أو يستثني منها، أو يجري حكمها على فرد لم يذكر فيها. فالقرآن يعتبر الميتة من المحرّمات، ثم يستثني النبي| ميتة السمك والجراد، يقول تعالى ﴿) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ...﴾ (النحل: 115). كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم غلى القدس، حتى نسخ ذلك بالتوجه إلى الكعبة المشرفة، حيث نزلت الآية ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ...﴾(البقرة: 144). وبقي أثر ذلك في مسجد القبلتين في ضاحية المدينة حيث يوجد محراب لكل قبلة. الجماع ليلة الصيام: قال تعالى في الآية 183 من سورة البقرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. قيل أشار بذلك إلى الأمم الماضية، فإنّه تعالى ما بعث نبياً إلّا فرض عليه الصيام، وقيل: أشار بذلك إلى النصارى، وذلك أنهم كانوا إذا أفطروا أكلوا وشربوا وجامعوا النساء ما لم يناموا، وكان المسلمون كذلك وعليهم زيادة، فكانوا إذا أفطروا أكلوا وشربوا وجامعوا النساء ما لم يناموا أو يصلّوا العشاء، فوقع أربعون من الأنصار فجامعوا نساءهم بعد النوم، منهم عمر بن الخطاب، وأكلوا بعده. فنُسخ بقوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ...﴾ (البقرة: 187). نسخ آية الصيام: ثم قال تعالى في آية الصيام: ﴿ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ...﴾ هذه هي الآية الأولى في الصيام وهي منسوخة. ذلك أن الصيام أول ما شُرع كان يومين مخصوصين من كل أسبوع، وكان صومهما مخّيراً بين الصوم وبين دفع الفدية لكل مكلف قادر أو غير قادر. ولما نزلت الآية الثانية للصوم وهي قوله تعالى ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ...﴾ نَسخَت الآية السابقة وجعلت الصيام في شهر رمضان لما له من فضل نزول القرآن فيه، وتركت حكم الفدية للشيخ والشيخة فقط وبما أن الصوم أصبح واجباً على كل قادر لم يُذكر في الآية الثانية قوله ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فهي كانت في معرض التخيير السابق، وهي قوله ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾فالمرء مخيّر بين أن يصوم، وبين أن يفطر ويُطعم مسكيناً، ثم قال ﴿ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾ أي من صام وارتفع عنه التكليف وأراد أن يتطوع فيطعم مسكيناً فهو خير له. هذا الحكم نسخ بقوله تعالى ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..﴾ أي فمن شهد منكم الشهر حيّاً حاضراً صحيحاً عاقلاً بالغاً فليصمه. آية تحرم الميتة والدم: قال الله تعالى في سورة البقرة الآية 173: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ...﴾، فنسخ النبي| بعض الميتة وبعض الدم بقوله|: «حُلّلتْ لنا ميتتان ودَمان» يعنى: السمك والجراد، والكبد والقلب. نسخة آية الخمر: قال تعالى في سورة البقرة الآية 219: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ...﴾ نُسخت بقوله: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ...﴾ (المائدة: 90). أي فاتركوه، وقيل موضع التحريم ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾ معناه انتهوا. نكاح الكتابية: قال تعالى في سورة البقرة الآية 221: ﴿وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنّ...﴾وذلك أن الكتابيات من المشركات، نُسخت هذه الآية بقوله ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ...﴾ (المائدة: 5). يعني بالكتابيات اليهوديات والنصرانيات، ثم شرط مع الاباحة عفّتهن. المحاسبة على المُضّمَر: قال تعالى في سورة البقرة الآية 284: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ.. ﴾ ، فشَق نزولها عليهم. ثم نسخ ذلك بقوله ﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ...﴾ (البقرة: 286). والمنسوخ قوله ﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ..﴾. آية المواريث: ذكر الشيخ محمد جواد مغنية في تفسيره (الكاشف) مج2 ص262 في تفسيره لآية المواريث: بعد أن آخى النبي| بين كل اثنين من أصحابه، كان المتآخيان يتوارثان، ثم نسخ الإسلام ذلك بقوله تعالى ﴿ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ...﴾ (الأنفال: 75، والأحزاب: ) 6، وبآية المواريث وهي قوله تعالى ﴿ يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ...﴾ (النساء: 11). آية المتعة: وهي قوله تعالى في الآية 24 من سورة النساء: ﴿ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً...﴾. وذلك أن رسول الله| قال على زعمهم: «استمتعوا من النساء» ، وكان ذلك ثلاثة أيام، ثم حرّمها. وقال الشافعي: ان موضع تحريمها في سورة المؤمنون وهي قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ...﴾ (المؤمنون: 5 و 6). يقول ابن العتائقي: إن الخبر لم يثبت، وأن كلام الشافعي ضعيف، لأنّ المستمتع بها زوجة لها عدّة، ولأن الزواج نوعان: دائم، ومؤقت إلى أجل معلوم. (أقول): والذي يدحض ذلك أيضاً أن آية المتعة مدنية والآية الثانية مكية، والآية المكية لا تنسخ المدينة لأنها نزلت قبلها. آية الزكاة: قال تعالى في سورة البقرة الآية 219 : ﴿ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ ...﴾ أي ما يزيد من أموالكم، فكان الشخص يعطي الفقراء كل ما فَضَل من ماله. فشق ذلك عليهم، فأنزل سبحانه: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ..﴾ (سورة التوبة: 103) والصدقة هنا الزكاة. وفي مكان آخر من القرآن نجد قوله تعالى في سورة البقرة 215: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾. هذا قبل أن تفرض الزكاة، فنُسخ بآية الزكاة وهي: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ (التوبة: 60). آية السيف: وقد ألمحنا إليها سابقاً وهي قوله تعالى في سورة التوبة الآية الخامسة: ﴿ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ...﴾ وتسمى آية القتال أو السيف. وفيما يلي بعض الآيات التي نسختها آيةُ السيف وأبطلت حكمها، وهي التي تتضمن حرمة القتال في الشهر الحرام، وأنّ النبي مكلف بالانذار والتبليغ ويكفيه الإعراض عن المشركين دون قتالهم، وأن يذرهم وشأنهم حتى إذا نزلة آية السيف ألغت تلك الأحكام وأمرت بالقتال دون هوادة. يقول تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ...﴾ أي جُرم كبير ﴿ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ...﴾ (البقرة: 217). ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ ..﴾ (آل عمران: 20). ﴿ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾ (النساء: 80). ﴿ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ (الأنعام: 66). ﴿ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ (الأنعام: 91). ﴿ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ...﴾ (الأنعام: 104). ﴿... وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ (الأنعام: 106 ـ والحجر 94). ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ (الأنعام: 107). ﴿ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ (الأنعام: 112 و137). ﴿يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّار﴾ (الأنعام: 135). ﴿ قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ (الأنعام: 158). ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ (الأنعام: 159). ﴿ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ (سورة يونس: 41). ﴿ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ (يونس: 99). ﴿فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ (يونس: 108). ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ (الحجر: 3). ﴿قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنْ اهْتَدَى﴾ (طه: 135). ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ (المؤمنون: 96). ﴿وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ (العنكبوت: 50). ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ﴾ (الشورى: 48). ﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ﴾ (الزخرف: 89). ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ (الجاثية: 14). ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ﴾ (الأحقاف: 35). ﴿ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ ﴾ (الطور: 31). ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين﴾(الممتحنة: 8). ﴿ فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾ (الطارق: 17). ﴿) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾ (الغاشية: 22). ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ (الكافرين: 6). قالَ الإمام عليّ عَلَيه السَّلامُ: عَليكُم بهذَا القُرآنِ أَحِلُّوا حَلالَهُ وَحَرّمُوا حَرامَهُ وَعمَلُوا بِمُحكَمِهِ.