المقالات
قسم الفكر الاسلامي
في معنى الإيمان وهل هو : اعتقاد بالقلب ونطق باللسان ، أو أنّه التصديق القلبي فقط
في معنى الإيمان وهل هو : اعتقاد بالقلب ونطق باللسان ، أو أنّه التصديق القلبي فقط
أمّا « الاشتمال » وكون هذه أصولا فبيّن ، وأمّا « الإيمان » فقد اختلف العلماء فيه ، والمحرّر مذهبان :
[ المذهب ] الأوّل : أنّه اعتقاد بالقلب ونطق باللسان ، أو حكمه ، وهذا اختيار المحقّق نصير الدين في تجريده (۱) ، وسديد [ الدين ] سالم بن محفوظ في منهاجه (۲) ، والسيّد ضياء الدين في رسالته (۳) ، وجمال المحقّقين في كثير من كتبه (٤).
ويدلّ على أنّ الاعتقاد وحده غير كاف قوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ) (٥) فاستيقانهم بتلك الآيات لما أنكروها بألسنتهم لم يزل كفرهم ، ويدلّ على أنّ اللسان غير كاف أيضاً قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ) (٦) فوجب أن يكون الإيمان عبارة عنهما معاً.
المذهب الثاني : أنّه التصديق القلبي فقط ؛ لأنّه لغة كذلك (۷) ، لقوله تعالى : ( وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ) (۸) أيّ بمصدّق ، والأصل عدم النقل. وهذا مذهب الأشعرية (۹) ، واختيار كمال الدين ميثم في قواعده (۱۰) ، وابن نوبخت ، واستقرّ به المقداد (۱۱).
ويدلّ على [ أنّ ] اللسان لا مدخل له فيه : أنّ الإيمان عرض لا بدّ له من محلّ ، ولا شكّ أنّ الله جلّ وعزّ لمّا أضافه إلى محلّه أضافه إلى القلب ، في قوله : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (۱۲) ، وفي قوله : ( كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ) (۱۳) ، وفي قوله : ( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ) (۱٤).
والمراد بالصدر القلب لحلوله فيه ، ولمّا كان لغة التصديق ، ومحلّ التصديق القلب ، وأنّه سبحانه أضافه إليه أيضاً ، علمنا أنّ اللسان ليس من الإيمان في شيء ، ولا يحمل عليهما معاً دفعاً للاشتراك والمجاز ، بل نقول : النطق باللسان مظهر له ، والأعمال الصالحة ثمرات تؤكّده.
قوله : « فمن حصّلها حصّل الإيمان ».
أقول : يحتمل أن يكون المراد الأصول ، أيّ من حصّل أصول الإيمان حصّله ، والأقوى أنّ المراد به الكلمات ولهذا عقّب بقوله : « وهنّ الباقيات الصالحات » ولا ريب أنّ من حصّلهنّ حصّل الأصول لاشتمالهنّ عليها ، ومن حصّل أصول الإيمان حصّل الإيمان ، فنتج من هاتين المقدّمتين أنّ من حصّلهنّ حصّل الإيمان ، فيكون بتحصيلهنّ العلم بمعانيهنّ المذكورة ، وإثبات كلّ واحد منها بالأدلّة المشهورة ؛ ولأنّ سياق كلام المصنّف الحثّ على هذه الكلمات ، والترغيب في إدراك معانيها ، ومن جملة ذلك :
قوله : « وهنّ الباقيات الصالحات ».
أقول : إنّما اقتصر المصنّف ـ والله العالم ـ على ذلك لاشتهار شرفهنّ ؛ ولأنّ الكتاب الإلهي ناطق بأفضليّتهنّ. قال الله ـ عزّ وعلا ـ : ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ) (۱٥) ، وقال من بالكبرياء تردّى : ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا ) (۱٦).
وليكن هذا منتهى ما أمليناه على هذه الكلمات ، ونسأل الناظر فيه الجبر عند العبور على الهفوات ، والستر عند المرور على الخطيئات.
ونصلّي على محمّد أشرف البريّات وعلى آله المنتجبين بالكرامات ، وأصحابه ذوي السعادات صلاة نامية البركات ما تعاقبت اللحظات وتصرّمت الآنات ، وسلّم تسليماً.
والحمد لله ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم. (۱۷)
الهوامش
۱. كشف المراد : ٤٢٦ ، المسألة ١٥.
۲. لاحظ إرشاد الطالبين : ٤٤٠ و ٤٤١.
۳. لاحظ إرشاد الطالبين : ٤٤٠ و ٤٤١.
٤. مناهج اليقين : ٣٦٧.
٥. النمل ٢٧ : ١٤.
٦. البقرة ٢ : ٨.
۷. العين ٨ : ٣٨٩ « أ. م. ن ».
۸. يوسف ١٢ : ١٧.
۹. لاحظ إرشاد الطالبين : ٤٤٢.
۱۰. لاحظ إرشاد الطالبين : ٤٤٢.
۱۱. لاحظ إرشاد الطالبين : ٤٤٢.
۱۲. النحل ١٦ : ١٠٦.
۱۳. المجادلة ٥٨ : ٢٢.
۱٤. الأنعام ٦ : ١٢٥.
۱٥. الكهف ١٨ : ٤٦.
۱٦. مريم ١٩ : ٧٦.
۱۷. إنهاء النسخة الخطّيّة : « وقع الفراغ من كتابتها بكرة نهار الخميس سلخ ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة [ ٨٩٣ ] بقلم العبد الفقير الخائف المستجير ، المؤمّل من ربّه مغفرة تنجيه يوم يشغل كلّ عن فصيلته وبنيه ؛ تاج الدين بن محمّد بن حمزة بن زهرة الحسيني الحلبي الفوعي عفا الله عنه بمنّه وكرمه ، آمين ، والحمد لله ربّ العالمين ، وذلك بقرية نامطي ».
مقتبس من كتاب : [ أربع رسائل كلاميّة ] / الصفحة : ۲۷۷ ـ ۲۷۹
اكثر قراءة