akdak

المقالات

قسم الفكر الاسلامي

الصفات السلبيّة : لا يقوم اللذّة والألم بذاته

131

الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي

الصفات السلبيّة

لا يقوم اللذّة والألم بذاته

قد يطلق الألم واللذّة ويراد منهما الألم واللذّة المزاجيان. والألم حالة حاصلة من تغيّر المزاج إلى الفساد. واللذّة حالة حاصلة من تغيّر المزاج إلى الإعتدال ، وعروض النشاط والسرور على المُلْتذ ، ومن كان متّصفاً بهما يجب أن يكون موجوداً ماديّاً قابلاً للإنفعال. ومن المعلوم لزوم تنزيهه سبحانه عن المزاج والفعل والإنفعال لاستلزامه تواليَ فاسدة لا تحصى. وبالجملة ، فالألم واللذّة من توابع المزاج ، منفيّان بانتفاء المتبوع.

وقد يطلقان ويراد منهما العقليّان ، والمراد منهما إدراك كلّ قوّة عقليّة ما يلائمها أو ينافيها. فالقوّة العاقلة لها كمال ولذّة هي إدراكها للمعقولات الكليّة ، وإنكار ذلك مكابرة. فإن العلماء الغائصين في لُجج التحقيق لهم لذّات لا يختارون اللذّات الحسيّة بأجمعها على أقلّ مسألة من مسائلها ، ويقابله الألم العقلي. ولأجل ذلك كلّما كان المعقول أفضل وأتمّ ، كانت اللذّة أبلغ وأوفر.

فلذا يكون إدراك القوّة العقليّة للمعقولات أتمّ من إدراك الحسّ للمحسوسات ، لأن القوّة العقليّة تصل إلى كنه المعقول وإلى ذاته وذاتيّاته ، فتكون اللذّة العقليّة أبلغ وأعظم من الحسيّة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّ الألم على وجه الإِطلاق منفي عنه سبحانه ، أمَّا الألم المزاجي فلمّا عرفت ، وأمَّا الألم العقلي فلأنّه إدراك المنافي من حيث هو مناف. وهو مستحيل عليه سبحانه ، إذ لا منافي له لأن جميع ما عداه لوازم ومعلولات له ، والكلّ في قبضة قدرته ، مجتمع معه غير مناف له.

وأمَّا اللذّة العقليّة فإن بعض الحكماء نسبوها إلى الله تبارك وتعالى قائلين بأنَّه مدرك لأكمل الموجودات ـ وهي ذاته ـ فيكون متلذّذاً.

وبعبارة أُخرى : إنَّ واجب الوجود الّذي هو في غاية الجمال والكمال والبهاء ، إذا عقل ذاته فقد عقل أتمّ الموجودات وأكمل الأشياء ، فيكون أعظم مدرِك لأجلّ مُدْرَك بأتمّ إدراك.

هذا ما عليه الحكماء. ولكن المتكلّمين منعوا من توصيفه سبحانه باللذّة على وجه الإِطلاق مزاجيّاً كان أو عقليّاً ، ولعلّ عذرهم في ذلك كون أسمائه وصفاته أمراً توقيفيّاً.

أقول : لا شكّ أَنَّ إطلاق الملتذّ على الله سبحانه لا يجتمع مع القول بتوقيفيّة أسمائه وصفاته ، وأمّا كونه مبتهجاً بذاته ابتهاجاً عقليّاً لإِدراكه أتمّ الموجودات ، وملتذّاً في ظلّه ، فليس شيء يمنع منه. وإنَّ الحقيقة شيء والتسمية شيء آخر.

مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسُّنة والعقل ] / المجلّد : 2 / الصفحة : 123 ـ 124