akdak

المقالات

قسم الفقه

سادساً ـ أقسام القضاء الإلهي

514

---------

 

إنّ قضاء الله تعالى على قسمين : محتوم ، وغير محتوم :

أمّا المحتوم فهو لايتخلّف عن تعلّق مشيئته بما تعلّق به قضاؤه ، ولا  يقع فيه البداء .

وأمّا غير المحتوم فالبداء إنّما يقع فيه .

وتفصيل ذلك : أنّ قضاء الله تعالى إذا جرى على شيء فهو إنّما يجري عليه معلّقاً على عدم تعلّق مشيئته بخلافه في الظرف المقرّر فيه وجود ذلك الشيء حسب ما يقتضيه العلم الإلهي بالمصالح والمفاسد التي تختلف باختلاف الظروف والحالات([1]) .

ثم إنّ البداء الذي تقول به الشيعة الإماميّة إنّما يقع في القضاء غير المحتوم ، أمّا المحتوم منه فلا يتخلّف  ، ولا  بدّ من أن تتعلّق المشيئة بما تعلّق به القضاء([2]) ، فهو ـ تعالى وتقدّس  ـ . . .]عالم[ بجميع ما تتعلّق به مشيئته ومالا تتعلّق به([3]) .

]توضيح ذلك : [ أنّ الاُمور المتحقّقة واقعاً غير منحصرة بالموجودات الخارجيّة ، بل هناك موجودات نفس الأمرية ثابتة في الواقع ، وليست من قبيل الفرض الممكن متعلّقة بكلّ شيء ، كالإمكان الثابت للاُمور الممكنة ، والامتناع الثابت للاُمور المستحيلة ، فإنّهما أمران واقعيّان ، وليسا مجرّد اعتبار كما توهّم ، بدعوى أنّ الإمكان لو كان موجوداً ، فلا بدّ وأن يكون ممكناً أيضاً وهكذا إلى أن يتسلسل ، وأنّ استحالة اجتماع النقيضين لو كانت موجودة لزم وجود موضوعها وهو خُلف ، فإنّ وجودهما ليس وجوداً خارجيّاً ليلزم ذلك ، بل هو وجود وتحقّق نفس الأمر كما بُيّن . ومن هذا القبيل الملازمات فإنّها أيضاً ثابتة واقعاً بين المتلازمين .

فالموجودات على قسمين : موجودات خارجيّة وموجودات متحقّقة في الواقع ونفس الأمر وإن لم يكن لها ما بحذاء في الخارج ، وكلّ منهما قابل لتعلّق العلم به، كما نشاهد ذلك وجداناً . ومن الواضح أنّ عدم تحقّق اللاّزم في الخارج لعدم تحقّق ملزومه لا ينافي الملازمة ولا يستدعي أن يكون العلم بها جهلاً .

إذا عرفت ذلك نقول : علمه تعالى ]وقضاؤه[ باعتبار المعلوم ينقسم ـ  على ما يستفاد من الأدلّة  ـ إلى ثلاثة أقسام([4]) :

الأول : قضاء الله الذي لم يطّلع عليه أحداً من خلقه ، والعلم المخزون الذي استأثر به لنفسه ، ولا  ريب في أنّ البداء لا  يقع في هذا القسم ، بل ورد في روايات كثيرة عن أهل البيت(عليهم السلام)أنّ البداء إنّما ينشأ من هذا العلم ] وهي كالتالي [ :

1 ـ روى الشيخ الصدوق في «العيون» بإسناده عن الحسن بن محمّد النوفلي أنّ الرضا(عليه السلام)قال لسليمان المروزي رويت عن أبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إنّ لله عزّ وجلّ علمين : علماً مخزوناً مكنوناً لايعلمه إلاّ هو ، من ذلك يكون البداء ، وعلماً علّمه ملائكته ورسله ، فالعلماء من أهل بيت نبيّك يعلمونه . . .»([5]) .

2 ـ وروى الشيخ محمد بن الحسن الصفار في «بصائر الدرجات» بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله ، قال : «إنّ لله علمين : علم مكنون مخزون لا يعلمه إلاّ هو ، من ذلك يكون البداء ، وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه ، ونحن نعلمه»([6]) .

الثاني : قضاء الله الذي أخبر نبيّه وملائكته بأنّه سيقع حتماً ، ولا  ريب في أنّ هذا القسم أيضاً لا  يقع فيه البداء وإن افترق عن القسم الأول ، بأنّ البداء لا  ينشأ منه([7]) ; ضرورة أنّ الله تعالى لا  يكذّب نفسه ورسله وملائكته وأولياءه ، فلا فرق بينه وبين القسم الأول من هذه الناحية . نعم ، يفترق عنه من ناحية اُخرى : وهي أنّ هذا القسم لا ينشأ منه البداء دون القسم الأوّل([8]) .

]ويدلّ على ذلك عدّة روايات : [

1 ـ قال الرضا(عليه السلام) لسليمان المروزي ـ في الرواية المتقدّمة ـ عن الصدوق : إنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : العلم علمان : «علم علّمه الله تعالى ملائكته ورسله ، فإنّه يكون ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه ، يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، ويمحو ويثبت ما يشاء»([9]) .

2 ـ وروى العيّاشي عن الفضيل قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول : « من الاُمور اُمور محتومة جائية لا محالة ، ومن الاُمور اُمور موقوفةـ إلى أن قال : ـ فأمّا ما جاءت به الرسل فهي كائنة ، لا  يكذّب الله نفسه ولا  نبيّه ولا  ملائكته»([10]) .

الثالث : قضاء الله الذي أخبر نبيّه وملائكته بوقوعه في الخارج إلاّ أنّه موقوف على أن لا تتعلّق مشيئة الله بخلافه ، وهذا القسم هو الذي يقع فيه البداء ، ]قال تعالى[)يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)([11]) ، ]وقال : [)لِلَّهِ الاَْمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)([12]) .

وقد دلّت على ذلك روايات كثيرة ، منها هذه ]الطائفة[ :

1 ـ ما في تفسير علي بن ابراهيم ، عن عبدالله بن مسكان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة ، فإذا أراد الله أن يقدّم شيئاً أو يؤخّره أو ينقص شيئاً أمر الملك أن يمحو ما يشاء ، ثمّ أثبت الذي أراده ، قلت : وكلّ شيء هو عند الله مثبت في كتاب ؟ قال : نعم ، قلت : فأي شيء يكون بعده ؟ قال : سبحان الله ، ثم يحدث الله أيضاً ما يشاء ، تبارك وتعالى»([13]) .

2 ـ ما في تفسيره أيضاً عن عبدالله بن مسكان ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله وأبي الحسن(عليهم السلام)في تفسير قوله تعالى : (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْر حَكِيم)([14]) ، أي : « يقدّر الله كلّ أمر من الحق ومن الباطل ، وما يكون في تلك السنة ، وله فيه البداء والمشيئة ، يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض ، ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء . . . .»([15]) .

3 ـ ما في كتاب الاحتجاج عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال : «لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : (يَمْحُوا اللَّهُ . . .)([16]) .

وروى الصدوق في الأمالي والتوحيد بإسناده عن الأصبغ عن أمير المؤمنين(عليه السلام)مثله([17]) .

4 ـ ما في تفسير العيّاشي عن زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، قال : «كان علي بن الحسين(عليه السلام) يقول : لولا آية في كتاب الله لحدّثتكم بما يكون إلى يوم القيامة ، فقلت : أيّة آية ؟ قال : قول الله : (يَمْحُوا اللَّهُ . . .)»([18]) .

5 ـ ما في قرب الاسناد عن البزنطي عن الرضا(عليه السلام) ، قال : قال أبو عبدالله ، وأبو جعفر ، وعلي بن الحسين ، والحسين بن علي ، والحسن بن علي ، وعلي بن أبي طالب(عليهم السلام) : «لولا آية في كتاب الله لحدّثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة : (يمحو الله . . .)»([19]) .

إلى غير ذلك من الروايات الدالّة على وقوع البداء في القضاء الموقوف .

وخلاصة القول : أنّ القضاء الحتمي المعبّر عنه باللوح المحفوظ وباُمّ الكتاب ، والعلم المخزون عند الله يستحيل أن يقع فيه البداء ، وكيف نتصور فيه البداء ؟ وأنّ الله سبحانه عالم بجميع الأشياء منذ الأزل ، لايعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ؟ !

]فقد[ روى الصدوق في إكمال الدين باسناده عن أبي بصير وسماعة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، قال : «من زعم أنّ الله عزّ وجلّ يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرؤوا منه»([20]) .

وروى العيّاشي عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) يقول : «إنّ الله يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ويثبت ما يشاء وعنده اُمّ الكتاب ، وقال : فكلّ أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ، ليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه ، إنّ الله لايبدو له من جهل»([21]) .

وروى أيضاً عن عمار بن موسى ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، سئل عن قول الله : (يَمْحُوا اللَّهُ . . .) ، قال : «إنّ ذلك الكتاب كتاب يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت ، فمن ذلك الّذي يردّ الدعاء القضاء ، وذلك الدعاء مكتوب عليه : الذي يردّ به القضاء ، حتّى إذا صار الى اُمّ الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئاً»([22]) .

وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة باسناده عن البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) ، قال : ]قال[ علي بن الحسين وعلي بن أبي طالب قبله ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد(عليهم السلام) ، «كيف لنا بالحديث مع هذه الآية (يَمْحُوا اللَّهُ . . .) ، فأمّا من قال بأنّ الله تعالى لا يعلم الشيء إلاّ بعد كونه فقد كفر وخرج عن التوحيد»([23]) .

والروايات المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) : إنّ «الله لم يزل عالماً قبل أن يخلق الخلق »([24]) فهي فوق حدّ الإحصاء ، وقد اتّفقت على ذلك كلمة الشيعة الإماميّة طبقاً لكتاب الله وسنّة رسوله ، جرياً على ما يقتضيه حكم العقل الفطري الصحيح([25]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] أجود التقريرات 2 : 405 .

[2] البيان : 386 .

[3] أجود التقريرات 2 : 405 .

[4] دراسات في علم الاُصول 2 : 319 .

[5] عيون أخبار الرضا 2 :160 .

[6] بصائر الدرجات : 109 ، ح 2 .

[7] البيان : 387 .

[8] مصباح الاُصول ج1 / القسم 2 : 556 . المحاضرات 2 : 336 .

[9] التوحيد : 441 ـ 444 .

[10] تفسير العياشي 2 : 217 ح 65 .

[11] الرعد : 39 .

[12] الروم : 4 .

[13] تفسير القمي 1 : 366 .

[14] الدخان : 4 .

[15] تفسير القمي : 29 .

[16] الاحتجاج 1 : 384 ، ط ـ دار النعمان .

[17] التوحيد : 305 ، ح 1 ، الأمالي : 423 .

[18] تفسير العياشي 2 : 215 ، ح 59 .

[19] قرب الاسناد : 353 ـ 354 .

[20] إكمال الدين وإتمام النعمة : 70 .

[21] تفسير العياشي 2 : 218 ، ح 71 .

[22] المصدر السابق : 220 ، ح 74 .

[23] كتاب الغيبة : 430 .

[24] الكافي 1: 108، ح5، والحديث بالمضمون.

[25] البيان 387 ـ 391 ، وقد ورد جميع ذلك بألفاظ قريبة جدّاً في أجود التقريرات 2 : 405 ـ 407 وفي مصباح الاُصول ج1/ القسم 2 : 555 ـ 559 . المحاضرات 5:335 ـ 338. دراسات في علم الاُصول 2 :319 ـ 321 قال ما نصّه : «علمه تعالى باعتبار المعلوم ينقسم على ما يستفاد من الأدلّة ـ إلى ثلاثة أقسام :

            الأوّل : علمه المكنون الذي استأثر به نفسه ، ولم يخبر به أحداً من خلقه لا ملكاً مقرّباً ولا  نبيّاً مرسلاً ، وجهلهم بذلك لا يوجب منقصة فيهم ، فإنّ المخلوق يستحيل أن يحيط بما أحاط به الخالق تبارك وتعالى ، وهذا هو العلم بالمشيئة .

            الثاني : علمه المعبّر عنه بالقضاء المحتوم ، وهو علمه بتحقّق الأشياء خارجاً حتماً ، وقد أخبر به مخلوقاته وعباده كلّ بحسبه ، والأوفر حظّاً من ذلك أشرف مخلوقاته، وهو خاتم النبيين، ثم أوصياؤه المعصومون ، ويعبّر عنه باللوح المحفوظ ، وهو الذي يتنزل به الملائكة والروح في ليلة القدر على النبيصلى الله عليه وآله ووصيّه .

            الثالث : علمه جلّ شأنه بالملازمات وتحقّق الأشياء في الخارج لولا المشيئة على خلافها ، وقد أخبر جلّ شأنه وبيّنها لأوليائه ، ويعبّر عنه بالتقدير والقضاء المعلّق ، فإنّه عالم بالملازمات والأعدام .

            أمّا العلم الأوّل ، فلا يعقل فيه البداء ، ولكن يكون منه البداء ، أي يكون منشأً للبداء كما صرّح به في بعض الأخبار الصادرة عن أهل البيتعليهم السلام .

            وأمّا العلم الثاني فليس فيه البداء ; لأنـّه حتمي على الفرض ، والبداء فيه مستلزم لتكذيب الأنبياء وإفحامهم تعالى عن ذلك ، وهو جلّ شأنه لا يكذّب نفسه ولا  نبيّه ، كما ليس منه البداء لأنـّه ظاهر واضح على الفرض وليس خفيّاً على العباد .

            وأمّا العلم الثالث ، ففيه البداء فإنّه إخبار بتحقّق اُمور معلّقاً على أن لا تكون المشيّة على خلافه ، كما أنا نخبر باُمور تارة بنحو الحتم ، واُخرى : بتحقّقها معلّقاً على أن لا يتوسط في ذلك أحد مثلاً ، فإذا كانت المشيّة على خلافها بحسب ما هو معلوم له جلّ شأنه بعلمه المكنون ولم يتحقّق ذلك المخبر به يكون هذا بداء ، وهو لايستلزم الجهل ولا غيره ممّا لا يليق بمقامه المقدّس ، لما عرفت أنّ العلم بالملازمة لا ينافي عدم تحقّق الملزوم ، ولذا ورد عن الأئمةعليهم السلام«لو لا آية من كتاب الله لأخبرتك بما كان وما يكون ، وهي قوله تعالى : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمُّ الكتاب . وهذا المعنى ممّا يجب التديّن به ، فإنّ معناه قاهريته تعالى على كلّ شيء ، وكون جميع الأشياء تحت مشيّته وقدرته .

            ونمثّل لما ذكرناه مثالاً من القوانين الدولية ، فإنّ كلّ من يعرف القانون إذا سألته عن حكم من قتل نفساً متعمّداً يقول : إنّ حكمه الشنق أو السجن ، وهذا أمر على القاعدة إلاّ أنّه معلّق على عدم صدور الإرادة الملكيّة على خلاف ذلك ، ولا  يعرف ذلك أحد حتى الملك نفسه . فالمشيّة الإلهيّة بمنزلة الإرادة الملكية ، والأخبار التعليقيّة نظير القوانين ، غاية الأمر في المقام مولانا جلّ شأنه عالم بعلمه المكنون بالمشيّة ، والملك غير عارف بارادته قبل تحقّقها» .

            وحصرقدس سره في الهداية 2 : 386 ـ 388 أقسام العلم بقسمين فقط حيث قال : « يستفاد من أخبار هذا الباب أنّ الممكنات ممّا وقع وحدث وما يقع ويتحقّق بعد ذلك وما هو واقع ومتحقّق بالفعل على قسمين :

            أحدهما : ما علّمه الله ـ تبارك وتعالى ـ أنبياءه وأوصياءه أنّه يتعلّق به مشيئته ، وهو مسمّى بالأمر المحتوم ، والبداء ليس في هذا القسم .

            والثاني : ما لم يعلّمه الله ـ تبارك وتعالى ـ أحداً من الممكنات أنّه متعلّق بمشيئته ، وفي هذا القسم من الموجودات جهتان :

            جهة راجعة إلى الخالق ، وهي تعلّق مشيئة الربّ به وعدمه .

            وجهة راجعة إلى الخلق ، وهي وجود العلّة التامّة لحدوثه وتحقّقه لولا تعلّق مشيئته ـ تبارك وتعالى ـ على خلافه .

            والعلم بالجهة الاُولى والإحاطة بها مستحيل للممكن وإن بلغ ما بلغ حتّى أشرف الموجودات وأفضلهم نبيّنا صلى الله عليه وآله ، مثل : أنّ دعاء زيد هل يستجاب ؟ وصدقته هل تدفع البلاء أم لا ؟

            وأمّا الجهة الثانية فحصول العلم به للممكن بمكان من الإمكان وممّا نطقت به الروايات بالنسبة إلى نبيّنا وأوصيائه المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ فإنّ مضمون بعضها أنّه «لولا آية في كتاب الله ـ وهي : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمُّ الكتاب ـ لأخبرتكم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة» وذلك من جهة أنّهم ـ سلام الله عليهم ـ عالمون بالأسباب العاديّة والعلل التامّة للأشياء مع قطع النظر عن تعلّق المشيئة بها ، فهم معتقدون وقاطعون بتحقّقها وحدوثها لولا تعلّق مشيئته ـ تعالى ـ على الخلاف .

            والحاصل : أنّ الإحاطة بما هو من صقع الربوبي وما هو فعل الربّ ـ وهو المشيئة ـ خارجة عن حيطة البشر إلاّ بمقدار ]ما[ علّمه الله تبارك وتعالى ، وما يمكن إحاطته به ما عدا ذلك .

            مثلاً : يعلم النبيّ أو الوصيّ أنّ زيداً يدعو في يوم كذا ويتصدّق في يوم كذا ، وأمّا أنّ دعاءه مستجاب أم لا ؟ وصدقته دافعة للبلاء أم لا ؟ ـ حيث إنّه منوط بالمشيئة ومربوط بإرادته تعالى ـ فلا يعلمه ، ولا يمكن ذلك إلاّ إذا علّمه تعالى أنّه يشاء أو لا يشاء .

            والبداء يقع في القسم الثاني من القسمين ، أي ما لم يعلّمه تعالى أحداً من خلقه ، وذلك بمعنى أنّه يظهر ما خفي على العباد ويعتقدون وقوعه من جهة علمهم بتحقّق أسبابه العاديّة وعلله التامّة وعدم علمهم بأنّه ممّا لا يشاؤه تعالى ، فيظهر لهم ذلك» .