akdak

المقالات

قسم الأدب و اللغة

الجواب التفصيلي

184

---------

 

ولنأخذ بالمناقشة في هذا الدليل نقضاً وحلاًّ :

أمّا الأوّل : فلا ريب في أنّ الله تعالى متكلّم بكلام لفظي ، وقد دلّت على ذلك عدّة من الآيات والروايات ، منها قوله تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)([1]) ، فإنّ قوله : (كُن فَيَكُونُ) كلامه تعالى ، ومن هنا لا نظنّ أنّ الأشاعرة ينكرون ذلك ، بل قد تقدّم أنّهم معترفون به .

وعليه فما هو المبرّر لهم في اطلاق المتكلّم بالكلام اللفظي عليه تعالى هو المبرّر لنا .

وأمّا الثاني : فلأنّ المتكلّم ليس مشتقّاً اصطلاحياً ; لفرض عدم المبدأ له ، بل هو نظير هيئة اللابن والتامر والمتقمّص والمتنعّل والبقّال وما شاكل ذلك ; فإنّ المبدأ فيها من أسماء الأعيان والذوات ، وهو اللبن والتمر والقميص والنعل والبقل ، ولكن باعتبار اتخاذ الشخص هذه الاُمور حرفة وشغلاً لازماً له صارت مربوطة به ، ولأجل هذا الارتباط صحّ اطلاق هذه الهيئات عليه .

نعم ، إنّها مشتّقات جعليّة باعتبار جعليّة مبادئها ومصادرها ، والسبب في ذلك أنّ الكلم ليس مصدراً للمتكلّم ; لفرض أنّ معناه الجرح لا الكلام ، وكلّم ليس فعلاً ثلاثيّاً مجرّداً له ليزاد عليه حرف فيصبح مزيداً فيه . وعليه فبطبيعة الحال يكون التكلّم مصدراً جعليّاً ، والكلام اسم مصدر كذلك . هذا من ناحية ، ومن ناحية اُخرى: إنّ المبدأ الجعلي للمتكلّم في هذا الحال لا يخلو من أحد أمرين : إمّا التكلّم أو الكلام ، ولا ثالث لهما .

أمّا على الأول : فلا يرد عليه النقض بعدم صدق النائم والقائم والمتحرّك وما شابه ذلك عليه تعالى ، مع أنّه موجد لمبادئها ، وذلك لأنّ التكلّم من قبيل الأفعال دون الأوصاف ، والمبادئ في الهيئات المذكورة من قبيل الأوصاف دون الأفعال ، ولأجل الاختلاف في هذه النقطة تمتازهيئة المتكلّم عن هذه الهيئات ، حيث إنّها لا تصدق إلاّ على من تقوم به مبادئها قيام الصفة بالموصوف والحال بالمحلّ ، ومن ثمّة لا  تصدق عليه تعالى ، وهذا بخلاف هيئة المتكلّم ; فإنّها تصدق على من يقوم به التكلّم قيام الفعل بالفاعل ، ولايعتبر في صدقها الإتصاف والحلول ; ولذلك صحّ إطلاقها عليه تعالى من دون محذور .

وأمّا على الثاني : فالأمر أيضاً كذلك ، والوجه فيه أنّ الكلام عبارة عن الكيف المسموع الحاصل من تموّج الهواء واصطكاكه ، ومن الطبيعي أنّ المتكيّف بالكلام والمّتصف به إنّما هو الهواء دون غيره ، فلا يعقل قيامه بغيره قيام الصفة بالموصوف والحال بالمحلّ ، ولا فرق في ذلك بين ذاته تعالى وغيره .

ونتيجة ذلك : أنّ اطلاق المتكلّم عليه تعالى كاطلاقه على غيره باعتبار ايجاده الكلام ، بل الأمر كذلك في بعض المشتقّات المصطلحة أيضاً كالقابض والباسط وما شاكلهما ; فإنّ صدقه عليه تعالى بملاك أنّه موجد للقبض والبسط ونحوهما ، لا بملاك قيامها به قيام وصف أو حلول .

وأمّا عدم صحّة اطلاق النائم والقائم والساكن وما شاكل ذلك عليه تعالى مع أنّه موجد لمبادئها فيمكن تبريره بأحد وجهين :

]الوجه[ الأول : أنّ ذلك ليس أمراً قياسيّاً ، بحيث إذا صحّ الاطلاق بهذا الاعتبار في مورد صحّ إطلاقه في غيره من الموارد أيضاً بذلك الاعتبار ، وليس لذلك ضابط كلّي ، بل هو تابع للاستعمال والاطلاق ، وهو يختلف باختلاف الموارد ، فيصحّ في بعض الموارد دون بعض كما عرفت .

ودعوى أنّ هيئة الفاعل موضوعة لإفادة قيام المبدأ بالذات قيام حلول خاطئة جداً ، وذلك لما ذكرناه في بحث المشتق من أنّ الهيئة موضوعة للدلالة على قيام المبدأ بالذات بنحو من أنحاء القيام ، وأمّا خصوصية كون القيام بنحو الحلول أو الإيجاد أو الوقوع أو غير ذلك فهي خارجة عن مفاد الهيئة .

وقد تحصّل من ذلك أنّه ليس لما ذكرناه ضابط كلّي ، بل يختلف باختلاف الموارد ، ومن هنا لا  يصحّ إطلاق المشتق في بعض الموارد على من يقوم به المبدأ قيام حلول كإطلاق المتكلّم على الهواء ; فإنّه لا  يصحّ ، وكذا إطلاق الضارب على من وقع عليه الضرب ، وهكذا . مع أنّ قيام المبدأ فيها قيام الحال بالمحلّ .

]الوجه [الثاني : يمكن أن يكون منشأ ذلك اختلاف نوعَي الفعل ، أعني المتعدّي واللاّزم .

بيان ذلك : أنّ الفعل إذا كان متعدّياً كفى في اتّصاف فاعله به قيامه به قيام صدور وإيجاد ، وأمّا الزائد على هذا فغير معتبر فيه ، وذلك كالقابض والباسط والخالق والرزاق والمتكلّم والضارب وما شاكلها .

وأمّا إذا كان لازماً فلا يكفي في اتّصافه به صدوره منه ، بل لابدّ في ذلك من قيام المبدأ به قيام الصفة بالموصوف ، والحال بالمحلّ ، وذلك كالعالم والنائم والقائم وما شاكلها .

وعلى ضوء هذا الضابط يظهر وجه عدم صحّة إطلاق النائم والقائم عليه تعالى ، كما يظهر وجه صحّة إطلاق العالم والخالق والقابض والباسط والمتكلّم وما شابه ذلك عليه سبحانه وتعالى .

هذا من ناحية ، ومن ناحية اُخرى يظهر وجه عدم صحّة إطلاق المتكلّم على الهواء ، وإطلاق الضارب على من وقع عليه الضرب ، وهكذا([2]) .

]الدليل[ الرابع : إنّ الله تعالى قد وصف نفسه بالتكلّم في الكتاب الكريم بقوله : (وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)([3]) ، ومن المعلوم أنّ التكلّم صفة له كالعلم والقدرة والحياة وما شاكلها .

هذا من ناحية ، ومن ناحية اُخرى : أنّ صفاته تعالى قديمة قائمة بذاته ، ولا يمكن أن تكون حادثة ; لاستحالة قيام الحادث بذاته تعالى كقيام الحال بالمحلّ والصفة بالموصوف . نعم ، يجوز قيام الحادث بها كقيام الفعل بالفاعل .

ومن ناحية ثالثة : أنّ الكلام اللفظي حيث إنّه مؤلّف من حروف أجزاء متدرّجة متصرّمة في الوجود لا يعقل أن يكون قديماً ، وعليه فلا يمكن أن يكون المراد من الكلام في الآية الكريمة الكلام اللفظي ; ضرورة استحالة كون ذاته المقدّسة محلاًّ للحادث .

ومن ناحية رابعة : أنّ الكلام النفسي حيث إنّه ليس من مقولة الألفاظ فلا يلزم من قيامه بذاته تعالى قيام الحادث بالقديم .

فالنتيجة على ضوء هذه النواحي هي أنّ كلامه تعالى نفسي لا  لفظي([4]) ، فلا مناص من الإلتزام بالكلام النفسي المعنوي القائم بذاته القديم بقدمه حتّى يصحّ اتّصافه تعالى بالتكلّم ، كاتّصافه بسائر صفاته الأزليّة كالعلم والقدرة والحياة([5]) .

وفيه أوّلاً : أنّ ظاهر الآية أنّ التكلّم كان مع موسى(عليه السلام) ، وموسى حادث يقيناً ، والكلام مع الحادث حادث ، إلاّ أن يلتزم بقدم موسى أيضاً ، والقول بأنّ الكلام كان قديماً وتعلّقه بموسى كان حادثاً خلاف ظاهر الآية .

وثانياً : أنّ الباري تعالى يتّصف بغير التكلّم من الصفات كالخلق والرزق

ونحو ذلك ، فلابدّ من الإلتزام بخلق نفسي ورزق نفسي .

وثالثاً ـ وهو الحل ـ : أنّ الصفات المنتسبة إلى ذاته المقدّسة مختلفة :

فمنها : ما تنتزع من ذاته تعالى وتسمّى بصفات الذات .

ومنها : ما تنتزع من أفعاله ويعبّر عنها بصفات الفعل ، وما يتّحد مع الذات ، ولابدّ من أن يكون قديماً إنّما هو صفات الذات ، وهي منحصرة في العلم والقدرة والحياة ، وهي منتزعة عن العلم والقدرة ، وأمّا الصفات المنتزعة من الفعل فهي كنفس الفعل حادثة كالخلق والرزق والإحياء ونحوها ، وقد دلّ على ذلك بعض الأخبار ، ومضمون الرواية أنّه (عليه السلام) يقول للراوي : «أو لست تقول أنّ الله أراد كذا ولم يرد كذا ؟» فيقول : نعم ، فيقول(عليه السلام) ما حاصله : إنّ هذا من صفات الفعل ، وهل يمكن أن نقول : كان عالماً بكذا ولم يكن عالماً بكذا ؟ فيقول لا ، فيقول (عليه السلام) : «هذا من صفات الذات»([6])([7]) .

]وبعبارة أوضح[ إنّ صفاته تعالى وتقدّس على نوعين :

1 ـ صفاته الذاتية التي هي عين ذاته تعالى كالعلم والقدرة والحياة وما يؤول إليها ، فإنّ هذه الصفات عين ذاته تعالى ، بحيث لا إثنينيّة فيها ولا مغايرة بينهما بوجه .

وبعبارة اُخرى : قيامها بذاته تعالى قيام عيني ، وهو من أعلى مراتب القيام ، لا  قيام صفة بموصوفها ، ولذا نقل عن أمير المؤمنين(عليه السلام)  أنّ : «كمال الاخلاص نفي الصفات عنه بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف»([8]) .

2 ـ صفاته الفعلية التي يكون قيامها بذاته تعالى قيام الفعل بالفاعل لا  قيام الصفة بموصوفها ، كالخلق والرزق وأمثالهما ; فإنّ هذه أفعال حادثة صادرة منه بمشيّته وإرادته .

وضابطة الفرق بين هذين النوعين من الصفات : أنّ الصفات الذاتية حيث إنّها عين ذاته تعالى فيستحيل إتصاف ذاته بعدمها ، ولو باعتبار مورد خاص ، بأن لا  يكون عالماً بشيء أو لا يكون قادراً ، ولهذا لا تدخل عليها أدوات الشرط ونحوها ممّا كان مفاده الشك والتردّد في إتصاف ذاته تعالى بها .

وهذا بخلاف صفاته الفعليّة ; فإنّها من أفعاله الاختياريّة الحادثة بإرادته ومشيّته فتتصف ذاته تعالى بعدمها ، ويصحّ أن يقال : إنّه تعالى لم يكن خالقاً للأرض ـ مثلاً ـ ثمّ خلقها ، أولم يكن رازقاً لزيد ثمّ رزقه ، وهكذا ، ولهذا تدخل عليها أدوات الشرط ونحوها ، كما في قوله تعالى : (إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)([9]) .

ومن بيان هذه الضابطة القطعيّة يظهر أنّ التكلّم من صفاته الفعليّة لا  من صفاته الذاتيّة ، حيث إنّه يصحّ اتّصاف ذاته تعالى بعدمه ويقال : إنّه تعالى كلّم موسى (عليه السلام)ولم يكلّم غيره مثلاً ، أو كلّم في وقت كذا ولم يكلّم في وقت كذا([10]) .

فالنتيجة على ]ضوء ما ذكرنا من الفرق[ أمران :

الأوّل : أنّ مبادئ هذه الصفات أفعاله تعالى الاختياريّة .

الثاني : أنّها تمتاز عن الصفات الذاتيّة في نقطة واحدة ، وهي : أنّ الصفات الذاتية عين ذاته تعالى ، فيستحيل اتصاف ذاته بعدمها بأن لا  يكون ذاته في مرتبة ذاته عالماً ولا قادراً ولا  حيّاً ، وهذا بخلاف تلك الصفات حيث إنّها أفعاله تعالى الاختياريّة فتنفك عن ذاته ، وتتصف ذاته بعدمها ، يعني يصحّ أن يقال : إنّه تعالى لم يكن خالقاً للأرض ـ  مثلاً  ـ ثمّ خلقها ، ولم يكن رازقاً لزيد ـ مثلاً ـ ثمّ رزقه ، وهكذا . ومن ثمة تدخل عليها أدوات الشرط وما شاكلها ، ولم تدخل على الصفات العليا الذاتيّة .

وإن شئتم قلتم : إنّ القدرة تتعلّق بالصفات الفعليّة وجوداً وعدماً ، فإنّ له تعالى أن يخلق شيئاً وله أن لا  يخلق ، وله أن يرزق وله أن لا  يرزق وهكذا ، ولم تتعلّق بالصفات الذاتيّة أبداً .

وعلى ضوء هذا البيان قد ظهر أنّ التكلّم من الصفات الفعليّة دون الصفات الذاتيّة ، وذلك لوجود ملاك الصفات الفعليّة فيه ، حيث يصحّ أنّ يقال : إنّه تعالى كلّم موسى (عليه السلام) ولم يكلّم غيره ، أو كلّم في الوقت الفلاني ولم يكلّم في وقت آخر ، وهكذا . ولا يصحّ أن يقال : إنّه تعالى ليس عالماً بالشيء الفلاني أو في الوقت الفلاني([11]) .

ثم إنّ تميّز صفات الذات عن صفات الفعل هل يكون بصحّة اتّصاف الذات بضد تلك الصفة وعدمها ، أو يكون بصحّة إسناد الإرادة وعدمها إلى ذلك ، أو يكون بجواز نفيها عنه وعدمه ؟

الظاهر هو الثالث ، ففي الخلق يصحّ أن يقال : خلق الإنسان ذو رأس واحد ولم يخلق إنساناً ذي رأسين ، ولا  يمكن أن يقال : إنّه قادر على الأمر الفلاني وغير قادر على الأمر الكذائي ، وهكذا في الفعل ، فالمائز بين صفة الذات وصفة الفعل هو صحّة تعلّق القدرة به تارة وعدمها اُخرى في الثاني وعدم صحّته في الأول([12]) .

فاتضّح أنّ ما ذكره الأشاعرة في استدلالهم خلط بين صفاته الذاتيّة وصفاته الفعليّة ، فلم يفرّقوا بينهما حتّى انتهى أمرهم إلى الالتزام بالكلام النفسي ، ومن الواضح أنّ المبنى إن كان ضعيفاً فالبناء مثله أو أضعف ، وأنّ الشجرة إن كانت يابسة فالثمرة واهية([13]) .

الخامس : ]أنّهم[ استشهدوا بالكلمات العرفية وظواهر الآيات ، كقوله تعالى : (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا)([14]) ، وقوله تعالى : (إِن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبَكُم بِهِ اللّهُ)([15]) إلى غير ذلك .

وفيه : أنّه لا  ربط بشيء من ذلك بالكلام النفسي كما هو واضح .

ومضافاً إلى جميع ما تقدّم أنّه بالوجدان نرى أنّه ليس في اللفظ ]كما أسلفنا [إلاّ اُمور سبعة :

الأوّل : الألفاظ المفردة . الثاني : معانيها . الثالث : الهيئة التركيبيّة . الرابع : مفادها . الخامس : تصوّر المعنى . السادس : التصديق بالنسبة نفياً أو إثباتاً . السابع : مطابقة الخبر في مثل «زيد قائم» للواقع . وليس شيء منها كلاماً نفسيّاً كما هو ظاهر غير محتاج إلى التطويل ، ويؤيّد ما ذكر أنّ غير الأشعري ممّن سبقه ولحقه يستعملون الكلام اللفظي من غير أن ينتقلوا إلى الكلام النفسي أصلاً ، فنحن لا  نتصور للكلام النفسي معنى معقولاً حتى نبحث عنه([16]) .

 

 

تنبيهان:

 

الأوّل ـ أنّه هل في النفس أمر غير مقدّمات الإرادة من التصوّر والتصديق بالفائدة والميل والعزم ونفس الإرادة أم لا ؟

فنقول : إنّا إذا راجعنا وجداننا نجد أنّ حركة العضلات لا  تترتّب على الإرادة ، بل هناك أمر آخر قائم بالنفس قيام الفعل بفاعله وهو إعمال النفس قدرتها ، بأيّ اسم شئت سميّته ، بالإختيار أو المشيئة أو الطلب .

والحاصل : أنّ المترتّب عليه حركة العضلات هو إعمال النفس قدرتها بعد ما اشتاقت إلى الفعل وأرادته ، لا الإرادة بمعنى الشوق المؤكّد ; إذ كثيراً ما تشتاق النفس إلى شيء اشتياقاً لا يتصوّر فوقه شيء ومع ذلك لا  تفعله ولا  توجده في الخارج لمانع يكون في البين ، ولا يخفى أنّه لا  يكون كلاماً نفسيّاً مدلولاً للكلام اللفظي ، ولا يقول به الأشاعرة أيضاً .

الثاني ـ هل في النفس أمر نسبته إلى النفس نسبة العرض إلى معروضه غير الإرادة والكراهة والحبّ والبغض وغير ذلك من الصفات المشهورة أم لا ؟

والحقّ هو الثاني ، والوجدان أصدق شاهد على ذلك ، حيث إنّا لا  نجد في أنفسنا ـ سوى مقدّمات الإرادة ونفسها وسائر الصفات المعروفة ـ شيئاً آخر وصفة اُخرى قائمة بالنفس قيام العرض بمعروضه حتّى تكون كلاماً نفسيّاً مدلولاً للكلام اللفظي ، وهذا واضح غاية الوضوح([17]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] يس : 82 .

[2] المحاضرات 2 : 28 ـ 31 . وفي مصابيح الاُصول : 184 ـ 185 ، ما لفظه : «والجواب عنه : أنّ المراد بالمبدأ في المتكلّم إن كان هو الكلام فلازم استدلالهم هذا استحالة توصيف الممكن بالتكلّم أيضاً ، فلا يصحّ أن يقال : زيد متكلّم ; لأنّ الكلام إنّما يقوم بالهواء إذ ليس هو إلاّ عبارة عن تموّج الهواء على كيفيّة خاصة يقرع سمع مستمعه ، ولا يقوم بالمتكلّم ، وأيضاً يلزم صحّة توصيف الهواء بالمتكلم ، وهما من الفساد بمكان . وأمّا إذا كان المراد بمبدأ المتكلّم هو التكلم فقد عرفت أنّ التكلّم عبارة عن إيجاد الكلام ، وهو بهذا المعنى قائم بالمتكلّم سواء فيه الواجب والممكن ، وبالجملة : فلا يعتبر في صحّة توصيف شيء بشيء قيام مبدأ الوصف بموصوفه على نحو الحلول دائماً .

            وأمّا النقض باتّصافه تعالى بالنوم والحركة فيتوجّه عليه أنّ هيئات المشتقّات وإن وضعت لإسناد الصفة إلى موصوفها وما تقوم به نحو قيام إلاّ أنّ ذلك لا  يقتضي جواز اطلاق النائم على من أوجد النوم كما في القاتل والضارب ; فإنّ ذلك ليس أمراً قياسياً ليقاس عليه ، وإنّما هو أمر استعمالي ، ولابدّ فيه من استعمال أهل اللسان والعرب ، ولم يرَ ولم يسمع توصيف العرب لموجد النوم بالنوم بأن يطلقوا عليه النائم ، فإنّهم يرونه وصفاً لمن قام به النوم على نحو الحلول ، فعدم صحّة توصيفه تعالى بهما من جهة عدم استعمالهما بهذا المعنى ،و غير مستند إلى اعتبار الحلول في صحّة التوصيف على الاطلاق» .

[3] النساء : 164 .

[4] المحاضرات 2 : 25 . دراسات في علم الاُصول 1 : 148 ، 150 . مصباح الاُصول ج1/ القسم 1 : 258 .

[5] مصباح الاُصول ج1 / القسم 1 : 258 ، وفي مصابيح الاُصول  :182 ، ما لفظه : «إنّ الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالتكلّم فقال : وكلّم الله موسى تكليماً ، وقد أصبح التكلّم صفة من أوصافه ، وبما أنّه تعالى قديم ويستحيل أن يّتصف بالحادث لا مناص من الالتزام بأحد أمرين : إمّا حدوث الواجب ، وهو مستحيل ، وإمّا قدم الكلام ولا محذور فيه . وحيث إنّ الكلام اللفظي أمر حادث تدريجي الحصول يوجد جزء منه وينعدم ، فلابدّ من الالتزام بوجود كلام قديم ، وهو المعبّر عنه بالكلام النفسي» .

[6] لم نعثر على هذا الخبر بعد الفحص في المجاميع الروائيّة .

[7] دراسات في علم الاُصول 1 : 148 ـ 149 .

[8] نهج البلاغة 1: 15، ط ـ دار المعرفة .

[9] يس : 82 .

[10] مصباح الاُصول ج1 / القسم 1 : 258 ـ 260 . وفي المحاضرات 2 : 25 ـ 26 ما لفظه : «إنّ صفاته تعالى على نوعين ، الأول : الصفات الذاتية كالعلم والقدرة والحياة وما يؤول إليها ، فإنّ هذه الصفات عين ذاته تعالى في الخارج ، فلا إثنينيّة فيه ولا مغايرة ، وأنّ قيامها بها قيام عيني ، وهو من أعلى مراتب القيام وأظهر مصاديقه ، لا قيام صفة بموصوفها ، أو قيام الحال بمحلّه ، ومن هنا ورد في الروايات أنّ الله تعالى وجود كلّه ، وعلم كلّه ، وقدرة كلّه ، وحياة كلّه ، وإلى هذا المعنى يرجع قول أمير المؤمنينعليه السلام في نهج البلاغة : «كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف» .

            الثاني : الصفات الفعلية كالخلق والرزق والرحمة وما شاكلها ، فإنّ هذه الصفات ليست عين ذاته تعالى ، حيث إنّ قيامها بها ليس قياماً عينيّاً كالصفات الذاتيّة ، هذا من ناحية ، ومن ناحية اُخرى : قيام هذه الصفات بذاته تعالى ليس من قيام الحال بمحلّه ، والوجه في ذلك أنّ هذه الصفات لاتخلو من أن تكون حادثة أو تكون قديمة ولا ثالث لهما ، فعلى الأوّل لزم قيام الحادث بذاته تعالى ، وهو مستحيل ، وعلى الثاني لزم تعدّد القدماء ، وقد برهن في محلّه استحالة ذلك» .

[11] المحاضرات 2 : 26 ـ 27 .

[12] دراسات في علم الاُصول 1 : 149 .

[13] مصباح الاُصول ج1 / القسم 1 : 260 . وقد تقدّم شطر من الكلام في بيان الفرق بين صفات الفعل وصفات الذات ، فراجع .

[14] يوسف : 77 .

[15] البقرة : 284 .

[16] دراسات في علم الاُصول 1 : 151 .

[17] الهداية في الاُصول 1 : 200 ـ 201 .