akdak

المقالات

قسم الأدب و اللغة

مقدمة المركز

209

---------

 

 

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على الحبيب المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
ممّا لا ريب فيه أنَّ صحة الاَحكام والعقائد تتوقف على ورودها في مصادر التشريع الاِسلامي، سيّما ما يتعلق منها بأنباء الغيب وحوادث المستقبل.
والرجعة التي تعدُّ واحدة من أُمور الغيب وأشراط الساعة، استدلّ الاِمامية على صحة الاعتقاد بها بالاَحاديث الصحيحة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله المعصومين عليهم السلام المروية في المصادر المعتبرة، فضلاً عن اجماع الطائفة المحقّة على ثبوتها حتى أصبحت من ضروريات المذهب عند جميع الاَعلام المعروفين والمصنفين المشهورين، وهذان الدليلان من أهمّ ما استدلّ به الاِمامية على صحة الاعتقاد بها.
كما استدلوا على إمكانها بالآيات القرآنية الدالة على رجوع أقوام من الاُمم السابقة إلى الحياة الدنيا رغم خروجهم من عالم الاَحياء إلى عالم الموتى، كالذين خرجوا من ديارهم حذر الموت وهم أُلوف، والذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، والذين أخذتهم الصاعقة، وأصحاب الكهف، وذي القرنين وغيرهم، أو الدالة على وقوعها في المستقبل إما نصّاً صريحاً كقوله تعالى: (ويوم نحشر من كلِّ أُمّةٍ فوجاً) الدال على الحشر الخاص قبل يوم القيامة، أو بمعونة الاَحاديث المعتمدة في تفسيرها كقوله تعالى: (وحرام على قريةٍ أهلكناها أنهم لا يرجعون).
ويمكن أن يتجلّى لنا الهدف من هذا الاَمر الخارق الذي أخبر عنه أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام إذا عرفنا أنَّ العدل الاِلهي واسع سعة الرحمة الاِلهية ومطلق لا يحدّه زمان ولا مكان وأنّه أصيل على أحداث الماضي والحاضر والمستقبل، والرجعة نموذج رائع لتطبيق العدالة الاِلهية، ذلك لاَنّها تعني أنّ الله تعالى يعيد قوماً من الاَموات ممن محض الاِيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، فيديل المحقين من المبطلين عند قيام المهدي من آل محمد عليهم السلام وهو يوم الفتح الذي أخبر عنه تعالى بقوله: (ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين * قُل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون) وفيه يتحقق الوعد الاِلهي بالنصر للاَنبياء والمؤمنين (إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاَشهاد).
ولقد اتّخذت الرجعة وسيلة للطعن والتشنيع على مذهب الاِمامية حتى عدّها بعض المخالفين من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها، مع أنّ الدليل على إمكانها وارد في الكتاب الكريم بصريح العبارة وبما لا يقبل التأويل أو الحمل، ومع أنّها من أشراط الساعة كنزول عيسى عليه السلام وظهور الدجال وخروج السفياني وأمثالها من القضايا الشائعة عند المسلمين ولا يترتب على اعتقادهم بها أدنى إنكار لاَيّ حكم ضروري من أحكام الاِسلام، وفوق ذلك أنّ الرجعة دليل على القدرة البالغة لله تعالى كالبعث والنشور، وهي من الاُمور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون معجزة كبرى لنبينا وآل بيته المعصومين عليهم السلام.
فمن أجل توضيح مباني هذا الاعتقاد وإزالة اللبس الذي يعتري أذهان البعض حوله، قام مركزنا باصدار هذه الدراسة التي تحتوي على ستة فصول تلمّ بأطراف الموضوع تعريفاً وأدلةً وأحكاماً باعتماد ما ورد في الكتاب العزيز والاَحاديث المستفيضة عن النبي الاَكرم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، نسأل الله تعالى أن ينفع بها.

إنّه ولي التوفيق

مركز الرسالة