akdak

المقالات

القسم الولائي

الإمام الحسين ينعي نفسه

877

باقر شريف القرشي

في ليلة العاشر من المحرم دخل الإمام الحسين (عليه السلام) إلى خيمته و جعل يعالج سيفه و يصلحه و قد أيقن بالقتل و هو يقول:

 يا دهر أف لك من خليل‏           كم لك بالاشراق و الأصيل‏

من صاحب و طالب قتيل‏            و الدهر لا يقنع بالبديل‏

          و إنما الأمر إلى الجليل‏              و كل حي سالك سبيلي‏           

و قد نعى نفسه العظيمة بهذه الأبيات و كان في الخيمة الإمام زين العابدين و حفيدة النبي (صلى الله عليه و آله) زينب بنت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما سمع الإمام زين العابدين عرف ما أراده أبوه فخنقته العبرة و لزم السكوت و علم أن البلاء قد نزل ، و أما عقيلة بني هاشم فقد أحست أن شقيقها و بقية أهلها عازمون على الموت و مصممون على الشهادة فأمسكت قلبها في ذعر و ثبت و هي تجر ثوبها و قد فاضت عيناها بالدموع فوقفت أمام أخيها و قالت له بنبرات لفظت فيها شظايا قلبها: وا ثكلاه! وا حزناه ليت الموت أعدمني الحياة يا حسيناه يا سيداه يا بقية أهل بيتاه استسلمت و يئست من الحياة اليوم مات جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمي فاطمة الزهراء و أبي علي و أخي الحسن يا بقية الماضين و ثمال الباقين .

فنظر إليها برفق و حنان و قال لها: يا أخية لا يذهبن بحلمك الشيطان ، و انبرت العقيلة إلى أخيها و هي شاحبة اللون قد مزق الأسى قلبها الرقيق المعذب فقالت له: أ تغتصب نفسك اغتصابا فذاك أطول لحزني و أشجى لقلبي .

و لم تملك صبرها بعد ما أيقنت أن شقيقها مقتول فعمدت إلى جيبها فشقته و لطمت وجهها و خرت على الأرض فاقدة لوعيها و شاركتها السيدات من عقائل الوحي في المحنة القاسية و صاحت أم كلثوم: وا محمداه وا علياه وا أماه وا حسيناه وا ضيعتنا بعدك .

و أثر المنظر الرهيب في نفس الإمام الحسين فذاب قلبه أسى و حسرات و تقدم إلى السيدات من بنات الوصي فجعل يأمرهن بالخلود إلى الصبر و التحمل لأعباء هذه المحنة الكبرى قائلا: يا أختاه يا أم كلثوم يا فاطمة يا رباب انظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيبا و لا تخمشن وجها و لا تقلن هجرا .

لقد أمرهن بالخلود إلى الصبر و التجمل به و اجتناب هجر الكلام أمام المحن القاسية التي ستجري عليهن.