akdak

المقالات

قسم القانون

شبهة عدم التعادل بين الجريمة والعقوبة

417

آية الله جعفر السبحاني

ربما يقال كيف يصحّ الخلود الدائم مع كون الذنب منقطعاً ، وهل هذا إلاّ نقض للمساواة المفروضة بين الجريمة والعقوبة ؟!

والجواب عن الشبهة بوجهين :

الأوّل : انّه لم يدل دليل على وجوب المساواة بين الجرم والعقوبة من حيث الكمِّية ، بل المراد المساواة في الكيفية أي عظمة الجرم ، فربما يكون الجرم آناً واحداً وتتبعه عقوبة دائمة ، كما إذا قتل إنساناً وحكم عليه بالحبس المؤبد.

فالإنسان المقترف للذنوب وإن خالف ربه في زمن محدد ، لكن آثار تلك الذنوب ربما تنتشر في العالم.

الثاني : قد عرفت أنّ العذاب الأُخروي تجسيد للعمل الدنيوي وهو المسؤول عمّا اقترفه.

وقد عرّفه سبحانه نتيجة عمله في الآخرة وانّ أعماله المقطعية سوف تورث حسرة طويلة أو دائمة ، وأنّ عمله هنا سيتجسَّد له في الآخرة ، أشواكاً تؤاذيه أو وروداً تطيبه ، وقد أقدم على العمل عن علم واختيار ، فلو كان هناك لوم فاللوم متوجه إليه ، قال سبحانه حاكياً عن الشيطان : {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم : 22] .

وفيما مرّ من الآيات التي تعد الجزاء الأُخروي حرثاً للإنسان تأييد لهذا النظر ، على أنّ من المحتمل أنّ الخلود في العذاب مختص بما إذا بطل استعداد الرحمة وإمكان الإفاضة ، قال تعالى : {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة : 81] .

ولعلّ المراد من قوله : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } إحاطتها به إحاطة توجب زوال أيَّة قابلية واستعداد لنزول الرحمة ، والخروج عن النقمة.

وكيف كان فتظهر صحّة ما ذكرنا إذا أمعنت النظر فيما تقدم في الجواب عن السؤال الأوّل وهو أنّ الجزاء إمّا مخلوق للنفس أو يلازم وجود الإنسان وفي مثله لا

تجري شبهة التعادل بين الجريمة والعقوبة كما هو واضح. تمّ الكلام في الأصل الأوّل من أُصول المذهب ، أعني : العدل الإلهي وركّزنا البحث فيه على الموضوعات التي تطرقت إليها الآيات القرآنية. ومن أراد التبسيط فليرجع إلى الكتب المفصَّلة في هذا الصدد.