akdak

المقالات

قسم الاخلاق

الأمانة والخيانة

4006

ألسيد مهدي الصدر

الأمانة هي : أداء ما ائتمن عليه الإنسان من الحقوق ، وهي ضدّ ( الخيانة ) .

وهي مِن أنبل الخِصال ، وأشرَف الفضائل ، وأعزّ المآثر ، بها يُحرِز المرء الثقة والإعجاب  ويَنال النجاح والفوز .

وكفاها شرفاً أنّ اللّه تعالى مدَح المتحلّين بها ، فقال : {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون : 8] .

وضدّها الخيانة ، وهي : غَمْط الحقوق واغتصابها ، وهي مِن أرذل الصفات ، وأبشع المذام   وأدعاها إلى سقوط الكرامة ، والفشَل والإخفاق .

لذلك جاءت الآيات والأخبار حاثّة على التحلّي بالأمانة ، والتحذير من الخيانة ، وإليك طرَفاً منها : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء : 58] .

وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال : 27].

قال الصادق ( عليه السلام ) : (لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم  فإنّ الرجُل ربّما لهِج بالصلاة والصوم حتّى لو ترَكه استوحش ، ولكن اختبروهم عند صِدق الحديث وأدَاء الأمانة ) (1) .

وعنه ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( ليس منّا من أخلف الأمانة ) .

وقال : قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( أداء الأمانة يجلب الرزق ، والخيانة تجلب الفقر) (2) .

وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( اتّقوا اللّه ، وعليكم بأداء الأمانة إلى مَن ائتمنكم ، فلو أنّ قاتل عليّ بن أبي طالب ائتمنَني على أمانةٍ لأدّيتها إليه ) (3) .

وقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( لا تزال أُمّتي بخير ، ما لم يتخاونوا ، وأدّوا الأمانة  وآتوا الزكاة ، فإذا لم يفعلوا ذلك ، ابتلوا بالقحط والسنين ) .

محاسن الأمانة ومساوئ الخيانة :

تلعب الأمانة دوراً خطيراً ، في حياة الأُمم والأفراد ، فهي نظام أعمالهم ، وقوام شؤونهم  وعنوان نُبلهم واستقامتهم ، وسبيل رُقيّهم المادّي والأدبي .

وبديهيّ أنّ مَن تحلّى بالأمانة ، كان مَثار التقدير والإعجاب ، وحازَ ثقة الناس واعتزازهم وائتمانهم ، وشاركهم في أموالهم ومغانمهم .

ويصدق ذلك على الأُمم عامّة ، فإنّ حياتها لا تسمو ولا تزدهر، إلاّ في محيطٍ تسوده الثقة والأمانة .

وبها ملك الغرب أزمّة الاقتصاد ، ومقاليد الصناعة والتجارة ، وجنى الأرباح الوفيرة ، ولكنّ المسلمين ، وا أسفاه ! تجاهلوها ، وهي عنوان مبادئهم ، ورمز كرامتهم ، فباؤوا بالخيبة والإخفاق .

مِن أجل ذلك كانت الخيانة من أهم أسباب سقوط الفرد وإخفاقه في مجالات الحياة ، كما هي العامل الخطير في إضعاف ثقة الناس بعضهم ببعض ، وشيوع التناكر والتخاوف بينهم ، ممّا تسبّب تسيّب المجتمع ، وفَصْم روابطه ، وإفساد مصالحه ، وبعثرة طاقاته .

صوَر الخيانة :

وللخيانة صور تختلف بشاعتها وجرائمها باختلاف آثارها ، فأسواها نُكراً هي الخيانة العلميّة التي يقترفها الخائنون المتلاعبون بحقائق العِلم المقدّسة ، ويشوبونها بالدسّ والتحريف .

ومِن صورها إفشاء أسرار المسلمين ، التي يحرصون على كتمانها ، فإشاعتها والحالة هذه جريمةٌ نكراء ، تعرّضهم للأخطار والمآسي .

ومن صورها البشِعة : خيانة الودائع والأمانات ، التي أؤتُمِن عليها المرء ، فمصادرتها جريمةٌ مضاعفة مِن الخيانة والسرقة والاغتصاب .

وللخيانة بعد هذا صورٌ عديدة كريهة ، تثير الفزع والتقزّز ، وتضرّ بالناس فرداً ومجتمعاً مادّياً وأدبياً ، كالخداع والغشّ والتطفيف بالوزن أو الكيل ، ونحوها من مفاهيم التدليس والتلبيس .

____________________

(1) الوافي : ج 3 ، ص 82 ، عن الكافي .

(2) الوافي : ج 10 ، ص 112 ، عن الكافي .

(3) الوافي : ج 10 ، ص 112، عن الكافي والتهذيب .