akdak

المقالات

القسم الولائي

دور المعصوم في تفسير القرآن الكريم

287

د. السيد نذير الحسني

إنّ دور المعصوم(عليه السلام) في تفسير القرآن يتجلى في أمور عدّة أهمّها: توضيح المفاهيم والألفاظ، وتحديد المصاديق وتطبيقها، وتجسيد معاني القرآن، وبيان المناهج الصحيحة للتفسير.
ومما يستفاد كدليل على ممارسة المعصوم(عليه السلام) لهذه الأمور الأربعة ما جاء في نصّ حديث الثقلين الذي اتّفق الجميع على صحّته، وقال عنه الحافظ ابن حجر الهيثميّ: (اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيّف وعشرين صحابيّا).

وقد جاء في متن حديث الثقلين قوله(صلى الله عليه وآله): (لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، فمن قرينة (عدم الافتراق) يبرز دور المعصوم(عليه السلام) في توضيح وبيان القرآن على مختلف الصعد والمراتب المفهومية والتطبيقية، سواء على مستوى تحديد المعاني ام تجسيدها، فضلا عن قدرته على رسم الطريق الصحيح للوصول الى معاني وحقائق القرآن .

توضيح المفاهيم والألفاظ:
فأما توضيح المفاهيم والالفاظ فإن المعصوم (عليه السلام) يقوم بتوضيحها على النحو الذي يتناسب ودلالتها على المعنى المقصود منها، لان هناك بعض الالفاظ لها عدة معان من قبيل المشترك اللفظي كمفهوم الواحد، فتارة يطلق الواحد ويراد منه المعنى المجازي الاعتباري، وتارة اخرى يطلق ويراد منه المعنى الحقيقي، فنجد الامام زين العابدين(عليه السلام) في دعائه يقول : (سبحان الواحد الذي لا اله غيره، القديم الذي لا بدء له، الدائم الذي لا نفاد له)، ونقل الطبرسي عن الامام الباقر(عليه السلام) تفسير قوله تعالى: (قل هو الله احد الله الصمد) فقال: (الله المعبود الذي له الخلق وممن عجز عن ادراك ماهيته والاحاطة بكيفيته والاحد الفرد المتفرد).
واما تحديد المصاديق وتطبيقها فهو من قبيل قول امير المؤمنين في الآية الكريمة: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض)، إذ قال(عليه السلام): هم آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزهم، ويذل اعداءهم.
وفي قوله تعالى: (ان الارض يرثها عبادي الصالحون) قال الامام الباقر(عليه السلام): (هم اصحاب المهدي في اخر الزمان) .

بيان الأحكام الشرعية:
واما على مستوى الاحكام الشرعية فقد بين أئمة اهل البيت نكاتا في الآيات القرانية يعجز عن بيانها غيرهم، ففي قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وارجلكم الى الكعبين) روى ثقة الاسلام الكليني بسنده الى زرارة قال: (سألت ابا جعفر الباقر(عليه السلام): الا تخبرني من اين علمت وقلت: ان المسح ببعض الرؤوس، فضحك الامام(عليه السلام) ثم قال لان الله عز وجل يقول:(فاغسلوا وجوهكم) فعرفنا ان الوجه كله ينبغي ان يغسل ثم قال: (وايديكم الى المرافق) ثم فصل بين الكلامين فقال: (وامسحوا برؤوسكم) فعرفنا حين قال (برؤوسكم) ان المسح ببعض الراس لمكان الباء).

والمعصوم أيضا يعد تجسيدا لمعاني القرآن، لأنه يمثل الحلقة الأساسية في السلسلة المرتبطة بالله من طرف وبالمخلوقين من طرف آخر، فكل ما جاءت به السماء لا بد أن يمثل المعصوم الواقع التطبيقي والتجسيد العملي له؛ ليكون قدوة عملية ومثلا أعلى للآخرين، وهذا ما ركز عليه القرآن الكريم في خطابه للناس عندما قال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، وبعينه خاطب به المولى قوم ابراهيم(عليه السلام) فقال: (قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه).

المناهج الصحيحة للتفسير:
واما بيان المناهج الصحيحة للتفسير وفق نظام متكامل في توضيح مراد الشارع المقدس لمثل هذه الحقائق الموجودة في القرآن الكريم، فمن المعلوم ان الوصول اليها لا يتم بشكل عفوي وعشوائي، بل لابد من طريقة خاصة ومنهج واضح يتم من خلاله استكشاف مراد الشارع، وهو أمر ليس بالسهل لكل احد من آحاد الأمة، لان المنهج لابد ان يكون على قدر من المسؤولية والصلاحية التي تخوله بذلك، ولم يدل الدليل على أحقية أحد في ذلك غير آل البيت(عليهم السلام) ومن قبلهم النبي الاكرم(صلى الله عليه واله وسلم)وهذا ما صرح به حديث الثقلين بشكل واضح، فالمعصوم(عليه السلام) يقوم بتحديد المناهج والاطر التي يجب سلوكها للوصول الى الحقيقة القرانية، بل له الحق في الوقوف بوجه كل من يريد ان يفسر القرآن برأيه، لأنه يعد سلوكا لمنهج منحرف لا يوصل الى الحقائق القرانية، قال(صلى الله عليه واله وسلم): (من فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب…).
ومن اهم المناهج التفسيرية التي اتبعها المعصوم في تفسير القرآن وتوضيح معانيه وتبيين حقائقه هو منهج تفسير القرآن بالقرآن، ومنه ما جاء عن الامام الرضا(عليه السلام) عندما سأله أحدهم: إنك لتفسر من كتاب الله مالم يُسمع، فقال(عليه السلام): (علينا نزل قبل الناس ولنا فُسر قبل ان يُفسر في الناس، فنحن نعرف حلاله وناسخه ومنسوخه….) هذا فضلا عن استخدامهم منهج التفسير العقلي.

نشرت في الولاية العدد 79