جاء الإسلام لتصحيح كثير من الشؤون الاجتماعية غير المنضبطة ومنها
الإسراف في تعدّد الزوجات؛ إذ إن اتخاذ الزوجات المتعددة كان سنّة
جارية في غالب الأمم القديمة كمصر والهند والصين والفرس بل الروم
واليونان أيضا.
فإنّهم
كانوا ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدناً يصاحبونها،
وكان ذلك الامر لا ينتهي إلى عدد معين من الزوجات لدى بعض الأمم،
فكان الرجل منهم ربما تزوج العشرة والعشرين
واكثر.
أما القرآن الكريم فقد أباح للرجل أن يجمع بين أربع زوجات – كحد
أعلى – في وقت واحد، يكنَّ في عصمته لضرورة فطرية أو اجتماعية، فإنه
بذلك حدد التعدد، وشَرَطَ أيضاً قدرة الزوج على إقامة العدل بين
زوجاته، وهذا ما ترشد إليه الآية الكريمة في قوله
تعالى:
((وَإِنْ
خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ
لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)).
العدالة العملية والعاطفية
والعدل
الذي أمر الله سبحانه به الرجل وجعله شرطاً في جواز الجمع بينهن هو
العدل العمليّ الظاهري، وهو المستشف من قوله تعالى: (وَلَن
تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ
)، فـ(هي التسوية بينهن فيما يقدر عليه المكلف ويملكه، مثل التسوية
بينهن في القسم والنفقة والكسوة والسكنى وما يتبع ذلك من كل ما
يملكه ويقدر عليه ).
إذ لا ضير في الحب والميل القلبي الذي لا يوجب تفضيل بعض الازواج في المواقف العملية، وعلى هذا الأساس فإن ما يجب على الرجل مراعاته هو العدالة بين أزواجه في الجوانب العملية الخارجية أي في نوع التعامل العملي خاصّة إذ يستحيل مثل هذه المراعاة في المجال العاطفي.
فهذه العدالة العملية إذا لم تُحقق وقع الظلم والجور المنهي عنه، فعلى الرجل قبل الإقبال على تعدد الزوجات أن يدرس إمكانية هذا الزواج من نواحٍ مختلفة أهمها المادية والنفسية، وهذه الدراسة وحساب الإمكانيات تأتي تحاشياً للظلم، ولا يتعلق الأمر بالزواج الثاني بل هو من أولويات الزواج الأول.
الضوابط القرآنية للتعدد
فضلاً
عن كل ما سلف فإن لتعدد الزوجات ضوابط قرآنية حكماً وفوائد اجملها
العلماء في الآتي:
أولا:
لصيانة المرأة من الوقوع في وحل الرذيلة إذا حُرمت من حقها الفطري
في الزواج، وذلك بسبب الزيادة الطبيعية في اعداد الاناث مقارنة
بالذكور في أغلب المجتمعات.
ثانيا:
المساهمة في تكثير نسل الأمة؛ لأن قوة الأمم ترتكز على قوتها
العسكرية والاقتصادية، وعماد هذه القوة العنصر البشري، والتعدد
يُسهم بشكل كبير في توفير هذا العنصر.
ثالثا: كثرة أعداد النساء مقارنة بالرجال نتيجة لوقوع الحروب، فتفقد الأمم أعداداً ليست قليلة من الرجال فيزداد عدد الأرامل واليتامى، وهم بحاجة إلى من يرعاهم ويكفل لهم حياة كريمة.
رابعا: اختلاف طبيعة الرجل عن طبيعة المرأة، لأن لدى بعض الرجال من الرغبة والميل إلى النساء ما لا يمكن معه الصبر على زوجة واحدة، ولا سيما أن المرأة تعتريها حالات تمنع من مقاربتها، فيكون التعدد حفظاً للرجل من الوقوع في الفاحشة، مع احتفاظ الزوجة الأولى بحقوقها، وفي الوقت نفسه هناك من النساء من تقل رغبتها في المعاشرة الزوجية مع أنها ترغب في مواصلة الحياة مع زوجها، فيكون التعدد علاجاً لهذا الوضع.
حق الرحمة والمؤانسة
الزوجة
عون للرجل، فمن واجبه أن يعاملها المعاملة التي تليق بها، فيكرمها
ويحسن معاشرتها، وهو ما أكدته سنة المعصوم أيضاً، فنلحظ الإمام علي
بن الحسين(عليه السلام) يصور حق المرأة على الرجل تصويراً موحياً،
كأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحس، فيقول(عليه السلام)
في حق الزوجة: (أن تعلم أن الله جعلها لك سكناً ومُستراحاً وأُنساً
وواقية.. وأنَّ ذلك نعمةٌ منه سبحانه وتعالى عليه، ووجب أن يُحسن
نعمة الله ويُكرمها ويرفق بها.. فإن لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع
السكون إليها قضاء اللذة التي لا بدّ من قضائها وذلك عظيم)،
فالالتزام بحق الزوجة دليل على كمال خُلق الرجل وتمام إيمانه، وإذا
كان لا بدّ من أن توجد في الإنسان بعض العيوب أو الصفات التي لا
يرضاها الآخر، فلا ريب أن هناك صفات كثيرة غيرها تعوض عنها وتقوم
مقامها وتدعو للإعجاب بما يضمن استمرار الحياة
الزوجية.
نشرت في الولاية 79
اكثر قراءة