المقالات
قسم القرآن الكريم
حقائق ومفاهيم قرآنية معرفة الله عز وجل
من المستحيل ان يعرف الانسان الله سبحانه وتعالى معرفة كاملة لأنه مطلق غير محدود والانسان محدود والمحدود يستحيل ان يحيط باللامحدود ولكن المعرفة الجزئية ممكنة وهو المطلوب منه، وقبل التطرق الى هذه المعرفة نشير الى هذه الحقائق والقضايا:
معرفة الله تعالى امر فطري:
ان
معرفة الله مركزة في ذات كل انسان ولا تزول عنه وان كفر به والحد
وانكر وجوده، وقد اشار القران الى هذه الحقيقة بقوله تعالى: (أَفِي
اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(إبراهيم/10)
فالموجودات كلها تشهد بوجوده وتؤمن بانه الخالق لها (ذَلِكُمُ
اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ)(الأنعام/102) كل موجود يعلم انه لم يوجد نفسه بنفسه، ولم
يوجده موجود اخر مثله لأنه استمد وجود من غيره فكيف يوجد غيره
(الفاقد للشيء لا يعطيه) فلا بد ان يكون هناك موجد مطلق وجوده من
ذاته وقادر على اعطاء الوجود لغيره وهو الله تعالى فهو وحده الخالق
لكل مخلوق.
هذه
المعرفة والايمان بالله تعالى تتجلى للإنسان حينما يواجه خطر الموت
فيتوجه بنحو تلقائي الى المنقذ الرحيم الذي يرجو النجاة على يده
وليس ذلك الا الله تعالى قال عز وجل (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ
فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا
نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ
كَفُورًا)(الإسراء/67).
استحالة المعرفة الالهية
الكاملة:
الله
تعالى هو الوجود المطلق الذي لا يحده شيء فأنى للمحدود ان يحيط به
ليعرفه معرفة كاملة، من هنا فان كل ما يتصوره الانسان عن الله تعالى
هو تصور مخلوق محدود وهو غير الله كما روي عن الامام الباقر عليه
السلام قوله لأصحابه: (كل ما ميزتموه بأوهامكم في ادق معانيه مخلوق
مصنوع مثلكم مردود اليكم)، وروي عن النبي صلى الله عليه واله قوله:
(ولا يبلغ أحد كنه معرفته فقيل: ولا انت يا رسول الله؟ قال ولا انا،
والله اجل واعلى من ان يطلع على كنه معرفته بشر) وجاء في الدعاء (
كلت الألسن عن غاية صفته وانحسرت العقول عن كنه
معرفته).
النهي عن التفكر في ذات الله
سبحانه:
مهما
فكر الانسان وتعمق في تفكره في الله تعالى فانه لا يصل الى نتيجة
لان الله تعالى مطلق غير محدود ويستحيل للمحدود ان يحد اللامحدود
وقد يؤدي هذا التفكر الى انكار وجود الله تعالى او القول بالشرك
وغير ذلك من الانحرافات الفكرية ولصيانة العقول والافكار من خطر
الانحراف نهى النبي صلى الله عليه واله واهل بيته الاطهار عن ذلك
ففي الحديث النبوي الشريف (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله
فتهلكوا) وعن امير المؤمنين عليه السلام: (من تفكر في ذات الله
تزندق) وعن الامام الصادق عليه السلام: (اياكم والتفكر في الله فان
التفكر في الله لا يزيد الا تيهاً ان الله لا تدركه الابصار ولا
يوصف بمقدار).
امكان المعرفة الالهية الجزئية:
ان
باب المعرفة الجزئية بالله تعالى مفتوحة للجميع كل حسب قدراته
العقلية والعلمية ولو كانت هذه المعرفة مستحيلة لما قال تعالى:
(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى
السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ *
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية/17-20)، المطلوب المهم
هو ان يعرف الانسان الله عز وجل مستندا الى الدليل والبرهان وهو ما
يطلق عليه (علم اليقين).
معرفة الله تعالى هي الهدف من
الخلق:
جاء
في الحديث القدسي (كنت كنزا مخفيا فأحببت ان أُعرف فخلقت الخلق
لأُعرف) وعن الامام الحسين عليه السلام (يا ايها الناس ان الله جل
ذكره ما خلق الخلق الا ليعرفوه فاذا عرفوه عبدوه، واذا عبدوه
استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه).
المعلوم الاول وبالذات هو الله
تعالى:
الله
سبحانه هو الموجود الاول والمبدأ الذي يستمد كل موجود وجوده منه،
فهو الحاضر الاول والمعلوم الاول وما سواه معلوم بعد معرفة الله،
ولعل في دعاء الامام الصادق عليه السلام دلالة على هذه الحقيقة حيث
روي عنه قوله لزرارة (ان للغلام ويقصد الامام الحجة المنتظر عجل
الله تعالى فرجه- غيبة قبل ان يقوم.. يا زرارة اذا ادركت هذا الزمان
فادع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف
نبيك، اللهم عرفني رسولك فان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك، اللهم
عرفني حجتك فان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني) فالمعرفة الالهية تمهد
لمعرفة النبي، فالعارف لله تعالى يدرك ضرورة ارساله الانبياء لمقتضى
العدالة الالهية وذلك لهداية الناس وارشادهم الى سعادتهم وكمالهم،
ومن عرف النبي يدرك ضرورة انتخاب الوصي له والامام من بعده لمواصلة
مسيرته وصيانة شريعته والعمل على ابقاء الهداية التي اهتدى الناس
اليها بفضل النبي صلى الله عليه واله وبدون الامام يتعرضون للضلال
والانحراف وهذا ما حصل للامة فعلا بعد النبي لم تلتزم بالثقلين
اللذين خلفهما النبي بعده واوصى بهما مرارا (كتاب الله وعترته) وقد
جاء في الحديث (من قال حسبنا كتاب الله فقد ضل عن دينه) وروي عن
الامام الصادق عليه السلام (من عرفنا فقد عرف
الله).
منهج معرفة الله تعالى:
هناك
منهجان للمعرفة الالهية: الاول منهج اكثر الفلاسفة والمتكلمين وفيه
ينتقل الباحث من المعلول الى العلة، ويعنى ذلك افتراض حضور المعلول
اولا وغياب العلة كمن يريد اثبات وجود الشمس من خلال مشاهدة النهار
والواقع هو العكس اذ ان الشمس ليست غائبة بل هي موجودة ولكن الباحث
يغفل عنها وينشغل بالنهار الذي يشعر بوجوده ويحسن به بصره، والمنهج
الثاني هو منهج الائمة الطاهرين عليهم السلام وفيه يستدل الباحث على
وجود العلة بالعلة نفسها، وقد اشار الامام زين العابدين عليه السلام
الى هذا المنهج في دعائه (بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك
ولولا انت لم ادر ما انت) فالله عز وجل حاضر وظاهر وهو نور السموات
والارض وبهذا النور نتعرف على وجود غيره وليس العكس، والنور هو ما
كان ظاهرا في نفسه مظهرا لغيره، وعليه كيف يصبح المنهج الاول؟ وقد
جاء في دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام: (أيكون لغيرك من
الظهور ما ليس لك حتى يكون هذا المظهر لك)؟ وقد روي عن الامام
الصادق عليه السلام (لا يدرك مخلوق شيئا الا بالله ولا تدرك معرفة
الله الا بالله) ولكن الانسان لشدة انسه بالمحسوسات وانشغاله بها
وغفلته عن المغيبات تراه يؤمن بالموجودات المحسوسة ويغفل عن خالقها
ومبدأ وجودها وهو الله تعالى. جاء في الرواية عن الامام الصادق عليه
السلام قوله لصاحبه اسحق (يا اسحق: خفِ الله كأنك تراه وان كنت لا
تراه فانه يراك، فان كنت ترى انه لا يراك فقد كفرت، وان كنت تعلم
انه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته اهون
الناظرين).
نشرت في الولاية العدد 92
اكثر قراءة