akdak

المقالات

قسم القرآن الكريم

حقائق ومفاهيم قرآنية “الكرامة في القرآن الكريم”

121

الشيخ كاظم الصالحي

الكرامة صفة نفسية تعني نزاهة الانسان من كل دناءة وانحطاط نفسي والارتقاء الى مقامات الغيب، وتستلزم السخاء والجود ومنها الاكرام والتكريم، واللُّؤم عكس الكرامة.

الكرم
يقول الراغب في مفرداته: الكرم اذا وصف الله تعالى به فهو اسم لاحسانه وانعامه المتظاهر نحو قوله (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)(النمل/40) واذا وصف الانسان به فهو اسم للاخلاق والافعال المحمودة التي تظهر منه، وكل شيء شرف في بابه فانه يوصف بالكرم قال تعالى: (فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ )(لقمان/10) وقال (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ )(الواقعة/77) وقال (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)(الإسراء/23) واخيرا فان الدولة الكريمة التي نرغب فيها كما جاء في دعاء الافتتاح فهي الدولة التي تقوم بواجباتها تجاه الدين والامة ويكون فيها الاسلام واهله أعزاء ويكون النفاق واهله اذلاء، ونسأل الله ان يجعلنا فيها من الداعين الى طاعته والقادة الى سبيله ويرزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة.

صفة الكرامة في القرآن
ولمعرفة حقيقة الكرامة من وجهة نظر القرآن الكريم نشير الى العناوين التالية:
1.
الكريم من الاسماء والصفات الالهية: وصف القرآن الله تعالى بالصفة (كريم) في ثلاثة مواضع قوله تعالى: فَتَعَالَى الله الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)(المؤمنون/116) وقوله: (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)(النمل/40) وقوله: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَان ُمَاغَرَّك َبِرَبِّكَ الْكَِريمِ *الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ)(الانفطار/7) كما وردت هذه الصفة بصيغ اخرى كقوله تعالى: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)(العلق/4) وقوله: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)(الرحمن/78).
2.
الانسان مخلوق مكرّم: قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(الإسراء/70) الانسان مركب من جزء يمثل حقيقته وهي روحه ونفسه، ومن جزء فرعي مشترك مع غير الانسان من الاحياء وهو جسمه المخلوق من الطين في اصله وهو أبو البشر آدم عليه السلام ومن ماء مهين في تسلسله كما قال تعالى: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ)(السجدة/7-9) ولأجل هذه الروح المنسوبة الى الله تعالى اثنى على ذاته المقدسة بقوله بعد بيان مراحل خلقه وهي النطفة ثم العلقة ثم المضغة وانبات اللحم على العظام (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون/14) ولأجلها أمر سبحانه ملائكته بالسجود لآدم عليه السلام بقوله: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ )(ص/71-72).

النزاهة والسمو
3.
المعلم الاول للكرامة هو الله تعالى: قال عز وجل (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)(العلق/3-5) يقول الفيلسوف والمفسر الكبير الشيخ الآملي: قد يكون الانسان نزيهاً عن حب الدنيا وبعيداً عن الدناءة ولكنه ليس كريماً، وارادة الله تعالى هي ان يصل الانسان الى مقام المكرمين ويدرك معنى الدناءة واسبابها وكيفية الخلاص منها، ثم يعرف كيف ينال كماله، فبدون هذا الكمال لا يكون كريما، اذ ان كل ما يحجب الانسان عن ربه فهو من الدنيا ويعني الدناءة وعليه لا يمكن ان يكون المحب للدنيا كريما.
الكرامة لها جانبان: الاول هو النزاهة عن دناءة الطبيعة والجانب الثاني هو السمو الى المقامات الرفيعة في عالم ما وراء الطبيعة وهو عالم الغيب، وقد بين الله تعالى هذين الجانبين فلا معلم كمثله كما لا يوجد كتاب تعليمي كالوحي قال تعالى: (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)(العلق/5) وهو العلم الذي يتعلمه بتعليم الهي من دون تعليم ودراسة كما هو حال العلوم الطبيعية وهكذا ما يعلمه النبي صلى الله عليه وآله إذ وصفه القرآن بقوله (وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)(البقرة/151) فلولا الانبياء لاسيما نبينا الكريم لم يكن بوسع البشرية التعرف على المبدأ والمعاد وعالم البرزخ والجنة والنار وغيرها من مخلوقات عالم الغيب التي لا تنالها الحواس البشرية.

منشأ هذه الصفة
4.
التقوى اساس الكرامة الانسانية: قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ)(الحجرات/13) اجل ان الكرامة ودرجاتها تنشأ من التقوى ودرجاتها وليس من المال او المنصب او العنوان او الحسب والنسب او القوة البدنية او اللغة والتربية والمنطقة الجغرافية، والتقوى ملكة تحصل بالعلم والعبادة والعمل الصالح لقوله تعالى مخاطبا بني اسرائيل: (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة/63) وهذا الخطاب مطلق يشمل حتى المسلمين اذ لا خصوصية للتوراة تميزها عن القران الكريم والاخذ بقوة يعني معرفة العلوم الالهية والقوانين الاخلاقية والاحكام الشرعية والايمان بالعقيدة الدينية بالدليل والبرهان والعمل بها والدفاع عنها.
وفي موضع اخر ينبه القرآن الانسان الذي يخطئ حينما يظن ان ما يعطيه الله تعالى من نعم وعطايا هو لإكرامه فاذا اخذها منه فان في ذلك تحقيره فإن في الاعطاء والاخذ اختباراً لدرجة ايمانه وصبره وكيفية سلوكه في السراء الضراء قال تعالى: (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا)(الفجر/15-16).

سر الخلود
5.
خلود الانسان: كل انسان يحب الخلود والبقاء ويكره الفناء والعدم والبعض يظن ان المال يعطيه الخلود قال تعالى: (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ)(الهمزة/2-3) والقرآن ينبه الانسان على أنّ طريق الخلود ليس المال بل هو التقوى والعمل لله تعالى، قال عز وجل: (لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)(الحج/37) وبما ان التقوى بحسب هذه الاية الكريمة تصل الى الله تعالى فان المتقي المتصف بها يصل الى الله ايضا، وما يصل الى الله يكون باقيا خالدا لا يزول قال تعالى: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ)(النحل/96) والتقوى خير الزاد الذي يحتاجه الانسان في رحلته الى الاخرة وهذه هي نصيحة القرآن الكريم للناس بقوله تعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)(البقرة/197).