akdak

المقالات

قسم القرآن الكريم

آية المودّة

391

الشيخ خضر الأسدي

قال الله تعالى في كتابه الكريم  :(قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرآ إلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) .

الخطاب لنبيّ الإسلام وحبيب الله محمّد المصطفى  9، وذلک بعد أن اشتدّ عود الإسلام وتقوّت شوكته ، فجاء أصحاب النبيّ  9 يشكرونه وعسى أن يقدّموا أجرآ لصدعه بالرسالة الإسلاميّة السمحاء.

فنزل الوحي على جبرئيل الأمين ليخبر الرسول الأعظم بأنّ أجر الرسالة إنّما هو مودّة أهل البيت  :.

ويقع البحث في نقاط  :

 

تحديد ما هو المسؤول عنه أجرآ ؟

 

 أ ـ هو تبليغ الرسالة وتعليم الشريعة ، ويلاحظ أنّهم اتّفقوا (تقريبآ) أو تحقيقآ على ذلک رغم انشعاب البحث في الآية إلى ثلاثة أقوال ، أي في مجال تحديد معنى ذي القربى .

والاستدلال على ذلک بغضّ النظر عن الأقوال .

ب ـ إنّ النبيّ الأعظم  9 على منوال الأنبياء السابقين في هذه القضيّة كما في الآيات الشريفة الآتية من سورة الشعراء، وهي على الترتيب (109، 127، 145، 164، 180).

وهو قوله تعالى : (وَمَا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ إنْ أجْرِيَ إلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ)  للأنبياء على التوالي  : نوح ، هود، صالح ، لوط ، شعيب ، صلوات الله عليهم أجمعين .

فبعد قوله  7: (إنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أمِينٌ * فَاتَّـقُوا اللهَ وَأطِيعُونِ )  الذي هو مجمل دعوة النبي  7 وكلّ نبيّ مرسل ، ثمّ يذكر بعد ذلک الآية الكريمة : (وَمَا أسْألُكُمْ ...).

فسؤال الأجر المنفي عن الرسالة وإلّا كان الضمير في كلمة «عليه » مجهولا.

والخاتم  9 لم يكن ببدعٍ من الرسل ، فبعد قوله عليه الصلاة والسلام (الشورى : 23) قال في سورة سبأ الآية :47 (قُلْ مَا سَألْـتُكُمْ مِنْ أجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إنْ أجْرِي إلاَّ عَلَى اللهِ).

وبالجمع تكون النتيجة أنّ النبيّ لا يسأل أجرآ على نبوّته وتبليغه الشريعة كأجر يوافي أو يكافي نبوّته دنيويآ أو ماديآ فإنّ أجره على الله تعالى وهو وحده يستطيع أن يوفيه حقّ ثوابه .

وقد يلاحظ أنّ الأمر بتقوى الله وطاعته عقيب قوله  7: (إنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أمِينٌ ) هو لازم الإيمان به ، ونفي إرشادهم إلى تقواه تعالى وطاعته التي فيها سعادتهم دنيويآ واُخرويّآ، كلّ ذلک دعاهم إلى البحث عن شكره فقال في ذلک : (وَمَا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ إنْ أجْرِيَ إلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ ). أو قول الله تعالى في الشورى : (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرآ إلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ).

والظاهر أنّ كلمة (ما) هي اسم موصول لعدم المناسبة القويّة لغويآ النفي بـ(ما) دون (لا)  في سورة  الشعراء الآيات (109، 127، ...) لا سيّما وإنّ المدخول فعل مضارع وفي هذا من الإشارة ما قد يكفي أهلها من أنّ مودّة قربى الرسول  9 أمر جاءت به الإديان بعد اتضاح المعنى إن شاء الله في قوله تعالى : (وَمَا تَسْألُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ إنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ) والضمير المنفصل (هو) يرجع إلى الاسم الموصول في الآية .

ونرجع إلى ما ذكرناه أنّ طاعة الله وتقواه بعد ذكر كونه رسولا أمينآ هذا هو مجمل الدعوة النبويّة ، ثمّ لمّا قد جاء السؤال الفطري منهم عن أجره  7 سواء النبيّ الخاتم  9 أو غيره من الأنبياء لاتحاد الفطرة في وجوب شكر النبيّ على عظيم فضله قال ما قال في سورة الشورى مثلا.

ليكون مودة القربى  : هو شكره  9 وبذا ينحلّ أو يضعف قول من قال : (إنّه لا أسألكم على تبليغ الرسالة وتعليم الشريعة إلّا التوادّ والتحابّ فيما يقرّب إلى الله من العمل الصالح كما عن الحسن والجبّائي وأبي مسلم )، إضافةً إلى مخالفته للظهور فضلا عن النصوص الشريفة الصادعة بالحقّ والتي سيأتي إن شاء الله التعرّض لها.

بل بإنضمام قوله  7 في الآية من سورة سبأ (47): (مَا سَألْـتُكُمْ مِنْ أجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إنْ أجْرِي إلاَّ عَلَى اللهِ) ينحلّ وينمحي القول الثاني في تفسير الآية المباركة 23 الشورى ما عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وجماعة أنّ معنى الآية (إلّا أن تودّوني في قرابتي معكم وتحفظوني لها) التي قالوا أيضآ أنّ الآية في قريش خاصّة لأنّها هي التي كانت بينها وبين رسول الله  9 قرابة ، ومعنى هذا القول إن لم تودّوني لأجل النبوّة فودّوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم ، فعلى هذا أيّ معنى يبقى وجيهآ لقوله تعالى : (قُلْ مَا سَألْـتُكُمْ مِنْ أجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ).

(فلكم ) ممّا لا ريب فيه أنّ القدر المتيقّن منه هو الثواب وأيّ ثواب لمن يودّ النبيّ  9 ولا يؤمن به ؟ ثمّ إنّ العلاقة حينئذ ستكون عشائرية لا إيمانية يدور عليها الثواب ، وحتّى لو توهّم أنّ معنى (لكم ) هو رجوع النفع لكم بحفظ قرابتكم وودّها هذا لا يتّفق أبدآ مع سبب نزول النصّ ، وسيكون المخاطب حينئذٍ هو الكفّار أو من هو على منوالهم وفيه تخضع لهم وتذلّل ـمع كونهم غير وادِّين له  9 لأجل النبوّة ـ يجلّ مقام النبوّة عنه وفيه أيضآ خلاف ظهور الآية والنصوص الشريفة الصادعة بالحقّ .

والقول الغريب بأنّ المخاطب بهذه الآية هو قريش خاصّة الذي لا موجب له ولا دليل عليه وفيه تأمّلات اُخرى فلاحظ .

 

تكافؤ المودّة ونبوّة الخاتم  9

 

 ينبغي التركيز على نبوّة الخاتم  9، فقد تقرّر في النقطة السابقة أنّها هي التي سُئل عليها الأجر من قبل الناس أو كانت مودّة القربى أجرآ لهذه النبوّة وإن كانت العائدة راجعة إلى الناس أنفسهم .

فلا ريب أنّ هناک تناسبآ بين الثمن والمثمن ـإن صحّ التعبيرـ أو الأجر وما طلب له الأجر، وإلّا كان هناک غبن في تلک المعاملة ، ولعلّه ما استعارة الأجر إلّا لتقريب هذا إلى الأذهان وللاستفادة من نكات متعارفة ، والأجر تارةً يكون ماديآ واُخرى معنويآ كما هو الحال هنا ولا مفارقة بينهما في التكافؤ والتناسب .

وإنّ نبوّة حبيب الله  9 هي أعظم نبوّة بلا ريب وأكملها وأدومها وأشملها وهي خاتمة النبوّات والشرائع الإلهيّة كلّها بل هي غاية جميع الرسالات والنبوّات لذا كانت الخاتمة ـكما هو مفصَّل في محلّه ـ ناسبها خير خلق الله ثمّ وغاية الكلّ وصفوة صفوة عباد الله تعالى  9 وناسبه أتمّ معجز وأكمل كتاب وأدوم دستور هو القرآن العظيم ، الذي ناسب نزوله في خير شهر في خير ليلة هي خير من ألف شهر، لأجل أكمل شريعة وأدومها هي شريعة الإسلام العظيم والذي نقوله بضرس قاطع لو كان ثمّة شيء أعظم في الإسلام على الإطلاق بعد النبوّة المحمّدية من الواقع أجرآ للنبوّة المحمّدية وهو مودّة ذي القربى لكان الأحرى أن يكون هو المناسب لوقوعه أجرآ للنبوّة الأحمدية  9.

 

المودّة هي الشكر العملي

 

ممّا تقدّم يتّضح أنّ البعثة نحو المودّة لذويه المخصوصين ـلما سيأتي وبعضه اتّضح للمتأمّل في أهمية المقام ـ هو بدافع الفطرة كشكر له  9 بل هو الشكر العملي الذي اختاره الله تعالى مجازاةً للنبيّ  9 ومجازاة للنبوّة ومجازاة للشريعة الخاتمية والعائدة في كلّ ذلک للوادّ والمحبّ لغنى النبيّ  9 بعطاء الله تعالى .

فالمودّة هي البرهنة التامّة على الإيمان بنبوّته والجاحد لهذا الأمر جاحد لنبوّته بلا ريب ، إذ هو قد أبى شكر النبيّ  9 ولم يختر ما اختار الله تعالى ، فمثاله كمثال إبليس ـعليه اللعائن وعلى أتباعه ـ الذي أبى السجود بأمر الله لآدم  7 مدّعيآ في بعض أقواله : إنّي لا أسجد إلّا لله، بل ورد مؤكّدآ أنّه طلب عبادة غيرها يعجز عنها أهل السماء، فأجابه المولى : إنّي اُحبّ أن اُعبد من حيث اُريد. وهذا بالحقيقة أكبر ابتلاء تتعرّض له الاُمّة بعد زعم إيمانها بالنبيّ والنبوّة على مشرّفها آلاف الصلوات وعلى آله .

 

المودّة نظام متكامل

 

ثمّ بالتأمّل في قوله تبارک وتعالى : (قُلْ مَا سَألْـتُكُمْ مِنْ أجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ )  يتّضح أنّ كلمة (لكم ) مطلقة في الثواب ، في الدين ، في الدنيا، وفي الآخرة ، بل كيف تكون النبوّة نظامآ كاملا، تبليغ وإنذار وتبشير وهداية وتشريع وحكومة وقضاء، وتبيان وخلافة وتزكية وحكمة ونور وغيرها، ثمّ تناسبها مودّة القربى في الثواب فقط ؟!

فهذه النبوّة التي لولاها لما كان دين حقّ ولا عبادة حقّة ولا عابد حقّ ، بل ولا عارف بالله حقّ ، يناسبها قضية عواطف مجرّدة للعشير؟! مع أنّه  9 بعثه الله رحمةً للعالمين ، وإذا كان الاقتصار على العواطف فما أقواها من شبهة يستمسک بها الأعداء والمغرضون ، فبدل أن يرسم النبيّ معالم الدين وخطوط الشريعة الدائمة والنقاط الثابتة والركائز التي عليها يعوّل في فهم وتبيان الكتاب الإلهي وفهم الشريعة بما تكون معه حيّة طول الدهر يختار أمرآ عاطفيآ مجرّدآ؟! هذا والله لا يكون من حكيم صغير فكيف بسيّد الحكماء وعظيم العظماء وخير العالمين ؟! ثمّ إنّ المناسبة ليست معه فقط بل كما أشرنا إنّها مع النبوّة ومع الشريعة والكتاب وجميع وظائف خاتم المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ، فذكره  9 ليس بما هو شخص دون وظائفه ما دام الملاک في شكره أساسآ هو وظائفه ودوره وصفاته التي كانت رحمةً للعالمين.

فمودّة القربى نظام متكامل يبتني على ألطف الطرق ، ألا وهي المحبّة والمودّة ، نظام متكامل في الدين والدنيا والآخرة وفي جميع الوظائف التي كانت للنبي  9 إلّا ما خرج بالقطع وهو نفس النبوّة .

فإنّ الطرق الشرعيّة تكون تارةً بالخوف واُخرى بالطمع وهذه المرّة بالحبّ الذي هو طريق الفطرة السليمة وملائم لها أشدّ التلائم في حيثيّتها الجمالية بل وحيثيّتها الخوفيّة ؛ باعتبار أنّ هذا الحبّ يقع شكرآ لأعظم النعم ، والنعم إذا شكرت كرّت ، وإذا كُفرت فرَّت ، فحرصآ على دوام النعمة التي يخشى كلّ إنسان زوالها إذا لم يكتنفها الشكر فهو يحوطها بالشكر والذكر قلبآ وقالبآ عملا وقولا.

 

 

القربى خير من يستحقّ المودّة

 

لو علم رسول الله  9 من هو خيرٌ من هؤلاء القربى لأمر بمودّته جزمآ، فإنّ رسول الله  9 لا يترک الأحسن ، بل قل الله الذي أوحى له ذلک ، فإنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة لا سيّما بعد معرفة عدّة اُمور منها :

أ ـ الحبّ في الله حبّ لله.

ب ـ الأمر ببغض من عصى الله على قدر عصيانه من حيثيّة عصيانه .

ج ـ الأمر بموالاة المؤمنين وملاكها الإيمان ، فكلّما ازداد قويت الموالاة أو الأمر بها.

د ـ من أكرم فاسقآ اهتزّ عرش الله تعالى ، وإكرام الفاسق من الذنوب التي تظلم الهواء.

 

إطلاق المودّة يعني العصمة

 

المودّة في الآية مطلقة ، فيعلم العصمة لهؤلاء القربى ، وإلّا لقيّد بعدم حبّهم حين معصيتهم ، بل ومنه يعلم كمالهم العلمي والعملي الذي لا يحاول ولا يطاول فيد الاُمّة .

 

 

 

الفارق بين المحبّة والمودّة

 

الفارق بين المحبّة والمودّة جاء في قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْمآ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) .

إنّه تعالى نهى عن موالاتهم أي ولاية الكفّار، ففسّرت الموادّة بالموالاة .

وذكر بعض الأفاضل أنّ المحبّة هي الميل القلبي والمودّة هي المحبّة مع الطاعة .

والحمد لله ربّ العالمين .