akdak

المقالات

قسم الفكر الاسلامي

اقتران الحمد بالتسبيح

43

الشيخ أحمد صبحي الحيالي

 في كثير من الموارد التي حكى الله تعالى فيها الحمد عن خلقه شفع الحمد بالتسبيح والتنزيه ، بل جعل التسبيح والتنزيه هو الأصل في الحكاية وجعل الحمد معه ، قال تعالى :((وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ))،((وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ))،((وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )) .

   ومن جملة الوجوه التي ذكرت لذلك ما ذكره العلامه الطباطبائي في الميزان ، وحاصله

    ان الحمد توصيف ، اذ انه ثناء على الجميل الاختياري، و توصيف له بنعوت الكمال ، كقولك في الثناء على زيد : انه عالم عادل حكيم شجاع ، فانه وصف له بنعوت الكمال

   وقد نزه سبحانه نفسه عن وصف الواصفين من عباده ، قال تعالى :((سُبْحانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلاَّ عِبادَ اللَّـهِ الْمُخْلَصِينَ ))، فهو تعالى يتنزه عن حمد الحامدين الا حمد عباده المخلصين .

   اما تنزهه سبحانه  عن وصف غير ه ، فلعدم أحاطته بجمال صفاته وافعاله وأسمائه تعالى وكمالها ، قال تعالى : ((وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)) ، فما حمدوه ووصفوه به تعالى يكون محاطاً لهم محدودا بحدودهم .

   وعليه لا يستقيم ما أثنوا به من ثناء الا من بعد ان يُنزهوه تعالى ويُسبحوه عن ما حدوه وقدروه بأفهامهم ، ومن هنا شفع حمدهم بالتسبيح والتنزيه .

   وأما استثناء المخلصين من عباده تعالى من ان يشفع حمدهم بالتسبيح ، كما في خطابه تعالى لنوح عليه السلام :(( فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ))، و حكايته تعالى عن ابراهيم عليه السلام : (( الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ )) ، وقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم :(( وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ )) ، فذلك لجعل حمدهم حمده و وصفهم وصفه حيث جعلهم مخلصين له تعالى

فان قيل : ان كلاهما – المخلصين من عباده تعالى وغيرهم – لا يحيط به علما فلماذا التفريق بينهما با قرن حمد احدهما بالتسبيح والتنزيه ولم يقرن الاخر والحال ان كلاهما محدود ؟

فيمكن ان يقال في الجواب

هناك مرتبتان من معرفة الله تعالى:

١- مرتبة معرفته تعالى بالكنه ، وهي مختصة به تعالى ، ولا تكون مطمعا لأحد ، اذ لا يعلم ماهو الا هو ،

و جميع ما سواه تعالى متساوي بلحاظ هذه المرتبة من دون فرق بين المخلصين وغيرهم.

٢-المرتبة التي هي غاية ما يمكن ان يصل اليه الممكن من معرفته تعالى . وهذه المرتبة من المعرفة هي التي اختص بها عباد الله المخلصين من الانبياء صلوات الله عليهم . اما ما عداهم فمعرفتهم تكون دون تلك المرتبة ، بل هم و سائط فيض المعرفة بالنسبة اليهم .

 وهذا فرق بين معرفة المخلصين وغيرهم .

  والمعرفة بالمرتبة الثانية هي معرفة تامة كاملة بما عرّف الله به نفسه وأظهره من صفاته واسمائه ، ولذا كان صاحبها خليفة جامعا لكل ما للمستخلِف  تعالى .

   ومن جملة ما اظهره تعالى من صفاته وأسمائه علمه بذاته -بتلك المرتبة- المستجمع لصفات الكمال  ، فيكون ذلك العلم ثابتا للخليفة صاحب تلك المعرفة الكاملة التامة ، ومن هنا كان حمده وثناءه وتوصيفه هو حمدالله تعالى نفسه وثناءه عليها 

ولذا لم يقرنه بالتسبيح ، والله العالم.