akdak

المقالات

قسم الاقتصاد

البطالة بين مطالب المتظاهرين والحلول الآنية

66

فراس زوين

تعد المتغيرات الاقتصادية عرضة للتحليل والبحث حول حقيقة وجودها واسباب ديمومتها وآلية عملها وطبيعة اثارها في سبيل التخفيف من حدة هذه الاثار إذا كانت ضارة، عن طريق ايجاد المعالجات المناسبة، ومن هذه المتغيرات البطالة، والتي تعد واحدة من الامراض الاقتصادية التي تضرب الأنظمة بمختلف توجهاتها سواء كانت رأسمالية او اشتراكية.

وانطلاقاً من تفشي البطالة بين صفوف أبنائنا فقد انشغلت وسائل الاعلام الداخلية والخارجية بتغطية الاخبار عن موجات احتجاج عمت شوارع المحافظات الجنوبية عموماً ومحافظة البصرة خصوصاً احتجاجاً على تردي الواقع الاجتماعي والاقتصادي والخدمي، ومطالبة بالالتفات الى الاحتياجات الملحة لهذه المحافظات، وكان في مقدمة هذه المطالب القضاء على البطالة، وتوفير فرص العمل لألاف الشباب العاطلين الذين ملوا الانتظار على دكة الوعود الحكومية، لانتشالهم من واقعهم المتراجع.

وعرفت الادبيات الاقتصادية البطالة بأنها التوقف عن العمل، او عدم توافره، لشخص قادر عليه وراغب فيه. فيما عرفت منظمة العمل الدولية (ILO العاطل بانه كل شخص قادر على العمل، وراغب فيه ويريده، ويقبل به عند مستوى الاجر السائد لكنه لايجده).

عند دراسة الامراض الاقتصادية يجب مراعاة انفراد الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية العراقية والتي جعلته مختلفاً عن بقية الدول المحيطة به لكون العراق غارق بالتناقضات لقرابة اربع عقود حيث شهدت بداية ثمانينيات القرن الماضي تراجع الوفرة المالية وبداية الاهتزازات الاقتصادية على اثر الحرب العراقية الإيرانية والتي مثلت الهزة الاولى للمجتمع مرور باجتياح الكويت والحرب الثانية عام 1990 وما تبعها من حصار دولي القى بظلاله الموحشة على الاقتصاد العراقي، تلته الحرب الثالثة عام 2003 وافرازاتها التي قلبت موازين الواقع العراقي ولا يزال يعيش تبعاتها الأمنية والسياسية والاقتصادية في الوقت الذي نعمت به بقية الدول المحيطة باستقرار على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، مكنتهم من استثمار وتوظيف مواردهم الطبيعية والبشرية بالشكل الأمثل عكس الحالة العراقية والتي استنزفت هذه الموارد كوقود للحروب المتتالية والصراعات الداخلية مما يحتم على الباحث سلوك طرق مغايرة عن الخط الاكاديمي العام في دراسة البطالة في العراق.

وقبل البحث عن اسباب البطالة في البلاد لابد من عروج سريع ومقتضب على واقع العمالة في العراق اذا بلغ تعداد سكان العراق بحسب وزاره التخطيط عام 2017 قرابه ٣٧ مليون ضمن معدل نمو سنوي بلغ ٢،٦١٪‏ اي بزياده مقدارها ٨١٢٧٤١ مواطن سنوياً، وبحسب الامم المتحدة يعد العراق من اكثر الدول شباباً وهذا يعني توافر القوى العاملة، وان البطالة بهذا المعدل قد تعمل على تدمير المجتمع اقتصادياً واجتماعياً، حيث ان نحو 59٪‏ من قيمة العمالة هم تحت 19 عام، وتشير العديد من الاحصائيات ان العراق يأتي في مقدمة دول الشرق الأوسط بنسبة بطالة تقدر بـ٥٩٪‏ من حجم قوة العمل ونحو ٣١٪‏ بطالة مقنعة، وان اكثر من يعاني البطالة هم خريجو الجامعات والمعاهد من اصحاب المؤهلات الفنية والتقنية، اذ بلغ عددهم نحو 45 الف متخرج عام 2017، وللقارئ تخيل عدد جيش الخريجين العاطلين اذا اضفنا اعداد السنين السابقة ممن لم يجدوا عملاً، وتمثل الارقام السابقة مفارقة حقيقية بينما يجب ان يكون عليه الحال وبين الواقع المعاش.

ان الخطر الحقيقي للبطالة يتجاوز الأثر الاقتصادي، ليشمل الاثار الامنية والاجتماعية والتي تضرب المجتمعات الواقعة تحت وطأة البطالة، فقد اثبتت العديد من الدراسات العلاقة بين البطالة والانحرافات المجتمعية للشباب ودوره في انتشار الجريمة والادمان وغيرها من الآفات الاجتماعية، حيث تشير الدراسات النفسية والاجتماعية، ان ندرة العمل تدفع بالعاطلين الى رؤيا سوداوية قد تزج بهم الى أحضان الإرهاب او الجريمة او التطرف، حيث استثمرت الكثير من التنظيمات الإرهابية هذا الجانب في العديد من الدول التي وقعت تحت وطأة الارهاب ومن ضمنها العراق، الذي استثمرت به القوى الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وداعش عوز الشباب و وانحسار العمل وضعف الثقافة الدينية والاجتماعية، لتجنيد العديد من هؤلاء الشباب وزجهم في اعمالهم الإرهابية، كما حصل في العديد من المحافظات العراقية مثل الانبار وصلاح الدين والموصل و غيرها من المحافظات.

ان الاثار الاجتماعية للبطالة يمكن ان تأخذ اشكال متعددة تختلف باختلاف الطبيعة الجيوسياسية للدول والمناطق التي تنتشر بها، ففي المحافظات الجنوبية حيث ضربت البطالة جذورها عميقا بسبب الاهمال و التهميش و اللامبالاة من قبل الأنظمة التي حكمت البلاد، سواءً النظام السابق او النظام الحالي على حد سواء، والتي شهدت موجة تظاهرات احتجاج على تراجع مستويات العمل ومطالبة بالتعيين وتوفير فرص العمل لمئات الالاف من ابناء هذه المحافظات، ابتداء من محافظة البصرة وهي قلب العراق الاقتصادي والتي تحملت من اهوال الحروب ما لم تتحملها غيرها من المدن.

ان الحديث عن البطالة في العراق يقودنا الى البحث عن اسباب هذه البطالة، وتجدر الإشارة الى تداخل هذه الاسباب وتشابكها لأربع عقود تبدلت خلالها النظام السياسي وت