akdak

المقالات

القسم الولائي

الدعاء في مدرسة أهل البيت :

999

علي محمد البحّار

المقدّمة 

 

الحمد لله الذي خلق الإنسان، وجعله أفضل أنواع الأكوان، وصيّره نسخة لما أوجده من عوالم الإمكان، أظهر فيه عجائب قدرته القاهرة، وأبرز فيه غرائب عظمته الباهرة، ربط به الناسوت باللاهوت، وأودع فيه حقائق الملک والملكوت، خمّر طينته من الظلمات والنور، وركّب فيه دواعي الخير والشرور، عجنه من المواد المتخالفة، وجمع فيه القوى والأوصاف المتناقضة، ثمّ ندبه إلى تهذيبها بالتقويم والتعديل، وحثّه على تحسينها بعدما سهّل له السبيل، والصلاة والسلام على نبيّنا الذي اُوتي جوامع الحكم، وبعث لتتميم محاسن الأخلاق والشيم، وعلى آله مصابيح الظلم.

أمّا بعد، سأتحدّث عن جنبة الدعاء في مدرسة أهل البيت  : متطرّقآ في بداية البحث إلى تعريف الدعاء مع توضيح أركان الدعاء الأربعة، ثمّ بعد ذلک سأتكلّم عن قيمة الدعاء للعبد في الدنيا والآخرة، 

وسأذكر بعد ذلک باختصار الصيغ الثلاث للدعاء في القرآن، ثمّ سأنتقل إلى جزئيّة آداب الدعاء التي يجب أن يتخلّق بها المؤمن حين يدعو الله سبحانه وتعالى كالبدء بالبسملة وتحميد الله ومدحه وغيرها من الآداب. وبعد ذلک سأتحدّث عن ما يجب أن يدعو العبد ربّه بعنوان ما ينبغي من الدعاء، ولأنّ العبد إذا سأل الله فإنّه يريد من الله تعالى استجابة دعائه، وله شروط يجب أن تتوفّر لكي يستجاب دعاء العبد. وللدعاء قوانين ثلاثة للاستجابة سأشرح كلّ قانون على حدة، وبعد ذلک ساُوضح أثر ذنوب العبد وحسناته على الدعاء، فهناک قاع وقمّة للدعاء، وسأختم البحث بالحديث عن علاقة الداعين للإمام المهدي عجّل الله فرجه في مدرسة أهل البيت  : إذ أنّهم يدخلون السرور على أهل البيت  :. وبهذا البحث نكون إن شاء الله قد بيّنا حقيقة الدعاء وجوانبه المهمّة، راجيآ من الله القبول والمثوبة والتوفيق والسداد على نهج محمّد وآل محمّد الطيّبين الطاهرين.

 

تعريف الدعاء

 

الدعاء أن يطلب العبد حاجته من الله تعالى وينقطع إليه، وهذا التعريف يرجع إلى الأركان الأربعة التالية :

1 ـ المدعو: وهو الله تعالى.

2 ـ الداعي: وهو العبد.

3 ـ الدعاء: وهو طلب العبد من الله تعالى.

4 ـ المدعو له: وهو الحاجة التي يرفعها العبد بالدعاء إلى الله تعالى.

وفي ما يلي شرح وتوضيح لهذه الأركان الأربعة للدعاء.

1 ـ المدعو :

المدعو في الدعاء هو الله تعالى.

1 ـ الغنيّ المطلق الذي له ملک السماوات والأرض :(ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللهَ لَهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) .

2 ـ والذي لا ينفذ ملكه وسلطانه بالعطاء والبذل :(إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) .

وقد ورد في دعاء الافتتاح: «لا تزيده كثرة العطاء إلّا جودآ وكرمآ».

3 ـ وليس من بخلٍ وشحّ في ساحته، فلا يعجزه شيء، ولا يضيق ملكه بشيء من العطاء، ولا ينقص من ملكه شيء، إذا جاد بهما يحبّ على عباده، وليس هناک سبب لأن لا يستجيب لدعاء عباده إذا دعوه فيما أهمّهم من صغيرة وكبيرة وذلک قوله تعالى :(آدْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

إلّا أن لا تكون الاستجابة لصالح العبد، وقد ورد في دعاء الافتتاح : «ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خيرٌ لي لعلمک بعاقبة الاُمور، فلم أرَ مولىً

كريمآ أصبر على عبدٍ لئيمٍ منک عليَّ».

2 ـ الداعي :

وهو العبد، الفقير في كلّ شيء، حتّى في وعيه لفقره إلى الله تعالى :(يَا أيُّهَا النَّاسُ أنْتُمُ الفُقَرَاءُ إلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) .

ولا يرفع الإنسان إلى الله تعالى شيئآ أفضل من فقره إلى الله، والفقر إلى الله من منازل رحمة الله. وكلّما كان وعي الإنسان لفقره إلى الله تعالى أكثر كان أقرب إلى رحمة الله تعالى؛ وكلّما استكبر ولم يستشعر فقره وحاجته إلى الله كان أبعد عن رحمة الله.

3 ـ الدعاء (الطلب ) :

وكلّما يكون الإنسان أكثر إلحاحآ إلى الله تعالى في الطلب يكون أقرب إلى رحمة الله، وأقصى درجات الطلب عندما يضطرّ الإنسان إلى الله تعالى اضطرارآ ليس له من أن يستجيب الله تعالى لحاجته بُدّ، ونعني بالاضطرار أن يفقد الإنسان كلّ الخيارات الاُخرى، ولا يبقى له غير خيار واحد ويكون أمر ذلک الخيار بيد الله تعالى وليس بيده، فيضطرّ إلى الله تعالى اضطرارآ... وعند ذلک يكون الإنسان أقرب شيء إلى رحمة الله تعالى :(أمَّنْ يُجِيبُ المُضطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) .

وليس بين دعاء المضطرّ وإجابة الله تعالى له بكشف السوء عنه أيّ فصل. وهذا الاضطرار في الدعاء والطلب هو بمعنى الانقطاع عن كلّ شيء غير الله تعالى والانقطاع إلى الله وحده، ومن دون ذلک لا يكون الدعاء والطلب اضطرارآ إلى الله. وليس الدعاء يغني عن السعي والعمل، كما لا يغني السعي والعمل صاحبه عن الدعاء والطلب من الله تعالى، فهناک علاقة وثيقة وتلازم عميق بين الدعاء والسعي.

4 ـ المدعو له :

وهو كلّ ما يدعو له الإنسان ربّه سبحانه وتعالى من حاجاته وطلباته. وليس على الإنسان من بأس أن يطلب من الله تعالى ما يشاء من حاجاته وطلباته، مهما كثر وكبر، فليس ذلک ممّا يعجز الله تعالى، ولا ينقص من ملكه وسلطانه، وليس من بخل وشحّ في ساحته تعالى.

كما ليس على الإنسان بأس أن يطلب من الله ما صغر من حاجاته «حتّى شسع نعله وعلف دابّته وملح عجينته » كما ورد في النصّ، فإنّ الله تعالى يحبّ أن يكون عبده على صلة دائمة به تعالى في كلّ صغيرة وكبيرة من حاجاته، لا تحجبه صغار حاجاته عن الله لصغرها، ولا تحجبه كبار حاجاته إلى الله تعالى لكبرها، فتكون يده ممدودة لله تعالى في كلّ حال في السرّاء والضرّاء.

وليس من شيء يصل بين الإنسان والله تعالى كالدعاء والحاجة.

 

قيمة الدعاء

 

(وَقَالَ رَبُّكُمُ آدْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) .

الدعاء إقبال العبد على الله، والإقبال على الله هو روح العبادة، والعبادة هي الغاية من خلق الإنسان.

هذه النقاط الثلاث تجسّد لنا قيمة الدعاء، وتوضح لنا حقيقته. ولنبدأ بالنقطة الأخيرة. ومنها نتدرّج إلى الثانية ثمّ الاُولى.

إنّ القرآن الكريم صريح وواضح في أنّ العبادة هي الغاية من خلق الإنسان. يقول تعالى :(وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِـيَعْبُدُونِ ) .

وهذه هي النقطة الأخيرة، وهي ذات أهمّيّة كبيرة في هذا الدين. وقيمة العبادة أنّها تشدّ الإنسان إلى الله وتربطه به تعالى.

ولذلک فإنّ قصد التقرّب إلى الله في العبادة أمر جوهري في تحقيقها. ومن دونه لا تكون العبادة، فالعبادة في حقيقتها حركة إلى الله، وإقبال على الله، وقصد لوجه الله، وابتغاء لمرضاته.

وهذه الحقيقة الثانية، وهي توضح الحقيقة الاُولى.

والحقيقة الاُولى أنّ الدعاء إقبال على الله، ومن أبرز مصاديق الانشداد والارتباط بالله... ولا يوجد في العبادات عبادة تقرّب الإنسان إلى الله أكثر من الدعاء.

روي عن سيف التمّار أنّه قال : سمعت أبا عبد الله الصادق  7 يقول: «عليكم بالدعاء، فإنّكم لا تتقرّبون بمثله ». وكلّما تكون حاجة الإنسان إلى الله أعظم، وفقره إليه تعالى أشدّ، واضطراره إليه أكثر يكون إقباله في الدعاء على الله أكثر.

والنسبة بين إحساس الإنسان بفقره إلى الله واضطراره إليه تعالى، وبين إقبال الإنسان عليه سبحانه في الدعاء نسبة طرديّة. فإنّ الحاجة والاضطرار يلجئان الإنسان إلى الله، وبقدرما يشعر بهذه الحاجة يكون إقباله على الله، كما أنّ العكس أيضآ كذلک.

يقول تعالى :(كَـلاَّ إنَّ الإنسَانَ لَـيَـطْغَى * أنْ رَآهُ آسْتَغْـنَى ) .

إنّ الإنسان ليطغى ويعرض عن الله بقدر ما يتراءى له أنّه قد استغنى، ويقبل على الله بقدر ما يعي من فقره وحاجته إلى الله. وتعبير القرآن دقيق (أنْ رَآهُ آسْتَغْـنَى ). فلا غنى للإنسان عن الله، بل الإنسان فقر كلّه إلى الله: (يَا أيُّهَا النَّاسُ أنْتُمُ الفُقَرَاءُ إلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) ، 

ولكنّه يتراءى له أنّه قد استغنى، وغرور الإنسان هو الذي يخيّل إليه ذلک. فإذا تراءى له أنّه قد استغنى عن الله، أعرض ونأى بجانبه وطغى. فإذا مسّه الضرّ، وأحسّ بالاضطرار إلى الله، عاد وأقبل عليه. إذن الدعاء في حقيقته إقبال على الله.

ومن يدعو الله تعالى، ويتضرّع إليه فلا بدّ أن يقبل عليه تعالى، وهذا الإقبال هو حقيقة الدعاء وجوهره وقيمته.

 

الصيغ الثلاثة للدعاء في القرآن 

 

الصيغ في القرآن الخاصّة بالدعاء ثلاثة :

1 ـ دعاء الفرد لنفسه.

2 ـ دعاء الفرد لغيره.

3 ـ دعاء الجميع للجميع.

وفي ما يلي نستعرض هذه الطوائف الثلاثة من الدعاء، لنتعرّف على أساليب القرآن في الدعاء للمؤمنين.

1 ـ دعاء الفرد لنفسه :

وهو اُسلوب معروف من الدعاء، ونجد في القرآن نماذج من هذا الدعاء على لسان الأنبياء الصالحين، أو من تعليم الله تعالى لعباده ومن

ذلک قوله تعالى :(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْکِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمآ وَألْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) .

(رَبِّ آشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أمْرِي * وَآحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ) .

(رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدآ وَأنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ ) .

2 ـ دعاء الفرد لغيره :

وهو نحو آخر من الدعاء له نماذج وشواهد في القرآن ومن ذلک قوله تعالى :(وَقُلْ رَّبِّ آرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّـيَانِي صَغِيرآ) .

3 ـ دعاء الجميع للجميع :

وهو أشهر أساليب الدعاء في القرآن. وأكثر أدعية القرآن من هذا القبيل، ومن ذلک قوله تعالى :(اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ) .

(رَبَّـنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّکَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) .

 

آداب الدعاء 

 

كما أنّ للدعاء شروطآ كذلک له آداب، حيث ورد عن الإمام الصادق  7: «إحفظ آداب الدعاء وانظر من تدعو وكيف تدعو ولماذا تدعو».

وآداب الدعاء هي على الشكل التالي :

1 ـ البدء بالبسملة :

ورد عن رسول الله  6: «لا يُردّ دعاء أوّله بسم الله الرحمن الرحيم ».

2 ـ تمجيد الله تعالى ومدحه :

قال الصادق  7: «كلّ دعاء لا يكون قبله تمجيد فهو أبتر».

وعن أمير المؤمنين  7 : «السؤال بعد المدح فامدحوا الله ثمّ اسألوا الحوائج ».

3 ـ الصلاة على محمّد وآل محمّد :

عن الصادق  7: «لا يزال الدعاء محجوبآ حتّى يصلّى على محمّد وآل محمّد».

وفي روايةٍ اُخرى عنه  7 قال : «من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمّد وآل محمّد، ثمّ يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد وآله فإنّ الله عزّ وجلّ أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط إذا كانت الصلاة على محمّد وآله لا تحجب عنه ».

4 ـ الاستشفاع بأولياء الله تعالى :

فقد ورد في الدعاء: «اللهمّ إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندک وحجبت دعائي عنک فصلِّ على محمّد وآل محمّد واستجب لي يا ربّ بهم دعائي ».

5 ـ الإقرار بالذنب :

عن الصادق  7: «إيّاكم أن يسأل أحد منكم ربّه شيئآ من حوائج الدنيا والآخرة حتّى يبدأ بالثناء على الله تعالى والمدحة له، والصلاة على النبيّ وآله ثمّ الاعتراف بالذنب ثمّ المسألة ».

6 ـ بسط اليد :

عن الإمام الباقر  7: «ما بسط عبد يده إلى الله عزّ وجلّ إلّا استحى الله أن يردّها صفرآ حتّى يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء فإذا دعا أحدكم فلا يردّ يده حتّى يمسح بها على رأسه ووجهه ».

وعن رسول الله  6 قال: «إنّ الله ليستحيي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردّهما خائبتين ».

7 ـ عدم السؤال فوق الحاجة :

فقد ورد عن أمير المؤمنين  7 : «من سأل فوق قدره استحقّ الحرمان ».

8 ـ تعميم الدعاء :

قال رسول الله  6: «إذا دعا أحدكم فليعمّم فإنّه أوجب للدعاء».

9 ـ الإسرار بالدعوة :

قال رسول الله  6: «دعوة السرّ تعدل سبعين دعوة في العلانية ».

وفي رواية اُخرى: «دعوة تخفيها أفضل من سبعين دعوة تظهرها».

10 ـ الاجتماع في الدعاء :

عن الإمام الصادق  7: «ما اجتمع أربعة رهط قطّ على أمرٍ واحد فدعوا الله إلّا تفرّقوا عن إجابة ».

11 ـ الإلحاح في الدعاء :

عن الإمام الباقر  7: «إنّ الله كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة وأوجب ذلک لنفسه ».

12 ـ ختم الدعاء بقول: ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلّا بالله :

عن الصادق  7: «ما من رجل دعا فختم دعاءه بقول (ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلّا بالله) إلّا اُجيب حاجته ».

13 ـ الجلوس :

قال رسول الله  6: «أمرني جبرائيل أن أقرأ القرآن قائمآ، وأن أحمده راكعآ، وأن اُسبّحه ساجدآ، وأن أدعوه جالسآ».

14 ـ عدم ترک الدعاء في الرخاء :

فقد ورد عن الإمام الصادق  7 : «إنّ الدعاء في الرخاء ليستخرج الحوائج في البلاء».

وفي روايةٍ اُخرى عنه  7 قال : «كان جدّي يقول: تقدّموا في الدعاء فإنّ العبد إذا دعا فنزل به البلاء فدعاه قيل: صوت معروف، وإذا لم يكن دعا فنزل به البلاء فدعا قيل: أين كنت قبل اليوم ؟».

 

ما ينبغي من الدعاء 

 

ولنبدأ بالسؤال الأوّل: ماذا ينبغي أن نطلب من الله تعالى في الدعاء؟

إنّ الدعاء هو حاجة العبد إلى الله تعالى.

ولا حدّ لفقر العبد وحاجته كما لا حدّ لغنى الربّ وسلطانه وكرمه، واجتماع هاتين غير المتناهيتين هو الدعاء :

عدم تنامي حاجة العبد، وعدم تناهي غفر الله تعالى وكرمه.

فلا نفاذ لخزائن ملكه، ولا حدّ لسلطانه وقوّته، ولا حدّ لجوده وكرمه، ولا حدّ لفقر العبد وحاجته وضعفه وقصوره وتقصيره.

ومن خلال هذا الوجه نحاول أن نعرف ماذا نطلب من الله تعالى في الدعاء :

أوّلا ـ الصلاة على محمّد وآل محمّد في الدعاء :

أهمّ نقطة في الدعاء، بعد الحمد والثناء على الله تعالى هو الصلاة على محمّد وآل محمّد أولياء اُمور المسلمين. وتحتّل الصلاة على رسول الله  9 وأهل بيته  : مساحةً واسعةً جدّآ من الأدعية، وقد ورد في النصوص الإسلاميّة تركيز وتأكيد كبيران على هذه الصلوات. ولهذا الاهتمام سبب واضح، فإنّ الله تعالى يريد أن نجعل من الدعاء وسيلةً لارتباط المسلمين بأولياء اُمورهم، واعتصامهم بحبل الولاء الذي جعله الله عصمةً للمسلمين والصلوات من أهمّ أسباب هذا الارتباط النفسي، فإنّ حلقات الولاء ممتدّة بين الله تعالى وعباده، وولاء رسول الله  9 وأهل بيته  : من أهمّ الحلقات.

ويقع الولاء لرسول الله  9 في امتداد الولاء لله، والولاء لأهل البيت  : يقع في امتداد الولاء لرسول الله، وتأكيد هذا الولاء وتعميقه من تأكيد الولاء لله، ومن تعميق الولاء لله تعالى وتثبيته. وهذا باب واسع من المعرفة لا يمكن إيجازه في هذا الموضع ولا يمكن أن نبسط الكلام فيه، كما ينبغي، ولعلّ الله تعالى يوفّقني للحديث عن هذه النقطة الهامّة والحسّاسة في الثقافة الإسلاميّة في موضع آخر.

وقد ورد في النصوص الإسلاميّة تأكيد بليغ وكثير عن ذلک. وفيما يلي نورد بعض النصوص ذات العلاقة بهذا الموضوع. وأعظمها نصّ من كتاب الله. يقول تعالى :(إنَّ اللهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمآ) .

وروي عن رسول الله  9 : «الصلاة عليَّ نورٌ على الصراط ».

وعنه  9: «إنّ أبخل الناس من ذكرت عنده، ولم يصلِّ عليَّ».

وعن الباقر والصادق  8 : «أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمّد وعلى أهل بيته ».

وعن أمير المؤمنين  7 برواية الشريف في نهج البلاغة :

«إذا كان لک إلى الله سبحانه حاجة فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله  9 ثمّ سل حاجتک، فإنّ الله أكرم من أن يسأل حاجتين، فيقضي إحداهما ويمنع الاُخرى ».

والدعاء للأنبياء والمرسلين وأوصيائهم من هذا الدعاء.

وقد ورد الصلاة والسلام على الأنبياء وأوصيائهم عمومآ، أو على نحو التشخيص والتعيين والتسمية كثيرآ في نصوص الأدعية المأثورة عن أهل البيت  : ومن ذلک الدعاء الوارد في «عمل اُمّ داود» الأيام البيضاء من شهر رجب، وهو دعاء مروي عن الإمام الصادق  7.

ثانيآ ـ الدعاء للمؤمنين :

وهو من أعظم مطالب الدعاء بعد حمد الله تعالى وثنائه وبعد الصلاة على محمّد وآله والأنبياء وأوصيائهم، وهذا الدعاء من أهمّ أبعاد الدعاء، فهو يربط الفرد المسلم بالاُمّة المسلمة في عمق التاريخ وعلى وجه الأرض، كما أنّ الصلاة على محمّد وآله تربط المؤمن بحبل الولاء النازل من عند الله.

وهذه العلاقة التي ينسجها الدعاء بين الفرد والاُمّة من جانب، وبين الفرد والأفراد الذين يتعامل معهم ويرتبط بهم بنحو من الأنحاء من أفضل أنواع العلاقة؛ لأنّ هذه العلاقة تتكوّن بين يدي الله، وفي امتداد العلاقه بالله، ولا يعرفها أحد إلّا الله، وهي استجابة لدعوة الله تعالى.

وهذا الدعاء يأتي على نحوين :

على نحو التعميم من غير تسمية وتشخيص؛ وعلى نحو التخصيص والتسمية.

ثالثآ ـ الدعاء للوالدين :

وهو من برّ الوالدين ومصاديق برّ الوالدين كثيرة.

فمنه أن يتصدّق الإنسان عنهما، ومنه أن يحجّ عنهما، ومنه أن يصلّي عنهما، ومنه الدعاء لهما، ومنه غير ذلک.

وروي عن الإمام الصادق  7 : «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين أو ميّتين، يصلّي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويحجّ عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلک، فيزيده الله عزّ وجلّ ببرّه (وصلته ) خيرآ كثيرآ».

وعنه  7 أيضآ: «كان أبي يقول : خمس دعوات لا يحجبن عن الربّ تبارک وتعالى :

1 ـ دعوة الإمام المقسِط.

2 ـ ودعوة المظلوم، يقول الله عزّ وجلّ: لأنتقمنّ لک ولو بعد حين.

3 ـ ودعوة الولد الصالح لوالديه.

4 ـ ودعوة الوالد الصالح لولده.

5 ـ ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب، فيقول: ولک مثلاه ».

رابعآ ـ دعاء الإنسان لنفسه :

وهى آخر محطّة من محطّات الدعاء، وليس أوّلها.

ومن العجب أنّ الإسلام يطلب من الإنسان أن يتنكّر لنفسه في الحياة الدنيا في شؤون معيشته وفي تعامله مع الآخرين، ويؤثرهم على نفسه، كما يطلب منه أن يتنكّر لنفسه، ويؤثر الآخرين على نفسه بين يدي الله تعالى في الدعاء أيضآ.

ولكن عليه ألّا ينسى نفسه من الدعاء بين يدي الله تعالى.

 

شروط استجابة الدعاء 

 

هناک شروط للدعاء يجب على الداعي أن يلتزم بها في دعائه، وإلّا فلا يتوقّع تحقّق الإجابة فقد ورد عن الإمام الصادق  7: «... فإن لم تأتِ بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة ».

ونحن فيما يلي نذكر هذه الشروط حتّى يكون الداعي لإمام الزمان  7 ملتفتآ لها وعلى بصيرة في دعائه :

1 ـ معرفة الله عزّ وجلّ :

فيجب على الداعي أن يكون عارفآ بأنّه يدعو الله مالک كلّ شيء. الكريم، الرازق، الباسط، الرحمن، فإنّ هذه المعرفة أساس في استجابة الدعاء، ففي الحديث أنّ قومآ جاؤوا إلى الإمام الصادق  7 فقالوا له : ندعو فلا يستجاب لنا؟ فقال  7 : «لأنّكم تدعون من لا تعرفونه ».

2 ـ ترک الذنب :

كبيرآ كان هذا الذنب أم صغيرآ، يجب على الداعي أن يتركه لأنّه يخالف أوامر الله تعالى، فإن خالفنا أوامره فإنّه لا يستجيب لنا دعاءنا، فقد ورد في الحديث: «إنّ العبد يسأل الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقتٍ بطيء فيذنب العبد ذنبآ، فيقول الله تبارک وتعالى للملک لا تقضي حاجته واحرمه إيّاها فإنّه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان منّي ».

وفي روايةٍ اُخرى عن الإمام الصادق  7: «... أما إنّكم لو أطعتم الله فيما أمركم به ثمّ دعوتموه لأجابكم ولكن تخالفونه وتعصونه فلا يجيبكم ».

والواقع أنّ الدعاء من دون ورع عن المعاصي والذنوب كمن يستعمل الدواء من دون الاجتهاد والاجتناب عمّا يضرّه من الأكلات.

3 ـ أداء الواجبات :

لأنّ الله تعالى قد أمرنا بها، فإن إطعناه فيما أمرنا يقضي لنا حوائجنا باستجابة دعائنا، ففي رواية أنّ رجلا سأل الإمام الصادق  7 قائلا : جعلت فداک، إنّ الله يقول : (آدْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ )  فإنّا ندعو فلا يستجاب لنا. قال  7 : «لأنّكم لا تفون لله بعهده، وإنّ الله يقول: (وَأوْفُوا بِعَهْدِي اُوفِ بِعَهْدِكُمْ )  والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم ».

ومن تلک الواجبات التي يجب أن لا يغفل عنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد ورد عن رسول الله  6: «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليسلّطنّ الله شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم ».

4 ـ الخروج من مظالم الناس :

فقد ورد في الحديث: «إذا أراد أحدكم أن يستجاب له فليطيّب كسبه وليخرج من الناس وإنّ الله لا يرفع دعاء عبدٍ وفي بطنه حرام أو عنده مظلمة لأحد من خلقه ».

5 ـ المكسب الحلال :

فقد ورد في الحديث: «أطِب كسبک تستجاب دعوتک ».

6 ـ أكل الحلال :

ورد في الحديث القدسي: «فمنک الدعاء وعليَّ الإجابة فلا تحجب عنّي دعوة إلّا دعوة آكل الحرام ».

7 ـ حضور القلب في الدعاء :

قال رسول الله  6: «لا يقبل الله عزّ وجلّ دعاء قلبٍ ساهٍ ».

8 ـ اليأس ممّا عند الناس :

فلا يعلّق آماله على أحد من الناس لأنّهم محتاجون أيضآ، والمحتاج لا ينفع المحتاج مثله، لذا يجب الرجوع إلى الله تعالى، وفي الحديث عن الصادق  7 قال: «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئآ إلّا أعطاه فلييأس من الناس كلّهم، ولا يكن رجاه إلّا من عند الله عزّ وجلّ، فإذا علم الله ذلک من قلب لم يسأله شيئآ إلّا أعطاه ».

9 ـ حسن الظنّ بالإجابة :

فلا يدعو وهو يحتمل الإجابة، بل يجب أن يعتقد أنّه بدعائه هذا يقول للشيء كن فيكون، فقد ورد عن رسول الله  6: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ».

وفي روايةٍ اُخرى عن الصادق  7: «إذا دعوت فظنّ حاجتک بالباب ».

10 ـ إمكانيّة تحقّق المطلوب :

فلا يطلب الاُمور التي لا تمتلک قابليّة التحقّق كدخول الدنيا في البيضة دون تغيّر حجمهما، فإنّ هذا الأمر ليستحيل التحقّق، وقد ورد عن الإمام عليّ  7: «يا صاحب الدعاء، لا تسأل ما لا يكون ولا يحلّ ».

وفي روايةٍ اُخرى سأل  7 أيّ دعوةٍ أضلّ ؟ قال  7: «الداعي بما لا يكون ».

11 ـ موافقة الدعاء للحكمة :

فإنّ الإنسان لعدم علمه بحقائق الاُمور فإنّه قد يدعو بما يهلكه، ولكنّ الله تعالى لا يستجيب هكذا دعاء رحمةً بصاحبه.

وقد ورد عن الإمام عليّ  7 : «إنّ كرم الله لا ينقص حكمته، فلذلک لا تقع الإجابة في كلّ دعوة ».

 

القوانين الثلاثة في علاقة الدعاء بالاستجابة

 

ونتساءل لماذا يكون هبوط الرحمة أشدّ إذا اقترنت الحاجة بالدعاء والسؤال، ولماذا تتأكّد العلاقة بين الدعاء والاستجابة أكثر ممّا هي في الحالة السابقة بين الحاجة غير المقترنة بالدعاء 

ورحمة الله؟

وللإجابة على هذا السؤال نقول : إنّ الدعاء يستنزل رحمة الله تعالى من خلال ثلاثة قوانين :

القانون الأوّل :

هو علاقة رحمة الله بالفقر والحاجة. وكلّ حالة من حالات الدعاء تتضمّن حالة الحاجة والفقر إلى رحمة الله. وهذا هو المنزل الأوّل من منازل رحمة الله.

القانون الثاني :

في علاقة الفقر والحاجة بعد الوعي برحمة الله تعالى. والفقر بعد الوعي يختلف عن الفقر قبل الوعي. وكلّ منهما فقر وحاجة، وكلّ منهما يجتذب رحمة الله تعالى ويستنزلها، ولكنّ أحدهما من الفقر غير الواعي والآخر من الفقر الواعي.

والفقر غير الواعي أن يفتقر الإنسان إلى الله وهو لا يعي فقره وحاجته إلى الله، بل قد لا يعرف الله.

والفقر الواعي أن يعي صاحبه فقره وحاجته إلى الله، وهذا الوعي يخرج الفقر إلى الله من دائرة الظلمة إلى النور والوعي، بينما الفقر غير الواعي يبقى في دائرة الظلمة، لا يشعر به صاحبه.

ولكنّ الفقير الذي يعي فقره إلى الله، يستدعي من رحمة الله وفضله ما لا يستدعيه الفقير الذي لا يعي فقره وحاجته إلى الله.

وكأنّما وعي الفقر يركّز ويكرّس حالة الفقر، وكلّما كان الفقر أكبر وأركز وأكثر تكريسآ كان وعاء النفس لتقبّل رحمة الله أوسع، وقد ذكرنا من قبل أنّ خزائن رحمة الله تعالى لا شحّ فيها ولا عجز، وإنّما أوعية الناس تختلف في تقبّل رحمة الله، فمن كان وعاؤه أكبر كان حظّه من رحمة الله أكثر؛ والوعاء هنا الفقر ولكن يتركّز الفقر وكلّما كان الإنسان أوعى لفقره وحاجته إلى الله.

إنّ المجرم الخاطئ الذي يؤخذ لينفّذ به حكم الإعدام وهو يعلم بذلک، يستعطف قلوب الناس والحكّام أكثر من المجرم الذى يؤخذ لتنفيذ حكم الإعدام به وهو لا يعلم إلى أين يذهب، علمآ بأنّهما يؤخذان إلى الإعدام على نحوٍ سواء، إلّا أنّ المجرم المعترف بجريمته والعارف بالعقوبة يستعطف الناس أكثر من غيره، لوعيه للجريمة والعقوبة وعدم وعي الثاني لهما.

القانون الثالث :

وهو من أوضح القوانين التي يدركها الإنسان بفطرته، وعليه تنصّ الآية الكريمة: (آدْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

فإنّ لكلّ دعوة إجابة، وهو معنى قوله تعالى: (آدْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ )، وهذا قانون فطري وواضح يتقبّله الإنسان بفطرته، وهو قانون عامّ إلّا أن يمنع عن الإجابة عائق.

والعوائق التي تمنع عن الإجابة على نوعين: فمنها ما يرجع إلى المسؤول، ومنها ما يرجع إلى السائل.

والذي يرجع إلى المسؤول إمّا أن يكون من قبيل العجز عن الإجابة، أو من قبيل البخل والشحّ بالإجابة.

وقد يرجع إلى السائل نفسه، كما لو كانت الإجابة ليست في صالحه وهو يجهل ذلک، والله تعالى يعلم به.

أمّا النوع الأوّل من العوائق فلا وجود له في ساحة سلطان الله، فإنّ سلطانه سبحانه وتعالى سلطانه مطلق، لا يعجز عن شيء ولا يفوته شيء. ولا يخرج عن سلطانه وقدرته شيء، ولا حدّ لجوده وكرمه، ولا تنقص خزائنه، ولا تزيده كثرة العطاء إلّا جودآ وكرمآ.

إذن فلا يمكن أن نتصوّر عائقآ عن الإجابة من النوع الأوّل.

وأمّا العوائق التي ترجع إلى السائل فهي أمر ممكن، ويتّفق كثيرآ أنّ الله تعالى يؤخّر إجابة دعاء عباده لا لبخل وشحّ في ساحته، ولا لعجز، ولكن لعلمه بأنّ التأخير أصلح لحالهم، ويتّفق كثيرآ أنّ الإجابة تضرّ بالعبد، فلا يستجيب الله تعالى لدعوة عبده، ولكن يعوّضه عن الإجابة بخير واسع في الدنيا ومغفرة للذنوب أو درجات رفيعة في الآخرة، أو كلّ ذلک جميعآ.

 

حبّ الله تعالى والإيمان به في مدرسة أهل البيت  : 

 

وحبّ الله تعالى من أفضل هذه العناصر، وأقواها، وأبلغها في شدّ الإنسان بالله تعالى، وتحكيم علاقته به عزّ شأنه.

ولا يوجد في ألوان العلاقة بالله لون أقوى وأبلغ من «الحبّ » في توثيق علاقة العبد بالله، وقد ورد ذكر هذه المقارنة بين عناصر العلاقة بالله تعالى في مجموعة من النصوص الإسلاميّة، ونذكر بعضها :

روي أنّ الله تعالى أوحى إلى داود: «يا داود، ذكري للذاكرين، وجنّتي للمطيعين، وحبّي للمشتاقين، وأنا خاصّة للمحبّين ».

وعن الإمام الصادق  7 : «الحبّ أفضل من الخوف ».

وروى محمّد بن يعقوب الكليني عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق  7: «العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عزّ وجلّ خوفآ، فتلک عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارک وتعالى طلب الثواب، فتلک عبادة التجّار، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حبّآ، فتلک عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة ».

وروى الكليني عن رسول الله  6: «أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها، وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسرٍ أم يسر».

وفي الدعاء عن الإمام الحسين  7: «عميت عينٌ لا تراک عليها رقيبآ، وخسرت صفقةُ عبدٍ لم تجعل له من حبّک نصيبآ».

وقد روي في النصوص الإسلاميّة أنّ الإيمان حبّ. فعن الإمام الباقر  7: «الإيمان حبّ وبغض ».

 

درجات الحبّ وأطواره 

 

وللحبّ في قلوب العباد درجات ومراحل. فمن الحبّ حبّ ضحل ضئيل، لا يكاد يحسّ به صاحبه.

ومن الحبّ ما يملأ قلب العبد، ولا يترک في قلبه فراغآ لشأن آخر ممّا يلهو به الناس ويشغلهم عن ذكر الله.

ومن الحبّ ما لا يرتوي معه العبد من ذكر الله ومناجاته والوقوف بين يديه، ولا ينتهي ظمأ فؤاده من الذكر، والدعاء، والصلاة، والعمل في سبيل الله، مهما طال وقوفه، وعمله، وصلاته بين يدي الله. وفي الدعاء عن الإمام الصادق  7: «سيّدي، أنا من حبّک جائع لا أشبع، وأنا من حبّک ظمآن لا أروى، وا شوقاه إلى من يراني ولا أراه ».

يقول الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين  7 في المناجاة: «وغُلّتي لا يبرّدها إلّا وصلک، ولوعتي لا يطفؤها إلّا لقاؤک، وشوقي إليک لا يَبُلّه إلّا النظر إليک ».

وفي دعاء الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين  7: «إلهي بک هامت القلوب الوالهة... فلا تطمئنّ القلوب إلّا بذكراک، ولا تسكن النفوس إلّا عند رؤياک ».

وهذه خاصّة القلوب الوالهة والهائمة لا تسكن ولا تطمئنّ إلّا بذكر الله. ومن أروع الحبّ وأبلغه ما نجده في كلمات أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب  7 في الدعاء الذي علّمه لكميل بن زياد النخعي  2 والمعروف بدعاء كميل: «فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرت على عذابک فكيف أصبر على فراقک ؟ وهبني صبرت على حرّ نارک فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتک ؟ أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوک ؟!».

وهو من أروع لفتات الحبّ وأصدقها. فهب أنّ العبد يصبر على عذاب نار مولاه، فكيف يصبر على هجره وفراقه وغضبه ؟!

والمحبّ قد يتحمّل عقوبة مولاه، ولكن لا يتحمّل غضبه ومقته له، وقد يتحمّل النار وهي من أقسى العقوبات ولكن لا يتحمّل هجر مولاه وفراقه.

وكيف يسكن العبد في نهار جهنّم وهو يرجو أن يعطف عليه مولاه وينقذه منها؟

وهذان «الحبّ » و«الرجاء» اللذان لا يفارقان قلب العبد ـوهو يصلى في نهار جهنّم بغضب من الله تعالى ـ من أروع صور هذا الدعاء الجليل. فقد يحبّ العبد مولاه، وهو يتنعّم بنعمته وفضله، وهو بالتأكيد من الحبّ، ولكنّ الحبّ الذي لا يزيد عليه حبّ أن لا يفارق الحبّ والرجاء قلب العبد وهو يصلى بنار عذاب مولاه. يقول الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين  7 في دعاء الأسحار الذي علّمه لأبي حمزة الثمالي: «فوعزّتک لو انتهرتني ما برحت من بابک ولا كففت عن تملّقک كما اُلهم قلبي من المعرفة بكرمک وسعة رحمتک... ولا خرج حبّک من قلبي ».

وهذا هو أصدق الحبّ، والرجاء، والأمل، وأنقاه وأصفاه، لا يكاد يخرج من قلب العبد حتّى لو قرنه مولاه بالأصفاد، ومنعه ؟؟؟؟ من بين الأشهاد، ودلّ على فضائحه عيون العباد.

ولنتابع استعراض هذه الصورة الرائعة من الحبّ والرجاء التي يرسمها أمير المؤمنين الإمام عليّ  7 في الدعاء: «فبعزّتک يا سيّدي ومولاي اُقسم صادقآ لئن تركتني ناطقآ لأضجنّ إليک بين أهلها ضجيج الآملين... وما كان لأحد فيها مقرّآ ولا مقامآ».

ويذكر بعض الأشخاص من ذوي الفضل والأدب: إنّ خصلة البطولة والشجاعة خصلة أصيلة في عليّ  7 لا تفارقه حتّى في الدعاء بين يدي ربّ العالمين. فها هو في الدعاء الذي علّمه لكميل يتصوّر أنّ النار قد احتوت العبد المذنب، وأحاطت به من كلّ جانب، فلا يسكت ولا يسكن ولا يستسلم للعذاب والعقوبة، كما هو مقتضى الحال فيمن أطبق عليه العذاب واحتوشته زبانية النار، وإنّما يضجّ ويبكي ويصرخ ويهتف وينادي.

وردّ عليه بعض الأعلام قائلا: لم تصب في تذوّق كلام عليّ  7، ولو كان  7 بهذا الصدد لم يقل في مقدّمة هذا الخطاب: «لو تركتني ناطقآ». أمّا أنا فأتصوّر الحالة النفسيّة لعليّ  7 في هذه الكلمات بين يدي الله تعالى حالة الطفل الصغير الذي لم يعرف في دنياه غير عطف اُمّه، ورحمتها، وحبّها وحنانها ملجأً وملاذآ. فكلّما داهمه أمر أو أضرّ به شيء لجأ إلى اُمّه، وأراد أن يلجأ إلى طرف يحميه من عقوبتها نظر إلى أطرافه فلم يجد ملاذآ وملجأً غيرها، فيحتمي بها، ويستنجدها، ويستغيث، ويلوذ بها، كما كان يفعل عندما يتعرّض لأذىً من غيرها.

وهذا هو حال عليّ  7 في هذا الدعاء. إنّه تعلّم بقلبه الكبير، واُفقه الواسع الرحب أن يلجأ إلى الله، ويستغيث به، ويلوذ به، ولا يعرف غيره ملجأً ولا ملاذآ.

فهو سبحانه وتعالى، ملجأه وملاذه الوحيد الذي لا يعرف غيره. فإذا تصوّر أنّ الله تعالى قد أحاطه بعذابه وعقوبته فلا يتردّد لحظة واحدة أن يلجأ إلى الله، ويلوذ به، ويستنجد به، ويستغيث به كما كان يفعل كلّ مرّة.

أوَ ليس هو سبحانه ملاذه وملجأه الوحيد؟ فلماذا يتردّد هذه المرّة أن يستنجد ويستغيث به ؟!

يقول زين العابدين  7 في تصوير هذا المعنى في المناجاة :

«فإن طردتني من بابک فبمن ألوذ؟ وإن رددتني عن جنابک فبمن أعوذ؟ إلهي هل يرجع العبد الآبق إلّا إلى مولاه ؟ أم هل يجيره من سخطه أحد سواه ؟».

ويقول عليّ بن الحسين  7 في نفس الدعاء: «إلى من يذهب العبد إلّا إلى مولاه، وإلى من يذهب المخلوق إلّا إلى خالقه ».

ويقول  7 في الدعاء الذي علّمه لأبي حمزة الثمالي: «وأنا يا سيّدي عائذ بفضلک هارب منک إليک ». والهروب من الله إلى الله من رقائق المعاني والأفكار في علاقة العبد بالله، وهذه المشاعر التي يصوّرها عليّ  7 في علاقة العبد بالله هي من أرقّ مشاعر «الحبّ » و«الرجاء» وأصدقها في نفوس المحبّين.

وعليّ  7 لا يذهب مذهب الشعراء في هذه الفقرة من الدعاء في الاستعانة بالخيال في إكمال رسم هذه اللوحة الرائعة من الدعاء، وإنّما هو صادق كلّ الصدق في التعبير عن إحساسه وشعوره هذا بين يدي الله.

ولذلک فهو يعقّب هذه اللوحة من «استغاثة العبد بربّه » بلوحة اُخرى في نجدة الله لعبده.

فليس يمكن فيما نعرف من رحمة الله وفضله أنّ الله تعالى يخيّب هذا الإحساس الصادق والصافي والنقي من العبد في الحبّ والرجاء، فيردّ حبّه ويخيّب رجاءه، يقول  7 : «فكيف يبقى في العذاب وهو يرجو ما سلف من حلمک ؟ أم كيف تؤلمه النار وهو يأمل فضلک ورحمتک ؟... وهو يناديک يا ربّه ؟».

فهل يمكن أن تقود الزبانية العبد إلى النار وتزجره فيها، وهو ينادي الله ربّه، ويهتف به، ويلوذ به لسان أهل توحيده ؟

إنّ ما سبق من حلمه وفضله في حياتنا ينفي ذلک نفيآ قاطعآ مطلقآ. والإمام يستدلّ بحلم الله على حلمه وفضله: «وهو يرجو ما سلف من حلمک ». والإمام  7 قاطع في هذا الجانب من القضيّة «الخطّ النازل » في علاقة الله بعبده كما كان قاطعآ وصريحآ في الطرف الآخر من القضيّة «الخطّ الصاعد» في علاقة العبد بالله.

فكما كان قاطعآ وصريحآ في أنّ القلوب التي ذاقت حلاوة حبّه ورجائه، لا يفارقها حبّها ورجاؤها لله، ولن تستبدل بحبّ الله ورجائه حبّآ ورجاءً، حتّى لو أحاط بصاحبها عذاب الله وعقابه... كذلک هو قاطع وصريح أنّ الله تعالى لا يخيّب مثل هذا الحبّ والرجاء الصادقين في قلب العبد.

تأمّلوا في هذا الجزم والقطع والصراحة في كلام أمير المؤمنين عليّ  7: «هيهات ما ذلک الظنّ بک، ولا المعروف من فضلک، ولا مشبّه لما عاملت به الموحّدين من برّک وإحسانک، فباليقين أقطع لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديک، وقضيت به من إخلاد معانديک، لجعلت النار كلّها بردآ وسلامآ، وما كنت لأجد فيها مقرّآ ولا مقامآ».

وهذا الجزم والقطع في علاقة العبد الذي أحبّ مولاه «الصاعدة » وعلاقة المولى بعبده «النازلة » نجده في مواضع اُخرى من كلمات مولانا الإمام عليّ  7 فها هو يخاطب الله تعالى في مناجاته المشهورة: «إلهي وعزّتک وجلالک لقد أحببتک محبّةً استقرّت حلاوتها في قلبي، وما تنعقد ضمائر موحّديک على أنّک تبغض محبّيک ».

وفي مناجاة الإمام عليّ بن الحسين  7: «إلهي نفس أعززتها بتوحيدک كيف تذلّها بمهانة هجرانک، وضمير انعقد على مودّتک كيف تحرقه بحرارة نيرانک ».

 

الدعاء قاع وقمّة في أدعية أهل البيت  : 

 

لكثير من الأدعية قاع وقمّة، أمّا القاع فهو يجسّد موضع العبدوما ركب من السيّئات والذنوب، وأمّا القمّة فهي تمثّل طموحه وأمله في الله سبحانه وتعالى ولا حدّ لكرمه وجوده وخزائن رحمته.

فالعبد تارةً في مقام الإذلال واُخرى في مقام الدلال.

وفي دعاء الأسحار يذكر الإمام زين العابدين  7 هذا الفاصل النفسي بين القاع والقمّة، يقول  7 : «إذا رأيتُ مولاي ذنوبي فزعت، وإذا رأيتُ كرمک طمعت ».

وفي الدعاء الذي علّمه أمير المؤمنين  7 لكميل بن زياد  2 يبدأ من القاع فيقول: «اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تهتک العِصَم، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تُنزل النِقم، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تغيّر النعم، اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء... اللهمّ لا أجد لذنوبي غافرآ، ولا لقبائحي ساترآ، ولا لشيءٍ من عملي القبيح بالحسن مبدلا غيرک ».

وهذا (القاع ) هو حضيض العبوديّة وما يكتنفها من سيّئات، ثمّ ننتهي في أواخر الدعاء إلى قمّة الطموح التي تجسّد أمل العبد ورجاءه العظيم في رحمة الله الواسعة، فيقول: «وهب لي الجدّ في خشيتک والدوام في الاتّصال بخدمتک... واجعلني من أحسن عبيدک نصيبآ عندک، وأقربهم منزلةً منک، وأقربهم زلفةً لديک ».

ثمّ بعد ذلک يقول  7 في مرحلة الطموح وقمّة الدعاء :

«اللهمّ إنّي أسألک من خير ما سألک منه عبادک الصالحون... واجعلني من أوفر عبادک نصيبآ عندک في كلّ خيرٍ أنزلته أو تنزله ».

وفي هذه المرحلة من (القاع ) إلى (القمّة ) هي تعبير عن حركة الإنسان إلى الله، وهى رحلة (أمل ) و(رجاء) و(طموح ). وعندما يكون أمل الإنسان ورجاؤه وطموحه في الله فلا حدّ لغاية هذه الرحلة.

 

عودة إلى المناجاة

 

ثمّ ينادي  7 تعالى بهذا النداء الرفيق: «فيا من هو على المقبلين عليه مقبل، وبالعطف عليهم عائد متفضّل، وبالغافلين عن ذكره رحيم رؤوف، وبجذبهم إلى بابه ودود عطوف ». وهذا النداء يتضمّن نقطتين :

إنّ الله تعالى يقبل على من يقبل عليه ويعود عليهم بفضله، ويعطف على الغافلين عنه، ويذهب عنهم الغفلة بالجذبات الربّانيّة. وبعد هذه البداية يطلب الإمام  7 من الله تعالى أن يجعله من أوفر أهل الصلاح حظّآ من رحمته، وأرفعهم منزلةً، وأجذلهم قسمآ، يقول  7: «أسألک أن تجعلني من أوفرهم منک حظّآ، وأعلاهم عندک منزلا، وأجزلهم من ودّک قسمآ». وتثير هذه الفقرة من الدعاء هذا السؤال: لقد كان الإمام يتمنّى أن يلحقه الله تعالى بهم قبل قليل، والآن يتمنّى أن يجعله الله من أوفرهم حظّآ وأعلاهم منزلةً عنده، فكيف نضمّ هذا السؤال إلى جنب ذلک السؤال ؟ وما الذي حدث في جوّ الدعاء وفي الجوّ النفسي للإمام حين الدعاء، بحيث أدّى إلى هذه القفزة في الطلب والسؤال من طلب اللحوق بالصالحين إلى طلب التقدّم عليهم وإمامتهم ؟

إنّ الإجابة عن هذا السؤال، ولا نبخل في الدعاء، إذا كان المولى كريمآ. وما أقبح البخل في السؤال عند ما يكون المسؤول كريمآ. لا حدّ لخزائن رحمته، ولا نفاد لها، ولا تزيده كثرة العطاء إلّا جودآ وكرمآ.

وقد علّمناالله تعالى فيما علّمنا من آداب «عباد الرحمن » وأخلاقهم أن نطلب من الله تعالى أن يجعلنا للمتّقين إمامآ «واجعلنا للمتّقين إمامآ».

ونقرأ في الدعاء الوارد عن المعصومين: كثيرآ هذه الفقرة الطموحة «وآثرني ولا تؤثر عليَّ أحدآ».

 

علاقة الداعين للإمام المهدي  في مدرسة أهل البيت  : 

 

1 ـ يدخلون السرور على قلوب أهل البيت  : بدعائهم لإمامهم :

ورد عن الإمام الصادق  7: «لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمنٍ سرورآ أنّه عليه أدخله فقط، بل والله علينا، بل والله على رسول الله  6».

حتمآ إنّ الدعاء لإمام الزمان  7 بتعجيل فرجه وكشف كربته ونصره على أعدائه يدخل السرور على قلبه وبذلک يدخل السرور على قلوب أهل البيت  :.

وفي رواية عن رسول الله  9 قال: «من سرّ مؤمنآ فقد سرّني، ومن سرّني فقد سرّ الله».

2 ـ الداعي للإمام  7 كمن جاهد مع رسول الله واستشهد معه :

عن الحارث بن المغيرة عن الإمام الصادق  7 قال: «العارف منكم هذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير كمن جاهد والله مع قائم آل محمّد بسيفه » ثمّ قال: «بل والله كمن استشهد مع رسول الله في فسطاطه ».

وقد تقدّم أنّه لا يثبت على أمرهم في عصر الغيبة إلّا من وفّق للدعاء بتعجيل الفرج.

3 ـ رسول الله يدعو للداعين للإمام المهدي  7 :

قال رسول الله  6: «اللهمّ والِ من والى خلفائي وأئمّة اُمّتي من بعدي، وعادِ من عاداهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم ».

والداعي للإمام المهدي  7 هو ناصر له بلسانه، ولذلک رسول الله  9 يدعو له بالنصر، وكذلک يدعو على أعدائه بالخذلان.

4 ـ الداعي للإمام المهدي  7 ينال شفاعة رسول الله  9 :

قال رسول الله  6: «أربعة أنا الشفيع لهم يوم القيامة، ولو أتوني بذنوب أهل الأرض: معين أهل بيتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطرّوا إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه، والدافع عنهم بيده ».

إنّ الدعاء لإمام الزمان  7 يعتبر تلبية لحاجته فهو  7 من قال : «وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ».

وبالتالي فإنّ الداعي لإمام الزمان (عج ) يفوز بشفاعة المصطفى  9.

وفي رواية اُخرى عن الإمام الصادق  7 قال: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أيّها الخلائق أنصتوا فإنّ محمّدآ  9 يكلّمكم، فينصت الخلائق، فيقوم النبيّ  9 فيقول :«يا معشر الخلائق، من كانت له عندي يدآ ومنّة أو معروفآ فليقم حتّى اُكافيه فيقولون: بآبائنا واُمّهاتنا أيّ يد! وأيّ منّة ! وأيّ معروفٍ لنا، بل اليد والمنّة والمعروف لله ولرسوله  9 على جميع الخلائق، فيقول  9 :

بلى من آوى أحدآ من أهل بيتي أو برّهم (ومنه الدعاء لهم ) أو كساهم من عري أو شبع جائعهم فليقم حتّى اُكافيه.

فيقوم اُناس قد فعلوا ذلک فيأتي النداء من عند الله: يا محمّد، يا حبيبي، قد جعلت مكافاتهم إليک فأسكنهم من الجنّة حيث شئت، قال : فأسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ».

5 ـ الداعي للإمام المهدي  7 يشرب من حوض رسول الله  9 :

قال رسول الله  6: «... ثمّ ترد عليِّ راية تلمع وجوههم نورآ فأقول لهم: من أنتم ؟ فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من اُمّة محمّد المصطفى  9، ونحن بقيّة أهل الحقّ، حملنا كتاب ربّنا وأحللنا حلاله وحرّمنا حرامه وأحببنا ذرّيّة نبيّنا محمّد  9، ونصرناهم من كلّ ما نصرنا به أنفسنا وقاتلنا معهم من ناوأهم. فأقول لهم: أبشروا فأنا نبيّكم محمّد ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم، ثمّ أسقيهم من حوضي، فيصدورن مرويّين مستبشرين، ثمّ يدخلون الجنّة خالدين فيها أبدآ».

ولا يخفى أنّ الدعاء لإمام الزمان وقطب عالم الإمكان الحجّة الثاني عشر المهديّ المنتظر  7 يعتبر نصرة لأهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين ).

6 ـ أهل البيت  : يدخلونه إلى الجنّة :

عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت جالسآ عند عليّ  7 فأتاه ابن الكوّا فسأله عن قوله تعالى: «(وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيمَاهُمْ ) .

فقال  7: ويحک يا ابن الكوّا، نحن نقف يوم القيامة بين الجنّة والنار، فمن ينصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار».

إنّ الدعاء للإمام المهدي  7 يعتبر نصرة له، وبالتالي أهل البيت  : يشفعون لمن يدعو بتعجيل فرج قائمهم ويدخلونه الجنّة.

 

الخاتمة 

 

قد ورد في النصوص الإسلاميّة التعبير عن العلاقة بين الدعاء والإجابة بأنّ «الدعاء مفتاح الرحمة ».

وفي وصيّة للإمام عليّ  7 إلى ابنه الحسن  7: «ثمّ جعل في يدک مفاتيح خزائنه، بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه ». وللتعبير ظلال واضحة في العلاقة بين الدعاء والاستجابة (فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه ). إذن الدعاء هو المفتاح الذي نفتح به خزائن رحمة الله. وخزائنه لا نفاد لها، لكن ليس كلّ الناس يملكون مفاتيح خزائن رحمة الله، وليس كلّ الناس يحسن فتح خزائن رحمة الله، فقد ورد عن الإمام الصادق  7 في قوله تعالى: (مَا يَفْتَح اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِکَ لَهَا)  أنّه قال : «الدعاء».

أي أنّ الدعاء هو هذا المفتاح الذي به يفتح الله للناس أبواب رحمته، والذي جعله الله بيد عباده، وعن رسول الله  9: «من فتح له من الدعاء منكم فتحت له أبواب الإجابة ». والله تعالى هو الذي يفتح للعبد بالدعاء، وهو الذي يفتح له أبواب الإجابة. وعن رسول الله  9 : «ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم، ويدرّ أرزاقكم ؟ قالوا: بلى، قال: تدعون ربّكم بالليل والنهار، فإنّ سلاح المؤمن الدعاء».

ومن خلال هذا البحث المتواضع نكون إن شاء الله قد بيّنا حقيقة الدعاء من خلال القرآن الكريم والسنّة الشريفة ومنهاج الأئمّة الأطهار وأدعية أهل البيت  : وكيفيّة تحقيق شروط استجابة الدعاء.

ودمتم للإسلام عَلَمآ وللمسلمين عونآ.

 

المراجع 

 

1 ـ الدعاء عند أهل البيت  :؛ للشيخ محمّد مهدي الآصفي.

2 ـ بحار الأنوار، كتاب الذكر والدعاء (الجزء 38)؛ للعلّامة الشيخ محمّد المجلسي  1.

3 ـ الدعاء لإمام الزمان (عج )؛ مركز بقيّة الله الأعظم.

4 ـ مفاتيح الجنان؛ للشيخ عبّاس القمّي.