akdak

المقالات

قسم الفكر الاسلامي

الدعاء ومادّته العلميّة

227

الشيخ رياض الأسدي

هل يمكننا أن نجد في الأدعية الشريفة مادّةً للبحث العلمي ؟

وذلک بأن نستفيد من فقراتها لبناء صرح العقائد الحقّة ولإغناء الفقه وتعبيد السبل للعمل بالأخلاق ، بل وللأوسع من ذلک وهو أن تشاد القواعد المفيدة للعلوم التي خصّصها الباحث المعاصر بالحديث والنظر.

وهذا كلّه مضافآ إلى علوم العربيّة من نحوٍ وبلاغة وصرف ولغة ، هل يمكن أن نجد كلّ هذا في أدعيتنا الشريفة ؟

والمتوقّع ممّن لم ينظر للدعاء بهذه الفخامة العلمية أن يبقى عنده السؤال حائرآ لا تقوى ذاكرته على التقاط جواب مناسب له .

ودعونا ننظر للأسئلة من خلال نموذج معيّن يكون هو الخزانة التي نفتحها لكي نخرج منها الآفاق العلمية التي ذكرناها وليكون الدعاء المنتخب هو دعاء الافتتاح ، فهل  نجد في دعاء الافتتاح تلک الفوائد العملية والعلمية التي ذكرناها في الأسئلة التي قدّمنا الكلام بها؟

أمّا الجواب بشكل عامّ فإنّه يمكن أن يقال : إنّ الأدعية الشريفة نصوص كالأحاديث صَدَرت عن المعصوم  7، والمفروض أن نجد فيها الآفاق والفوائد المتعدّدة التي ذكرتها الأسئلة بل في الدعاء وخصوصآ الطويلة منها مجال الاستفادة أوضح وأكثر، ولعلّه في متون الأدعية الشريفة معانٍ للتوحيد قد لا نجدها في غيرها من النصوص وكذا بقيّة المعاني الاُخرى .

أمّا الجواب بخصوص دعاء الافتتاح فهو أن يقال : إنّ واحدة من خواصّ هذا الدعاء الشريف كونه يروى عن إمام زماننا عجّل الله فرجه الشريف ، فالمنقول أنّه مسند إلى محمّد بن سعيد العمري كما في إقبال الأعمال ، والمفروض أن نعرف ونتعرّف ما يريده إمام زماننا عجّل الله فرجه الشريف من خلال كلماته والنصوص المرويّة عنه ، ولأنّه داخل ـأي التعرّف والمعرفة ـ تحت التحذّر من الوقوع في عدم المعرفة التي ينهى عنها الحديث المشهور ـمن لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ـ أمّا عند التدقيق في فقرات الدعاء الشريف فما الذي سنجده ؟

بملاحظة الأربعة عشر كلمة (اللهمّ ) التي يحتويها الدعاء يمكن تقسيمه إلى أربعة عشر قسمآ، ومن يدقّق في كلّ واحدٍ منها سوف يلاحظ عليه أنّه يتناول موضوعآ مستقلا عن غيره ، نعم قد يجد المدقّق عنوانآ يجمع عدّة من الأقسام إلّا أنّه مع هذا لا يؤثّر ذلک الجمع على خصوصيّة الموضوع الذي يتناوله كلّ قسم على حدة .

ويقال أيضآ عند النظر في الدعاء الشريف  :إنّ الفقرات وإن تلبّست كلماتها بوشاح التوسّل ، فإنّها اكتنزت العقائد كرؤى حقّةٍ يقرّرها الداعي أمام ربّه لتكون الهويّة التي يقدّم بها نفسه إليه فإنّه من فوائد الدعاء تلقين العقائد الحقّة ، ويمكن للداعي أن ينهل من معاني العدل والتوحيد الكثير التي تطفح به الفقرات في القسم الثاني بعد جملة (الحمد لله) وكذا في الرابع بعد نفس الجملة .

وما يمكن إضافته أنّ هناک ستّة أقسام خالصة من الدعاء الشريف تتحدّث عن شؤون مختلفة عن صاحب الأمر عجّل الله فرجه الشريف وعن دولته والفكر الذي يجب أن يكون الشيعة عليه وكذا معاناتهم كما في الثالث عشر من أقسام الدعاء، ففيه تشخيص للمعاناة والأذى الذي يعيشه الشيعة في زمن الغيبة ، وتلک الفقرات إنّما تحدّد مشكلة مع الالتفات إلى حلّها وذلک بظهوره صلوات الله عليه ، لأنّ نفس ممارسة قراءة الدعاء فيه انتظار الفرج ، وفي الحديث عن رسول الله : أفضل عبادة اُمّتي انتظار الفرج ، فهذه عقائد وتعريف بمشكلة وبالحلّ الحقيقي لها.

بقي أن نختتم الحديث بفائدة فقهيّة يفيدها الدعاء الشريف ونترک التفصيل ، وفي الدعاء أبعاد وأبعاد توصل الباحث إلى بحور من العلم والمعرفة ، أمّا القسم الأخير والذي أردنا منه استفادة فقهيّة فالحديث فيه مع الله سبحانه وبمنطوق الشكوى الواضحة في الكلمات ، وورود هذا اللون من الحديث معه سبحانه بلسان الشكوى إليه فيه معنى الجواز لأنّ الشكوى قد تكون عملا سلبيآ ولعلّ المؤمن يحذر من أن يتضمّن كلامه مثل هذا المعنى إلّا وروده بدعاء أنشأه المعصوم  7 فيه معنى الجواز وهذه فائدة فقهيّة استفدناها من الدعاء.