بمناسبة الحديث عن النسخ في الأحكام وهو في اُفق التشريع ، وبمناسبة أن النسخ كالبداء وهو في اُفق التكوين ، وبمناسبة خفاء معنى البداء على كثير من علماء المسلمين . . . بمناسبة كلّ ذلك وجب أن نذكر شيئاً في توضيح البداء ] فنقول [ :
البداء بالمعنى الذي تقول به الشيعة : «الإبداء : الإظهار حقيقة»([2]) ، وإطلاق البداء عليه ـ مع أنّه في الحقيقة إبداء ـ من جهة أنّه أشبه شيء بالبداء في المخلوق([3]) .
] كما [ أنّ اطلاق لفظ «البداء» على المعنى المزبور ـ الذي هو بمعنى الإبداء حقيقة ـ مبني على التنزيل والإطلاق بعلاقة المشاكلة ، كما وقع نظير ذلك في جملة من الاستعمالات القرآنيّة ، كقوله تعالى : (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً)([4]) ، وقوله تعالى : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً)([5]) ، وقوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)([6]) ، وغيرها ممّا لا يخفى([7]) .
بيان ذلك : إنّ إطلاق البداء على ما ذكرنا إمّا نلتزم بأنّه خلاف الظاهر من جهة القرينة العقليّة الدالّة عليه وهي استحالة خفاء شيء له تعالى ، وأنّه لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة .
أو نقول : إنّه على الحقيقة ، ولا يستلزم نسبة الجهل إليه تعالى ، ونجيب بما فسّر به قوله تعالى : (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً)([8]) ، وغير ذلك ممّا هو ظاهر في حدوث العلم له تبارك وتعالى ، وهو أنّ لله تعالى علمين :
أحدهما : إنكشاف جميع الأشياء عنده ، وهو حاصل له تعالى قبلها وحينها وبعدها ، وعين ذاته ، ويستحيل تغيّره .
وثانيهما : كون الشيء بمشاهدته ومحضره تعالى ، ومن الواضح أنّه فرع وجود الشيء ، فما لم يوجد يستحيل كونه مشاهداً له وبمحضره تعالى ، فهي سالبة بانتفاء الموضوع ، والآيات الظاهرة في حدوث علمه تعالى ناظرة إلى هذا العلم لا تأويل فيها ، بل هي على ظاهرها ولا محذور فيه ; فإنّ العلم بهذا المعنى حاصل له قطعاً ، وهو حدوثي بلا شبهة ، ويسمّى في الروايات بالعلم النافذ من جهة أنـّها عين مشيئته تعالى النافذة الحادثة وليس شيئاً غيرها([9]) .
] وكيف كان [ فالقول بالبداء عبارة عن الاعتراف بكون العالم بأجمعه تحت سلطان الله ـ جلّت عظمته ـ حدوثاً وبقاءً ، وبأنّ إرادة الله تعالى ماضية ومشيئته نافذة ولو كان ذلك على خلاف قضائه الموقوف([10]) .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] جمعنا ما يتعلّق ببحث البداء من جميع ما نسب إلى السيد الخوئيرحمه الله عدا ما في رسالته في البداء; لكونها مطبوعة مستقلاًّ ، وهي في متناول القرّاء .
[2] البيان : 385 ، 394 .
[3] الهداية في الاُصول 2 : 388 .
[4] الأنفال : 66 .
[5] الكهف : 12 .
[6] هود : 7 .
[7] أجود التقريرات 2 : 409 .
[8] الأنفال : 66 .
[9] الهداية في الاُصول 2 : 388 ـ 389 .
[10] أجود التقريرات 2 : 408 .
اكثر قراءة