akdak

المقالات

قسم الأدب و اللغة

تعريف بالكتاب والمـؤلف

280

---------

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين، الذين تممّ الله تعالى بهم مكارم الأخلاق، واللعنة على أعدائهم ومنكري فضائلهم من أول الدنيا إلى أبد الآبدين •
إنّ هذا الكتاب الذي بين يديك، يعدّ واحدا من أفضل ما كتب في الأخلاق العملية
بلحاظ:
اختصاره وتركيزه: فإنّ خير الكلام ما قلّ ودلّ، سواء في عالم الملفوظات أو المكتوبات.. فمن المعلوم أنّ الكلام الكثير في الموضوع الواحد - وإن كان نافعا - قد يوّزع ذهن المستفيد، ولهذا نلاحظ القرآن الكريم الذي يحقق سعادة الخلق باتباعه، لا يتجاوز في حجمه حجم الكتب المتعارفة في هذه الأيام•
جامعيته واعتداله، وعدم التركيز على مجالٍ على حساب مجالٍ آخر: فالبعض ينظر إلى الأخلاق من زاوية العبادات اللفظية، فينتقل من وردٍ إلى وردٍ، ومن ختمةٍ إلى ختمةٍ، ومن أربعينيةٍ إلى أربعينيةٍ، وكأن العبد يتحول إلى عالم الملكوت في ليلةٍ واحدةٍ بوردٍ معينٍ، ناسياً أنّ الطريق هو ما دعا إليه القرآن من الإستقامة والمجاهدة والسعي في العمل بكل حذافير الشريعة، بدءً بالأمور الفردية من القيام بالواجبات وترك المحرمات، ومروراً بالمستحبات والمكروهات، وانتهاءً بالأمور الإجتماعية، ولو استلزم أن يكون قتالاً في الميدان مع اعداء الله تعالى..
وقد أشرنا في مطاوي الكتاب إلى صور من هذه الجامعية التي اتسم بها هذا التأليف •
واقعيته: فنرى المؤلف يميل إلى عرض الأخلاق كصور تطبيقية يلتزم بها الإنسان عند الممارسة، بدلاً من مجموعة من الأفكار المعقّدة التي هي أشبه بالطلاسم والألغاز.. وكأنّ صاحبها يريد أن يثبت بها فضله العلمي وتفوقه على أقرانـه، فتقرأ الكتاب المرة أو المرتين من دون أن تجد في طيّاته نقطة واحدة تطبيقية تُمارس في ساحة الحياة، يغيّر بها الإنسان سلوكه بدلاً من الترف العلمي المجرد.
التزامه بمنهج اهل البيت:
فلا يكاد المؤلف يدع مجالاً إلا واستشهد فيها بحديثٍ مأثورٍ مما روى عن هداة الخلق (ع)، مما يعكس عمق التزام المؤلف بضرورة عرض كلّ كبيرةٍ وصغيرةٍ في الحركة إلى الله تعالى على ما ورد عنهم (ع)، وهو كثيرٌ في تراثهم المدوّن في المجاميع الروائية المختلفة..
إننا نعتقد أنّ كلّ سالكٍ إلى الله تعالى مجانبٍ لمنهج أهل البيت (ع) مصيره الوقوع إما في: مكائد الشيطان، أو في خدع النفس، ويكفي أحدهما للهلاك الدائم، فكيف إذا اجتمع عاملا الهلاك في آنٍ واحد!..
فهل يرد الواردون على السلطان من غير الباب الذي أمرهم بطرقـه؟!.. إذ المطلوب ليس هو دخول الدار - وإن كان الدخول مطلوباً - كيفما اتفق، بل لا بدّ من أن يكون من الأبواب التي أُمرنا بطرقها •• فالداخل عليك من سطح الدار سارقٌ، وإن كان بداعي الوصول إليك، وملازمة الخدمة بين يديك ••
ولقد وفق الله تعالى المؤلف، فجعل لكلامته حلاوةً يستذوقها كلّ من قرأ كتابه، ممن أُوتي حسن التذوق في هذا المجال.. فإنّ ما يخرج من القلب يدخل في القلب، فقد ذكر عنه السيد محسن الأمين - قــدس سره - في أعيان الشيعة قائلا:
الشيخ حسين بن علي بن صادق البحراني عالمٌ فاضلٌ أخلاقيٌّ من متأخري المتأخرين، من فقهاء النجف وعلمائها في الحديث والرجال والعرفان، رأينا له رسالة في الأخلاق - يشير إلى هذا الكتاب - ثم يقول:
و إنها رسالةٌ حسنةٌ، ولم يبق ببالي الآن مشخصاتها، وقال بعض من رآها: إنها من أحسن ما كتب في هذا الفن، وبعض قال: إنها رسالةٌ في السلوك على طريقة أهل البيت • أعيان الشيعة: 6/119
وقد ذكر عن كتابه البحاثة المحقق الكبير الشيخ أغا بزرك الطهراني، في كتابه (الذريعة) قائلا:
رأيته في مكتبة سيدنا العلامة الحسن صدر الدين الكاظمي، وكان يستحسنه كثيراً ويقول: ما رأيت كلاماً أحسن من كلامه في باب الأخلاق، اللهم إلا بيانات جمال السالكين السيد رضي الدين علي بن طاووس•
وذكر في التكملة أن مؤلفه من متأخري المتأخرين من فقهاء النجف وعلمائها في الحديث والرجال • الذريعة 1/372••
وقال عنه المحدث القمي في الكنى والالقاب:
قال الشيخ الجليل العارف الرباني الشيخ حسين بن علي بن صادق البحراني في رسالته في الاخلاق والسلوك الى الله على طريقة أهل البيت (ع) • الكنى والالقاب: 329/1
والمؤلف وإن لم يُذكر عنه الكثير في كتب التراجم سوى ما ذكرناه آنفاً، إلا أنّ جلالة الكاتب تتجلّى من خلال ما كتبه، فإنّ الكتاب مرآة لكاتبه وخاصةً إذا لاحظنا انسيابية أفكاره في القلوب المتعطشة لهذا النمط من الكتابات، التي لا بدّ من طرحها على مجتمعنا اليوم، الذي شغلته الدنيا بما لم يتفق له نظير في التاريخ •
فلم نعهد على الأرض هذه الصور من الإفتتان التي تعرض بشكل غير معهـود في تـاريخ الإنسان.. فالإنسان لا زال هو بقدراتـه المحدودة وضعفـه أمام قوتي الشهوة والغضب، ومكابدته لعدوٍّ خبيرٍ في الإغواء منــذ أن خُلق آدم (ع)، بينمــا صور الإغراء - وهي سهام إبليس في كل المجالات - تـزداد تكامـلاً وشيوعاً يوماً فيوماً، ولا نـدري إلى أين تصـل هـذه القافلة المتسارعة نحو موجبات الردى والهـلاك؟!•
إنّ على المعنيين بشؤون النفس، أن يكرّسوا جهودهم من أجل طرحٍ جديدٍ لمقاومة هذه الأمواج المتلاطمة التي تثيرها شياطين الجنّ والإنس •• فلم يعد أسلوب الوعظ القديم، وبعض المناهج الأخلاقية القائمة على أسلوب التوصيات العامة المجردة من التجزيئ، والطلبات التنظيرية الخالية من الأساليب العملية، كافياً لردع النفوس الحائرة بين مقتضيات الطبع ومقتضيات الشرع •
إننا بحاجة إلى كتابة أخرى بلغة العصر، وبلحاظ العقبات الجديدة، وبأسلوبٍ علميٍّ متدرجٍ، وبخطواتٍ عمليةٍ تطبيقيةٍ واضحةٍ، فإنّ رياضة النفس كرياضة الأبدان لها قواعدها، ولا يمكن تحقيق نتائجها إلا بالمرحليـة أولاً، وفي الميدان العملي ثانيا •
وإكمالاً للفائدة، وتنويهاً للنقاط المهمة في كتاب المؤلف، فإننا حاولنا استغلال ما أمكن من فرصةٍ، للتعليق على تلك النقاط بما يزيد الأمر وضوحاً، والفكرة تركيزاً.. مع الإشارة الي مصادر الأحاديث التي لم ترد في الطبعة المحققة الأولى.. ولابد من التنويه الى اننا لم نجد مصادر بعض الاحاديث التي وردت في الكتاب، لان المصنف نقله بالمعنى كما ذكر في اول كتابه قائلا: (ولا تحر لنقل خصوص الالفاظ.... فان المقصود مجرد الاشارة).
أشركنا الله تعالى - بمنّه وكرمه - في ثواب ما سجّله يراع هذا العالم الرباني في كتابه، الذي طالما أخذ بمجامع القلوب التي تهفو الى الخلاص من أسر المادة، والعروج الى عالم الملكوت.
واخيرا نقول: يبدو ان القضاء حال دون أن يتمم المؤلف كتابه - كما ذكر في آخر كتابه - وتمني ان يخلف عليه من يتم هذا الكلام، فنسال الله عز وجل ان يجعل ما علقناه على كتابه، بمثابة هذا التتميم الذي تمناه.. بلغ الله تعالى امانيه في عالم الآخرة.
واخيرا نقول: يبدو ان القضاء حال دون أن يتمم المؤلف كتابه - كما ذكر في آخر كتابه - وتمني ان يخلف عليه من يتم هذا الكلام، فنسال الله عز وجل ان يجعل ما علقناه على كتابه، بمثابة هذا التتميم الذي تمناه.. بلغ الله تعالى امانيه في عالم الآخرة.
ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم.. ربنا واجعل سعينا في تحبيب القلوب اليك، فمن اولى منك ليسكن هذا القلب، الذي اردته حرما لك، وقد جعلناه مأوى لكل فانٍ سواك؟!..
وآخد دعوانا ان الحمد لله رب العالمين •
حبيب الكاظمي
3 ذو الحجة 1422