akdak

المقالات

قسم الشعائر الدينية

الحج القرآني الصحيح..

902

السيد عادل العلوي.

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد ثبت أنّ تاريخ الحجّ ووجوب مناسكه ـإجمالاـ إنّما يرجع إلى عصر آدم وحوّاء  8، فهما الأساس الأوّل للبشريّة وللحجّ ، فإنّ أوّل من بنى البيت بهندسة الأمين جبرئيل  7 هو آدم أبو البشر  7.

وقبل ظهور الإسلام وختم النبوّة برسول الله محمّد  9 كانت الجاهليّة تحجّ بيت الله الحرام[1] .

فعن هشام بن محمّد الكلبي ـالمتوفّى سنة 204 ه  ق ـ قال : وكانت قريش تطوف بالكعبة وتقول : (واللّات والعُزّى ومناة الثالثة الاُخرى فإنّهن الغرانيق ـاللقالق ـ العُلى ، وإنّ شفاعتهنّ ، لترتجى )، وكانوا يقولون : بنات الله وهنّ يشفعن إليه ، وكانوا يحجّون ويقصدون أصنامهم التي كانت في جوف الكعبة وعلى ظهرها.

ثمّ حجّ الجاهليّة يختلف عن حجّ الإسلام ، كالحجّ من المواقيت فإنّه كان في شرع الإسلام دون الجاهليّة ، وكالاختلاف في لباس الإحرام ، حيث كانت 
العرب آنذاک في كيفيّة لباس الإحرام على طوائف ثلاث ، فمنهم (الحلّة ) يطوفون

عرايا، فنهاهم الله عن ذلک بقوله تعالى  :

(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[2] .

ومنهم (الحمس ) أصحاب الرفعة من قريش حيث يطوفون بملابسهم الخاصّة ، ومنهم (طلس ) كانوا يجمعون بين لباسي الحلّة والحمس .

وأمّا صلاة الجاهلية  :

(وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً )[3] . تصفيق وصفير.

 

ثمّ كانت قريش لا تفيض بعد عرفة تفوّقآ على الناس ، فأمرهم الله سبحانه بقوله  :

(ثُمَّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفَاضَ النَّاسُ )[4] .

وغير ذلک من المفارقات بين الجاهليّة والإسلام .

ثمّ في الحجّ الإسلامي معالم ومظاهر تتبلور فيها روح العبادة التوحيدية ويتمخّض منها اُصول التربية والتعليم ، وحقيقة الأخلاق الفاضلة ، وقضايا الاجتماع والاقتصاد والسياسة والصحّة ، ومنافع كثيرة ، ويبقى الحجّ كلّه لله.

فما أروع الحجّ حيث يتجلّى في مناسكه ومشاعره التوحيد الإلهي والمعاد الاُخروي ، قال الله تعالى  :

(وَإذْ بَوَّأنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أنْ لا تُشْرِکْ بِي شَيْئآ وَطَهِّرْ بَـيْتِي 
لِلطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[5] .

(فَإذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أوْ أشَدَّ ذِكْرآ)[6] .

كما يعطيک الحجّ دروسآ في المساواة والوحدة والاُخوّة والصفاء والمحبّة والمودّة ، ويذكّرک بيوم القيامة ، ويعلّمک دروسآ في الإحرام عن الملاذّ والشهوات والدنيا الدنيّة ، وبلبسک ثوبي الإحرام تسقط عندک ما فيه من التفاخر والاستكبار. ثمّ بنزعک الثياب يوحي إليک كيف تخلص من الذنوب والآثام وتبعاتها بالاستغفار والتوبة ، وتُقبل على الله في الميعاد والميقات بنغمات التوحيد (التلبية )، تلبيّةً لنداء الحقّ ودعوته ، وأن لا فضل لأحدٍ على أحد إلّا بالتقوى ، ولا يعلم هذا إلّا الله سبحانه ، فإنّه يزكّي الأنفس ، وما أكثر دروس التربية والتعليم في مناهج الحجّ وأوامره وأوراده وأذكاره وأدعيته ومناسكه .

الحجّ اجتماع عظيم ومجتمع جسيم يتكرّر في كلّ عامّ ، ويجتمع المسلمون من كلّ البلاد في أقطار العالم ، وبجنسيّات مختلفة ، وأشكال وألوان عديدة ، وألسن متعدّدة ، والكلّ يطوف حول الكعبة المشرّفة ليتقرّب إلى ربّه مستغفرآ تائبآ حامدآ شاكرآ مصلّيآ ساعيآ داعيآ.

الحجّ اقتصاد وسياسة ، يشهد الناس فيه منافع لهم ، وليعرف كلّ واحد مشكلة أخيه المسلم ، وتعرف الدول والحكومات في البلاد الإسلامية قضاياها المعاصرة والمصيريّة ، المحلّية والعالميّة .

وفي الحجّ يُعرف الإمام ، وإنّما قام إبراهيم الخليل  7 بتشييد الكعبة 
وبنائها من القواعد، بعد الامتحان وبلوغه مقام الإمامة ، وهذا يعني أنّ إدارة البيت

وسياسته إنّما يكون بيد الإمام المعصوم  7، كما أنّ قيام صاحب الأمر  7 يكون من الكعبة ، إلّا أنّ البيت الحرام قد سرقه شياطين الإنس في إدارته وسياسته ، كما سرق شياطين الجنّ قلب الإنسان الذي كان حرمآ لله وعرشآ للرحمن .

الحجّ تذكارٌ لسنن إبراهيم الخليل  7 وجهاده ، وما جاء به الأنبياء والمرسلون من آدم إلى الخاتم  :، وإصلاحٌ للقلوب ، وتهذيبٌ للنفوس ، وطهارةٌ للأرواح ، وتخليةٌ من الصفات الذميمة ، وتحليةٌ بالأخلاق الحميدة وتجليةٌ للسجايا وسمُوِّها حتّى قاب قوسين أو أدنى .

إنّ الحجّ يجسّد لنا التوحيد والمعاد، وإنّه سفر مع الخلق إلى الحقّ بالحقّ ، وكلّ منسک من مناسكه يذكّرک بمَعْلَمٍ من معالم السير إلى الله سبحانه ، فهو لقاء مع الله عزّ وجلّ ، بتجلّيات أسمائه الحُسنى وظهورات صفاته العُليا.

الحجّ صحّة وسلامة ، ففيه الوضوء والأغسال والتطهير ونظافة ثوبي الإحرام وطهارته وإباحته ، وتطهير الأموال بالزكاة والخمس ، وتطهير النفوس منالآثام والمعاصي بالتوبة والاستغفار، والتخلّي من الصفات الذميمة بالمجاهدة وبالتوسّل والدعاء والمناجاة ، ثمّ يتقرّب العبد إلى ربّه في مكّة المكرّمة والمدينةالمنوّرة ويتودّد إلى رسوله وأهل بيته الأطهار الأئمّة الأبرار  : في البقيع ، وإلى فاطمة الزهراء سيّدة النساء  3 بزيارتهم وولايتهم والبراءة من أعدائهم .

يبدأ الحاجّ بالإحرام من الميقات ليلبس لباس التقوى ، فتزول التعيّنات 
والألوان والامتيازات ، فالناس كلّهم سواسية ، وعندما يشاهد الخلق في لباس الإحرام الأبيض يتذكّر يوم القيامة الكبرى بهذا المحشر الصغير.

ثمّ يدخل المسجد الحرام عبدآ وضيفآ على ربّه ليركع مع الراكعين ويسجد مع الساجدين ويطوف حول البيت الحرام مع الطائفين عبوديّةً وشوقآ وحبّآ وتوبة . متشبّهآ مع ملائكة السماء الطائفين حول البيت المعمور في السماء الرابعة ومع حملة العرش في السماء السابعة ، فيحلّق إلى أعلى علّيّين في مقعد صدقٍ عند مليکٍ مقتدر يهتف ويناجي ربّه «البيت بيتک والعبد عبدک وأنا عبدک وضيفک ...».

وفدت على الكريم بغير زادٍ         من الحسناتِ والقلبِ السليمِ

فحمل الزاد أقبح كلّ شيء         إذا كان الوفود على الكريمِ

ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار واحشرنا مع الأئمّة الأطهار، يا عزيز ويا غفّار.

ويقرأ الأدعية والأذكار في كلّ مناسک الحجّ غارقآ في حبّ الله وعشقه ورحمته الواسعة ، وفانيآ في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فما أروع طواف العارف بالله.

من مناسک الحجّ السعي بين الصفا والمروة ، وما أروع ما يوحي هذا السعي من المعارف والأسرار، فإنّ فيه إذلال وخضوع ، كما أنّ على الولد أن يسعى في خدمة والديه ، فإنّ جبل صفا جبل آدم  7، فكان هبوطه عليه فسمّي به ، إذ أنّه صفوة الله، وإنّ جبل مروة جبل حوّاء، وهي امرأة فسمّي الجبل باسمها، فالولد يسعى بين الأب والاُمّ ، أي يسعى ويهرول في خدمتهم ، كما أنّ الوالدين يسعيان في تربية أولادهم ، كما سعت هاجر لولدها إسماعيل عند عطشه .

وزمزم عين من عيون الله لم تجفّ طوال آلاف السنين ، إنّما هو ظهور سعي هاجر  3، وفي سعي الحاجّ تظهر أيضآ له عيون من الرحمة الإلهيّة ، وتتفجّر في قلبه بعلوم من الله، فليس العلم بكثرة التعلّم إنّما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء أن يهديه ، فاتّقوا الله يعلّمكم الله بإلهام رحماني ، ويدفع عنكم الوسواس الشيطاني ، ولكلّ حاجّ عين يضخّ منها العلوم والمعارف يمتاز به ، ما دام سعيه كسعي هاجر، مضطربآ خائفآ، يسعى سبعآ ليغلق أبواب جهنّم السبعة ، ويعني السعي التسليم والرضا والتوكّل والتحمّل والصبر والسعي في سبيل الله مهرولا، فإنّ خير البرّ عاجله .

وكان التقصير بعد السعي ليدلّ على تقليل الآمال وتقصيرها، فإنّ اتّباع الهوى وطول الأمل من أخوف ما يخاف منه .

والوقوف في عرفات يعني وداع الأهل والديار وسكنى الصحاري والبراري في حبّ الله ومعرفته ، فتشعّ أنوار المعارف الإلهيّة على القلوب ، ويخلص في عبادة ربّه بعد توبة نصوحة ودعاءٍ ومناجاة ، بخضوع وخشوع وبكاء ونحيب .

والوقوف في المشعر الحرام خلوة مع الله في ليله الدامس ، لينقطع إليه ، ويناجي حبيب قلبه ومعبوده ، فذكر وابتهال وسكون واطمئنان ، وإعداد لرمي الشياطين ، بجمع الحصى ، كجمع العتاة في محاربة الأعداء.

ورمي الجمار يوحي إليک محاربة الشياطين من الجنّ والإنس (أي العدوّ الداخلي والعدوّ الخارجي ، والأوّل النفس الأمّارة بالسوء وما سوى الله سبحانه ، والثاني إبليس وجنوده من الجنّ والإنس ) ورميهم ، ورمي الطغاة والجبابرة 
والظالمين ، ورفض عبادة الأصنام والأهواء، فإنّه ورد في الأثر أنّ ثلاثة من طغاة

التاريخ دُفنوا في هذه المواضع الثلاثة ، وكذا دُفن ثلاثة من الأصنام ، ثمّ الرمي يعني دفع المضارّ وذلک بعد جلب المنافع الذي ابتغاه وطلبه في عرفة والمشعر بتوحيد الله وقربه ، ويرمي سبع حصوات لكلّ شيطان ، فإنّ الشيطان يستولي على الإنسان من مجارٍ سبعة : الحواسّ الخمس ـالسمع والبصر والشامّة واللامسة والذائقة ـ، والشهوة ، والغضب ، ولا ينحصران بالبطن والفرج .

وكلّ خير ومنفعة إنّما هو من الله عزّ وجلّ  :

(وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)[7] .

وفي ليلة المزدلفة يَحسّ الحاج والحاجّة ويشعران بقربهما من ربّهما فيحصلان على المنافع كلّها، فلا بدّ حينئذٍ من دفع الأضرار الواردة عليهما من الشيطان ومن منافذه السبعة ، ثمّ مظهر الحرب مع الشياطين رمي الجمار، ففي عرفات والمشعر الحرام يتسلّح الإنسان في ليله بقوّة الله وحوله ، وفي منى في النهار علنآ يحارب الشيطان بكلّ مظاهره ، كما أنّ للإنسان أطوار سبعة في إنسانيّته وتكوينه : الطبع والنفس والعقل والروح والسرّ والخفي والأخفى .

فالمنزل الأوّل : الطبيعة اللاشعوريّة ، ثمّ مقام النفس الإنسانية بتعلّق الروح بالبدن ، ثمّ القلب الذي يميل إلى النفس تارةً وإلى العقل اُخرى ، ثمّ العقل (مقام الملائكة والطهارة والكمال الإنساني ) فيعقل الإنسان شهواته ونفسه الأمّارة بالسوء، ويضبط الأهواء. فالرمية الاُولى لدفع الشيطان عن الطبع وما يلزمه من المشتهيات والملاذّ، ثمّ الحجارة الثانية لدفع الشيطان عن النفس الإنسانيّة 
والأمّارة ، والثالثة عن القلب الذي هو عرش الرحمن وحرم الله والذي يريد

الشيطان أن يسرقه حتّى يُعبد فيه دون الله عزّ وجلّ ، ثمّ عن العقل ، وهكذا الأطوار الاُخرى ، كما يعرفه أهله .

ثمّ الطواف الأوّل في عمرة التمتّع إنّما هو طواف الوصول ، والثاني في حجّ التمتّع طواف الزيارة ، وفي الأوّل يطاف بلباس الإحرام بعد نزع ثياب الذنوب والآثام ، إلّا أنّ الثاني قد غفر له واُفيض عليه النور حتّى سرى إلى ثيابه ، فيطوف بها في طواف الشوق والحبّ والزيارة ، فهذا الطواف يختلف عن ذلک ، وإنّه سفر من الخلق إلى الحقّ بالحقّ ، فيتزيّن الحاجّ وأثوابه بأنوار الحجّ والمعرفة ، فيتشرّف بلقاء مولاه ، بل لقاء حبيبه ومعبوده ، ويطوف حول بيته الحرام ، والكعبة المشرّفة بيت الله الحرام ، وهو بيت الشوق والوصال والآمال والأماني وأنّه في وسط المسجد الحرام ، والمسجد وسط البلد الأمين مكّة المكرّمة ، ومكّة قبلة المسلمين في العالم ، فهل يعني هذا أنّ روح القبلة ومهجتها هي الكعبة ؟ أو أنّ القبلة هو المسجد الحرام ، أو مكّة المكرّمة ، ثمّ تكون الكعبة رايتها والمسجد قلعتها، ثمّ الكعبة علامة لمعرفة الطريق ، والقبلة شرط لصحّة الصلاة ، ولحلّية الذبيحة ، واستحباب الجلوس نحوها والوضوء، وحرمة التخلّي مستدبرها ومستقبلها، وكراهة الجماع ـوقيل حرمته ـ، ولزوم توجّه المحتضر نحوها، وكذا الميّت في لحده .

ليس المراد من الكعبة الأحجار، بل المجاز قنطرة الحقيقة ، فالمقصود هو (ربّ البيت ) في علمه وقدرته وأسمائه الحسنى وصفاته العليا، فأينما تولّوا وجوهكم فثمّ وجه الله، والإمام المعصوم  7 هو وجه الله، وولد أمير المؤمنين 
 7 في جوف الكعبة لتكون الكعبة أيضآ قبلة الأرواح المؤمنة في ولايتها، وكانت موضع الأصنام في الجاهلية ، وعند بزوغ شمس الإسلام ، وقد بُعث النبيّ الأعظم محمّد  9 من الجزيرة العربية ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، لم يصلِّ نحو الكعبة ، بل كان يصلّي نحو البيت المقدّس في بداية أمره ، إذ أنّه لو صلّى نحوها لاستغلّها المشركون : بأنّ النبيّ يصلّي نحو الأصنام ، كما كانت الكعبة بحكم الملک الشخصي لبعض القبائل ، ولمّا تقوّت شوكة النبيّ واشتدّ أمره ، أمره الله أن يصلّي نحو الكعبة ، فكان تغيير وتبديل القبلة امتحانآ للناس حتّى يُعلم المؤمن بالنبيّ عن غيره ، ثمّ بيت المقدس ما دام كان منطلقآ للحرّية والعزّة بدعوة الأنبياء والأوصياء كان قبلة للمسلمين ، ومع تسلّط اليهود الأوغاد عليه توجّه المسلمون إلى بيت الله الحرام ، كما صلّى المسلمون في بداية الدعوة الإسلاميّة نحو البيت المقدّس حتّى يمتازوا عن المشركين في عبادتهم الأصنام نحو الكعبة ، وصلّى النبيّ ثلاثة عشر سنة في مكّة نحو البيت المقدّس و(19 شهرآ) في المدينة ، ثمّ تغيّرت نحو الكعبة ، فتوجّه المسلمون إليها، من أدنى مراتب حياتهم وهو وضع الميّت نحوها، وإلى أعلى مراتبها وهي الصلاة التي هي عمود الدين .

الحجّ قصد إلى الله، والرجوع إليه والسلوک في وصوله وزيارته والفناء في أبديّته ومطلقيّته ، وبداية السير الكمالي والجمالي في الحجّ هو الميقات ، فيحرم الحاجّ والحاجّة ويلبّيان دعوة ربّهما، بعد أن يطهّرا باطنهما وظاهرهما بالغسل والتوبة ، ليعيشا القيامة الصغرى ـبعد أن تجتمع الشرائط من الاستطاعة الماليّة والجسديّة والسربيّة ، أي سلامة الطريق ـ.

والإحرام لباس المسلمين المؤمنين ، والتلبية شعار الموحّدين 
والمخلصين ، والمناسک هجرة من الذنوب والمعصية إلى الطاعة والعبادة ، ومن

الصفات الذميمة إلى الصفات الحميدة ، ومن الشرّ إلى الخير، ومن الظلمات إلى النور، ومن الباطل إلى الحقّ ، ومن الدنيا إلى الآخرة ، إنّما يتقبّل الله من المتّقين .

والذبح في منى يعني الخلاص من علائق الدنيا، وتقديم الأولاد والأموال في سبيل الله سبحانه وتعالى ، وذبح النفس .

(اقْتُلُوا أنفُسَكُمْ )[8] .

وإن لم يستطع فصيام عشرة أيام ثلاثة بسبعة ، يعني تضعيف القوى الشهوانيّة والملاذّ النفسانيّة ، ولا بدّ من رعاية شرائط ذبح النفس ، بأن لا تكون طفلة ، ولا ضعيفة ، ولا معيوبة ، فإنّ قتلها لو كانت كذلک لا قيمة له : (موتوا قبل أن تموتوا)، ثمّ لا بدّ من ذبيحتک أن ينتفع الناس والفقراء فإنّ (خير الناس من نفع الناس ) ومن أراد الراحة فليقتل نفسه ، ويميت هواه ، ويكسر أصنامه ، ولا يتّخذها أصنامآ، كالجاه والمقام وحبّ الرئاسة والثروة والنساء. وتقسّم الذبيحة ثلاثآ، لک وللفقراء وللأصدقاء، أي كن لک ولإخوانک وللمستضعفين .

ثمّ مكّة المكرّمة كلّها حرم الله عزّ وجلّ ، والحرم المكان المقدّس ، فيعمّ الأماكن المشرّفة والمشاهد المقدّسة . إلّا أنّ مكّة تمتاز عن غيرها بقداسة هبوط الوحي فيها، وأنّها محور التوحيد الخالص ، ومنطلق محاربة الطغاة والجبابرة والظلم والجور، وقبلة المسلمين .

(فَوَلِّ وَجْهَکَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ )[9] .

 

(جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالبَادِيَ)[10] .

(جَعَلَ اللهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَامآ لِلنَّاسِ )[11] .

«ما خلق الله بقعةً أحبّ إليه من الكعبة ».

«من دفن في الحرم أمِنَ من الفزع الأكبر، من بَرّ الناس وفاجرهم ».

(أوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمآ آمِنآ)[12] .

«من دخله من الوحش والطير كان آمنآ من أن يُهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم ».

(أوَ لَمْ يَرَوْا أنَّا جَعَلْنَا حَرَمآ آمِنآ)[13] .

«من دخل الحرم من الناس مستجيرآ به فهو آمن من سخط الله عزّ وجلّ ».

«لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم »[14] .

«لا تمسّ أبدآ حتّى يجيء صاحبها»[15] .

«إلّا من ارتكب جناية في الحرم فيجري عليه الحدّ»[16] .

ولا يخفى أنّ الحرم لجميع المسلمين ، سواء العاكف فيه أو البادي ، ونُهي 
بنهي تنزيهي أو تحريمي ـفيكره أو يحرم ـ إجارة بيوت مكّة المكرّمة للوافدين

كما في المذاهب الإسلامية ، وورد ذلک في الأحاديث الشريفة .

ثمّ اعلم أنّ علل الشرائع وفلسفة الأحكام الإسلامية على أنحاء أربعة  :

1 ـ منها بيّنها النبيّ الأعظم  9 وأهل البيت  : في عصرهم ، فعرفها الناس ، كتحريم الكذب والتهمة والغيبة وقتل النفس وشرب الخمر والظلم ، والأمر بالعدل والإحسان ، والصدق وإعانة المحرومين ، ورعاية حقوق الوالدين والجيران والأقرباء، وما شابه ذلک .

2 ـ الأحكام التي لم تتّضح فلسفتها وعلّتها لعامّة الناس أو العلماء كما هو الثابت والمطلوب ، بل بنحو الإشارة ورد ذلک في الروايات والآيات ، كالإشارة إلى الجوانب الأخلاقية والصحّية ، كقوله تعالى في آية الصوم  :

(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )[17] .

وفي حكمة الزكاة : «يستوي الفقير والغنيّ».

3 ـ الأحكام التي ربما نقف على فلسفتها، إلّا أنّه بمرور الزمن ، ومع تطوّر العلوم ، كأضرار الخمر على الجسم والعقل وحتّى الجينات .

4 ـ وبعضها لا زالت في ستار الإبهام ، ولم تكشف أسرارها وفلسفتها، كعدد الركعات ، أو حدّ النصاب في الزكاة ، أو بعض مناسک الحجّ ، وربما يعلم في المستقبل ، أو عند ظهور صاحب الأمر  7 وبعد تكميل عقول البشر.

ثمّ عندنا كلّ هذه الأحكام بمراتبها ومراحلها الاُفقيّة والعموديّة إنّما هي بمرتبة واحدة من التقدّس والاحترام والإطاعة وإقامتها وتطبيقها، ولا حكم إلهي 
إلّا وفيه المصلحة والحكمة الإلهيّة ، فإنّه قد صدر من الحكيم العليم المطلق .

قال أمير المؤمنين عليّ  7: قال الله عزّ وجلّ من فوق عرشه : يا عبادي أطيعوني في ما أمرتكم به ، ولا تعلّموني ما يصلحكم ، فإنّي أعلم به ، ولا أبخل عليكم بمصالحكم[18] .

وعن جميل بن درّاج ، سألت أبا عبد الله  7 عن شيء من الحلال والحرام ؟ فقال : إنّه لم يُجعل شيء إلّا لشيء[19] . فما جعل الله شيئآ إلّا لحكمة

ومصلحة تامّة .

قال الإمام الرضا  7: إنّا وجدنا كلّ ما أحلّ الله تبارک وتعالى ففيه صلاح العباد وبقائهم ولهم إليه حاجة التي لا يستغنون عنها، ووجدنا المحرّم من الأشياء لا حاجة للعباد إليه ووجدناه مفسدآ داعيآ إلى الفناء والهلاک[20] .

وقال  7: اعلم يرحمک الله أنّ الله تبارک وتعالى لم يبح أكلا ولا شرابآ إلّا فيه المنفعة والصلاح ، ولم يحرّم إلّا ما فيه الضرر والتلف والفساد[21] . فكلّ نافعٍ مقوٍّ

للجسم فيه قوّة للبدن فحلال ، وكلّ مضرّ يذهب بالقوّة أو قاتل فحرام .

وعن الإمام العسكري  7 لأحد أصحابه قال : إنّ الله عزّ وجلّ بمنّه ورحمته لمّا فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلک عليكم لحاجة منه إليه ، بل رحمةً منه إليكم .

 

ومن هذا المنطلق إنّما نقف على لطائف الحجّ وعرفانه ، وأسرار مناسكه ،

وعلى معرفتها بمعرفة جمالية وكمالية من خلال الآيات الكريمة والروايات الشريفة الواردة عن رسول الله  9 وعترته الأطهار  :.

اللهمّ عرّفنا واقع الاُمور، وأرنا حقائق الأشياء كما هي ، برحمتک يا أرحم الراحمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .


المصدر: موقع السيد عادل العلوي

 

 

 

 

 


[1] ()  الأعراف : 31.

[2] ()  الأنفال : 35.

[3] ()  البقرة : 199.

[4] ()  الحجّ : 26.

[5] ()  البقرة : 200.

[6] ()  النحل : 53.

[7] ()  النساء: 66.

[8] ()  البقرة : 144.

[9] ()  الحجّ : 25.

[10] ()  المائدة : 97.

[11] ()  القصص : 57.

[12] ()  العنكبوت : 67.

[13] ()  الوسائل :9 359.

[14] ()  الوسائل :9 361.

[15] ()  الوسائل :8 346.

[16] ()  البقرة : 21.

[17] ()  عدّة الداعي : 31.

[18] ()  محاسن البرقي :2 332.

[19] ()  معادن الحكمة :2 151.

[20] ()  المستدرک :3 72.

[21] ()  التوبة : 103.