يتساءل البعض عن الطريقة المُثلى لقراءة القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك حيث يتوجّه المسلمون في هذا الشهر الفضيل الى الأهتمام بتلاوة كتاب الله في البيوت والمساجد والمحافل العامة ؟
وكيف تتحقّق هذه الطريقة ؟
وقبل بيان الجواب، نقول ومن الله التسديد :
القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه الذي أنزله على قلب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ، حيث قال تعالى : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) النحل : 44 ، ليكون دستوراً للمسلمين ، بل لعموم البشرية يرجع اليه في تنظيم أمورهم العبادية ، والمعاملاتية : الفردية ، والاجتماعية وعلى جميع المستويات ؛ الاخلاقية والروحية ، والاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ونحوها .
وهو مصدر التشريع الأول للأحكام الشرعية ، والمعارف والعلوم .
والذي عبّر عنه الحق تبارك وتعالى أنّه : (( لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )) فصلت : 42 ، وأنّه : (( تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ )) النحل : 89 ، وأنّه محفوظ ومُصان من كل خطأ وزلل : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))
الحجر : 9
وهو رسالة الحبيب وعهده ، فينبغي النظر والتأمل فيه في كل زمان ومكان .
ومن هنا جاء الحث الأكيد على التواصل والتعايش مع القرآن الكريم في تلاوة آياته ، وتدبّر كلماته
ويزداد هذا المعنى ويتضاعف في شهر رمضان المبارك حيث ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) : ( أنّ لكلِّ شيء ربيعاً وربيع القرآن شهر رمضان )1 ، وانه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن ، قال تعالى :(( شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ )) البقرة : 185
ومن هنا حقَّ علينا ان نسأل : كيف نقرأ القرآن في شهر رمضان
والجواب :
أنَّه بعد ان نوفّر جملة من الآداب التي رغّب بها الشرع الحنيف لقاريء القرآن وجعلها من السنن
منها : استحباب الكون على طهارة
و منها : استحباب الجلوس في مجلس يستقبل القبلة
و منها : الخشوع والاحترام والتقديس لكتاب الله تعالى
ونحوها
بعد ذلك نقول :
لابدَّ من توفّر عنصرين مهمّين لكي نحقّق المصداق الأكمل لقراءة القرآن الكريم في شهر رمضان وفي غيره من الشهور
الاول : عنصر الكم
فنكثر من قراءته ، والنظر فيه
كما صح في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده ، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية )2
وعن النبي صلى الله عليه واله في الخطبة الرمضانية : ( ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن في غيره من الشهور )3
وعن الامام الباقر(عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (( من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين ، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاث مائة آية كتب من الفائزين ، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر ؛ القنطار خمسة عشر ألف مثقال من ذهب والمثقال أربعة وعشرون قيراطا أصغرها مثل جبل أحد وأكبرها ما بين السماء إلى الأرض )4 .
الثاني : الكيف او النوع بأن نقرأ القرآن بتدبّر ، وتفكّر ، ووعي ، وشوق ، وحب ، وتأمل ، وتروّي ، وليس قراءة سطحية لمجرّد ترديد الألفاظ على الالسن ، وكأنَّ همَّنا إنجاز ما بأيدينا
وقد انعكس هذا المعنى في جملة من الآيات الشريفة ، والروايات المباركة
قال تعالى :(( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً )) النساء : 82
وقال تعالى :(( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ )) محمد : 24
وقال تعالى : (( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ )) ص : 29
وفي الرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام ) انه قال : ( إن هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى فليجل جال بصره ويفتح للضياء نظره فإن التفكّر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور )5
وعن علي بن أبي حمزة قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال له أبو بصير : (( جعلت فداك اقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة ؟ فقال : لا ، قال : ففي ليلتين ؟ قال : لا ، قال : ففي ثلاث ؟ قال : ها وأشار بيده ، ثم قال : يا أبا محمد إن لرمضان حقاً وحرمة لا يشبهه شئ من الشهور ، وكان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقل ، إن القرآن لا يقرأ هذرمة - السرعة في القراءة - ، ولكن يرتل ترتيلاً فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها وسل الله عز وجل الجنة وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوَّذ بالله من النار )) 6 .
وورد الاستحباب في ترتيل القرآن بالصوت الحسن ففي الرواية عندما سئل الامام الباقر ( عليه السلام ) عن قول الله عز وجل (( ورتّل القرآن ترتيلا )) قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ( بيّنه تبيانا ولا تهذّه هذّة الشعر ولا تنثره نثر الرَّمل ولكن افزعوا قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة ) 7
وعن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : (( لكل شئ حلية وحلية القرآن الصوت الحسن ))8 .
والخلاصة : أنَّنا يمكن ان نحقّق المصداق الأكمل لقراءة القران في شهر رمضان اذا اتبعنا ما ذكرناه ، ولله الحمد
1: الكليني ، الكافي : ج2 ، ص 630
2: نفس المصدر :ج2 ، ص209
3: الصدوق ، الأمالي : ص 104: 4: الكليني الكافي ج2 ، ص 612
5: نفس المصدر ج2 ،ص 600
6: نفس المصدر ج2 ص 617
7: نفس المصدر ج2 ص 614
8: نفس المصدر ح2 ص 615
اكثر قراءة