akdak

المقالات

قسم القرآن الكريم

المنهج القرآني في المعرفة

134

الشيخ عماد مجوت

مناهج المعرفة القدسية ثلاثة , أولها القران,وثانيها الفرقان ، " العترة" , وثالثها البرهان .

ومنهج القرآن المعرفي له أبعاد متعددة أكثرها استعمالا عنده تقرير النفوس بحكم العقل بالمقرر بمشاهدة الأفاق والأنفس 

 نظير إرشاده تعالى : " أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ " (الغاشية  17- 21)

فدعوة الأنظار إلى هذه  المذكورات ، لعظيم الدلائل على الحكمة و القدرة  المستدعية  للإقرار له تعالى بالوحدانية والإلوهية ، نتيجة لإثبات ربوبيته تعالى لجميع خلقه . فانظر الى فعل { ينظرون } بالكيفيات الأربع في قوله : { كيف خلقت } ، { كيف رفعت } ، { كيف نصبت } ، { كيف سطحت } أي لم ينظروا إلى دقائق هيئات خَلقها الدالة على أن لها خالق قادر حكيم .

أما الإبل فلشدة التصاقها بحياتهم وقد ذكرها مع غيرها في معرض امتنانه تعالى عليهم في قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } [ يس : 71-73 ] .

وكذلك في خصوصها في قوله : { والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [ النحل : 5-7 ] .

 أما الجبال فهي مما يملأ عيونهم ، وتبعث على الرهبة والعظمة في نفوسهم . ولذا وجه تعالى الأنظار إليها في موطن عدة كما في قوله تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مِهَاداً والجبال أَوْتَاداً } [ النبأ 6-7 ] ، وذكر تعالى في موضع  آخر أنها ، رواسي للأرض أن تميد بكم { والجبال أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } [ النازعات : 32-33 ] . فهي مرتبطة بحياتهم وحياة أنعامهم كما أسلفنا .

     أما السماء ورفعها أي رفعتها في خلقها وقد ذكرها تعالى في موضع اخر مع غيرها , قال تعالى : " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " (البقرة :164) وبدون عمد ترونها وبدون فطور أو تشقق كما في آيات أخر وأنها ذات دلائل لأصحاب العقول : " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ " (آل عمران :190) .

. أما الأرض وكيف سطحت ، فإن الآية فيها مع عمومها كما في قوله : { لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس } [ غافر : 57 ] .

أما قوله تعالى : { وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ } . سُطحت } : سُويت يقال : سَطَح الشيء إذا سوّاه ومنه سَطْح الدار . فتكون مناسبة لتمكين الإنسان كما حكاه  تعالى بقوله : " وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " (آل عمران :10) ، فهي مقابلة للسماء فالسماء تلقي وهي تستقبل .وقد ذكر تعالى في مواضع من كتابه علاقة السماء بالأرض : { فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَآئِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } [ عبس : 24-32 ] .

وقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ المآء إِلَى الأرض الجرز فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } [ السجدة : 27 ] ، وقوله : { وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شتى كُلُواْ وارعوا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لأُوْلِي النهى } [ طه : 53-54 ] .

 

وفي الأخبار ثمة أشارة إلى منهج القرآن و الائتمام به في المعرفة إلالهية كما في إرشاد الإمام   الرّضا عليه السّلام لأبي هاشم الجعفري إلى الرجوع إليه ففي الكافي عن أبي هاشم الجعفري عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال : " سألته عن اللَّه هل يوصف ؟ فقال عليه السّلام : أما تقرأ القرآن ؟ 

قلت : بلى ، قال : أما تقرأ قوله تعالى : " لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ".

قال : فتعرفون الأبصار ؟ قلت : بلى ، قال : ما هي ؟ قلت : أبصار العيون قال عليه السّلام : إنّ أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون ، فهو لا يدركه الأوهام و هو يدرك الأوهام .الكافي ج1ص152.

فانّ السّائل لما استفهم عن جواز وصفه تعالى بالرّؤية أراد عليه السّلام تنبيهه و إرشاده  على نفي الرّؤية مطلقا عنه تعالى بآية القرآن ، و لما ظهر من حال السّائل أنه قرء القرآن و قرء قوله تعالى : لا تدركه الأبصار ، و لم يعرف من الأبصار إلاّ أبصار العيون عرّفه عليه السّلام أنّ أوهام القلوب أكبر و أقوى في الإدراك من أبصار العيون ، لسعة دائرة الأولى و قصور دائرة الثانية . وفي الرواية التالية عليها إشارة الى ذلك وهي أيضا عن أبي هاشم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار؟ فقال: " يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون " ؟! الكافي ج1ص152.

  وقد رسم القران بهذا المنهج المعرفة التوحيدية كما حكتها جملة من الروايات منها ما عن عبد الرحيم بن عتيك القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام: أن قوما بالعراق يصفون الله بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت - جعلني الله فداك - أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد ؟ فكتب إلي : " سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك فتعالى الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، تعالى عما يصفه الواصفون المشبهون الله بخلقه المفترون على الله، فاعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل فانف عن الله تعالى البطلان والتشبيه فلا نفي ولا تشبيه هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون ولا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان ".الكافي ب32ج1ص153ح1. و عن المفضل قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن شئ من الصفة فقال: لا تجاوز ما في القرآن " .الكافي ب32ج1ص155ح7

فضيل بن يسار فيما رواه عنه في الكافي : سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول : إنّ اللَّه لا يوصف و كيف يوصف و قد قال في كتابه : " وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه ". فلا يوصف بقدر إلاّ كان أعظم من ذلك ". الكافي ب32ج1ص156ح11.