akdak

المقالات

قسم الفكر الاسلامي

التفسير التوحيدي عند السيد باقر الصدر بين المشتهر والحقيقي

142

الشيخ أحمد جعفر الفاطمي

سمعنا كثيرا ان السيد باقر الصدر ابتكر التفسير الموضوعي في ايات القران الكريم، وسمعنا ان التفسير الموضوعي عنده (قدس سره) : هو جمع الايات التي تتحدث عن موضوع واحد ثم دراستها لاستخراج رؤية القران الكريم حول هذا الموضوع.

مثلاً:

الشفاعة

نجمع الايات التي تتناول موضوع الشفاعة ونستخرج الرؤية القرانية حول هذا الموضوع.

 

ولكن بعد الدراسة والتحقيق في فكرة السيد الصدر عن التفسير الموضوعي وجدنا الآتي :

١- ان التفسير الموضوعي ليس من ابتكارات السيد الصدر بل سبقه الكثيرون ومن ابرزهم المقداد السيوري حينما جمع ايات الاحكام والعلامة المجلسي حينما جمع الايات المناسبة لكل باب من أبواب كتاب البحار

وكذلك الاستاذ المصري الشيخ امين الخولي

وطلبته.

٢- ان التفسير الموضوعي عند أولئك كان ينطلق من القران الى القران

اي تختار موضوعا تناوله القران الكريم فتجمع الايات التي ذكر فيها الموضوع ثم ترتبها ترتيبا مناسبا يسمح باستخراج الرؤية القرآنية عن ذلك الموضوع - كما تقدم في مثال الشفاعة -.

وهو بحث مهم وله فوائده الكثيرة والكبيرة.

٣- اما التفسير الموضوعي عند السيد باقر الصدر

- والذي يعد من ابتكاراته - فهو ان يفرض عليك الواقع الحياتي حالةً او موضوعاً لا تدري ماهو موقف القران الكريم منه ، فتنطلق من الواقع الى القران لتسأله : ماهي نظرتك وعلاجاتك ايها الكتاب العزيز لهذا الواقع او هذا الموضوع؟

فتبحث عن النظرية القرانية في الموضوع المراد لكي توحد الواقع مع تلك النظرة او النظرية.

لذا اسماه ( التوحيدي) اي الذي يوّحد بين الواقع الخارجي والنظرة القرانية من خلال استخلاص السلوك العملي للفرد او المجتمع فيكون القران الكريم حلال لمشاكل الحياة الانسانية وهمومها.

وهو ما طبقة في مثال المجتمع الفرعوني.

 

ولعل سائلاً يسأل :

ما الفرق بين النحو الاول من التفسير الموضوعي اذ كلاهما يختار موضوعاً ثم يرى نظرة القران الكريم لهذا الموضوع ؟

والجواب:

الفارق في المنطلق الفكري لكل منهما

فالأول ينطلق من القران الى القران لمعرفة رؤية القران.

اما الثاني فينطلق من حاجة الانسان الى القران في حل مشاكله الحياتية.

مثال: (العرب في القران)

على النحو الاول من التفسير الموضوعي سنرى الايات تحدثت عن الجاهلية الجهلاء ووئد البنات وتبرج نساء العرب وووو

فنخرج برؤية قرآنية عن العرب مفادها انهم أمة جهلٍ لا علم ولا قيم ولا إنسانية عندهم.

 

بينما عَلى النحو التوحيدي من التفسير الموضوعي سنجد غير هذه النظرة

اذ سنأتي ونسأل القران الكريم :

ماهي نظرتك لساكني هذه الجزيرة قبل الاسلام ؟

وكيف يمكن الجمع بين جاهلية العرب وتخلفهم العلمي والحضاري  وبين قدرتهم وتأهلهم لحمل الرسالة الخاتمة ثم تبليغها الى البشرية؟

فنجده يقول:

١- انهم اول مجتمع اتخذت فيه المرأة دوراً فاعلا وبنّاءً، اذ ان المجتمعات المتحضرة الان - مع التحفظ على ما يعطيه البعض من دور سلبي جنسي بحت - لم تعطي للمرأة دوراً في الحياة الا بعد آلاف السنين، بينما المجتمع العربي أعطاها دور القيادة والريادة (اني وجدت امرأة تملكهم).

 

٢- انهم اصحاب نظر اقتصادي وزراعي متطور بدليل الايات التي تتكلم عن سد مأرب.

 

٣- انهم يملكون مجلس نواب مصغر

(فليدعُ ناديه).

 

٤-انهم كانوا اهل حضارة وعمران وهذا لا يأتي الا بعد الازدهار العلمي والثقافي والمجتمعي الذي جعلهم يصلون الى البناء الترفي المصحوب بالإبداع كما في (اتبنون في كل ريع آيةً) فهم بعد ذلك الازدهار الحضاري والفكري والعمراني صاروا يبنون الايات الباهرة في العمران.

 

وغيرها من الايات الكثيرة التي يمكن استخلاص دلالاتها العميقة على كشف القران التاريخي عن مؤهلات ساكني جزيرة العرب التي أهلتهم لكي يكونوا اصحاب السبق في استحقاق تحمل الرسالة الخاتمة ونشرها بين الامم.

ومن هنا توحد الواقع الموضوعي الذي يقول (كيف لأمة جاهلةٍ وليس فيها اي مؤهل من المؤهلات ان تحمل الرسالة الخاتمة الى البشرية؟)

توحد مع ما نقله القران الكريم عن هذه الامة الوارثة لتلك الحضارات المتقدمة.

 

وهو ما فعله السيد الصدر حينما سأل القران الكريم عن صفات المجتمع الفرعوني وسبل العلاج للخلاص من هكذا مجتمع.

 

وبهذا التوضيح المقتضب يمكننا التفريق بين نتائج كل من هذين المنهجين المختلفين في التفسير الموضوعي.

 

وفقنا الله واياكم للعلم والمعرفة.