akdak

المقالات

قسم التأريخ

الإرهاب الوثني والأُموي (تأمّلات في الجذور والرؤى والتحالفات)

80

د. الشيخ عبد المجيد فرج الله

تمهيد

في انطلاقنا المعرفيّ والحضاري أمام الأُمم الأُخرى بمُنجَزها المعرفي ومُنتَجها الحضاري، نعيش ـ وبنقد موضوعي مُنصف ـ بين قوّتين متضادّتين، تجعلنا الأُولى في غاية الزهو والسمو، وفي قِمّة نجاح التحدّي وكسب المضمار، بينما تهبط بنا الثانية إلى حضيض الإخلاد إلى الأرض، وإلى أليم فشل التجربة، وخسارة الميدان!

أمّا القوّة الأُولى، فهي قوّة العمق العلمي، ودقّة الباصر الفكري، وغزارة النتاج المعرفي، وروعة الحضور الثقافي، المستلهمة من القرآن المجيد، ومن العطاء المحمّدي؛ أقوالاً، وأفعالاً، وإمضاءً، وطريقةَ إدارة، وإتقانَ حركة، وبناءَ حاضر، واستشرافَ مستقبل، وتجييلَ عقيدة وسلوك... تتلقّاها الأجيال الموقنة والمؤمنة والمسلمة جيلاً بعد جيل، وأُمّة إثر أُمّة. والجميل المبهر في هذا العطاء المحمّديّ أنّه لم ينتهِ بموته أو شهادته صلى الله عليه وآله  بل استمرّ مع آله الطاهرين، ومَن يؤازرهم من أصحابه المنتجبين المقرّبين. وكان لموقف الإمام الحسين عليه السلام ، واستشهاده المدوّي، في مطلع سنة إحدى وستين للهجرة قوة هائلة تفجّرت من دمائه الزكية، إذ أبقت على هذا الخط، ودلّت عليه، ودعت إليه، ونفت عنه كل ما هو دخيل عليه.

وأما القوّة الثانية، المحرجة لنا كأُمّة مسلمة، لا كأتباع للقوّة الأُولى، فهي قوّة الجرّ إلى الوراء الجاهلي، والجري خلف بريق السلطة أو المال أو الامتيازات التي سرقت ثمار الفتوح، لتصبّ في جيوب المتنفّذين والأتباع وتجّار المواقف والدماء! وهذه القوّة المدجّجة بالبطش ـ والتنكيل، والمصادرة والإلغاء ـ هبطت بنا إلى أقصى حدود الإعياء والإخزاء، حتى بات الفرد المسلم المعاصر في حضيض فشل الخطاب مع الآخر المختلف عنه، حضاراتٍ، وتوجّهاتٍ، وإسهاماتٍ، على صعيد مسيرة الإنسان الطويلة في هذه الأرض... وهذه القوّة تمثلها أظفار الشرك الوثني العلني، وأنياب النفاق الشادّ إلى (حمية الجاهلية الأُولى)، أو الصادّ عن (سبيل الله)، أو الرادّ إلى (الانقلاب على الأعقاب) حسب التوصيفات القرآنية. وهذا الخطّ الصنمي الجاهلي، والنفاقي الانقلابي، مثّله أقطاب الشرك والوثنية، وأزّهم وآزرهم اليهود بكل ما أُوتوا من قوى هدم وردم، كما مثّله أيضاً رؤوس الاستحواذ على التراث النبوي، وتحالفَ معهم (منافقو المدينة) و(ما حولها من الأعراب)... ووقفت الدولة الرومية القيصرية بكل كيدها وجهدها السرّي والعلني مع هذا التجييش الشركي المتصحّر، المعادي للخط المحمّدي الأبلج السابق الذكر.

وهنا يبرز موقف الإمام الحسين عليه السلام  بوصفه أشمخ قمّة في مقاومة هذه القوّة المدمّرة، وبأنصع وقفة قطعت الطريق أمام هذا الوباء السرطاني، الذي أراد ابتلاع كلّ المنجزات المحمّدية، واقتلاع كلّ القيم الراسخة التي شادها دين الله الخاتم. وبذا كان الفصل الذي لابدّ منه؛ بين رسول الله محمد صلى الله عليه وآله  ودينه وأهل بيته عليهم السلام  وخالصي صحابته، من جهة.. وأبي سفيان وشجرته الملعونة في القرآن وحزبه وأتباعه من جهة أُخرى!

حتى أصبحت كلّ قراءة للتاريخ الإسلامي ناقصةً، إذا لم تأخذ بنظر الاعتبار هذا التقاطع التام بين هاتين القوّتين المتصارعتين! وحتى بات كلّ رأي علمي متهافتاً إذا لم يُفـرِّق بينهما تفريقاً ينفي أيّ رابطة انتماء بين هاتين القوّتين المتضادّتين المتنافرتين!

وبتحليل نقدي محايد يمكن البتّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله  قد نجح في التخلّص من أكابر الخط المعادي، خاصة في معارك بدر وأُحد، والخندق وقريظة، وخيبر وحُنين، وباقي المواجهات الفاصلة التي أسقطت الشرك الوثني، وكبّلت معاول الهدم النفاقي.

أبو سفيان والمواجهة الجديدة

انتقل أبو سفيان بعد أن أرغم أنفه انتصار الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، ذلك الانتصار النبوي السلمي في فتح مكة المكرمة، انتقل إلى تخطيط جديد في المواجهة، و(تكتيك) أخطر في الالتفاف على المسار المحمدي النبوي! وكانت أهمّ نقاط قوّة أبي سفيان المادية؛ شراسة الطباع الوثنية الشركية في الانتقام من الآخر، وإراقة دم الخصوم!.. تقابلها رحمة النبوة، وحرص سيّد رسل الله على هداية الناس جميعاً، هداية هادئة رحيمة؛ بتحفيز العقل على التفكير حتى يؤمن بالإسلام المحرّر، وبتطهير الضمير حتى يركن للإيمان النبيل، وبتزكية النفس حتى ترتاح للهدى المنير..

ولقد نجح الأُمويون في التكتّل والتمترس وراء شخصيات خادعوها وعاضدوها، لتكون تلك الشخصيات في الواجهة، بينما يبقى أبو سفيان وقبيله يعمل ويعملون بكلّ طاقاتهم في الخفاء، كطابور مقوّض للبناء المحمّدي من جهة، وكطابور خامس للدولة الرومية التي تحالفوا معها تحالفاً استراتيجياً، تراوح بين السرّية والإعلان ردحاً من الزمن، وكحلفاء أيضاً لليهود الذين تظاهروا مع الأُمويين بالدخول إلى الإسلام صورياً، أو أظهروا نبذ مناجزة الإسلام ومحاربته علناً، لكنهم كانوا يكيدون له بكلّ ضراوة وعدوانية في السرّ والخفاء.

والغريب أنّهم بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله  مباشرة، استطاعوا أن يجعلوا لهم موطئ القدم الأرسخ في جهاز الدولة! ولم تمضِ أيام قلائل حتى أعطى أبو بكر بن أبي قحافة أبا سفيان من أموال الزكاة وخمُس بعض معارك الحروب التي سُمّيت بحروب الردّة، كما حصل أبو سفيان على امتياز مهمّ جداً، وهو أن يولّى أحد أبنائه حكم شمال البلاد الإسلامية مهما امتدّت رقعة الفتح واتسعت باتجاه دولة الروم! عندها هدأت ثائرته، حتى قال عن خليفة الدولة: (وصلته رحم)، بعد أن كان يكنّيه استهزاءً به: (أبا فصيل)، وليس (أبا بكر)! كما أنّه سعى بكلّ طاقته لتحريض الإمام علي عليه السلام  وعمّه العباس لإعلان أحدهما خليفة ثانياً من أجل الاحتراب والاقتتال، وأبدى استعداده لأن يملأنّ المدينة المنورة على أبي بكر خيلاً ورجالاً... وقد جنّ أبو سفيان وهو يرى الإمام علياً عليه السلام  يتحرّك بمنتهى الحكمة، وبأقصى درجات مراعاة المصلحة العليا للإسلام، فراح يقذف حمم كلماته السامّة في وجه الإمام بأحطّ كلمات التحريض والسخرية والفتنة... حتى ليندى الجبين خجلاً ويتقطّع القلب ألماً من صفاقته وخبثه وهو يشبّه الصابرَين الحكيمَين بما جاء في أبيات الشاعر المتلمّس النابية! [1].

لكنّ الأُمويين لم يكتفوا بكلّ هذه الامتيازات والمواقع، كما لم يكتفوا بأن كان أحد رجالاتهم وأبناء عمومتهم[2] هو الذي يُصدر أخطر قرار، وأعلى مرسوم بدلاً من الحاكم العام!! وبأُسلوب مريب يدعو إلى كثير من التمحيص الموضوعي لإعادة قراءة أحداث تلك الفترة الضبابية، في بنائها التأريخي، الذي تحاصره الأسئلة الكثيرة، وعلامات التعجّب الهائلة، قبل علامات الاستفهام. أجل لم يكتفوا بذلك كلّه حتى أُقرّ رجل منهم ليكون هو (خليفة المسلمين).

الشرخ الأكبر

يُضاف إلى ما سبق أنّ الخط الصنمي الوثني قد نجح في إحداث الشرخ الأكبر في أُمّة الإسلام! والأغرب والأنكى إنّنا ـ ونحن أبناء القرن الحادي والعشرين ـ لا زلنا نعيش تداعياته وتأثيراته حتى اليوم، وما بعد اليوم! بل نحن في خضم تيّاره مصابون بالدوار، فلا يكاد أحد يتحدّث ببعض الموضوعية حتى يُـتّهَم بأنّه رافضي!! ولذا بقيت عقول المؤرّخين والمفكّرين المسلمين في أتون استعارة تحترق بالشرر والنار، أو ترتمي في أحضان العلمانية التي ترفض الدين وتعاديه، أو على الأقل لا تعترف بعطاءاته، بل تقصيه!

هذا الشرخ الأكبر الأُموي الوثني قد قطع كل أسباب التواصل مع ورثة الخط المحمّدي، وهم أئمّة آل رسول الله، بل حاربهم أشدّ أنواع المحاربة، وتتبّع أنصارهم وأعوانهم ومريديهم حتى قُتلوا وراء كل حجر ومدر!!

ويبدو أنّ هذا الخط الصنمي الأُموي الخارج من كهوف الجاهلية الجهلاء، ومسارب الليل الأليل، ما كان يمتلك كل هذا الدهاء في التخريب والهدم لخط العطاء المحمّدي، إلّا إذا سلّمنا بنظرية (المؤامرة الدولية الكبرى) المخطَّط لها بـ(استراتيجية قيصرية روميّة) في المحاربة والتصدّي والتفكيك والتحطيم، يقودها قيصر الروم بنفسه وباستنفار دوائره السرية، ويُنفّذها على الأرض الإسلامية المستشار الأوّل لمعاوية الأُموي سرجون الرومي[3] وأضرابه وأمثاله، وبكل دقة ودهاء! هذا من جهة.

ومن جهة ثانية، فإنّ اليهود قد وضعوا كل ثقلهم في هذه المواجهة المصيرية، التي هي مواجهة الوجود؛ أن يكونوا أو لا يكونوا...

واليهود لهم تحالف طويل مع الإمبراطورية الغربية، كما عندهم الخبرة في محاربة نبي الله السيد عيسى المسيح عليه السلام ، حتى قاد رجال من اليهود الإمبراطورية الغاشمة إلى قتله كما يؤكد المسيحيون أنفسهم، ولولا أن رفعه الله إليه كما يشير القرآن الكريم[4] لقُتل أبشع قتلة!

كما أنّ لليهود الخبرة في تحريف توراتهم، والافتراء على أنبيائهم! ولهم أيضاً الخبرة والدهاء في التصدّي للديانة المسيحية، ومحاربتها، وتفكيكها، وتفريغها من محتواها بعد أن سرّب إليها عقيدة التثليث رجل يُسمى: (بولس) اليهودي الذي أوغل سابقاً في إجرامه بحق المسيحين قتلاً وتنكيلاً، ولـمّا لم يستطع محقَ الدين المسيحي، لجأ إلى مناغاة مشاعر المسيحيين المضطهدين، فأسّس باسم السيد المسيح الضدَّ النوعيَّ لديانة السيّد المسيح التوحيدية، فجعلها ديانة التشريك والتثليث، واستطاع أن يُسبغ على إجرامه السابق، وتحريفه اللاحق، ثوب القداسة، حتى بات يُعرف وإلى يوم النّاس هذا بـ(القديس بولس)!!! وهذا كلّه يؤكّده المسيحيون تصريحاً أو تلميحاً، حتى أنّ (مايكل هارت) جعل لبولس المرتبة السادسة في كتابه (الخالدون المائة)، بعد أن كانت المرتبة الأُولى لسيّدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله ، بينما جعل المرتبة الثالثة للسيّد المسيح عليه السلام ، ويعطي تعليلاً لذلك بأنّ «المسيحية لم يؤسّسها شخص واحد، وإنّما أقامها اثنان: المسيح والقديس بولس؛ ولذلك يجب أن يتقاسم شرف إنشائها هذان الرجلان. فالمسيح قد أرسى المبادئ الأخلاقية للمسيحية، وكذلك نظراتها الروحية وكل ما يتعلّق بالسلوك الإنساني. وأمّا مبادئ اللاهوت فهي من صنع القديس بولس». ويضيف مايكل هارت قائلاً: «المسيح لم يبشِّر بشيء من هذا الذي قاله بولس الذي يُعتبر المسؤول الأوّل عن تأليه المسيح»[5].

إرهاب المُلك الأُموي وأدواته

كيف كان تحرّك الإرهاب الأُموي الجاهلي الصنمي؟ وما هي أدواته؟

تحرّك جاهلي بلبوس الـمُلك العضوض، وهو يتظاهر بالدين المهَلهَل، ويوزع بسخاء السلطنة أدوات السرطنة الدينية المحرّفة! الصادمة، أو المخدّرة، أو المؤثرة أثرها بالهدم البطيء، على غرار الموت البطيء؛ كما في نشر المغنيات كهدايا يُتحَف بها الصحابة وأبناؤهم تحت مسمّى الإماء أو الجواري أو مِلك اليمين، وهن في الواقع عميلات في الطابور الخامس العامل لحساب القيصر.

ولم تمضِ فترة نصف قرن بعد وفاة سيّد الثقلين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، حتى فرغت عاصمته المدينة المنوّرة من كلّ الثقل الديني للصحابة وأبنائهم، ولم يتبقَّ إلّا رجلان يُخاف منهما الخوف الحقيقي أوّلهما الإمام الحسين عليه السلام ، ورجل ثالث يُعالَج أمرُه بأيسر علاج وخداع، كما نصّ على ذلك معاوية في كتابه الخطير الصريح لولده يزيد، ذلك الكتاب الذي كان بمشورة سرجون ومعونته! كما كان كتاب آخر من معاوية إلى ولده يزيد يأمره بأن يولّي عبيد الله بن زياد على الكوفة والمحرّك الأول لهذه الطبخة هو سرجون الرومي[6]. وكان الهدف من ذلك إفشال خطّة التغيير الشامل التي قادها الإمام الحسين عليه السلام ، فالتفّ حوله أبرز قادة لأهم مصرين نابضين في الأُمّة الإسلامية، وهما: البصرة، والكوفة.. ولولا سرعة تحرّك عبيد الله بن زياد وإجرامه العنيف لما استطاع الأُمويون الحؤول بين الإمام الحسين عليه السلام  وأبناء الكوفة الذين جنّدهم ابن عمّه مسلم بن عقيل، وأبناء البصرة الذين جنّدهم أعيانها المحبّون له، بعد أن راسلهم الإمام الحسين عليه السلام ، وعلى رأسهم يزيد بن مسعود النهشلي، الذي جيّش جيشاً لنصرة الإمام من قبيلة بني تميم، وانطلق بهم من البصرة باتجاه الكوفة وكربلاء، لكن خبر استشهاد الإمام وصل إليهم وهم في الطريق إليه قبل أن يصلوه.

وبإنصاف الباحثين أقول: إنّ هذا كله نجاح دنيوي منقطع النظير يُحسب للأُمويين في ضرب الخطّ الأوّل، خطّ العطاء المحمّدي! نجاح لم يكن ليتحقّق لولا تظافر جهود الدولة الرومية وعلى رأسها القيصر، واليهود في داخل الدولة الإسلامية وخارجها. وللتدليل على تواطؤ دولة الروم مع الأُمويين ضدّ الخطّ المحمّدي؛ ننفض غبار التاريخ عن حادثة من أهم حوادث محاربة دين الإسلام، حادثة هي حقاً من أخطر الحوادث على الإطلاق.. حدثت حين نادى النّاس باسم الإمام علي عليه السلام  ليكون هو الخليفة على الأُمّة، فوصل الأمر بالدولة الرومية أن تُجيّش أضخم جيش بحري، قوامه أكثر من ألف مركب ضخم، بعد أن تصاعدت وتيرة الأحداث، وحوصر عثمان بن عفان الأُموي في المدينة المنوّرة سنة (35هـ)، وكان العمل مكثَّفاً من قِبل الروم والأُمويين والمنافقين واليهود، في محاولة لتفادي وصول الإمام علي عليه السلام  إلى سدّة الحكم. ولولا التدخّل الإلهي الغيبي لاحتل ملك الروم قسطنطين بن هرقل عاصمة الإسلام وأرض العرب، ولاستباحوا هم وحلفاؤهم الأُمويون المدينة المنورة، كما فعل الأُمويون ذلك سنة (62هـ)، في واقعة الحرة المعروفة بكل تفاصيلها المأساوية.

ومع الأسف الشديد، فإنّ حادثة الغزو الرومي بقيادة قسطنطين وهي الحادثة الكبرى الخطيرة تقصّد المتقصِّدون طمس فشلها، وارتكبوا التعتيم عليها، حتّى لا تُحسب معجزةً للإمام علي عليه السلام ، أو كرامةً لدين الإسلام الخاتم.. بل لم يتعرَّض لها الطبري وابن الأثير، أشهر مؤرِّخَيْن في أوساط المسلمين، إلّا بأسطر يسيرة باهتة، ضمن حوادث سنة خمس وثلاثين هجرية! ومع ذلك، فقد حملت من الدلالة والترميز الشيء الكثير والمثير[7].

قراءة تاريخية في بعض مفردات ذلك الإرهاب

ونحن نقرأ صفحات التاريخ تطاردنا أحداث مؤلمة جداً ومروّعة، تجعلنا نتشبّث بالانتماء إلى خط العطاء المحمدي، الذي نشعر في أفيائه بإنسانيتنا الإسلامية، وبآدميتنا الإيمانية.. وفي الوقت نفسه نرفض ذلك الخط الدّموي الوثني الأُموي، الذي بدأ شركياً جاهلياً، واستمرّ كذلك بكل دمويّته الإجرامية، وعنفه الإرهابي، وهو يتلبّس لبوس الـمُلك العضوض المتسمّي بالإسلام تسمية زور وبهتان وكيد، وإلّا فهو في أشد درجات الإيغال في العسف والطغيان، وفي أرذل مستويات الولوغ بالدماء وانتهاك الحرمات والمقدسات.

ونحن ـ مراعاةً للاختصار ـ سنشير إشارات سريعة، إلى بعض تلك الأحداث المريعة.

حادثة مقتل ياسر وامرأته سمية

يا لها من حادثة مروّعة حقاً؛ إذ يُعذَّب شاب مع أبيه وأُمّه وأخيه، تحت لهيب شمس مكة المكرَّمة، وفوق رمضاء رمالها الملتهبة، ويشتدّ التعذيب الجسدي والنفسي حتى يموت الأب، ثمّ تُطعن الأُمّ في قلبها، أو في أغمض مكان من جسدها المدمى، فتسقط شهيدة بمُدية الجريمة، وربما كانت حاملاً بجنين تُقطّع أحشاءه تلك المُدية الظالمة، ليختلط دمه البريء بدمها المؤمن الصبور.. ويبقى الشاب عمّار بن ياسر مذهولاً، لا يجد محيصاً عن الموت إلّا بالتقية. يقول المؤرّخون: «وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأُمّه ـ وكانوا أهل بيت إسلام ـ إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكّة. فيمرّ بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيقول: صبراً آل ياسر، موعدكم الجنّة... وروى البلاذري عنه أيضاً، قال: كان عمّار يُعذَّب حتى لا يدري ما يقول. وروى البلاذري عن أُم هانئ (رضي الله عنها) أنّ عمّار بن ياسر وأباه ياسراً وأخاه عبد الله بن ياسر وسمية أُم عمار كانوا يُعذَّبون في الله، فمرَّ بهم رسول الله صلى الله عليه وآله  فقال: صبراً آل ياسر، فإنّ موعدكم الجنّة. فمات ياسر في العذاب، وأغلظت سمية لأبي جهل؛ فطعنها في قلبها فماتت، ورمي عبد الله فسقط»[8].

بلال الحبشي.. عيّنة لضحايا التعذيب الوحشي

بلال ابن بلاد الحبشة، كان كسائر العبيد المساكين في مكّة، يعاني من عنجهية أُولئك المشركين العتاة القساة، وبعد أن دخل الإسلام إلى قلبه، وأفعم روحه، صبّوا جام حقدهم وانتقامهم عليه، وهو مُستضعَف لا حول له ولا قوّة، ولا حيلة له ولا مناص! اللهم، إلّا قوّة الإيمان، وصلابة عقيدة الارتباط بالله القوي العزيز. ويحدثنا التاريخ بمرارة عن تعذيب كبار الوثنيين له، ممّا ينمّ عن نفسياتهم المريضة الحاقدة، وضرواتهم في التجرّد عن كل قيم النبل والإنسانية! وهذا هو ديدن سار عليه الأُمويون والوثنيون حتى بعد أن أظهروا ـ مُكرَهين ـ إسلامَهم المهزول، وهم يعيشون كفرهم الجاهلي المتجذّر، ويُبدون نفاقهم الصريح المقيت... وليس بلال الحبشي سوى رمز لآلاف المقهورين والمضطهدين، الذين سحقتهم عجلة الإرهاب الأُموي والوثني لما يقرب من مئة وخمسين سنة! لقد ظلّ أُميّة بن خلف يُعذّب بلالاً أشد تعذيب، حتى أنّه: «كان يخرجه إلى رمضاء مكّة إذا حميت، فيضجعه على ظهره، ثمّ يأمر بصخرة عظيمة فتُوضَع على صدره، ثمّ يقول: لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد. فيقول بلال: أحد، أحد»[9].

الحصار المميت ومطاردة الأبرياء

وأمام هذا الاضطهاد الأليم اضطُرّ المسلمون للهجرة إمّا إلى الحبشة أولاً، أو إلى المدينة المنوّرة فيما بعد. كما فرض أُولئك الوثنيون المشركون حصاراً جائراً مميتاً على رسول الله صلى الله عليه وآله  ومَن معه في شعب أبي طالب، منعوا فيه أيّ طعام من الوصول إليهم ليموتوا جوعاً! واستمر الحصار ثلاث سنين، حتى أنفقت أُم المؤمنين خديجة بنت خويلد زوج النبي الأكرم صلى الله عليه وآله  كل ثروتها الطائلة لشراء ما يمكن تسريبه وتهريبه إليهم بأغلى الأثمان المضاعفة!

ولقد عانت النّساء المسلمات والأطفال الأبرياء من الترويع والتهديد والإساءة، ولولا أنّ الإمام علياً عليه السلام  كان قمة في البطولة والاستبسال، لما سلمت حتى نساء البيت المحمدي من جورهم.. وهذا التاريخ يحدّثنا أنّ الوثنيين الجاهليين اعترضوا ركب الفواطم، الذي يقوده الإمام علي عليه السلام  بعد هجرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، لكنّهم تقهقروا أمام دفاع الإمام علي المستميت من أجل إنقاذهن وإيصالهن إلى حيث هاجر سيّدنا النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله [10].

إرهاب الوثنيين بعد الهجرة

استمرّ الوثنيون وفي مقدّمتهم الأُمويون في ممارسة إرهابهم الشنيع على طول خطّ وجودهم البغيض، ولم يتركوا أيّ فرصة أُتيحت لهم إلّا ولطَّخوا أيديهم بدماء الأبرياء، أو أسالوا فيها دموع المقهورين.. حتّى إذا حدثت معركة أُحد الشهيرة، واستُشهد سيّدنا الحمزة بن عبد المطّلب عليه السلام ، لم يكتفوا بقتله، بل سارعت هند امرأة أبي سفيان ـ أُمّ معاوية ـ تقود نساء الجاهليين الإرهابيين لتمثِّل بجسد حمزة الشهيد، ويُمثِّلن بأجساد الشهداء المسلمين، ويقطعن آذانهم وأُنوفهم بكل حقد ودناءة، حتى يجعلن منها قلائد وأقراطاً في رقابهن وفي آذانهن!! وانبرت الإرهابية هند بنت عتبة لتشق صدر حمزة، وتأكل قلبه وكبده، فقطعت منها قطعة ولاكتها، لكنّها لم تستطع ابتلاعها، فلفظتها!! إنّها الوحشية الإجرامية بكل ما تعني الكلمة من معنى، وبكل ما تشير إليه من ترميز جارح. يقول المؤرّخون، ومنهم ابن إسحاق ـ أحد أقدم كتّاب السيرة والتاريخ ـ: «وقفت هند بنت عتبة ـ كما حدّثني صالح بن كيسان ـ والنّسوة اللاتي كنّ معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، يجدعن الآذان والأنف حتّى اتّخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خِدماً وقلائد، وأعطت خِدمها وقلائدها وقرطتها وحشياً غلام جبير بن مطعم، وبقرت من كبد حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تُسيغها...»[11].

إنّ التمثيل بالجثث طال كل الشهداء في أُحد، إلّا واحداً منهم، كما يقول بعض المؤرّخين، وهذا ابن جريج يصرّح قائلاً: «مثّل الكفّار يومَ أُحد بقتلى المسلمين كلّهم إلّا حنظلة بن الراهب؛ لأنّ أبا عامر الراهب كان يومئذ مع أبي سفيان؛ فتركوا حنظلة لذلك»[12].

التجييش لارتكاب أكبر مجزرة

لم يتوقّف إرهاب التحالف الأُموي ـ الوثني ـ اليهودي في حدود التمثيل بجثث المقاتلين، بل تعدّاه لترويع المدنيين العزّل من النّساء والأطفال الأبرياء، وقد ظهر للعيان هذا التحالف في معركة الأحزاب، وهذه المعركة يدلّ حتّى اسمها على ذلك التحالف المشين، فقد تحزّبت كلّ قوى الشرك والوثنية على أهل الإسلام، وقد بذل أبو سفيان كل جهوده لتجييش جيوش الأحزاب واليهود، وقد سُمّيت سورة من سور القرآن الكريم بهذا الاسم أيضاً، ولقد وصف القرآن المجيد تلك الجموع الإرهابية، وتعمّق في ذكر تأثيراتها على نفوس الناس المسلمين بنصوص عديدة، ومنها نص شريف يفصل بين بطولة المؤمنين، وجبن ضعاف الإيمان وهلعهم، كما يعطي الوصف الدقيق لحالة المنافقين والمتآمرين مع الوثنيين من داخل جبهة المدينة المنورة، ويمجّد بالرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وسيّدهم هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام . كما كان لعمّة الإمام والرسول السيّدة صفية بنت عبد المطلب، موقف بطولي، منع اقتحام جبهة المدينة المنوّرة من الداخل على أيدي اليهود الغادرين الجبناء، وقد تولّت هي بنفسها قتل يهودي ورمت بسلبه أمامهم في محاولة لإيهامهم بأنّ مكان اختباء النّساء والأطفال العزّل الأبرياء يحرسه أبطال أشدّاء، وهذه الحادثة مشهورة في كتب السير والتاريخ، وهناك تفاصيل مهمة ذكرها المؤرّخون ومنهم ابن كثير في كتابه البداية والنهاية[13].

قتل الآمنين حتى من غير المسلمين

وتفاقم الإجرام الوثني المشرك ليشمل حتى بعض المشركين الآمنين الذين عقدوا اتفاقاً، أو أبرموا معاهدة سلمية مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإذا بهم يقتلونهم شرّ قتلة وفي داخل المسجد الحرام بمكة!! وهذا ما حدا بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله  لأن يُعدَّ العدّة لفتح مكّة، والذي كان رحيماً حتّى في غضبه؛ إذ لم ينتقم انتقام الفاتحين من أعدائه، بل أشاع ثقافة السلام بدل الحرب، وأرسى قواعد الوئام بدل الحقد والعنف. وكُتُب التاريخ تذكر تفاصيل ذلك الإجرام، إذ «ثارت بكر بخزاعة حتى بيّتوهم بالوتير، وأعانت قريش بني بكر على خزاعة بسلاح ودواب، وقاتل معهم جماعة من قريش مختفين، منهم: صفوان بن أُمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهل بن عمرو مع عيرهم وعبيدهم، فانحازت خزاعة إلى الحرم، وقُتل منهم نفر. فلمّا دخلت خزاعة الحرم قالت بكر: يا نوفل، إنّا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك! فقال: لا إله له اليوم، يا بني بكر، أصيبوا ثأركم، فلعمري، إنّكم لتسرفون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه؟»[14].

فتح مكّة رسالة السلام

ومع كل الرحمة النبوية، والتربية الإيمانية، التي كان ينتهجها سّيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله  لينقل ذهنيات الناس من عالم الجريمة والخوف إلى عالم الفضيلة والأمن، إلّا أنّ الأُمويين والوثنيين كانوا يرفضون روحية السلم والأمان للجميع، التي أرساها صراط العطاء المحمدي المستقيم. وهذا أبو سفيان بعد أن أحاط به المسلمون، لم يُقتل؛ لأنّه جاءهم غير مقاتل، بل أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله  عمّه العبّاس أن يأخذه إلى بيته ويحافظ على حياته، كما تؤكّد ذلك مصادر التاريخ والسِّيَر! بل عندما اضطُرّ أبو سفيان لإظهار الإسلام فإنّه لم يقل صراحة: (أشهد أن لا إله إلّا الله)، ولم يُقر للنبي بأنّه رسول الله؛ لأنّه يجد في نفسه عناداً في الإذعان إلى أنّه رسول من الله: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): اذهب به يا عبّاس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به. قال: فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلمّا أصبح غدوت به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فلمّا رآه رسول الله قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأنِ لك أن تعلم أنّه لا إله إلّا الله؟ فقال: بأبي أنت وأُمّي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! والله، لقد ظننتُ أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنّي شيئاً بعد! قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأنِ لك أن تعلم أنّي رسول الله؟ قال: بأبي أنت وأُمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أمّا هذه ـ والله ـ فإنّ في النّفس منها حتى الآن شيئاً! فقال له العبّاس: ويحك! أسلم واشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله قبل أن تُضرَب عنقك. قال: فشهد شهادة الحق فأسلم. قال العباس: فقلت: يا رسول الله، إنّ أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئاً. قال: نعم، مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمِن... ومَن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمِن... ومَن أغلق عليه بابه فهو آمِن، ومَن دخل المسجد فهو آمِن»[15].

هل استفاد الوثنيون من الدرس النبوي؟

هذا السؤال في غاية الأهمية! ولابدّ أن يسبقه سؤال أهمّ: هل دخل الوثنيون إلى الإسلام حقاً؟ أم دخلوه كيداً له ولأهله؟

عند تأمّلنا بالذهنية المسلمة اليوم، وما قبل اليوم، يُلفت انتباهنا بقوّة أن لا أحد من المسلمين يجرؤ على الإجابة صراحة عن هذا السؤال، غير الشيعة! فالشيعة يقطعون بأنّ أبا سفيان وأتباعه وأمثاله والمتحالفين معه ما دخلوا الإسلام إلّا كيداً، وكانوا يبغون للدين والمؤمنين الغوائل، بكل ما أُوتوا من مكر وخداع وجَهد ودهاء!

أجل! لقد كان ذلك واضحاً صريحاً في المأساة الكبرى التي أدّت إلى استشهاد سيّدنا وإمامنا الحسين عليه السلام  والثلّة الطيبة من آله وأصحابه الكرام (رضوان الله عليهم)، لكنّنا في قراءة متأنّية نجد هذا الإجرام وذلك الإرهاب واضحاً عند الوثنيين الجاهليين، وإن تظاهروا بالإسلام منذ دخولهم الصوري فيه زمن النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله ! وأكثر من ذلك، فإنّ التاريخ يؤكّد لنا تبرّؤ رسول الله صلى الله عليه وآله  من إرهاب الجاهليين الظلاميين، وما مأساة بني جذيمة إلّا شاهداً واحداً من شواهد كثيرة، ذكر الرواة والمؤرّخون بعضها، وأعرضوا عن بعضها الأكبر خوفاً من سلطة القتل والبطش الأُموية الغاشمة!

وطالما ذكرنا مأساة بني جذيمة فلابدّ أن نسلط عليها شيئاً من الضوء:

يذكر الرواة والمؤرّخون أنّ سيّد الرحمة والعدل رسول الله محمداً صلى الله عليه وآله  كان يبعث السرايا للدعوة إلى الإسلام سلماً، ويأمرهم بأن لا يخوضوا أيّ قتال، لكن رواسب الشرك والجاهلية الرعناء تسري في دماء هؤلاء (المتأسلمين)، بل هي ليست رواسب، إنّما هي دماؤهم تكوَّنت وفارت إرهاباً وإجراماً وقسوةً ولؤماً. وبنو جذيمة قبيلة من القبائل العربية المنتشرة في البادية العربية، وهؤلاء راحوا ضحية اعتداء إجرامي شنيع، اقترفه أحد أكبر الغادرين الذين حاربوا المسلمين قبل فتح مكة بالحيلة والمكر والغدر.. وحينما وصلت أخبار الجريمة إلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله  رفع يديه بالدعاء إلى الله تبارك وتقدّس، وتبرّأ من فعل ذلك الغادر... ثمّ أمر الإمام علياً عليه السلام  أن يأخذ من بيت مال المسلمين أموالاً طائلة ليُدِيَ بها تلك القبيلة المنكوبة، ويدفع التعويضات لها دياتٍ عن المقتلولين المغدورين، وتعويضاتٍ عن الخسائر المادية التي لحقت بهم، إلى حدّ أنّه عليه السلام  دفع التعويض حتى عن الميلغة، وهو: الإناء الذي يشرب فيه الكلب ويأكل، في كناية عن التعويض التام عن كل الأضرار التي لحقت بهم.

نعم، لقد ذكر كتّاب السيرة والمؤرّخون ورواة الحديث النبوي الشريف شيئاً من تفاصيل تلك الحادثة المروِّعة، ومنها ما قاله ابن إسحاق: «حدّثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً ولم يبعثه مقاتلاً. ومعه قبائل من العرب وسليم بن منصور ومدلج بن مرة، فوطؤوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلمّا رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح؛ فإنّ النّاس قد أسلموا. قال ابن إسحاق: وحدّثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة قال: لمّا أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منّا ـ يُقال له: جحدم ـ: ويلكم يا بني جذيمة، إنّه خالد! والله، ما بعد وضع السلاح إلّا الإسار، وما بعد الإسار إلّا ضرب الأعناق، والله، لا أضع سلاحي أبداً. قال: فأخذه رجال من قومه فقالوا: يا جحدم، أتُريد أن تسفك دماءنا؟! إنّ النّاس قد أسلموا ووضعت الحرب وآمن النّاس. فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه، ووضع القوم سلاحهم لقول خالد. قال ابن إسحاق: فقال حكيم بن حكيم: عن أبي جعفر، قال: فلمّا وضعوا السلاح أمر بهم خالد فكتفوا، ثمّ عرضهم على السيف، فقتل مَن قتل منهم. فلمّا انتهى الخبر إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) رفع يديه إلى السماء ثمّ قال: اللهم، إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد. قال ابن هشام: حدّثني بعض أهل العلم، أنّه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فأخبره الخبر، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): هل أنكر عليه أحد؟ فقال: نعم، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة، فنهمه خالد، فسكت عنه، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فاشتدّت مراجعتهما. فقال عمر بن الخطاب: أمّا الأوّل ـ يا رسول الله ـ فابني عبد الله، وأمّا الآخر، فسالم مولى أبي حذيفة. قال ابن إسحاق: فحدّثني حكيم بن حكيم، عن أبي جعفر قال: ثمّ دعا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) عليَّ بن أبي طالب فقال: يا علي، اخرُج إلى هؤلاء القوم فاُنظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. فخرج عليٌّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فودى لهم الدماء وما أُصيب لهم من الأموال، حتّى إنّه ليُدِي ميلغة الكلب! حتّى إذا لم يبقَ شيء من دم ولا مال إلّا وداه بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي حين فرغ منهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا: لا. قال: فإنّي أُعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطاً لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ممّا لا يعلم ولا تعلمون. ففعل، ثمّ رجع إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فأخبره الخبر، فقال: أصبت وأحسنت. ثمّ قام رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه حتّى إنّه ليُرى ما تحت منكبيه يقول: اللهمّ، إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد. ثلاث مرات»[16].

ومع كلّ الألم الذي يصيب الباحث في تلك الأحداث، إلّا أنّه لابدّ وأن يستنتج أنّ بطولة خالد بن الوليد لم تكن بطولة حقيقية، إنّما كانت رعونة الغدر والحيلة والمكر والخداع، وهذا كلّه ليس من الإسلام في شيء، خاصّة وأنّ خالد بن الوليد يؤمّن مَن يغزوهم، ويطمئنهم، ويعترف بإسلامهم، حتى إذا وثقوا منه غدر بهم، ويبدو من قول أحدهم: (إنّه لخالد). أي: لا تصدّقوه. لما عُرف عنه من غدر ونقض لكل عهد!

ولقد قالت إحدى نساء هذه القبيلة المنكوبة، واسمها سلمى، شهادةً للتاريخ، وقد سهل انتشارها كونها شعراً يأخذ بالألباب، ويرسخ في الأذهان، وهو قولها:[17]

 

للاقتْ سليمٌ يومَ ذلكَ ناطحا «ولولا مقالُ القومِ للقومِ أسلِموا
ومُرّةُ حتى يتركوا البرْكَ ضابحا لَماصَعَهُمْ بسرٌ وأصحابُ جحْدمٍ
أُصيبَ ولم يجرحْ وقد كان جارحا فكائِنْ ترى يومَ الغميصاءِ مِن فتىً
غَداتَئِذٍ مِنهُنَّ مَن كان ناكحا»(1)(. ألَظّتْ بخطّابِ الأيامى وطُلّقَتْ

 

على أنّ أبياتاً أُخرى قالها أحد أفراد هذه القبيلة الجريحة، هي من الأهميّة بمكان يجعلها وثيقة حيّة، تشير إلى تمجيد قائلها بدين آل النبيّ محمد صلى الله عليه وآله ، كناية عن الإمام علي عليه السلام ، الذي لامس الجراح بأقواله وأفعاله، فمسح عليها بالرحمة المعهودة والعطف الكبير. «قال ابن إسحاق: وقال رجل من بني جذيمة:[18]

جزاءةَ بؤسي حيثُ سارتْ وحَلَّتِ جذزى اللهُ عَنّا مدلجاً حيثُ أصبحَتْ
وقَدْ نَهلَتْ فينا الرماحُ وَعَلّتِ أقاموا على أقضاضِنا يَقْسِمونَها
لَقَدْ هَربَتْ مِنْهُمْ خُيولٌ فَشلّتِ فواللهِ لولا دينُ آلِ محمدٍ
كرجلِ جَرادٍ أُرسِلَتْ فاشْمَعَلّتِ وما ضَرَّهُمْ أنْ لا يُعينوا كتيبةً
فلا نحنُ نَجزيهِمْ بما قد أضَلَّتِ»(2). فإما ينيبوا أو يَثوبوا لأمرِهِمْ

 

 

جريمة قتل الزوج العاشق

وممّا أثار رحمة النبي الأكرم وعطفه وغضبه في وقت واحد ما نقله إليه بعضهم، في إخباره عن ذلك المسكين الشاعر الذي ولّهه العشق، وكان يحمي مع ثلاثة آخرين نساءهم؛ خوفاً عليهن من انتهاك أعراضهنّ، وحين قبض عليه جماعة خالد بن الوليد ليقتلوه بأمر خالد، طلب منهم أن يودّع المرأة التي أحبها وربما كانت زوجته، فرآها، وتناشدا شعراً، ثم قتلوه، وجاءت هي تبكيه حتى ماتت عنده، وربما قُتلت بأيديهم.. فقال سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله  حينما أُخبر بذلك: «أما فيكم رجل رحيم»؟!

إنّ هذه الحادثة تدلّ بكل صراحة على ذلك النهج الدموي الإرهابي الذي كان يسير عليه مَن كان يحارب الإسلام سابقاً في المواجهات العلنية، ثم انتقل ليهدم قِـيَم الإسلام ومُثُلَه النبيلة، ويكيد له بتخطيط شنيع تلبَّس بأُسلوب جديد، هو التظاهر بالإسلام، وقتل النّاس باسم الإسلام. وهذا ما نجده في اعتراف عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي[19].

إلّا أنّنا نتلمّس في طيّات التاريخ ما يعطينا انطباعاً بأن خالد بن الوليد لم يكن يقاتل المشركين والمتجاهرين بالكفر، ولا حتى الذين يحرّضون على قتله، بل يكتفي مع المشركين بأقل ما أوصاه به سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله .

اغتيال سعد بن عبادة¡ والاستخفاف بالعقول

من الممارسات الإرهابية المشينة، عمليات الاغتيال التي طالت عدداً من كبار الصحابة الذين لم يبايعوا أبا بكر، ومنهم شيخ الأنصار سعد بن عبادة الخزرجي. هذه العمليات الإجرامية التي نفّذها الأُمويون والوثنيون وصلت حتّى إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وآله ، في مسعى لإحراق دار بنت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله  سيّدتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها بمن فيها، وفيها فاطمة وزوجها علي وابناهما الحسنان وابنتهما زينب عليهم السلام  ولفيف من بني هاشم!! وهذا ما سنفرد له بعون الله مداراً خاصّاً موسّعاً للبحث والدراسة إن شاء الله.

 

 والأمر لا يتوقّف عند الاغتيال، بل يتعدّى إلى حملات الاستخفاف بالعقل الإنساني، حينما يقتلون المعارضين، ويتّهمون الجن بقتلهم! والأغرب والأعجب أنّ كتّاب الحكّام والطواغيت يتسابقون في نقل إلقاء التهمة على الجن[20]!! وهذا تسخيف للعقل المسلم من جهة، ومن جهة ثانية فإنّه يقوّض الركائز الأساس التي أرسى قواعدها الدين الإسلامي، وشادها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله  والمقرّبون منه من أهل بيته وأصحابه، بعد جهود مضنية، وجهاد شديد.

ونبقى جميعاً،كوجود بشري، مدينين للإمام الحسين عليه السلام ، الذي كان البرزخ الفاصل ما بين الخطّ المحمّدي الأصيل النبيل، وبين الخطّ الأُموي الإرهابي الوثني، فبالإمام الحسين عليه السلام  وموقفه البطولي الاستشهادي رُفعت عن الأعين غشاوة التجهيل والتدجيل الأُموي، ونفضت العقول غبار التخدير والتبرير السلطوي، وهي تجد الباصرة الدقيقة التي ترشد إلى خط محمد، وتدين خط أعدائه القدامى الجدد، الذين ظلوا رموزاً للشرك والوثنية، والإرهاب والهمجية، والإجرام والجاهلية، مهما تعدّدت الأقنعة، وتغيّرت الثياب.

 

 

 

 

[1] الطبري؛ محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج2، ص120.

[2] إنّه عثمان بن عفّان الأُموي. وقد روى ابن أبي شبة في كتابه (تاريخ المدينة: ج2، ص667) عن عائشة، قالت: «كان عثمان يكتب وصيّة أبي بكر، فأُغمي على أبي بكر، فجعل عثمان يكتب فكتب: عمر، فلمّا أفاق قال: ما كتبت؟ قال: كتبتُ عمر. قال: كتبتَ الذي أردت أن آمرك به، ولو كتبتَ نفسك لكنتَ لها أهلاً». وقد ذكر ابن الجوزي هذا في كتابه (مناقب عمر: ص49-50) ما يشابه  ذلك.

[3] من الشائع المعروف في كتب التاريخ أنّ سرجون الرومي كان هو المقرَّب من معاوية وصاحب سرّه ومستشاره، أو وزيره الأول، وإن لم يوسم بهذه السمة رسمياً، فهذا الطبري في تاريخه: (ج3، ص264) يقول في «ذكر بعض ما حضرنا من ذكر أخباره وسيره: حدّثني أحمد بن زهير، عن علي قال: لمّا بويع لمعاوية بالخلافة صيّر على شرطته قيس بن حمزة الهمداني، ثمّ عزله واستعمل زميل بن عمرو العذري، ويقال: السكسكي، وكان كاتبه وصاحب أمره سرجون بن منصور الرومي». وكذا كان هذا أوّل ما ذكره ابن الأثير في كتابه (الكامل: ج2، ص149) عن بعض سيرة معاوية وأخباره وقضاته وكتّابه: «لمّا بويع معاوية بالخلافة استعمل على شرطته قيس بن حمزة الهمداني... وكان كاتبه وصاحب أمره سرجون الرومي».

[4] يقول تعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا النساء: آية: 157ـ158.

[5] هارت، مايكل، الخالدون المائة: ص23 .

[6] ذكر ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ: ج2، ص149) ـ وكذا غيره من المؤرّخين ـ : «لمّا اجتمعت الكتب عند يزيد دعا سرجون مولى معاوية، فأقرأه الكتب، واستشاره فيمن يولّيه الكوفة، وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد، فقال له سرجون: أرأيت لو نُشر لك معاوية كنت تأخذ برأيه؟ قال: نعم. قال: فأخرج عهد عبيد الله على الكوفة. فقال: هذا رأي معاوية، ومات وقد أمر بهذا الكتاب. فأخذ برأيه، وجمع الكوفة والبصرة لعبيد الله، وكتب إليه بعهده، وسيّره إليه مع مسلم بن عمرو الباهلي والد قتيبة، فأمره بطلب مسلم بن عقيل وبقتله أو نفيه. فلمّا وصل كتابه إلى عبيد الله أمر بالتجهز ليبرز من الغد».

[7] قال الطبري في تاريخ الأُمم والملوك: ج2، ص74: «مسير قسطنطين ملك الروم يريد المسلمين: وفي هذه السَّنة؛ أعني: سنة خمس وثلاثين: سار قسطنطين بن هرقل ـ فيما ذكر محمد بن عمر الواقدي، عن هشام بن الغاز، عن عبادة بن نسي ـ في ألف مركب يريد أرض المسلمين، فسلَّط الله عليهم قاصفاً من الريح فغرقهم، ونجا قسطنطين بن هرقل، فأتى صقلية، فصنعوا له حماماً فدخله، فقتلوه فيه، وقالوا: قتلت رجالنا». واُنظر أيضاً : ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2، ص26.

[8] اُنظر: الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: ج3، ص38. وأبو نعيم، الحلية: ج1، ص140. وابن كثير، البداية والنهاية: ج3، ص59.

[9] هذا الأمر شائع ذائع، وإذا أحببت فراجع كُتُب التاريخ والسَّير ومتون الحديث، ومنها على سبيل التوثيق لا الحصر. مسند أحمد بن حنبل: ج8، ص175. البيهقي، دلائل النبوّة: ج2، ص168.

[10] إنّ بطولة الإمام علي عليه السلام  في ليلة الهجرة وما تلاها يذكرها جميع المؤرّخين من المسلمين مهما اختلفت مذاهبهم ومشاربهم، وبعضهم يعطي تفاصيل كثيرة، من قبيل القول: «وأمّا علي، فإنّه لمّا فرغ من الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله  هاجر إلى المدينة، فكان يسير الليل ويكمن النّهار، حتّى قدم المدينة وقد تفطّرت قدماه، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : أدعو لي عليّاً. قيل: لا يقدر أن يمشي. فأتاه النبي صلى الله عليه وآله  واعتنقه وبكى رحمةً لما بقدميه من الورم، وتفل في يديه وأمرّها على قدميه؛ فلم يشتكهما بعد حتّى قُتِلَ». اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج2، ص7.

[11] ابن إسحاق، محمد، سيرة ابن إسحاق: ج3، ص312.

[12] ابن عبد البر، يوسف، الاستيعاب: ج1، ص372.

[13] جاء في كتاب البداية والنهاية: ج4، ص108: «قال ابن إسحاق: وحدّثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد، قال: كانت صفية بنت عبد المطّلب في فارع حصن حسّان بن ثابت، قالت: وكان حسّان معنا فيه مع النّساء والصبيان، فمرّ بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنّا ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) والمسلمون في نحور عدوّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا؛ إذ أتانا آتٍ فقلت: يا حسّان، إنّ هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإنّي ـ والله ـ ما آمنه أن يدل على عورتنا مَن وراءنا من يهود، وقد شُغل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابه، فانزل إليه فاقتله. قال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله، لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. قالت: فلمّا قال لي ذلك، ولم أرَ عنده شيئاً احتجزت، ثمّ أخذت عموداً، ثمّ نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتّى قتلته، فلمّا فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت: يا حسّان، انزل فاستلبه؛ فإنّه لم يمنعني من سلبه إلّا أنّه رجل. قال: ما لي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطّلب. قال موسى بن عقبة: وأحاط المشركون بالمسلمين، حتّى جعلوهم في مثل الحصن من كتائبهم، فحاصروهم قريباً من عشرين ليلة، وأخذوا بكل ناحية حتى لا يدري أتم أم لا. قال: ووجهوا نحو منزل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كتيبة غليظة فقاتلوهم يوماً إلى الليل، فلمّا حانت صلاة العصر دنت الكتيبة فلم يقدر النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ولا أحد من أصحابه الذين كانوا معه أن يصلوا الصلاة على نحو ما أرادوا، فانكفأت الكتيبة مع الليل، فزعموا أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: شغلونا عن صلاة العصر، ملأ الله بطونهم وقلوبهم ـ وفي رواية ـ وقبورهم ناراً. فلمّا اشتدّ البلاء نافق ناس كثير وتكلّموا بكلام قبيح، فلمّا رأى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ما بالنّاس من البلاء والكرب.. جعل يبشّرهم ويقول: والذي نفسي بيده، ليفرجنّ عنكم ما ترون من الشدّة، وإنّي لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمناً، وأن يدفع الله إليَّ مفاتيح الكعبة، وليُهلكنّ الله كسرى وقيصر، ولتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله».

[14] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج2، ص239.

[15] اُنظر: ابن هشام، عبد الملك، السيّرة النبويّة: ج2، ص401. ابن كثير، إسماعيل بن كثير، السيّرة النبويّة: ج3، ص549، وغيرها كثير.

[16] ابن هشام، عبد الملك، السيرة النبويّة: ج2، ص428 ـ429. واُنظر أيضاً: ابن كثير، إسماعيل بن كثير، السيرة النبويّة: ج3، ص591 ـ 593، وغيرهما كثير جدّاً.

[17] ابن هشام، عبد الملك، السيرة النبويّة: ج4، ص885.

[18] المصدر السابق: ص887.

[19] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج2، ص256ـ 258.

[20] للقارئ الكريم أن يراجع المصادر التاريخية الكثيرة التي ذكرت ذلك، وقد أعرضنا عن ذكرها حتّى لا يتهمنا أحد بأنّنا نتهكم أو نسخر بها وبمؤلّفيها.