akdak

المقالات

القسم الاجتماعي

المواطن السلبي

70

محمد عبد الجبار الشبوط

لما كان السبب الاعمق في المشكلات التي يعاني منها مجتمعنا، بما في ذلك فساد الطبقة السياسية وقصورها وعدم كفاءتها وسلبية المواطن الفرد وقصور ثقافته السياسية وسلبيته، يتمثل في الخلل الحاد في المركب الحضاري والقيم العليا الحافة بعناصره وهي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، فان الموقف السليم يتمثل بتركيز الجهد من اجل علاج هذا الخلل من جذوره.

بعد تركي الوظيفة العامة في حزيران عام ٢٠١٦، اتيح لي قدر كبير من الوقت، فضلا عن التحرر من اعباء وقيود الوظيفة العامة، الامر الذي مكنني من تركيز الجهد، قراءةً وتفكيرا، على فكرة الدولة الحضارية الحديثة، التي تمثل الحل الجذري للمشكلات التي يواجهها الانسان في العراق. ومنذ البداية لم اعلق املا على الطبقة السياسية في جعل العراق دولة حضارية حديثة، لكن املي كان وما يزال معقودا بالمواطنين انفسهم الذين اسقطوا الملكية في فرنسا عام ١٧٨٩، واسقطوا الشاه في ايران عام ١٩٧٩، وغيرهما من البلدان.

لكن في سياق محاولات المعالجة الجذرية على قلتها، نواجه عقبة في الطريق سوف اطلق عليها اسم "المواطن السلبي"، وهو مصطلح يمثل النقيض لمصطلح "المواطن الفعال" الذي هو من المصطلحات الاساسية في فكرة الدولة الحضارية الحديثة.

المواطن الفعال يؤمن بانتمائه النهائي للوطن، ولا تخل هوياته الفرعية الاخرى، كالدين والمذهب والقومية والحزب والجغرافيا، بهويته الوطنية الشاملة والجامعة. وهو يتحرك في اطار منظومة مترابطة ومتكاملة للحقوق والواجبات، والشعور القوي او الوعي السياسي العميق بالمسؤولية الذاتية عن الخير العام او المصلحة العامة. ويمتاز بامل قوي بامكانية الاصلاح والتغيير بمنهجية علمية وموضوعية ضمن فكرة الدولة الحضارية الحديثة وقدرته على لعب دور ايجابي في هذا الطريق. ويحرص على توظيف عناصر القوة في الواقع للتغلب على عناصر الضعف فيه.

يقف المواطن السلبي على العكس من ذلك كله ليجسد في ذاته وتصرفاته ومواقفه "سيكولوجية الانسان المقهور"، كما يعبر مصطفى حجازي، او اسر "العبودية الطوعية" للفرنسي ايتيان دو لا بويسي. فهو مستسلم مسبقل لكل سلبيات ونقاط الضعف في الواقع، ولا يؤمن بامكانية تغييره، ومن باب اولى انه لا يؤمن بقدرته على المساهمة في التغيير، وليس عنده قدرة على التعاطي الايجابي مع الافكار الجديدة. انه ينظر الى الواقع، بل الى المستقبل، من خلال نظارة سوداء، بذهنية متشائمة، مقهورة، مستعبدة، مستسلمة. ومثل هؤلاء الافراد يشكلون عنصر اعاقة لمشروع الدولة الحضارية الحديثة، لا يقلون ضررا عن الطبقة السياسية الماسكة بزمام الامور، حتى الان.

ومما يزيد الطين بله ان بعض هؤلاء الافراد السلبيين ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بكل يأسهم وسلبيتهم واعاقتهم، وكأنهم يطبقون شعار "لا ارحمك ولا اخلي رحمة الله تنزل عليك"!

والانكى من ذلك ان بعض هؤلاء ينظر الى الامر من زاوية شخصية بحتة، فبدلا عن ان يناقش الفكرة نفسها، نقدا او اضافة او تعليقا او سؤالا، يتجه الى شخص قائل الفكرة نفسه، ويسأله السؤال التقليدي الممل: "لماذا لم تطرح هذه الفكرة عندنا كنت رئيسا لشبكة الاعلام؟"او "لماذا لم تنتقد الحكومات السابقة؟" او "حزبك هو المسؤول!". وهكذا. وبمقدوري ان ارد على كل هذه التساؤلات باكثر من جواب يناسبه، لكن لا طائل من وراء ذلك، لان المشكلة ليست في السؤال، وانما في الذهنية والسيكولوجية التي حركت السؤال، وهي ذهنية تشكل عامل اعاقة وعرقلة ومشاغلة لمشروع الدولة الحضارية الحديثة.

وبذا يتركز الامل بالمواطنين الفعّالين الذين يتحملون مسؤولية العمل الميداني المباشر من اجل حرث الارض وزرع بذور النهوض الحضاري لمجتمع عانى طويلا من التخلف والفقر والجهل والاستعباد.