akdak

المقالات

القسم الولائي

وردتي أنتِ يا زهراء

113

مروه حسن الجبوري

اخذت الرياح الشمالية تشتد، وبدأ الموج يعلو تارة، ويهدأ تارة أخرى، أسراب النوارس تمد أجنحتها فوق الموج بحثا عن غذائها ثم تعود تحلق وتبتعد عن المكان، بضع غيمات رسمت لوحة فنية، كل هذه الأشياء تبدو باهتة عندها، والغروب كئيب، وليل اختفى فيه القمر، وشمس الصباح لم تتنفس بعد، تتجرع الألم بهدوء، طوقها الحزن كطوق الحمام، تختطف نظراتها ودموعها كحبات اللؤلؤ تنحدر على وجنتيها الحمراوين لتسقط على ثغرها، عينان قد احمرتا من الدموع، يكاد يرتعد الرمش وتصطك الدموع الجارية وتتزلزل العيون بدل الدموع، دقات القلب مسموعة على بعد، وانفاسها المنقطعة، عقرب الثواني يسير كرصاصة اطلقت؟؟، دقات القلب تتسارع أكثر فأكثر، وهج النار يحرق صدرها، صمتها قادر على تحطيم كل شيء لو نطق، يئست من حالها، كل مرة يؤجل القدر منحنها كما تتمناه، مما جعلها أسيرة لأوهامها، منتظرة حلمها البعيد، كلما نظرت إلى أم تحمل طفلها، تتوقد في داخلها نار لا تنطفئ، لم يعرف النوم طريقا إلى عينيها، منذ عشر سنوات، هكذا كعادتها كل يوم تنتظر شمس الأمل ان تبزغ، الريح في الخارج عاصفة هوجاء لا تذر ولا تبقي، تعرّي الأشجار من أوراقها.

وقفتْ مع هذه الرياح على نافذتها كم تمنتْ أن تأخذ الرياح أحزان الماضي، وتأتي حامله معها جنين ابيض كبياض الثلج، لم يبق شيء إلا وقد جاءت به، عجز الأطباء عن حالتها والبعض قال عنها ( عاقر) هزت مرات عديدة جذع شجرة لكنها ليست مريم العذراء ليتساقط عليها رطباً جنياً! منذ سنوات طوال، وهي تنتظر خبر حملها، بَنتْ قصراً من أحلام الأمومة، فوق سحابة العقم، في ربوع شبابها تهدم ذلك البناء، تراقب الأطفال حين خروجهم من المدارس وذهابهم، تشتري كل ما تراه جميلا لطفلها الغائب، كلام من حولها سكين يقطع في قلبها كلما قالوا لها، ألم ترزقين بطفل بعد؟ إلى متى أنت عقيمة؟ تنهمر دموعها كسيل عارم، زوجها لم يمانع مشيئة الله وقدره فكان يقول: الحمد لله سيعوضني ربي بالجنة.

غريزة الأمومة تدفعها إلى عمل أي شيء من أجل كلمة ماما وان كلفها عمرها، فتحت تلفاز لترى برنامجها المفضل عالم الامومة لمناسبة ما منع عرض البرنامج اليوم، أخذت تغير قناة إلى قناة أخرى، تركت التلفاز على قناة دينية، بينما تجلس على كرسي خشب وبيدها آلة الحياكة، بدأ الشيخ المحاضرة على قناة دينية ومحور موضوعه هو السيدة فاطمة الزهراء (ع) انتبهت لكلامه فهذه المرة الأولى التي تستمع فيها إلى خطيب شيعي، بدأ حديثه عن المصائب التي جرت على السيدة الزهراء (ع) بعد وفاة أبيها كسروا ضلعها، اسقطوا جنينها، سطروا عينها، تغير حالها كحمامة ذبحت فهي لم تسمع من قبل مثل هذا الكلام، كان كلام الشيخ صاعقة، وقفت امام التلفاز تتلوى كلما ذكر اسم فاطمة، جفت دموعها، هل هذا صحيح!.

بدأ ينمو شعور في داخلها غريب اتجاه هذا الاسم، ركضت اتجاه غرفة المكتبة تبحث عن كتاب يذكر فيه شيء عن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، حاولت أن تبحث عن قصاصة فيها شيء حول هذه السيدة الجليلة، لاشيء في المكتبة، شعرت بخيبة أمل، مسحت دموعها من على خديها، من هي فاطمة؟ تردد كلمات الشيخ بخوف وحزن، الليل يرتدي لونه، أغمضت عيونها تخفي حزنها، غلب النعاس على حزنها، هذه الليلة الوحيدة التي تنام فيها من دون مهدئات، نائمة هي بسلام، مرت الساعات، بدأ الفجر يلفظ انفاسه، والصبح تنفس، افاقت من نومها، ترتجف وتصرخ عاليا، رأيت فاطمة، رأيت فاطمة، صوتها كان كجرس يضرب فوق رأس زوجها النائم، ماذا بك، حلمت أيضا بأنك حامل؟ جواب زوجها، لا لا رأيت المرأة التي تكلم عنها الشيخ، ماذا هل أنت نائمة؟ الأفضل أن تخلدي إلى النوم من جديد.

لما لم تصدقني أرجوك؟.

هرب من حديثها، ولم يصدقها فهي كل مرة تقول رأيت فى المنام أنني حامل وأنني ولدت ولد... جلست تنتظر أحد تحكي له منامها، وماذا رأت، لا أحد يريد ان يسمعها، في الصباح الباكر ومع طلوع الشمس، لبست ثيابها وذهبت إلى مكتبة المحافظة التي تسكن فيها، ما أن دخلت إلى المكتبة حتى سألت عن كتاب يتكلم عن سيدة اسمها فاطمة، أجاب صاحب المكتبة، هذه كتب صفوية ولا نبيعها هنا، لا تسألي عنها، خرجت تلم جراحات قلبها وخيبتها الطويلة، لا أحد يساعدها، ولا يسمعها، اين تذهب؟؟ ماذا تقول؟ تذكرت لحظة هنالك مسجد كبير اسمه جامع عثمان يقع نهاية الشارع العام، تمشي مسرعة، دخلت باب الجامع الكبير، سلمت على الشيخ العامي قالت: يا شيخ هل لك ان تساعدني؟

قال: نعم إن استطعت.

سمعت قصة بنت رسول الله فاطمة وما جرى عليها، اول مرة أسمع بهذه القصة، تأثرت كثيرا وبكيت على حالها، وبعدها ذهبت إلى النوم، رأيت في المنام، امرأة بيضاء كبياض الثلج، شع نورها من السماء إلى الأرض، تزهر كلما أضاءت الشمس وجهها، خلفها 12 قمرا يلفان حولها، ما رأيت قط بجمال روحها، البراءة تملأها، والشعر يحجب عني مفاتنها، لونها كالورد المحمدي، وأنا واقفة انظر اليها، قلت في داخلي يا الله من هذه الأميرة، جاءني نداء من السماء أنها فاطمة أميرة في الأرض والسماء، صرخت أنها فاطمة التي سمعت عنها، لكن أين ضلعها المكسور، وخدها المسطور، وجنينها، انظري لها وستعرفين!.

رفعت قليلا من الارض نظرت إلى حمرة من دم على خدها البلوري،.. وجانب من جسدها النحيل لا تستند عليه وأثر وخزة المسمار، تمسك يدها على جانبها، تارة وتارة على صدرها، وأما جبينها يا شيخ رأيت طفلا عند عتبة الباب والدماء من حوله كبركة ماء، وأذناً خالية من القرط، ونداءً من السماء أنها المظلومة المغصوب حقها، إنها فاطمة، إنها فاطمة، اطلبي منها حاجتك،

قلت استحي أن أطلب منها وهي بهذه الحالة، ما أن تكلمت بكلام حتى جاؤوا بمسبحة من لؤلؤ ثوبها وقالوا لي اطلبي فإنها كريمة عزيزة عند الله، أي كلمة تقال في حضرة فاطمة الزهراء عليها السلام وهي النور والمشكاة، نداء اخير من السماء قال لي، وبشرناها بأنثى اسمها فاطمة.

قل لي يا شيخ بالله عليك ما هذه الرؤيةَ!؟

خلع عمامته، ولم قدميه وبدأ يبكي ويبكي، أختاه كل ما رأيتي صحيح، نعم كسروا ضلعها، اسقطوا جنينها، ومن فعل هذا هم من الأصحاب، والآن هداني الله بهذه الرؤية الصادقة، كما هداك انت يا اختاه، وسترزقين بطفلة، هدية من بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن عليك أولا أن تكوني من الموالين لفاطمة والذاكرين لمصيبتها، وأما الأقمار الـ 12 فهم اولادها المعصومين الحسن والحسين..............

صكت وجهها وقالت اني عجوز عقيم،! قال هو ذلك على الله هين، توكلي على الله واذهبي وبشري زوجك.

قطرات من الفرح تسقط على وجهها، رجعت إلى زوجها مستبشرة، بسملت بأسماء الله الحسنى، وهي تمسح على بطنها، يا رب بحق فاطمة اجعلها فاطمة، سمعها زوجها ماذا تقولين؟؟ لقد بح صوتي وانا اناديك لأقص عليك الرؤيا، وانت تسخر مني ولا تسمعني! اجابها باستغراب ماذا هناك؟ اجابت اهتديت بنور فاطمة رأيت بنت رسول الله واهدتني وردة، وردة ماذا تقولين يا امراة.

نعم اهدتني وردة وقالت إنها فاطمة؟ والوردة يا زوجي طفلة لنا، وانا من اليوم واليت آل البيت (ع) إلى آخر حياتي وان رزقني الله بطفلة اسميتها فاطمة الزهراء، وتمضي الأيام والليالي وتزدهر الشهور حتى جاء ذلك اليوم لزهرة صغيرة من بستان فاطمة الزهراء قد ولدت، المرأة العقيم جاءها المخاض، نعم ولدت وردة من ورود فاطمة الزهراء كما قالوا لها، في يوم وفاة السيدة فاطمة، ولدت إنها فاطمة، هدية من فاطمة، وأشرقت الأرض بنور فاطمة.

زوجها وفى بنذره وأعلن تشيعه وتبرع بكل ثروته لطباعة كتب عن مظلومية الزهراء (ع). وأقام مجلساً للعزاء وقرر ان يستمر في إقامة مجالس العزاء ما دام حياً، سلام الله على الصدّيقة الزهراء وما ارفع مقامها عند الله تعالى بحيث إنّ كل من يتوسل بها إلى الله تعالى بنية صافية، ويقدّمها بين يدي حوائجه، فإنه لا يرد خائباً خالي اليدين، والشواهد الدالة على ذلك كثيرة، ولو أردنا استقصاءها لاحتاج إلى آلاف المؤلفات فسلام الله عليها يوم ولدت ويوم رحلت.