akdak

المقالات

القسم الولائي

هدم أضرحة البقيع وفصل المسلم عن تاريخيه

152

محمد علي جواد تقي

يسعى دعاة هدم الأضرحة وتكفير زوار الأولياء الصالحين لايجاد علاقة بين هذه الرؤية وبين الدين وأن الامر يتعلق بحكم شرعي ليس إلا، وبهذه الطريقة تمكنوا خلال عقود من الزمن، وتحديداً منذ اليوم الأول من تاريخ هدم أضرحة الأئمة المعصومين في البقيع الغرقد بالمدينة المنورة، وايضاً هدم سائر أضرحة الأولياء الصالحين، من تضليل الرأي العام الاسلامي ثم تحييده وتجميده تماماً، فلم نسمع صوتاً من البلاد الاسلامية؛ مؤسسات وشخصيات وتنظيمات صوت اعتراض ضد السلطات الوهابية على ما فعلته، ولا السبب الحقيقي في قرارهم هذا في وقت تنتشر الأضرحة بأشكالها المختلفة ومساحاتها الواسعة على شكل مزارات ضخمة في أرجاء العالم الاسلامي ضمن بلاد تتبع المذاهب السنّية الى جانب البلاد الشيعية.

المذهب الوهابي يذهب الى أن الانسان الميت الراقد تحت الثرى، حتى وإن كان ذو صفة مقدسة، فانه يتحلل مع التراب ولن تكون له أية صلة بعالم الدنيا وبأهله، فيرحل عن الحياة ليعيش من بعده أناس آخرون كأن لم يوجد من قبل، لذا فان الحضور عند المقابر بشكل عام من الاعمال العبثية لا فائدة منها، وإن زاد الأمر بالتوسّل والدعاء والصلاة عندها فانها تتحول الى نوع من الشرك بالله –تعالى- كما يدّعون.

يتفق الكثير على أن "من لا ماضي له لا مستقبل له"، بيد أن الاختلاف يقع في طريقة تفسير علاقة الانسان بماضيه او تاريخه، وهل أنه صانع التاريخ أم العكس؛ التاريخ صانعه، وبين التفسيرين بون شاسع يفصل مدرستين حضاريتين؛ المدرسة المادية والمدرسة الاسلامية.

في سياق الحديث عن وجود "الشخصية التاريخية"، مقابل القول بـ "الحتمية التاريخية" يقول المفكر الاسلامي الشهيد الدكتور علي شريعتي في كتابه: الانسان والتاريخ، ان "الفلسفة المادية ترى التاريخ على انه عبارة عن شارع تطل عليه منازل معينة ليس إلا، فالمنزل الاول مجتمع بدائي رعوي لاطبقي، بعدها يدخل عهد التجمّع، فيدخل مرحلة الزراعة واقتصار مصادر الانتاج عليها، وتعيين وسائل الانتاج والملكية، وهذه المرحلة أوجدت الإقطاع التي أخذت بالنمو وفق الجبر الديالكتيكي، وهي مهما نمت، عملت على تنشئة أعدائها ومعارضيها، وفي هذه المرحلة تظهر البرجوزاية التي ابتدعت طرق العيش بالاموال والتجارة والكسب والحركة والسوق، ثم تصل البرجوازية بفضل الزواج غير الشرعي بين العلم والمال و ولادة الآلة او الماكنة، الى الرأسمالية، وبشكل أوسع الى الامبريالية او الاستعمار الاقتصادي، ليصبح الانتاج والاستهلاك العالمي بيد نفر معدود من البشر".

بينما الرؤية الاسلامية تعطي التاريخ أهمية بالغة ودور كبير في بناء الانسان وتقدم الأمم، فيوضح الدكتور شريعتي ذلك بأن الانسان لم يبدأ منذ أن يولد، "بل أصبح أي فرد منّا كتاباً لتاريخ مجتمعه، وأي فرد في المجتمع ليس نتيجة لمعلول الثلاثين او الاربعين او الخمسين سنة من عمره..."، ويقول في مكان آخر: "لو كنت أعيش في مجتمع لم يظهر فيه زرادشت، ولم يتعرض اليه الاسكندر، ولو لم يبعث نبي الإسلام، صلى الله عليه وآله، لكنت اختلف من حيث الحالة الفكرية والمشاعر مما أنا عليه في الوقت الحاضر، وكنت انساناً آخر".

ويؤكد نفس الرؤية؛ المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي في كتابه؛ "التاريخ الاسلامي – دروس وعبر"، بان "موقف أية أمة يرتبط برؤيتها للحياة وهذه الرؤية انما تستوحى من رؤيتها للتاريخ، ولو غيرنا تاريخ أمة لتغيرت آلياً حياتها لان رؤيتها الى التاريخ ستنعكس على موقفها من الحياة، فحينما تكون مواقف الامة في الحياة ايجابية وصحيحة، فانه حياتها تتحول كلها الى حياة ايجابية، لذا علينا ان ندرس التاريخ بشكل يفيدنا للواقع الذي نعيشه". وعن طريقة دراسة التاريخ يقول المرجع المدرسي: بانه علينا أن ننظر الى التاريخ "وكأنه شيء ينبض بالحركة، فحينما ندرس شخصية الامام علي، عليه السلام، - مثلاً- علينا ان لا ندرسه انساناً عاش قبل 1400سنة ضمن حلقة من حلقات التاريخ، وكذلك الامام الحسين، عليه السلام، فهو ليس ذلك الرجل الذي أصيب بسهم في قلبه وسقط على الارض، لان بذلك فنحن ندرس حياة انسان ميّت وليس في حياة بشر حيّ"، نستعرض مشاعره ومواقفه كما لو أن المعركة واقعة أمامنا بكل تفاصيلها.

وإذن؛ يمكن القول أن رموز الوهابية وجدوا في الرؤية المادية – الغربية للتاريخ عامل جديد يعزز مما يدعونه حكماً شرعياً بحرمة زيارة القبور، بل يمكن أن نفهم سر سكوتهم على وجود عشرات الأضرحة والمزارات في البلاد الاسلامية، والإصرار على إبقاء مقابر البقيع أرض جرداء، للمحافظة على "التاريخ السعودي" الذي دونه ابناء سعود لشعب الجزيرة العربية بدلاً من التاريخ الاسلامي المضيئ والمشحون بالدروس والعبر والتجارب الحضارية العظيمة.

فاذا اتصلت الفترة التاريخية للإمام الصادق أو الامام الحسن، عليهما السلام –مثلاً- بواقع مجتمع الجزيرة العربية وايضاً بواقع المسلمين في كل انحاء العالم، فمن المؤكد ستتغير نظرة المسلمين جميعاً الى الحياة والواقع الذي يعيشونه، لما في تلك الفترة من عبر وتجارب وحتى مكاسب علمية تفيد الحال الحاضر وتجعلهم يتطلعون الى المراتب العليا في سلّم الحضارة وتمنحهم الأمل في الخلاص من حضيض التخلف والحرمان والتبعية، وهذا ما لا تريده القوى الكبرى في العالم المستفيدة من سبات المسلمين ومن ثرواتهم ايضاً.