akdak

المقالات

قسم التأريخ

مدينة العلم العظمى ، ومدرسة الفقه الكبرى وجامعة الإسلام العليا

68

الاُستاذ الدكتور حسين علي محفوظ

1419 ه 

 1998 م

 النجف في 900 عام

بين عهدين

عهد التأسيس في منتصف القرن الخامس للهجرة

والعهد الأخير في منتصف القرن الرابع عشر الهجري

 

 تعريف موجز بتراث أهل البيت ، في تاريخ الإسلام ، منذ عصر النبيّ  9، حتّى مطلع القرن الخامس عشر الهجري .

ومختصر تاريخ العلم في النجف الأشرف ، في ألف سنة إلّا خمسين عامآ، من عمرها الحافل بالعلم والعلماء، منذ عصر الشيخ الطوسي ، حتّى عصر السيّدين ، من 449 ه   

حتّى مطالع هذا القرن .

أكثر من مائة اُسرة ، أنجبت بأكثر من ألف عالم وأديب ومؤلّف ، في تسعة قرون ونصف قرن .

واُلوف من كلّ البلاد والجهات ، درسوا فيها، وتلقّوا من علمائها، وتتلمذوا على فضلائها، وملأوا الدنيا، وشغلت الناس كتبهم ومؤلّفاتهم ، وأفكارهم وأبكارهم ، وآثارهم ومآثرهم ، وأعمالهم وجلائلهم .

النجف .

مثابة العلم الجمّ ، ومعدن الخلق العظيم ، وموضع الرأي الأصيل ، ومقرلا التراث المجيد.

محلّ الحكمة والاجتهاد، ومكان العقل والنقل ، ومظنّة الطهارة والنزاهة ، وموضع القدس والتقوى ، والتقدّس والتنزّه ، والورع والزهد.

 بسم الله الرحمن الرحيم .

تمتدّ هذه المدرسة العظيمة المجيدة إلى أعماق تاريخ الكوفة ، تلتقي فيها الحيرة والغري ، ويجتمع فيها المصران البصرة والكوفة ، وتشخص فيها مدينة السلام بغداد. فقد أسّسها (الشيخ الطوسي ) تلميذ العلمين الأقدمين الأجلّين ، سيّد بغداد السيّد الشريف المرتضى وشيخ بغداد المعتمد الشيخ المفيد.

بلغ معارف أساتذه الشيخ وأشياخه (37) علمآ. وكان تلامذته من الخاصّة أكثر من ثلاثمائة (300) مجتهد، ومن العامّة ما لا نستطيع إحصاءه . ووصلت عدّة مؤلّفاته المعروفة إلى (47) كتابآ، غير ما لم يبقَ اسمه .

دخل الشيخ بغداد سنة 408 ه . ولازم السيّد الشريف المرتضى ثمانية وعشرين عامآ. وكانت مدّة إقامته ببغداد تمام الأربعين تعلّم فيها من علماء مدينة السلام وشيوخها وأفاضل الناس فيها. وتلقّى منه العلوم والمعارف طبقات من العلماء الكبار. ولبث في النجف الأشرف اثنتي عشرة سنة ، أسّس فيها المدرسة ووطّد دعائمها. وتعلّم منه ما يفوتنا تعداده من الأعلام والمشاهير.

ينتهي نسب (الشيخ ) من طرف الاُمّ إلى المسعودي علّامة العراق المحقّق المؤرّخ الكبير المعروف ـالمتوفّى سنة 346 ه ـ صاحب كتاب (مروج الذهب ) و(التنبيه والإشراف ) و(أخبار الزمان ) وغيرها من عيون الكتب .

كان الشيخ الطوسي هذا شيخ الاُمّة ووجهها ورئيسها. وهو اُستاذ العلماء الكبار من بعده . وهو ثالث المحمّدين من المحدّثين . وآخر الخمسة من أركان الفقه الأقدمين .

استفاد الشيخ من خزانة (دار العلم ) في الكرخ ، ومن خزانة كتب اُستاذه السيّد الشريف ، وكان فيها (80000) كتاب . وكتبه خلاصة ما رأى وما روى ، وعصارة ما طالعه واطّلع عليه ، من كتب وأسفار وتآليف .

حملت مدرسة الشيخ ـوهي مدرسة النجف ـ تراث النبيّ  9 والعترة ، ورعت دراسته ومدارسته . وقد دارت العلوم في تاريخ الإسلام مع الثقلين الكتاب والعترة ، والكتاب والسنّة . وظهرت علوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم الدين وعلوم الأدب وسائر العلوم في أضواء القرآن وأنوار الحديث . وهو تراث ضخم عظيم لا يحيط به الإحصاء ولا يبلغ العدّ منتهاه .

دوّن أهل البيت ـوهم عترة النبيّ واُسرته ـ منذ البداية حديثه . وحفظوا هذا التراث واحتفظوا به وحافظوا عليه ، ولازموا السيرة والسنّة . حديثهم حديث النبيّ  9 وقولهم قوله ، وسيرتهم سيرته ، وفعلهم فعله .

مدينة العلم ـعندناـ هو النبيّ 9، وعليّ بابها كما صرّح الحديث الصحيح . وإذا كان بين الصحابة الكرام البررة (رض ) اختلاف في كتابة العلم . فَكَرِهَ كتابة الحديث كثير منهم ، وأباحها بعضهم ، فقد كان عليّ  7 أوّل من كتب حديث النبيّ  9 وجمعه ووعاه . وهو أوّل من ألّف في الإسلام .

جمع عليّ  7 القرآن . وهو أوّل العشرة الذين اشتهروا بالتفسير من الصحابة (رض ). وأكثر ما روى عنه . وما من آية يسألونه عنها إلّا أخبرهم . وما من آية إلّا وهو أعلم أبليلٍ نزلت أم بنهار، أم في سهل أو جبل ، وما نزلت آية إلّا وقد علم فيم اُنزلت وأين اُنزلت . وهب ربّه له قلبآ عقولا ولسانآ سؤولا، كما قال  7.

جمع عليّ  7 القرآن على ترتيب النزول ، وكتبه على التنزيل عقيب وفاة النبيّ  9. وقد قال ابن سيرين : لو اُصيب ذلک الكتاب كان فيه العلم .

أقسم عليّ  7 وحلف وآلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلّا للصلاة حتّى يجمع ما بين اللوحين فما وضع رداءه ولا ارتدى به حتّى جمع القرآن ، وانقطع مدّة إلى أن جمعه وكتبه .

وترک عليّ  7 أيضآ كتابآ أملى فيه ستّين نوعآ من أنواع علوم القرآن . وهو أوّل كتاب في الإسلام .

وخلّف عليّ  7 الجامعة . و(الجامعة ) هي (كتاب عليّ) وخلّف (الصحيفة ) و(الصحيفة العتيقة ) من صحف عليّ.

والصحيفة ، صحيفة فيها الحلال والحرام ، والفرائض . وفيها كلّ ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة ، حتّى أرش الخدش ، والجلدة ، ونصف الجلدة ، وثلث الجلدة ، وربع الجلدة . وما على الأرض شيء يحتاج إلّا وهو فيها. وما خلق الله من حلال أو حرام إلّا وهو فيها. وهي سبعون ذراعآ بذراع رسول الله  9 في عرض الأديم . إملاء رسول الله  9 من فلق فيه ، وخطّ عليّ  7 بيده .

هو أثر عن رسول الله  9 كان عند الأئمّة من أهل البيت  :. وإنّ عندهم ما لا يحتاجون معه إلى أحد. وإنّ الناس ليحتاجون إليهم ، وإنّ في الصحيفة لجميع ما يحتاج إليه الناس كما نصّت الأخبار.

وخلّف عليّ  7 الجفر والجامعة . فيهما جميع العلوم . وهما إهاب ماعز وإهاب ضأن ، أو جلد بعير، أو جلد ثور.

وهما ـكما قال السيّد الشريف الجرجاني في شرح المواقف ـ كتابان لعليّ  7 قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث إلى انقراض العالم .

والجفر ـفي روايات أهل البيت  :ـ أديم عكاظي قد كتب فيه حتّى ملئت أكارعه فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة .

وفي بعض الروايات ما يشير إلى أنّ الجفر جلد مدبوغ كالجراب ، مملوء علمآ أو مملوء كتبآ. فيه كتب ، وعلم ما يحتاج إليه إلى يوم القيامة . وما من شيء يحتاج إلى علمه إلّا وهو فيه . كتب فيه ما يحتاج إلى علمه وكلّ ما يكون .

وممّا يؤثر عنه كتاب في صدقات النعم وزكاتها وكتاب في أبواب الفقه وكتاب آخر في الفقه . وقضايا عليّ وعجائب أحكامه .

ويؤثر عنه ـأيضآـ مصحف فاطمة أو كتاب فاطمة  3. وفيه علم ما يكون ، وفيه وصيّتها، وفيه ما يكون من حادث ، وأسماء من يملک إلى أن تقوم الساعة . أملاه رسول الله  9 وخطّه عليّ  7 بيده . والمصحف ـهناـ بمعنى الكتاب باعتبار جمع الصحف فيه . وهو اصطلاح مستعمل في بعض الأحايين ، وله شواهد معروفة .

كتب عليّ  7 العلم كلّه ، القضاء والفرائض والحديث . غير الخطب وجوامع الكلم وما في نهج البلاغة من كلامه  7، وخياره فيه .

حافظ الأئمّة ـأهل البيت  :ـ على تراث النبيّ  9. وكانت بيوتهم مدارس . وقد أخذ علماء الاُمّة عنهم واقتدى بهداهم الناس . وهم عليّ (40 ه )، والحسن (49 ه )، والحسين (61 ه )، وزين العابدين عليّ السجّاد (95 ه )، والباقر ( 114 ه )، والصادق (148 ه )، والكاظم (183 ه )، والرضا ( 203 ه )، والجواد (220 ه )، والهادي (254 ه )، والعسكري (260 ه )، والمهدي  7.

اُتيح لأهل البيت أن ينشروا من علم النبيّ  9 ما صدع كالفجر، ووضح كالصبح ، ولاح كالبرق ، وأن يظهروا من تراثه ما أشرق كالسراج الوهّاج .

أظهر الباقر  7 من مخبآت كنوز المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى . وهو مصدر التفسير والكلام والفتيا والأحكام والحلال والحرام .

وكان ابن عمر ـوهو من كبار الصحابة ـ إذا سأله رجل عن مسألة فلم يدرِ ما يجيب قال له : (إذهب إلى الباقر وسله وأعلمني بما يجيب ). وكان يقول : (إنّهم أهل بيت مفهّمون ) و(إنّهم أهل الذكر). وما رؤي العلماء عند أحد قطّ أصغر منهم عند الباقر. كان أعلم الناس بين يديه مع جلالته في القوم كأنّه صبيّ بين يدي معلّمه ، أو كأنّه عصفور مغلوب . وقد سأله أحدهم ذات مرّة عن ثلاثين ألف حديث . وحدّث جابر الجعفي عنه سبعين ألف حديث . وقال أبو زرعة إنّ الباقر (لمن أكبر العلماء وإنّهم أهل الذكر). وهكذا الصادق  7.

وقد أدرک الحسن بن علي الوشّاء في مسجد الكوفة تسعمائة شيخ ، كلّ يقول حدّثني جعفر بن محمّد (الصادق )، والوشّاء من أصحاب الرضا حفيد الصادق . وروى عنه راوٍ واحد ـوهو أبان بن تغلب ـ ثلاثين ألف حديث .

نقل الناس عن الإمام الصادق من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلاد. ونقل أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل من مشهوري أهل العلم من أهل العراق والحجاز وخراسان والشام . وانتشر عنه من العلوم الجمّة ما بهر به العقول . وكتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف سمّوها اُصولا. وهي أساس (الاُصول الأربعة ) من بعد.

كان الإمام موسى الكاظم  7 الملقّب بالعالم والصابر أعبد أهل زمانه وأفقههم وأحفظهم لكتاب الله. وكان أجلّ الناس شأنآ وأعلاهم في الدين مكانآ، وأفصحهم لسانآ. كما كان أشجعهم وأسخاهم وأكرمهم . وكان يحسن إلى من يسيء إليه . وقد روى عنه العلم والدين والحديث والفقه (مئات ) من العلماء والرواة والأصحاب والمحدّثين والرجال ، يبلغ المعروف منهم (271) شخصآ. ألّف أكثر من (50) منهم عشرات الكتب في علوم القرآن وعلوم الحديث والعلوم الأدبيّة وعلوم الدين .

وأخذ العلماء عن الكاظم  7 ما لا يحصى كثرة . وكان الإمام أحمد بن حنبل  2 إذا روى عنه ، عن آبائه ، عن رسول الله  9 قال : (هذا إسناد لو قرئ على مجنون لأفاق ).

وما رؤي الرضا  7 سئل عن شيء إلّا علمه . ولا رؤي أعلم منه بما كان في الزمان إلى عصره . وما رأى ولا سمع بأحد أفضل منه . فمن زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا يصدّق كما قال المأمون .

كان سيّد بني هاشم . وكان يفتي في مسجد رسول الله  9 وهو ابن نيّف وعشرين سنة . وكان لا ينزل بلدآ إلّا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم ويحدّثهم الكثير عن أبيه وعن آبائه  :.

قال المأمون : (هذا خير أهل الأرض وأعلمهم ) وما رؤي أعلم منه ، ولا رآه عالم إلّا شهد له بمثل هذه الشهادة كما قال أبو الصلت الهروي .

كان  7 يجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون . فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليه بأجمعهم ، وبعثوا إليه المسائل فأجاب عنها.

وقد جمع اليقطيني من مسائل الرضا  7 ممّا سئل عنه وأجاب فيه (18000) مسألة ، أو (15000) مسألة . و(صحيفة الرضا) و(عيون أخبار الرضا) بعض ما يؤثر عنه . وقد جمع المأمون سائر الملل مثل الجاثليق ، ورأس الجالوت ، ورؤساء الصابئين ، والهربذ الأكبر، وأصحاب زدشت ، ونطّاس الرومي ، والمتكلّمين ، ثمّ أحضر الرضا  7 فسألوه فقطع الرضا  7 واحدآ بعد واحد.

روى عنه جماعة من المصنّفين وأئمّة الحديث . واستملاه في نيسابور اُلوف . وقد عدّ من المحابر أربعة وعشرون ألفآ سوى الدوى (والمحبرة هي الدواة الكبيرة ). وروى عنه الحديث خلائق لا يحصون من طلبة العلم وأهل الحديث .

وكان محمّد الجواد  7 ـوهو شبه جدّه وأبيه ـ اُعجوبة في العلم والفضل بالرغم من صغر سنّه وقد بلغ في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه أحد من مشايخ أهل زمانه . ولم يمنعه صغر السنّ فيه من الكمال .

كان الخليفة المأمون قد شغف بالإمام الجواد  7 لما رأى من فضله مع فتائه وطراءة سنّه . وكان متوفّرآ على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره ، لتبريزه على كافّة أهل الفضل في العلم والفضل . ولم يزل مكرمآ له معظّمآ لقدره مدّة حياته يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته .

وكان الهادي  7 أفضل وأعلم أهل زمانه . وقد روى عنه من العلوم والآداب والحكمة والموعظة ، والحلم والتقوى والحياء والسكينة والإخبات والتواضع والسداد والرشاد والهدى والفضل والخير والإصلاح ما بلغ الغاية العليا والنهاية القصوى .

وما رؤي مثل الحسن العسكري ، ولا سمع بمثله في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه . وما سئل عنه أحد إلّا وجده عنده في غاية الإجلال والإعظام ، والمحلّ الرفيع والقول الجميل ، والتقديم له ، ولم يرَ له وليّ ولا عدوّ إلّا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه ، في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه (وما كان ليخرج مثل هذا إلّا من ذلک البيت ) كما قال فيلسوف العرب الكندي فيه .

كان العسكري إمام أهل البيت وإليه ينتهي العلم والفضل . وقد بلغ ما ألّف في علوم الدين من عهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب  7 إلى أيّام العسكري (6600 كتاب ). وهي فترة طولها قرنان ونصف ، فضلا عمّا صنّفه من ائتمّ بهم ، ورجع إليهم واقتبس منهم من طبقات العلماء في الغيبتين الصغرى والكبرى ومن قبل ومن بعد.

كان ابن عقدة (332 ه ) يحفظ (120000) حديث بأسانيدها، ويذاكر بثلاثمائة ألف (300000) حديث .

وكان ابن الجعابي (355 ه-) إمامآ انتهى إليه العلم في زمانه حتّى لم يبقَ من يتقدّمه فيه في الدنيا من جميع المسلمين . كان من حفّاظ الحديث وأجلّاء أهل العلم . كان يحفظ (400000) حديث ، ويذاكر بـ(600000) حديث . وضاع له قمطر كتب فيها (200000) حديث فقال لغلامه لا تهتمّ ، فإنّه لا يشكل عليّ حديث منها لا متنآ ولا سندآ.

وجمع المحمّدون الثلاثة الأوائل الكليني والصدوق والشيخ ما وصل إليهم من الحديث في الكتب الأربعة الاُصول . وهي (الكافي ) وفيه (16099) حديثآ. و(من لا يحضره الفقيه ) وفيه (9044) حديثآ. و(التهذيب ) وفيه (13590) حديثآ. و(الاستبصار) وفيه (5511) حديثآ. ومجموع أحاديث الكتب الأربعة معآ (44244) حديثآ.

وما تضمّنته الكتب الأربعة يُتمّ ويكمل ما في الصحاح الستّة للبخاري ومسلم وابن ماجة وأبي داود والترمذي والنسائي ، وما في الموطّأ لمالک والمسند لأحمد بن حنبل والمستدرک للحاكم (رض )، وفيه ما فيه ممّا فاتها.

يعدّ كتابا (الشيخ ) وهما التهذيب والاستبصار من الكتب والاُصول في الحديث والفقه . وهي خير ما ألّف الأقدمون .

وقد جمع الكتب الأربعة وزاد عليها المحمّدون الثلاثة الأواخر في الوافي للفيض (1091 ه )، والوسائل للحرّ (1104 ه )، وبحار الأنوار للمجلسي (1110 ه ) وغيرها. واستدرک النوري (1320 ه ) على (الوسائل ). كما استدرک شيخنا 

محمّد بن رجب علي العسكري على (البحار).

تعدّ طائفة من هذا التراث الذي أحصاه شيخنا الرازي في الذريعة وعدّ منه (53510) من الكتب والرسائل محصول مدينة العلم ونتيجة مدرسة الفقه الكبرى وهو أثارةٌ من علم عليّ (باب مدينة العلم ) الذي قال فيه حبر الاُمّة وعالمها ابن عبّاس : «عليّ علّمني . وكان علمه من رسول الله  9. رسول الله علّمه الله. فعلم النبيّ من الله، وعلم عليّ من النبيّ. وعلمي من علم عليّ. وعلم أصحاب محمّد كلّهم في علم عليّ كالقطرة الواحدة من سبعة أبحر». وبقيّة من بقايا آثار علماء الاُمّة الذين احتفظوا بتراث الأئمّة وحافظوا عليه . وآل النبيّ  9: «هم موضع سرّه ، ولجأ أمره » و«هم شجرة النبوّة ، ومحطّ الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم » «وهم عيش العلم ، وموت الجهل » «كمثل نجوم السماء، إذا خوى نجم طلع نجم » وهم «أساس الدين وعماد اليقين » وللسيّد المرتضى والشيخ المفيد والشيخ الطوسي خاصّة في بغداد فضل ترتيب هذا التراث وتبويبه وتلخيصه وتلقّيه وتحمّله وروايته وتدريسه ونقله .

فارق الشيخ بغداد سنة 448 ه  وقصد النجف الأشرف وأسّس مدرسته فيها. وهي مدرسة الفقه الكبرى في الغرى واُمّ كافّة المدارس في مشهد عليّ  7. ترک الشيخ ـكما قلت ـ (47) كتابآ في مختلف المعارف والعلوم ، منها؛ كتاب (التبيان ) في التفسير، و(التهذيب ) و(الاستبصار) في الفقه والحديث . وخلّف من لا يحيط بهم الإحصاء من التلامذة ، عرّفت المصادر بستّة وثلاثين منهم . كانوا رؤساء العلماء من بعده في الأقطار والبلدان والأقاليم والمدائن والجهات .

يحتوي كتاب التهذيب على (13590) حديثآ. ويحوي (الاستبصار) من الأخبار (5511) حديثآ ـكما تقدّم ـ وهو عدد كبير يدلّ على علم جمّ وفضل كبير. ومن كتب الشيخ (الأمالي ) و(الخلاف ) و(العدّة ) و(الغيبة ) و(الفهرست ) و(الرجال ) و(المبسوط ) ورسائل (المسائل ) و(المصباح ) و(النهاية ) في مجرّد الفقه والفتوى ، ويحوي (22) كتابآ فيها (214) بابآ.

ويعدّ كتاباه (الفهرست ) و(الرجال ) من أهمّ مصادر البيوغرافيا والببليوغرافيا في مكتبة التراث .

عدّد الشيخ نحوآ من (10000) من أصحاب الرسول  9 والأئمّة من رواة الحديث في كتاب (الرجال )، وذكر في كتاب (الفهرست ) ما يزيد على (900) من المصنّفين والمؤلّفين وعدّد فيه ما صنّفوه من الكتب والتصانيف ، وأشار إلى ما ينتهي إليهم من الروايات بالأسانيد.

وإذا كان تاريخ العلم في النجف الأشرف يعود إلى بدايات تاريخها المعرّق ـوهي مدينة العلم ومرقد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب  7ـ فإنّ بيت الشيخ أوّل بيت خدم العلم في تاريخ النجف الأشرف بعد هجرة الشيخ إليها في أواسط القرن الخامس . وقد أتمّت مجالس ابنه مجالسه ، وأكملت دروسه دروسه ، وهو (المفيد الثاني ) وفقيه الاُمّة وإمامها بمشهد عليّ  7، ينتهي إليه كثير من الأسانيد والروايات وطرق الإجازات .

مرّ العلم في النجف الأشمّ بأدوار ومراحل وعصور أخذ بضبعيه فيها رجال كبار مشاهير من أواخرهم في القرنين الثالث عشر والرابع عشر (الوحيد) ـالمتوفّى سنة 1205 ه ـ المعروف بالاُستاذ الأكبر، واُستاذ الكلّ ، واُستاذ الكلّ في الكلّ . وهو محمّد باقر بن محمّد أكمل ، من ذرّيّة الشيخ المفيد، من قحطان ، تتلمذ في النجف الأشرف على السيّد محمّد الطباطبائي جدّ السيّد بحر العلوم ، وعلى السيّد صدر الدين الرضوي شارح الوافية .

ترک العلّامة الوحيد (73) كتابآ، ويزيد عدد تلاميذه البارزين على خمسين وعدّة خرّيجيه ممّا يتعذّر إحصاؤه .

ومنهم السيّد مهدي الطباطبائي ، الملقّب (بحر العلوم ) خرّيج كربلاء المقدّسة والنجف الأشرف ، وكان من أئمّة العلم والأدب وشيوخ المعرفة والتأليف في تلک الأيّام ، تعلّم ـرحمة الله عليه ـ من أعلام المشهدين وهم عشرة ، وقرأ عليه في زمن رئاسته من لا تحصى عدّتهم من الفقهاء والعلماء والاُدباء، وأشهرهم (75) من كبار معارف عصره .

وهو راعي المعركتين الأدبيّتين المعروفتين في المائة الثالثة عشرة ، وتعرف الثانية بمعركة الخميس ، التي اشترک فيها (14) من أعلام الأدب في العراق ، والاُولى ندوة بلاغة .

ترک السيّد بحر العلوم (23) كتابآ في الفقه والأدب والشعر والتاريخ والرجال والملل والنحل والفرق ، غير تعيين المشاعر والمواقيت في الحجّ ، وعمارة المقامات والمزارات والمشاهد والأبنية .

توفّي º في سنة 1212 ه ، وقد بلغ الثامنة والخمسين .

ومنهم ، الشيخ الأكبر، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، صاحب كتاب (كشف الغطاء) في الفقه . وهو من رؤساء العلماء وأوعية العلم ، وشيوخ الفقه . تتلمذ عليه أئمّة العلم والدين في عصره ، ومنهم أولاده الأربعة وأصهاره الخمسة ، والفحول الخمسة : صاحب مفتاح الكرامة ، وصاحب الجواهر، وصاحب مطالع الأنوار، وصاحب الإشارات ، وصاحب المحصول ، ومئات العلماء والمؤلّفين من دعائم التدريس وأركان التأليف وأساطين الفقه . وقد توفّي º سنة 1228 ه .

ومنهم ، الشيخ محمّد حسن النجفي ، صاحب كتاب (جواهر الكلام ) في شرح شرائع الإسلام . وهو من أكبر موسوعات الفقه ، استغرق تأليفه (30) سنة ، وقد شرع في تأليفه وهو في الخامسة والعشرين .

كان الشيخ صاحب الجواهر من أركان العلم وأكابر الفقهاء، وأساطين علماء هذا القرن ، وهو من رؤساء فحولة أئمّة الدين في عصره . بلغ تلاميذه أعلى مراتب الاجتهاد وأعلى رتب العلم . وتلاميذه هم أساتذة الفقهاء من بعد. وأفاضلهم من الكبار أربعون أو يزيدون .

توفّي º سنة 1266 ه .

ومنهم ، الشيخ مرتضى الأنصاري ، وهو بقيّة من بقايا الأنصار، ينتهي نسبه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري الذي كان أحد النقباء الاثني عشر من الأنصار في زمن الهجرة ، والأنصار هم الذين (ربّوا الإسلام كما يربّى الفلو مع غنائهم ، بأيديهم السياط وألسنتهم الحداد) كما قال أمير المؤمنين  7، وهم كرش النبيّ وعيبته وترسه كما قال  9.

تتلمذ الشيخ في كربلاء المقدّسة والنجف الأشرف على أعلام المشهدين المطهّرين . وعاد إلى النجف الأشرف في حدود سنة 1249 ه ، وأسّس مسجده في محلّة الحويش ، وكان مجلس درسه في المسجد يضمّ جناحيه على خمسمائة (500) من العلماء والفقهاء والمتفقّهين ، وربما جاوزت عدّة المعروفين من تلاميذه الأفاضل الألف .

ترک الشيخ الأنصاري (30) كتابآ اهتمّ بها العلماء والمؤلّفون وهم (144) أو يزيدون .

أدار الشيخ مدرسة مدينة العلم في النجف الأشرف بعد الشيخ صاحب الجواهر، منذ سنة 1266 ه  حتّى توفّي º سنة 1281 ه .

ومنهم : الشيخ محمّد حسين الكاظمي ـالمتوفّى سنة 1308 ه ـ تتلمذ على الشيخين صاحبي الجواهر والمكاسب وآخرين ، وقد بلغ من العلم ما أتاح له رئاسة مدرسة الفقه الكبرى في مدينة العلم ، حتّى توفّي في مطالع القرن الماضي وقد بلغ الرابعة والثمانين .

كان ـرحمة الله عليه ـ من أمثلة العلماء الراسخين في العلم ، وقد حضر درسه وتتلمذ عليه فحول العلماء، وأكابر الفقهاء، وأفاضل المؤلّفين . وهو اُستاذ الفقهاء والمجتهدين ، الذين تعلّموا منه واقتبسوا من أنواره ، واقتدوا بهداه .

ترک الشيخ الكاظمي كتبآ مهمّة منها (هداية الأنام ) في شرح كتاب شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي ، وهو كتاب كبير في (27) مجلّدآ، وكتاب (بقيّة الخاصّ والعامّ ) في مجرّد الفتاوى ، وله رسالة عمليّة سمّاها (منجية العباد) في الفقه .

ومن أواخر عصور العلم في النجف الأشرف ـفي القرن الماضي ـ عصر الشيخ (الآخوند) الهروي ، الخراساني ، صاحب الكفاية في الاُصول .

قصد الشيخ النجف الأشرف سنة 1278 ه ، وحضر مجالسها ودروسها، ولا سيّما مجلس الشيخ الأنصاري . والمعروف أنّ تلامذة الآخوند في مجلس الدرس كان (3000). ويزيد خواصّهم من الكبار على خمسمائة (500) من المجتهدين ومراهقي الاجتهاد. وقد أحصى الأفاضل الكبار من معارف العلماء من تلاميذه فبلغت عدّتهم (313) من المشاهير. وزادت عدّة تلامذته في الأماسي في الدورة الأخيرة على (1200). وقد كتب كثير منهم تقريرات أبحاثه . ولا بدّ من الإشارة إلى تقريرات أبحاث شريف العلماء، وصاحبي الضوابط والفصول في كربلاء. وتقريرات أبحاث الشيخ الأنصاري ، ومن بعده في النجف الأشرف وسامرّاء ومشهد الرضا وقم وغيرها. فقد كان تلامذة السيّد المجدّد في سامرّاء (600) أو يزيدون . في فترة لم تبلغ ربع قرن .

كان الشيخ الملّا (الآخوند) من أحرار العلماء ومن رجال المشروطة . طالب بالدستور والمجلس ، ودعا إلى الحرّيّة ، ونادى بالجهاد، واستمرّ في التدريس حتّى مات سنة 1329 ه .

أسّس الآخوند ثلاث مدارس في مدينة النجف الأشرف ، الكبرى والوسطى والصغرى ، وترک العديد من الكتب ، وما زال كتاب (الكفاية ) في الاُصول ـوهو من أهمّ مؤلّفاته ـ المعوّل عليه في التدريس في العراق والآفاق في علم الاُصول . اهتمّ العلماء بشرح كتاب (الكفاية ) وتحشيته ، فوصلت شروحه المعروفة إلى (46) وبلغت حواشيه المعلومة (58).

وقام مقام (الآخوند) من بعده صديقه ونظيره الشيخ محمّد حسين النائيني ـالمتوفّى سنة 1355 ه ـ تلميذ السيّد المجدّد في سامرّاء المقدّسة ، والسيّدين الأجلّين السيّد إسماعيل الصدر الكبير والسيّد محمّد الفشاركي من أئمّة العلم بعد السيّد الكبير.

كان الشيخ النائيني شريک الآخوند في الدعوة إلى الحرّيّة والدستور. وقد انتهت إليه زعامة مدرسة الفقه الكبرى في النجف الأشرف في عصره . وهو اُستاذ المجتهدين الكبار، زعماء الحوزة وأساطين جامعة النجف الأشرف من بعد، ومنهم أقطاب المرجعيّة اليوم .

كان الشيخ النائيني من الراسخين في العلم . جمع بين الأدب والفلسفة والكلام والفقه والاُصول . وقد اُوتي من الدقّة والإتقان والبراعة في علم الاُصول خاصّة ما يحيّر ويدهش . وهو ـحقّآـ من فلاسفة الفقهاء، واُدباء العلماء، وأشياخ البيان الكبار الأحرار.

والشيخ النائيني ـهذاـ هو اُستاذ طبقات ورثوا مدرسة الشيخ في الخلق العظيم ، والعلم الجمّ ، والفضل الكبير، والرأي الأصيلن والسماحة والرجاحة ، وأدب الدنيا والدين .

وإذا كان الشيخ النائيني من أكابر الفقهاء والفلاسفة والحكماء، ومن كبار الأحرار، ومن مشاهير الدعاة إلى الحرّيّة والدستور والإصلاح . وإذا كان كتابه في السياسة من خيار ما يؤثّر في اقتراح مبادئ الدولة ومباني الحكم عند الفقهاء، فقد ورث تلاميذه ـرحمة الله عليهم ـ الدعوة إلى الحرّيّة والاستقلال ، فقد كان منهم رجال ثورة العشرين التي اشترک فيها علماء الدين ، ورجال البلد، والعشائر ـأفرادآ ورؤساء وبطونآ وفصائل وأفخاذآ وجماعات ـ والتجّار والناس أجمعون . وهي من أمثلة الإجماع الفريد على حرب العدوّ، ودحر الغريب ، وقراع الأجنبي ، والإصرار على طرد المستعمر وإبعاده .

وهم يمثّلون خلاصة طلّاب النجف الأشرف ، وعصارة خرّيجي مدرسة الفقه الكبرى في مدينة العلم ، سيرة وسريرة ، وخصالا وصفات ، وعلمآ وأدبآ، وخلقآ وتقىً . وما زالت مدرسة النجف مثابة العلم الجمّ والخلق العظيم والرأي الأصيل ، ومنارة التراث العربي المجيد، وبساط الحكمة والاجتهاد والعقل والفضل .

وإذا كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب  7 ينظر إلى الناس أنّهم (إمّا أخٌ لک في الدين ، أو نظيرٌ لک في الخلق ). وقد كان يشعر قلبه الرحمة لهم . وإذا كان (الشيخ ) الطوسي ـوهو مؤسّس مدرسة النجف الأشرف ـ أوّل من جمع آراء أهل المذاهب والفرق الإسلاميّة ـبعد اُستاذه السيّد الشريف المرتضى ـ في كتاب (الخلاف ) فلا نتعجّب أن يكون خرّيجو مدرسة النجف أبدآ، من الدعاة إلى توحيد الكلمة بكلمة التوحيد، الداعين المخلصين إلى وحدة الاُمّة ، واجتماع أهل القبلة ، وتلاقي الإسلاميّين ، واتّفاق الآفاق . ولا نعجب أن يسع علماؤها الأديان والمذاهب . وهو ما قرّبهم من نفسي . وهو ما يسكنهم القلوب ، تضمّ عليهم الجوانح ، وتحتويهم الأفئدة ، وترتاح إليهم الأرواح .

يحمل خرّيجو النجف وتلاميذها أخلاق أهلها، وأوصاف علمائها، وصفات المنسوبين إليها وهم أهل (المدينة الفاضلة ) وآراؤهم (آراء أهل المدينة الفاضلة ) وإذا كان (الشيخ ) عنوان مدرسة النجف ، وإذا كانت بدايتها منذ عهده فقد استمرّت هذه المدرسة الفاضلة قرونآ تمدّ أبحرها عالم المعرفة بالمجتهدين والمختصّين والمحقّقين والمؤلّفين والعلماء والفضلاء والمدرّسين . عمر طويل مديد، زاد على 974 من السنين والأعوام . وقد سكن النجف الأشرف رجال أعقبوا من البيوتات والاُسر ما تباهي به البلدان . عرفنا منهم ما يزيد على مائة (100) اُسرة خرجت المئات من الأعلام والرجال ، اشتهرت منهم عدّة تزيد على ألف (1000) علم ملأوا الدنيا وشغلت آثارهم الناس . ولو تتبّعنا أسامي المؤلّفين أعجزتنا وأعجبتنا كثرتهم . لا يبلغهم إحصاء، ولا يكاد يحيط أحد بما خلّفوا من كتب ومؤلّفات .

والحقّ أنّ (النجف ) من اُمّهات المدن ، ومدارسها من اُمّهات المدارس ، ومساجدها من اُمّهات المساجد، في المدائن والبلدان والأماكن . مساجدها مدارس ، وجوامعها مدارس ، ومحافلها مدارس ، ومعاهدها مدارس ، وبيوتها مدارس ، ومجالسها مدارس ، ومجامعها مدارس ، وأسواقها مدارس . تنتشر الحلقات والدروس ومجالس العلماء والاُدباء في كلّ الأمكنة والبقاع ، وفي كلّ المواضع والمواقع في النجف الأشمّ .

كانت مساجد النجف الأشرف في محلّاتها الخمس (الأربع القديمة والاُخرى الجديدة ) في منتصف القرن الماضي (86) غير مساجد الروضة والمشهد، وغير مساجد البيوت ، وغير ما انهدم وضاع وبعثرت أبنيته ، وتغيّرت معالمه ، وطمست آثاره منذ زمان . وتزيد مدارسها التي أدركناها حتّى بدايات الثلث الأخير من القرن الرابع عشر على عشرين غير المدارس الحديثة ، وغير ما اُسّس ـمن بعدـ من جامعات وكلّيّات ومعاهد.

وأمّا خزائنها ومكتباتها فقد جمعت فأوعت . عرفنا ممّا انقرض منها (22) خزانة كانت دور العلم ومجامع العلماء. وقد عاصرنا (12) خزانة مهمّة . ولا ريب أنّ بيوت النجف كلّها خزائن ومخازن ، تملؤها الكتب ، وتعتزّ بالنوادر القيّمة والأعلاق النفيسة . والاسترسال أمر يطول ، وإرسال القلم على سجيّته يستنفد الأقلام والدفاتر، وينتفد الحبر والدويّ والمحابر.

وإذا اختصّ أهل النجف الأشرف ـولا سيّما الخواصّ والخلّاص ـ بالشجاعة والكرم ، والمروءة والنجدة ، والأصالة والنبالة ، والفطنة والذكاء، والصفاء والوفاء، وإذا اعتزّوا بحفظ الجار وحماية الذمار. وإذا علّمتهم الصحراء الصبر والجلد والصلابة ، وإذا أورثتهم البادية التعاون ، وإذا أعطتهم القوّة والمنّة ، وإذا أمدّتهم بالألمعيّة والبراعة ، فقد اختصّت مدرسة النجف ـوهي مدينة العلم ومركز العقل وموضع القلم والكتاب ـ بما يميّز المدرسة الفاضلة من أوصاف وخصال ومناقب وفضائل وسمات .