akdak

المقالات

قسم القرآن الكريم

سورة التوبة براءة من المشركين

448

السيد عادل العلوي

بسم الله الرحمن الرحیم

(بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ، وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ، كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ، اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ، فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ، أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَن، قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)().

السورة مدنية، من أواخر ما نزل من القرآن الكريم في المدينة في السنة التاسعة للهجرة، وتحدثت السورة عن معركة تبوك وما قبلها وما بعدها وراجعت السورة في آياتها الاولى العهود والمواثيق، بعد اعلان البراءة من المشركين، وعنيت بالحديث عن العلاقات بين المسلمين والمشركين وكذلك مع أهل الكتاب والاعراب والمنافقين ونعت على المتثاقلين في الخروج لمعركة تبوك بينما دعت أهل المدينة والاعراب حولها لمبايعة رسول الله| وألا يتخلفوا عن اللحاق بالمعركة، وفي ختام السورة تحدثت عن صفات في رسول الله|. 

وسمّيت السورة بأسماء عديدة منها: (براءة، الفاضحة، المنكلة، المقشقشة).

البسملة:

لم ترد في افتتاح هذه السورة بسملة، وقد ورد في تفسير ذلك قولان:

1-ما رواه ابن عباس عن امير المؤمنين علي× قوله: ان البسملة أمان، والبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان.

2-ان التوبة والانفال سورة واحدة.

ويبقى القول الاول هو الأرجح  فهي رواية أفصحت عن واقع قرآني في افتتاح السورة.

البراءة:

تعني انقطاع العصمة، فقوله تعالى: (براءة من الله ورسوله) اعلان هذا الانقطاع وإلغاء العهد الذي تمّ به توثيق العلاقة مع هذه الاطراف من المشركين، فقد كانت ثمة عهود للنبي| مع بني كنانة وبني خزاعة وبني ضمرة وغيرهم وكان عهد النبي| معهم هو معاقدة عن الله سبحانه (وما ينطق عن الهوى ان هو إلا هو وحي يوحى)().

فألغاء هذه العهود مع المشركين لعدم بقاء اطمئنان تستقر له النفس الى تلك العهود بعد تآمرهم وخرقهم لها لذا أكّدت الآية اللاحقة على هذه الحالة والتي تشكل أقوى مبرّر موضوعي لألغاء العهود ولو من طرف واحد، ورغم ذلك ابقى النبي| بني ضمرة الى مدتهم حيث بقيت لهم تسعة أشهر فبقي النبي| وفياً على عهده حتى انقضائها.

فرصة للمراجعة:

(فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ).

وان تضمنت الآية تهديداً لهم بالترقب بعد نهاية أربعة أشهر، لكنها فرصة للمراجعة (فسيحوا في الارض) وهو السير على مهل وبأمان لا يصيب المشركين مكروه منا في هذه الأشهر الاربعة التي انطلقت في العاشر من ذي الحجة يوم الحج الاكبر وحتى العشرين من ربيع الاول.

وحتى لا يفهموا انهم قادرون أعلمهم الله أنهم لا يفوتونه وتحت قبضته سبحانه (وان الله مخزي الكافرين) اي مذلهم بالأسر او القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة.

أذَان من الله ورسوله:

إعلام الى الناس وليس للمشركين فقط حتى يعلم الجميع هذه البراءة وذلك يوم الحج الاكبر وهو يوم النحر العاشر من ذي الحجة تمييزاً عن الحج الأصغر وهو (العمرة)().

والبراءة هي من المشركين ومن عهودهم فالمشرك لا يمثل ديناً وليس لشركه اعتبار فالشرك هو تدنٍّ خطير في النظرة الى موحد الكون والانسان.

مدونات البراءة:

1-ألا يحج بعد هذا العام مشرك

2-لا يطوف في البيت عريان وكان المشركون يطوفون عراة يصفقون ويصفرون.

3-إلغاء عهد المشركين، وقد ابقاهم الرسول الى مدتهم بحكم القرآن الكريم.

لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك:

هذا هو تبليغ الأمين جبرائيل× الى رسول الله|: يا محمد لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، وقد أخذ امير المؤمنين× الآيات من ابي بكر بعد ان لَحق به أمير المؤمنين بأمر رسول الله| في الطريق من المدينة الى مكة، ولمّا دخل الامام علي× مكة يوم الحج الأكبر حيث حضر الناس فقام خطيباً فيهم فقرأ عليهم الآيات العشر الأولى من سورة البراءة وقال للناس: لا يطوفن في البيت عريان ولا يحجن بالبيت مشرك، ومن كانت له مدة فهو الى مدته ومن لم يكن له مدة فمدته أربعة أشهر().

مقيدات في خطاب البراءة:

على الرغم من ان الشرك يمثّل نكوصاً فكرياً وعقائدياً ويعدّ تخلفاً يدلّ على ضعة وخسران ومع انه ليس بدين لكنْ تعاملت آيات البراءة وقتال المشركين الست عشرة الاولى من سورة التوبة، مع هذه الطائفة من الناس بمقاييس ومعايير دقيقة باحترام للعهود المبرمة ونستكشف ذلك من خلال ما نذكره في بيان هذه الآيات المباركة لموضوعي البراءة والقتال:

1-التوبة بالرجوع الى التوحيد

قوله سبحانه: (فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) من الضّلال. وقوله سبحانه: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ) أي إنْ أعلموا عن توبة بترك الشرك واداء ما عليهم من صلاة وزكاة فكفّوا عنهم (فخلوا سبيلهم) ولا تتبعوا أعمالهم بعد ذلك فان الله يرحم ويغفر لمن تاب وأناب اليه.

وقوله سبحانه: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فتوبتهم عن الكفر بالله والشرك به سبحانه تجعلهم أخوة للمؤمنين في الدين لهم ما لكم ايها المؤمنون وعليهم ما عليكم.

وقوله سبحانه: (ويتوب الله على ما يشاء) فالله سبحانه يقبل توبة من تاب منهم ودخل الاسلام والله عليم بالاسرار،وحكيم لا يفعل الا حكمة.

فالتوبة الحقّة والرجوع عن الشرك الى التوحيد هو أحد اكبر اسباب عدم ملاحقتهم وعدّهم جزء من المؤمنين يتساوون في الحقوق والواجبات (فأخوانكم في الدين) بعد توبتهم ودخولهم الاسلام. بسياق (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة).

2-الاستجارة:

(وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ)

فأثناء الأشهر الاربعة او بعدها اذا ما جاء مشرك يستأمنك يا رسول الله ويطلب الأمان والجوار منك (فأجره) أي أمّنه. من اجل ان يسمع القرآن ويتدبّر فيه ثمّ إنْ لم يسلم أوصله الى دياره ومكان أمنه (ثم ابلغه مأمنه) فهؤلاء قوم لم يعلموا ولم يفهموا ما الاسلام وماذا يريد منهم (ذلك بانهم قوم لا يعلمون) وهنا دعوة للمشركين للتدبّر في  الخطاب الالهي، وهي فرصة مراجعة بوعي وتدبر لعلهم يهتدون الى التوحيد.

3-الالتزام بالعهد:

(فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ)

وهؤلاء أهل مكة او من كان في صلح الحديبية الذي جرى سنة 6 للهجرة على مقربة 15 ميلاً من مكة المكرمة، فهم في عهد مع الرسول| وقد خرم العهد بعض منهم لكن هناك من استقام واستمر على العهد ولم ينقضه.

(فما استقاموا لكم) على العهد فاستقيموا لهم على الوفاء بالعهد وشروطه (ان الله يحب المتقين) وهذه دعوة حقّة للموفين بعهودهم غير الخائنين ولربّما تتعلق هذه الدعوة بالمؤمنين اكثر لما من علاقة مباشرة بين التقوى الخاصة والايمان لتشجيعهم على الوفاء بالعهد ان استمر الطرف المشرك على الالتزام بشروط العهد.

وقوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، فان المشركين إن لم ينقضوا عهدهم ولم ينتقصوا من شروط الميثاق شيئاً ولم يساعدوا احداً من اعدائكم عليكم فالموقف هو اتمام العهد والوفاء به الى مدة الانقضاء حتى لو انتهت الاشهر الاربعة كما حصل مع بني ضمرة حيث بقيت 9 اشهر على عهدهم مع رسول الله|: (فأتموا اليهم عهدهم الى مدتهم).

ويأتي الخطاب مشجعاً المؤمنين على الالتزام (ان الله يحب  المتقين).

4-القتال هو الخيار الاخير:

(فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)

الاشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال هي: (ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، رجب) فاذا خرجت هذه الاشهر ومضت يأتي دور الخيارات الاربعة: 1- نصب الكمائن وغلق الطرق، (واقعدوا لهم كل مرصد)، 2-منعهم من التنقل (واحصروهم)، 3- تأسيرهم (وخذوهم)، 4- القتال ضدهم (فاقتلوا المشركين)، وهذه الخیارات تعتمد علی الظروف وطبيعية المواقف ومقتضياتها،فيقدم إحداها على الاخرى فان لم تنفع فيقع القتال معهم والمواجهة الساخنة.

فهؤلاء المشركون وضعوا امام فرص ثلاث قبل القتال وذلك ليراجعوا أنفسهم وأفكارهم ويتدبّروا في كلام الله.

5- قتال الطائفة الغادرة:

وهم بنو بكر حينما هاجموا وغدروا ببني خزاعة الذين كانوا في حلف مع الرسول| فأمر القرآن الكريم بقتال بني بكر (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين).

وهذه الآية أنبأت بنصر وقد تحقق فعلاً ذلك الانتصار وشفى الله صدور بني خزاعة المؤمنين بإعلاء كلمة الله، فأخزى الله بني بكر وأذلّهم بالأسر والغلبة وأذهب الغم والكرب الذي كان على اولئك المؤمنين (ويذهب غيظ قلوبهم).

وانه بعد نقضهم للعهود والايمان وبعد طعنهم في الدين يوجه القرآن الكريم القتال لائمة الكفر وليس للناس العاديين (فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم).

بعد هذا كلّه ابقى القرآن الكريم باب التوبة مفتوحاً لمن تاب ودخل الاسلام (ويتوب الله على من يشاء).

هذه المقيدات الخمسة في تطبيق البراءة من المشركين وقتالهم تشير الى رؤية الاسلام في ضرورة بسط الأمن والسلام بين الناس لتبقى البراءة من المشركين موقفاً توحيدياً، وهكذا النظام الجهادي في الاسلام انّما يتمّ عبر مخرجات وقيود قرآنية حتى لا تشتبه صورة الجهاد والقتال في أذهان الآخرين بالجمود على ظاهر النصوص فتضطرب الرؤية لديهم كما حصل لدى كثير من المسلمين.

تحذيرات قرآنية:

وردت تحذيرات قرآنية في هذه الآيات من سورة التوبة لتوجه الرؤية في فهم العهود والبراءة  والقتال.

1-(واعلموا انكم غير معجزي الله) اي إنّكم لا تفوتونه فأنتم في قبضته وهو مخزي الكافرين اذا ما أرادوا استغلال مهلة الاشهر الاربعة التي طرحها القرآن للمراجعة وليس ليتحايل فيها البعض (فسيحوا في الارض أربعة أشهر).

2-هناك نيّات مبيّتة لخرق العهود فلابدّ ان تحذورا منها: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله) وهذا استفهام  انكاري بمعنى: كيف يكون لهم عهد معتبر ومعتد به عند الله؟ وهذا يثير شيئاً من الحذر والتنبه.

3-وهؤلاء (لا يرقبون) اي لا يراعون (إلّا) اي عهداً ولا (ذمة) اي أماناً فيكم، يظهرون لكم كلاماً جميلاً لكن قلوبهم (تأبى) وتمتنع فلا تذعن لكم ولا يفون بما أظهروه، (واكثرهم فاسقون) ينقضون العهد ويخرجون عن الطاعة والوفاء به.

وهذه ظاهرة شاخصة في حال هؤلاء المشركين مما يُهيّء لنقض العهد معهم، لا سيّما في تمكّنهم منكم وظفرهم بكم (وان يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم الا ولا ذمة).

4-وهؤلاء ممّن صدوا ومنعوا الناس عن اتباع دين الاسلام لأنّهم (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً) استبدلوا بها عرضاً قليلاً من هذه الدنيا الفانية فصدوا عن سبيل الله.

وقد وصف الله بقوله: (انهم ساء ما كانوا يعملون) فبئس عملهم القبيح، ووصفهم كذلك بقوله: (واولئك هم المعتدون) الذين تجاوزوا الحدود في الظلم.

5-وحتى مقاتلة ائمّة الكفر إنمّا لأجل ان ينتهوا ويكفوّا عن مؤامراتهم وعن الطعن في الدين وهذا منطلق هداية لهم وليس لأجل القتل فالقصد ليس الإيذاء وإنّما دعوة الى الاسلام (فقاتلوا ائمة الكفر لعلهم ينتهون).

6-طرح القرآن الكريم مبرّراً واضحاً في قتال المشركين بنقضهم الايمان والعهود، والعزم على اخراج الرسول من مكة، وهم من بدأ القتال والعدوان على بني خزاعة أتخافونهم ايها المؤمنون بعد ذلك كله؟

(أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) مصدقين بوعده ووعيده.

اضاءة اجتماعية:

الشرك ظاهرة شذوذ فكري لا تستند الى أية قيمة علمية او عقائدية (ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً)().

فأعلان البراءة من الشرك يعني الإعراض عن الصورة القاتمة في الفكر الانساني، ورغم ذلك كله طرحت سورة التوبة فرصاً للمراجعة واحترمت العقود المبرمة معهم حتى ابقت لهم حق السياحة في الارض اربعة اشهر، من جهة  اخرى يمثل اعلان البراءة تشخيصاً للهوية التوحيدية التي يريدها الله سبحانه لخلقه.

ونزول جبرئيل× وابلاغه رسول الله|: (ان لا يؤدّي آيات البراءة الّا انت او رجل منك) وكان الخيار علياً× يشكّل ذلك تأييداً سماوياً لأمير المؤمنين علي× ومكانة وفضلاً على يد الوحي جبرائيل الامين×.

من جهة أخرى فالبراءة جاءت فيها كثير من المقيّدات حتى لا يُفهم ان التوحيد عقيدة بالاكراه والجبر، فقد شكلت المقيّدات الخمسة مع التحذيرات القرآنية التي أوردناها في التفسير مانعاً لتلك الأفهام الخاطئة وموجهاً لتفسير النظرية القتالية في القرآن الكريم حيث وقعت أفهام خاطئة وقراءات مشوهة لنصوص القتال والبراءة من المشركين، وللأسف عانت امّتنا الاسلامية ولا زالت تعاني تداعيات هذا الجمود الفكري والقراءة الخاطئة للنص القرآني فعاثوا فساداً وعبثوا في تفسير النص القرآني وبات أسيراً لبعض الفتاوى الضّالة فحصل ما حصل من قتل وتدمير للنفس المحترمة.

واخيراً سورة (براءة) التي لم تتصدر بالبسملة الدّالة على الامان، أعادت ترتيب العهود والمواثيق مع المشركين وراجعتها من خلال اعلان البراءة التي اطلقها وتلا آياتها اميرالمؤمنين علي بن ابي  طالب× بإذان من الله ورسوله يوم العاشر من محرم في السنة التاسعة للهجرة وفي بيت الله الحرام في مكة المكرمة ليسمعها الناس كافّة والمشركون خاصة، ممن اجتمعوا في هذا اللقاء الكبير، وكان من مدونات تلك البراءة التي شخصت الهوية وحددت معالم العلاقة مع المشركين من غير مجاملة لأحد او رضوخ لرغبة شخصية:

1-لا يحج بعد هذا العام مشرك.

2-لا يطوف في البيت عريان.

3-الغاء عهد المشركين وبعد أنْ أبقاهم القرآن الكريم الى مدتهم.

دروس اجتماعية مستفادة:

1-سورة التوبة لم تتصدر بالبسملة لماذا؟

2-كيف يحق نقض العهود من طرف واحد؟ ومتى؟

3-كيف تقرأ فضل أمير المؤمنين على× الذي نزل جبرئيل× ليحمله الرسول آيات البراءة ويؤدّيها عنه؟

4-ما هي فرص المراجعة التي ذكرتها الآيات بالنسبة للمشركين.

5-اذكر ثلاثة مقيدات في خطاب البراءة.

6-ما دور التحذيرات القرآنية في صياغة موقف البراءة.

7-(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) ما هي الصورة الاعجازية التي حصلت في هذه الآية المباركة.