akdak

المقالات

قسم القرآن الكريم

عوامل مهجورية القرآن الكريم والسنّة المطهّرة

257

الشيخ عبد الله الأسعد

مقدّمة 

 

الحديث عن مهجورية القرآن الكريم والسنّة الشريفة حديث مهمّ ومُلحّ ، وجدير بالطرح والدراسة المتأنّية المعمّقة ، وذلک من أجل تشخيص هذا الداء العضال ، لوصف الدواء الناجع له ، وإلّا فسوف نسير إلى الهاوية والانحدار أكثر فأكثر.

المهجورية هذه مظهر جليٌّ من مظاهر التدهور والانحطاط الذي انزلق إليه الواقع المسلم . وهذا التدهور، وهذا الانحطاط الذي آلت إليه الاُمور وليد عوامل عدّة ، هي حصيلة صراع تأريخي يعود إلى اللحظات الاُولى لانطلاق شرارة الإسلام المتألّقة في شبه الجزيرة العربية بقيادة الرسول الأكرم  9، حيث ما انفكّت القوى المستكبرة منذ عهده  9 إلى يومنا هذا تكيد، وتخطّط ، وتتآمر على هذا الدين العزيز على كلّ صعيد وفي كلّ ميدان .

فهذا الدين يربّي أتباعه على الإباء ورفض الظلم والهيمنة ، وهذه القوى لا توجد ولا تكون بلا ظلم واستغلال  وتسلّط وهيمنة ، فلذا إذا كان فلا تكون وهي تريد أن تكون ، فلا بدّ أن تسعى في هذا السبيل ، سبيل القضاء على هذا الدين بشتّى الوسائل ، وبمختلف الأساليب .

وقد كاد يكون لها ما أرادت ، حيث نجحت في جرّ الكثير من المسلمين والبلدان الإسلامية للتنكّر لمصدر قوّتها وعزّتها وسرّ اقتدارها ألا وهو الكتاب الكريم والسنّة المطهّرة .

وهذا التنكّر الذي بدا من الكثيرين مؤشّرٌ واضح على انحطاط الوعي الديني لدى الإنسان المسلم ، فهُجِر القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، واستبدلا بقوانين مستوردة لا تمتّ إلى واقعنا بصلة .

إنّ من المفارقات المؤلمة جدّآ هو أن ينظر المثقّف اليوم في بلداننا الإسلامية إلى القرآن والسنّة ، أو فقل الدين ، على أنّهما سبب تراجع المجتمع وتخلّفه عن ركب الحضارة ، وكأنّه لم يقرأ التأريخ يومآ حيث أنّ المسلمين بالقرآن والسنّة كانت لهم دولة ممتدّة ، وحضارة شامخة ، كانت مصدر إشعاع على سائر الاُمم ، وإنّ المسلمين عندما انفضّوا من حول الدين انزلقوا في أوصال الذلّة والمهانة وانعدام الوزن .

لكن خفي على هذا المثقّف الألمعي وغيره من المثقّفين القشريين أنّهم وقعوا في حبائل مؤامرة متقنة الإعداد والحبک ، فراحوا يتنكّرون لذاتهم الإسلامية الأصيلة وهم في غفلة ساهون .

 عوامل انحطاط الاُمّة  

 

إنّ العوامل التي أدّت إلى ضعف الاُمّة وانحطاطها كثيرة ، قديمة ، وحديثة ، تشترک في الهدف ، وتختلفُ بالأساليبِ والأدوار، وهذه العوامل أفرزت أدواء كثيرة في جسد الاُمّة راحت تنهش فيه بكلّ وحشية وقسوة ، ومن هذه الأدواء  

مهجورية القرآن الكريم والسنّة المطهّرة .

أمّا العوامل القديمة  :

فقد بدأت بشكل عملي وفعّال دورها المخرّب منذ اللحظات الاُولى لوفاة النبيّ الأكرم  9، حيث وضع القائمون بهذا الدور القرآن والسنّة جانبآ، ثمّ راحوا يحكِّمون فيما شجر بينهم من نزاع على الرئاسة والسلطان منطقآ جاهليآ جافيآ جلفآ، إنّما جاء رسول الله  9 لمحاربته والقضاء عليه ثمّ راحت الاُمور تبنى على هذا الأساس الفاسد المخالف للقرآن والسنّة ، وبالتالي فقد وجد هؤلاء أنفسهم مضطرّون لخلق حالةٍ من الانسجام بين القرآن والسنّة من جهة وبين الواقع الذي أوجدوه من جهة اُخرى ، لئلّا ينفضحوا أمام الاُمّة ، ويكونوا عرضة لخسران المكاسب والأرباح التي حصلوا عليها.

لذا فقد كان الرأيُ أن تُتّخذ خطوات جادّة وحاسمة في هذا الاتجاه فاُحرقت المصاحف ، ومُنعَ تدوين السنّة ، وفرضت العقوبات في حقّ مَن يحدّث بحديث رسول الله  9، وكان قد اُفسح المجال للمندسّين في الإسلام لكي يحرّفوا الكلم عن مواضعه ، فقد جاؤوا بكثير من الأحاديث الموضوعة تُبرّر هذا الواقع حينآ، وتباركه وتطري عليه حينآ آخر، والسلطة تبارک هذا العمل الإجراميّ الدنيء، وتشدّ على أيدي هؤلاء كتميم الداري ، وكعب الأحبار وغيرهما ممّن كان لهم الأثر الواضح في تشويه السنّة المطهّرة بما أدخلوه عليها من ضلالات وأفكار إسرائيلية موروثة من العقلية الكتابية الحاقدة على الإسلام ونبيّه  9 منذ اللحظات الاُولى .

وبما أنّ الحكومات التي تعاقبت على الاُمّة كانت تقوم على ذلک الأساس الفاسد فقد كانت مضطرّةً أيضآ لخلق مثل هذا الانسجام الخادع لكي تضمن بقاءها وتأمن على ملكها ومصالحها، فقد كانت كلّ حكومة تقتني عددآ من علماء السوء تقرّبهم وتغدق عليهم ، لكي يؤدّوا مقابل هذا دورآ خادمآ لسياسة هذه السلطة هادمآ في الحقيقة للإسلام ولكن ما الذي يهمّ هؤلاء، أهُدِمَ الإسلام أم سَلِم ، إنّما المهمّ أن يرتعوا في بلاط الحاكم العامر بما لذّ وطاب من متع ومشتهيات نذروا أنفسهم لها وباعوا ضمائرهم بها.

فكلّما وقع السلطان في ورطةٍ اندفع هؤلاء لحلّها بحديث مذكوب على رسول الله  9 أو روايةٍ مختلقة عن صحابي أو تابع ، وهذا سهل يسير عند هؤلاء.

والشواهد كثيرة في هذا المجال كـ«أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» أو «نحن معشر الأنبياء لا نورث ...» وإن كان الراوي أحد الحكام المتسلّطين أو كما يروي الترمذي : «قال رسول الله  6 :  الخلافة في اُمّتي ثلاثون سنة ثمّ ملک بعد ذلک »  .

وما الجبر هذه الفكرة التي كان لها أثر كبير في تراجع العقلية الإسلامية وما هي إلّا فكرة قامت بدوافع سياسية بحتة لكي يبرّر معاوية ما ارتكبه من فظائع وجرائم ، وما ينوي أن يرتكبه من الموبقات والمخازي ، وقد انتفع بهذه الفكرة التي دُعّمت بأحاديث وروايات من جاء بعد معاوية من حكام جور متعسّفين .

فعندما يقف العقل السليم أمام هذه السنّة بما وضع فيها من أراجيف وضلالات فلن يكون لمثل هذه السنّة لديه وزنٌ وقيمة ، لذا ترى الكثيرين انفضّوا من حول السنّة والقرآن ، أمّا السنّة فلما مرّ، وأمّا القرآن فلأنّ السنّة هذه قد أخذت على عاتقها مهمّة تفسير القرآن وتأويله ، ومن الطبيعي أنّها لن تفعل ذلک إلّا بما يتناسب مع مضمونها المنحرف المهلهل .

وطبعآ هذا لا يبرّر لهؤلاء، أي أصحاب العقل الحرّ أن يحكموا على السنّة حكمهم الجائر هذا، فليست كلّ السنّة بهذا المستوى ، وإنّما هناک قسم منها وصل إلينا من مصادره الطبيعية الصافية وهو ليس بالقليل فالواجب على هذا الإنسان أن ينظر فيما يُقدّم إليها نظرةً فاحصة سابرة واعية ، فما وافق كتاب الله منها فهو على الرأس والعين ، وإلّا فقد أمَرنا أهل العلم والوحي بأن نضرب به عرض الحائط وإن نَسَبَه البعض للرسول  9 أو غيره من الأئمة الهداة الميامين ، فلعلّ النسبة مكذوبة أو محرّفة .

والذي فعله المرتدّ الأثيم سلمان رشدي وإن كان الدافع الأكبر له هو عمالته لأعداء الإسلام ، بيد أنّ هذه الروايات الكثيرة المختلقة أعطته أرضيةً لكي ينفّذ عليها مشروعه الخياني المتآمر، فهذه الروايات الإسرائيلية التي دخلت وتسلّلت إلى السنّة التي دوّنتها أيدي الحكومات المتعاقبة هذه الروايات كانت مصدرآ لإبراز الرجل لشيطنته اللئيمة .

لذا لم يشفع له هذا من أن يصدر في حقّه الحكم العادل الشجاع من إمام الاُمّة الإمام الخميني العظيم  1، كان عليه ـأي هذا المرتدّـ لو كان مخلصآ غير شيطان أن يتأمّل أكثر ويسأل أهل المعرفة والاختصاص قبل أن يقدم على فعله المشؤوم هذا.

إذن فالمؤامرة التي انطلقت قديمآ تتحمّل مسؤولية كبيرة في مجال هجر القرآن الكريم والسنّة المطهّرة الأمر الذي أدّى إلى التطاول على هذين اللذين كانا مصدر عزّةٍ وكرامة واقتدار، وكذلک نتحمّل المسؤولية كاملة في مجال خلق الأرضية الصالحة لكي تنشأ عوامل انحطاط الاُمّة الحديثة التي سيأتي الكلام عنها لاحقآ.

ولولا الوجود المبارک لأئمة الهدى  : لمحيَ الدين ، ولطمست معالمه ، فقد وقفوا في وجه المؤامرة بكلّ بسالة وإقدام وتضحية ، ولم يدّخروا في سبيل الاُمّة وسعآ، فيقدّم الواحد منهم تلو الآخر روحه في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلّا الله محمّد رسول الله  9، ويسعى حتّى الرمق الأخير ليبيّن الحقائق لأبناء الإسلام بأساليب مختلفة ، ويفضح المتآمرين ويرسم الدرب الصحيح لكي لا ينزلق من يريد الآخرة ، فتأخذه السبل وتضلّه المذاهب .

ثمّ يحمل الراية بعدهم تلاميذهم الأوفياء، علماء الاُمّة ، أصحاب البصر والبصيرة ، ليقفوا ـمقتدين بأئمتهم ـ فى وجه المؤامرة الجديدة التي تريد أن تكمل ما بدأه أعداء الأمس ، فيحاولون علاج الاُمّة ممّـا ألمّ بها من تشرذم ، وضعف ، وفشل ، وهذا ما سيتّضح في العوامل الحديثة لانحطاط الاُمّة الذي كان من ثماره مهجورية القرآن الكريم والسنّة المطهّرة .

العوامل الحديثة  :

لا يمكن الحديث مفصّلا عن هذه العوامل في هذه العجالة ، إلّا أنّه يمكن الاكتفاء بأمرين لعلّهما يتضمّنان الكثير من العوامل التي ساهمت في انحدار الاُمّة وتخلّيها عن مبادئها وأصالتها، وهويّتها.

وليس هذان الأمران بمعزلٍ عمّـا تقدّم من عوامل قديمة بل يوجد بينهما وبينها علاقة وثيقة للغاية ، فالعوامل الاُولى أوجدت الأرضية الصالحة والخصبة لنموّ وترعرع العوامل الحديثة وقد مرّت الإشارة إلى هذا سابقآ.

الأمر الأوّل ـ الاستشراق  : وهو اختراع أوربي ، يتصرّف بخامات شرقية ، ويتحرّک بأذواق غربية لخدمة المصالح الأوربية ، وتعزيز هيمنة الغرب على الشرق ، وتأكيد تفوّقه وسيادته ، وهو التعبير الواضح للمركزية الغربية ، القائمة على نفي الآخر  ، فهو «يعتمد]الاستشراق [ بطريقة ثابتة ، من أجل استراتيجيته على هذا التفوّق الموقعي المرن الذي يضع الغرب في سلسلة كاملة من العلاقات المحتملة مع الشرق دون أن يفقده للحظة واحدة كونه نسبيآ صاحب اليد العليا».

ولا شکّ أنّ المستهدَفَ الأكبر من الشرق كلّه هو الإسلام ، وذلک لأنّه الدين الرسمي للمنطقة الأكثر حيوية ليس في الشرق فحسب بل في العالم كلّه .

حيث أنّه بما فيه من روح تأبى التسلّط والخضوع سيكون عقبة كأداء في وجه القوى التي تسعى جاهدة للاستيلاء على هذه البقعة المليئة بالخيرات من عالمنا الإسلامي الفسيح .

 لذا فقد دعمت هذه القوى هذه الحركة وأخذت بيدها وذلّلت الكثير من العقبات التي اعترضت طريقها.

هذا هدف اقتصادي يكمن وراء الاستشراق ، وهناک هدف آخر وهو الهدف الديني ، حيث أخذت هذه الحركة على عاتقها مهمّة تشويه الإسلام من خلال نشر الكثير من الأوهام والأراجيف حول القرآن الكريم والسنّة المطهّرة ، وذلک حقدآ على الإسلام وكيدآ له لأنّ هذه الحركة نشأت من حجر الكهنة ورجال الدين الصليبيين ، فهم يريدون أن يخمدوا وهج الإسلام الحضاري الذي راح يستهوي الكثيرين من أتباعهم ، وفي هذا الأمر تهديد لمصالحهم ومناصبهم الدنيوية ، فلذا أخذوا على عاتقهم مهمّة المواجهة مع الإسلام بمثل هذه الأساليب المنافقة .

 فمن جملة محاولاتهم وهي كثيرة «... ردّ معطيات القرآن والسيرة الشريفة إلى اُصول نصرانية ...» فـ«لقد حرص الكثير من المستشرقين على الزعم بأنّ النبيّ الأمين تلقّى ما أتى به من منابع نصرانية ويهودية ».

والاستشراق مؤامرة حاكها أوّل ما حاكها رجال الدين النصارى ثمّ انضمّ إليهم رجال آخرون لكنّهم يهود صهاينة ، ولا يشکّ عاقل في أنّ دفّة هذه الحركة اليوم بيد الحركة الصهيونية التي أخذت على عاتقها وبالأساليب المبتكرة المتطوّرة مهمّة تحريف وتشويه السنّة المطهّرة ونشر ما يسيء إلى القرآن الكريم من دراسات ، وهذا ليس بعزيز، فكثير من الكتب تؤلف بأسماء مؤلفين إسلاميين يتناولون فيها المواضيع التي تهدم الصفّ الإسلامي الواحد وتثير بين أبناء الاُمّة مشاعر الكراهية والبغضاء، وهذا المؤلف يظنّ أنّه يفعل هذا قربةً إلى الله تعالى ، بينما هو في حقيقة الأمر إنّما يقدّم خدمة كبيرة لأعداء الإسلام ، وناهيک عن علماء السوء والجهل الذين لا همّ لهم إلّا تكفير هذه الجماعة ، وتفسيق تلک ، وأعداء الإسلام يتربّصون به الدوائر.

هذه الحركة التي خدع بها الكثيرون ابتداءً حيث ظنّوا أنّها حركة علمية معتدلة منصفة ، شريفة الأهداف ، نظيفة الأساليب ، هذه الحركة فعلت فعلها الخبيث ، حيث أوجدت عند الإنسان المسلم عقدة الشعور بالحقارة ، والدونية تجاه الغرب ، وغرست في ذهن هذا الإنسان أنّ خلاصه ممّـا هو فيه إنّما يكون بالتخلّي عن هويّته ، وإسلامه الذي أوحت له أنّه سبب تخلّفه وتراجعه ورجعيته ، وتقمّص هوية الغرب بدقّة وحرص ، فكان التغرّب ثمرة يانعة من ثمار الاستشراق وهو الأمر الثاني الذي سيكون الحديث عنه فيما يأتي .

الأمر الثاني ـ التغرّب  : حركة اُخرى تمخّضت عن حركة الاستشراق ، حيث اتّصل الشرق المسلم بالغرب فانبهر الأوّل بما وصل إليه الثاني من تطوّرٍ وتحضّر ومدنية مادية ، فظنّ أنّ خلاصه في تقليد الغرب تقليد القردة للبشر، لينتشل نفسه ممّا هو فيه من ضعف ووهن ، ولا يمكن ذلک إلّا بالتخلّي عن القيم والأخلاق الإسلامية التي مصدرها القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، فاختار التغرّب واشتراه بالإسلام ، ولا أعني أنّ الشارع المسلم انصاع لرياح التغرّب بكلّه .

وقد صبّت العقول المدبّرة لهذه الحركة اهتمامها على الدول التي لها موقعيّة خاصّة في العالم الإسلامي ، كإيران ، ومصر، وتركية ، فبرزت حركة الاغتراب في هذه الدول أكثر من غيرها من الدول الإسلامية ، والسبب في هذه العناية واضح وجلي ، فهذه الدول كانت تتزعّم شطرآ كبيرآ من العالم الإسلامي ولقرون متطاولة ، فلا بدّ من نخرها من الداخل حتّى لا تقوى على العودة لممارسة دور قيادي يكون خطرآ على ما فيها من مصالح ومطامع للدول الغربية الاستعمارية .

لذا فقد نجحت هذه القوى في بذر أفكار التغرّب في أذهان الشباب المسلم الوافد إلى بلادها، واستمالته بشتّى الأساليب ليكون لها رسولا وفيّآ لنشر رسالة التغرّب والتنكّر للهوية والذات ، ثمّ إنّها وحرصآ منها على نموّ هذه البذور عمدت إلى الاستيلاء على دفّة الحكم في هذه الأقطار من خلال أذنابٍ لها محلّيين ، فكان رضا خان في إيران ، ثمّ ولده الشاه المخلوع ، وكان كمال أتاتورک في تركيا، و(الخديوات ) في مصر، وقد مارس هؤلاء أبشع الوسائل ، وأحطّ الأساليب في سبيل سلخ المجتمع المسلم في هذه الأقطار عن قرآنها والسنّة النبويّة المطهّرة ، وقد انجرفت أجيال كثيرة للوهلة الاُولى وراء الشعارات الطنّانة الرنّانة التي أطلقها حملة التغرّب ، وقد ظهر واضحآ تأثير هؤلاء في هجر الكثير من المسلمين لكتابهم ولسنّة نبيّهم  9 من خلال مظاهر متعدّدة ، حيث أضحى القرآن كتابآ للتبرّک ليس إلّا، وليقرأ في حال الوفيّات ، ومن الموجع حقّآ أن تصبح تلاوة القرآن مؤشّرآ على وجود وفاة في المكان الذي تنبعث منه التلاوة ، فلذا يتساءل الكثير من أبناء الإسلام لدى سماعهم لتلاوة القرآن من خلال مكبّرات الصوت مَن الذي توفّي يا ترى في هذا اليوم ؟ ولعلّ البعض وإن لم يجسر على التصريح بما يشعر به لدى سماعه قراءة القرآن من تشاؤم ويتطيّر لكنّه يعيش هذا الجوّ الذي لا يعرف له سببآ.

هذا على الصعيد الفردي ، وأمّا على صعيد الدولة والمجتمع فقد هُمّش القرآن والسنّة ، فلا أثر له في قوانين هذه الدول ومعاملاتها، حيث استبدلت أحكام الإسلام بقوانين مستوردة من الغرب الذي يكيد للإسلام ليلَ نهار.

وقد ظنّ هؤلاء العملاء أنّ الأمر استتبّ لهم ، وأنّ الإسلامَ صار في خبر كان ، وأنّه لن تقوم له قائمة ، وأنّ أبناءه تخلّوا عنه ، وأداروا له الظهور، إلّا أنّ الواقع خلاف ما يتوهّم هؤلاء الاُجراء، صحيح أنّ الواقع دان لهم شيئآ ما ولكنّ فيه ضمائرآ حيّة ، وقلوب يغمرها القرآن والسنّة بتعاليمها السمحة ، ولا يمكن لقلب عامر بتعاليم السماء أن تهدمه هذه المحاولات الخائنة ، لذا فقد شمّر المخلصون من أبناء الاُمّة الإسلامية عن سواعد الجدّ والعمل في سبيل إنهاض الاُمّة من كبوتها المذلّة ، فكان السيّد جمال الدين الأفغاني ، وتبعه تلامذة أوفياء لمبادئه ، فراحت بوادر النهوض تظهر وتشبّ شيئآ فشيئآ ولم يقتصر الأمر على مصر بل تعدّاها إلى تركيا فظهر سعيد النورسي ـمن علماء أبناء العامة ـ الذي كان من أوّل المتصدّين لأفكار أتاتورک المعادية للإسلام وقد كان ينادي بأنّ اتّباع القرآن هو الطريق الوحيد لخلاص المسلمين ، ولم تقف هذه الحركة عند هذا الحدّ بل راحت تتنامى يومآ بعد يوم إلى يومنا الحاضر حيث أخذ الإسلاميون دورهم المميّز رغم كلّ المحاولات التي تبذل في داخل تركيا وخارجها لتطويق مدّ هذه الحركة الإسلامية التي اشتدّت أكثر بعد انتصار الثورة الإسلامية المظفّرة في إيران الإسلام .

وأمّا في إيران فلم تكن موجة الرفض للتغرّب بأقلّ منها في مصر وتركيا، بل كانت محتدمة وعنيفة رغم الوحشية والقمعية التي واجهت بها حكومة الشاه العميلة هذه الموجة ، ولعلّ أوّل مَن وقف في وجه هذا الوباء القادم من الغرب هو الشهيد آية الله الشيخ فضل الله النوري الذي وقف بكلّ شجاعة وإقدام في وجه هذا المدّ الجارف للتغرّب ، ولم تنتهِ مجابهة التغرّب في إيران باستشهاد الشيخ فضل الله النوري ، بل واصل الدرب بعده كثيرون كالعلّامة محمّد حسين الطباطبائي صاحب الميزان ، وتلميذه الوفي البارّ الشهيد مرتضى مطهّري وآخرون جزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء.

 

القرآن الكريم والسنّة المطهّرة

 

والثورة الإسلامية في إيران  :

لقد كانت الثورة الإسلامية في إيران التي فجّرها الإمام المجاهد الخميني المقدّس هي الرصاصة الأخيرة القاتلة التي اخترقت الرأس العفن للاغتراب والمتغرّبين وعلى رأسهم عبدُ الغرب المطيع محمّد رضا المخلوع ثمّ المقبور بعد أن ذاق  هوان التشرّد في البلاد.

وهي التعبير الذي لا يقبل إلّا معنى واحدآ، وهو ألف نعم للإسلام ، وألف لا لأعدائه المتآمرين .

ولا ينكر اهتمام الشعب الإيراني المسلم بالقرآن والسنّة إلّا مكابر مريض ، فقد صار من المألوف جدّآ أن يطلّ عليک بين الحين والآخر فتىً صغيرآ أو فتاة صغيرة وقد حفظا القرآن عن ظهر قلب ، وقد صار من الممتع حقّآ أن يصدر عن سماحة الإمام الخامنئي بين الحين والآخر عفوٌ أو تخفيف عن مسجون قد حفظ القرآن ، أو أجزاء منه .

ومن المثير للإكبار والإعجاب تلک الرعاية المباشرة للسيّد القائد حفظه الله لمسابقات حفظ وتلاوة القرآن الكريم الدولية .

أضف إلى ذلک النعمة الكبرى وهي أنّ هذه الدولة المباركة تُحكِّم القرآن والسنّة في مؤسساتها وقراراتها فما أعظمها من نعمة أدامها الله ومتّع بها المسلمين جميعآ.

فإيران اليوم دولة مقتدرة بالقرآن والسنّة بعدما كانت ذليلة مذعنة عندما ابتعدت الحكومات المتعاقبة عن القرآن والسنّة ، فقد كان الشاه موظّفآ حقيرآ عند الدوائر الاستكبارية لا يتصرّف تصرّفآ من دون مباركة أسياده . وإيران بتمسّكها بالقرآن والسنّة كقائدين للحياة تفنّد المزاعمَ الكاذبة من أنّ الإسلام غير قادر على قيادة الحياة .

وأودّ أن اُشير وأنا اُنهي مقالتي هذه إلى ثمرة اُخرى من ثمار العودة إلى الذات ، العودة إلى القرآن والسنّة بعد أن هجرا زمنآ طويلا، وهي أنّنا نجد فئةً قليلة العدد والعدّة في جنوب لبنان تمرّغ أنفَ العدوّ الأشرس للاُمّة الإسلامية ، والذي هابت منه الدول ، وجَبُنَت عن نزاله الجيوش الكثيرة العدد، المتطوّرة العدّة ، فتية آمنوا بربّهم وتمسّكوا بكتاب الله وسنّة نبيّه  9 وسيرة أهل بيته الطاهرين  : فزادهم الله هدىً وعزّةً وفخارآ، فأصبحوا اليوم مضرب المثل في الإباء والصمود والتضحية .

 كلمة أخيرة  :

هذا أهمّ ما يمكن أن يقال في هذا المختصر حول العوامل التي أدّت إلى مهجورية القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، وهي عوامل قديمة وحديثة ، وكلّ منهما يتفرّع إلى داخلية وخارجية ، والداخلية هم المندسّون في جسد الاُمّة ، والخارجية هم الأعداء الواضحون للعيان .

ولعلّه تبيّن من خلال تشخيص الداء الدواء، وأنّ الاُمّة لكي تنهض من جديد وتكون ذات استقلال وسيادة حقيقية لا بدّ أن تعود إلى ذاتها إلى إسلامها المحمّدي الأصيل ، وذلک بالأخذ بالقرآن الكريم والسنّة الشريفة ، لكي تفوت الفرصة على أعداء الاُمّة المندسّين ، والظاهرين للعين المجرّدة .

والحمد لله ربّ العالمين .

 

بعض المصادر

1 ـ تدوين القرآن / الشيخ علي الكوراني ـ دار القرآن الكريم في قم المقدّسة .

2 ـ سنن الترمذي :4 503 ـ كتاب الفتن ـ رقم 2226.

3 ـ متابعات ثقافية / عبد الجبار الرفاعي : الصفحة 13 ـ مكتب الإعلام الإسلامي للحوزة العلمية في قم المقدّسة .

4 ـ الاستشراق / الدكتور إدوارد سعيد: الصفحة 42 ـ نشر مؤسسة الأبحاث العربية .

5 ـ الاتجاه الغربي من منظار اجتماعي / الدكتور علي محمّد النقوي ـ طبعة منظمة الإعلام الإسلامي .