akdak

المقالات

القسم الولائي

آية المباهلة هى أكبر فضيلة لأمير المؤمنين

352

حافظ محمد سعيد

قام الإسلام على الهداية النبوية الشريفة، و أُسّست أفكاره على مفاهيم ذات معان عالية منزلة من عند الله العلى الحكيم، و دلالة معانها العظيمة، و تعيين مصاديقها بيد الشارع. و لقد انتشر الإسلام فى كل العالم على تفاسير و آراء مختلفه بحسب ما لدى الفرق الإسلامية من المفاهيم، لذا، خلّف الرسول الأكرم‘ للمسلمين ما يكون مرجعا للجميع. و هى المرجعية العامة الكبرى المتمثلة بكتاب الله و أهل بيته، إذ الكتاب مرجع صامت، و أهل بيته عليهم السلام مرجع ناطق، فأراد الله سبحانه و تعالى أن يبين الصامت بواسطة الناطق

و فى ذلك سمى أمير المؤمنين× بالقرآن الناطق، وصاحب التأويل، و هو أبرز مصداق العترة في الوصية النبوية فى حديث الثقلين؛ «. . . كتاب الله عز وجل، حبل ممدود من السماء إلى 

الأرض، وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني بم تخلفوني فيهما. (مسند الإمام أحمد ج 3 ص 17، وأيضا في ص 14، ص 26، ص 59 باختلاف يسير، الفخر الرازي في ذيل تفسير الآية: واعتصموا بحبل الله - آل عمران -، المتقي في كنز العمال ج 1 ص 47، الهيثمي في مجمعه ج 9 ص 163). فأهل البيت هم القرآن الناطق، والثقل الصادق، لأن القرآن لا ينطق بلسان، فلابدّ بد له من ترجمان. فمن هو أولى بها غير علي× سيد أهل البيت، و الذى هو من النبي‘ بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعده

لذا قال الإمام على×: «ذاك القرآن الصامت وأنا القرآن الناطق». (الشيعة في الميزان - محمد جواد مغنية ص 40). وفي المناقب ولما أراد أهل الشام أن يجعلوا القرآن حكما بصفين، قال: الإمام علي×: «أنا القرآن الناطق». (الشيخ سليمان البلخي القندوزي في ينابيع المودة، ص 69 ط اسلامبول). و قال×: «سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم نهار أم في سهل أم في جبل، والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، وإن ربي وهب لي لسانا ناطقا وقلبا عقولا، أنا القرآن الناطق. (العلامة حسام الدين المردي الحنفي في «آل محمد «(ص 45) قال: موفق بن أحمد، بسنده عن أبي الطفيل). 

فلكل كلمة من القرآن معنى خاص، و لكل مفردة ما يقصد بها، وليس لمن يعرف العربية أن يشرع فى تفسير القرآن الكريم بدون معرفة إصطلاحات الشريعة فى معانيها. فكشف معانى القرآن الكريم إعتمادا على اللغة، بدون الرجوع إلى نفس الكتاب و السنة هى الطامة الكبرى، و العواصف الهدامة، المبتلى بها المفسرون و المترجمون، ولم تترك نهارا إلى غشيته، ولا نورا إلى حجبته، ولا هداية إلا غطتها

و كثير من الأدلة و الشواهد قائمة على أن الشارع هو المكلف ببيان مفاهيم الشريعة و تعيين مصاديقها: فقد جاء فى كتاب دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي: 1 / 14، مضمون ذلك فى رواية يقول فيها: وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي× أن رجلا قال له: يا بن رسول الله إن الحسن البصري حدثنا أن رسول الله‘ قال: إن الله أرسلني برسالة فضاق بها صدري، وخشيت أن يكذبني الناس، فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني. قال له أبو جعفر: فهل حدثكم بالرسالة؟ قال: لا. قال: أما والله إنه ليعلم ما هي، ولكنه كتمها متعمدا! قال الرجل: يا بن رسول الله جعلني الله فداك وما هي؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين بالصلاة في كتابه، فلم يدروا ما الصلاة ولا كيف يصلون، فأمر الله عز وجل محمدا نبيه‘ أن يبين لهم كيف يصلون. فأخبرهم بكل ما افترض الله عليهم من الصلاة مفسرا. . وأمر بالزكاة، فلم يدروا ما هي، ففسرها رسول الله‘ وأعلمهم بما يؤخذ من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والزرع، ولم يدع شيئا مما فرض الله من الزكاة إلا فسره لأمته، وبينه لهم. وفرض عليهم الصوم، فلم يدروا ما الصوم ولا كيف يصومون، ففسره لهم رسول الله‘ وبين لهم ما يتقون في الصوم، وكيف يصومون. وأمر بالحج فأمر الله نبيه‘ أن يفسر لهم كيف يحجون، حتى أوضح لهم ذلك في سنته. وأمر الله عز وجل بالولاية فقال: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ففرض الله ولاية ولاة الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله نبيه‘ أن يفسر لهم ما الولاية، مثلما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله عز وجل ضاق به رسول الله ذرعا، وتخوف أن يرتدوا عن دينه وأن يكذبوه، فضاق صدره وراجع ربه فأوحى إليه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، فصدع بأمر الله وقام بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب× يوم غدير خم، ونادى لذلك الصلاة جامعة، وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب. وكانت الفرائض ينزل منها شيء بعد شيء، تنزل الفريضة ثم تنزل الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا. قال أبو جعفر: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة، قد أكملت لكم هذه الفرائض

فالرسول الأكرم‘ هو المرسل بالقرآن و مفسره الحقيقى، وقد بيّن المراد من أهل البيت×، و الامة، و أبنائنا، و نسائنا، و أنفسنا، فمن الذى يقدر على كشف مصداق أهل البيت عليهم السلام لولا بيان صاحب الرسالة. فهذا زيد بن أرقم من أصحاب النبى‘ والذى عاش معه، ولكنه يفسّره خلاف تفسير الرسول الولى‘ و شخّص مصاديق أهل البيت بـآل على، و آل عقيل، و آل جعفر، و آل عباس، وهو أمر مخالف تماما بما فسره النبى‘ مشيرا إليهم بقوله: اللهم هؤلاء أهل بيتى. فإذا لم يقدر مسلم معاصر للنبى‘ الإدراك و الإحاطة بهذه المعانى و مصاديقها فكيف بمن يأتى من بعده من المسلمين؟!

فهكذا كل المعانى و المفردات المنزلة من الله تعالى لها مصاديقها المختصة بها، لذا قد ندرك معنى من المعانى ولكن يصعب لدينا تعيين مصاديقها، كما يبدوا مما مر بنا فى معنى أهل البيت على رأى زيد، لذا تكفل الرسول الأكرم‘ بتعيين مصاديقها

و هكذا يذكر كثير من المفسرين بأنّنا نحن المعنِىّ و المراد «. . . بخير أمة أخرجت للناس» بدون تدقيق فى النظر، و فى قوله «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكون شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا». فحار فى هاتين الآيتين كثير من المفسرين، إذ جعلوا مجموع الأمة الإسلامية بمنزلة مصداق الآية، و غفلوا عن الناس. فإذا كنا نحن الأمة فمن هم الناس؟ فكيف تسع شهادة من لا يقبل شهادته فى ساع فى الدنيا على الناس فى الآخرة؟

فالرسول الأكرم‘ بيّن المراد من «خير أمة»، وهم أهل بيته الطاهرين، و هم الذين يشهدون على الناس و يكون الرسول عليهم شهيدا، و هم المعْنِى بأمة و سط، و نحن الناس. فهذا السيوطى فى تفسيره يستشهد برواية تدل على المراد من خير أمة

فلو لم يبيّن محمد بن عبد الله‘ هذه المعانى العاليه و مصاديقها العليا، لذهب كل منا إلى مذهبٍ بدون مرجع جامع للشتات، ولكن الله أنعم علينا بالمصطفى المختار‘ و أهل بيته×، فبيّن المراد من النساء فى آية المباهلة في قوله تعالي:﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ ولو تُرك إمرأٌ برأيه لأشار بها إلى أمهات المؤمنين. فهكذا بين المراد بأنفسنا بأن علىّ المرتضى× هو نفس محمد المصطفى‘ إلا أنه ليس بنبى، و بيّن المراد بأبنائنا فهما المبدأ و المصدر للذرية، و استحقوا بذلك إسم آل الرسول و أبناء الرسول‘، فالحسن و الحسين و ذريتهما كلهم أبناء للرسول الرحيم‘. فالمستشكل بأنهم ذرية من قبل البنت× فحسب، فلِمَ يسمون بالأبناء؟ يحكم عليه بالروايات الصادرة من الرسول الرؤوف

و نحتج على المستشكل بما ورد عن الإمام الصادق× حين قال له المنصور: نحن وأنتم في رسول الله سواء. فقال×: لو خطب إليكم رسول الله ‘ وتزوج منكم لجاز له، ولا يجوز أن يتزوج منا فهذا دليل على أنّا منه وهو منا. رواه العلامة الراغب الاصبهاني في (محاضرات الأدباء) (ج 1 ص 344 ط بيروت). كما نقل فى - شرح إحقاق الحق ج 12 - السيد المرعشي ص 274

و جدير بالذكر بأن آية المباهلة هى أكبر فضيلة للوصى علىّ×، و قد جاء فى كتاب الفصول المختارة للمفيد: ص 17 - 18، و بحار الأنوار للمجلسي: ج 10 ص 350 - 351 ح 10. فى مناظرة الإمام الرضا× مع المأمون العباسي في أكبر فضيلة لأمير المؤمنين× قائلا: «قال الشيخ الصدوق (عليه الرحمة): وحدثني الشيخ أدام الله عزه أيضا قال المأمون للرضا×: أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين× يدل عليها القرآن. قال: فقال له الرضا×: فضيلته في المباهلة قال الله جل جلاله: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. (سورة آل عمران: الآية 61). فدعا رسول الله‘ الحسن والحسين (عليهما السلام) فكانا ابنيه ودعا فاطمة ÷ فكانت في هذا الموضع نساءه، ودعا أمير المؤمنين× فكان نفسه بحكم الله عز وجل وقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول الله‘ وأفضل فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله‘ بحكم الله عز وجل. قال: فقال له المأمون: أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله‘ ابنيه خاصة وذكر النساء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله‘ ابنته وحدها فلم لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين× ما ذكرت من الفضل

قال: فقال له الرضا×: ليس بصحيح ما ذكرت يا أمير المؤمنين، وذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره، كما يكون الآمر آمرا لغيره، ولا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة، كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة، وإذا لم يدع رسول الله‘ رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين× فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه، وجعل حكمه ذلك في تنزيله

قال: فقال المأمون: إذا ورد الجواب سقط السؤال

و الحمد لله رب العالمين