akdak

المقالات

قسم الأدب و اللغة

انعكاسات التراث في ( لافتات ) أحمد مطر

411

السید علي الهاشمي

انسحب التراث على مساحة واسعة من قصائد الشاعر أحمد مطر في ديوانه (لافتات )، توزّعت على مختلف جوانبه الأدبيّة والتاريخية والدينية . وإنّ التعرّض المستوعب لانعكاسات التراث في شعر الشاعر تشكّل كتابآ مستقلا لا يناسب مقالة تنشر في مجلة ، ويتطلّب قدرآ من الوقت لا أمتلكه فعلا، ولأجل ذلک ساُحاول هنا تسليط الضوء على زاوية خاصّة من الموضوع ، وأقصر الكلام على بيان تأثير القرآن الكريم والحديث الشريف في قصائد أحمد مطر، ذلک التأثير الذي يجده المطالع لديوانه واضحآ وعميقآ، يشفّ عن المحتوى الروحي للشاعر، ويكشف عن أنّه تلقّى تربية دينية وعاش في كنف آيات الكتاب والأحاديث الشريفة ، وتثقّف على مفاهيمهما، وأخذ منهما مبادئ رفض الظلم ومناوأة المستبدّين ، ففي قصيدة (قلّة أدب )  يصرّح الشاعر :

قرأت في القرآنْ

«تبّت يدا أبي لهب »

فأعلنت وسائل الإذعانْ  :

إنّ السكوت من ذهبْ

أحببت فقري لم أزل أتلو :

«وتبْ ما أغنى عنه ماله وما كسب »

فصوردت حنجرتي بجرم قلّة الأدبْ

وصودر القرآنْ

لأنّه حرّضني على الشَّغَبْ !

وإنّ المتلقّي لقصائد الشاعر ليس بحاجة إلى مزيد تأمّل ليدرک أنّه قد اختار الوقوف إلى جانب القرآن ، ووظّف إنتاجه الشعري لتحقيق ما يهدف إليه كتاب الله من نصرة قضايا الحقّ والعدالة وشجب الظلم والتعدّي والطغيان ، فانحاز إلى جانب الشعوب المغلوبة على أمرها، يحرّضها على التمرّد والثورة ، وتعرّض للأنظمة الحاكمة يندّد بها، ويشجب قمعها وتعسّفها، فكان من الطبيعي أن تكون أشعاره مبعثآ لانزعاج السلطات وعدم ارتياحها، فتعرّض للإبعاد أكثر من مرّة ، وامتدّ مقصّ الرقيب إلى بعض قصائده ليحذف منها ما يعرّض ببعض أصحاب النفوذ، ويعكّر أمزجتهم ، ولم يشفع للمحذوف كونه جزءآ من النصّ القرآني ، كما نلاحظ ذلک في قصيدة (كلمات فوق الخرائب )  :

 قفوا حولَ بيروت

صلّوا على روحها واندبوها

وشدّوا اللّحى وانتفوها

لكي لا تثيروا الشكوک ...

ورصّوا الصكوکَ

على النار كي تطفئوها!

ولكنَّ خيط الدخان

سيصرخ فيكم : دعوها

ويكتب فوق الخرائبِ  :

«...

إذا دخلوا قرية أفسدوها».

ولولا أنّ الله سبحانه قد تعهّد بحفظ كتابه وصيانته من أيدي العابثين ، لكان من المتوقّع أن تمتدّ إليه يد الرقيب ، وحينئذٍ ماذا نتوقّع أن يبقى لنا من آيات الذكر الحكيم ؟ الجواب هو ما يتنبّأ به الشاعر في قصيدة (الخلاصة )  :

آهِ لو لم يحفظِ اللهُ كتابهْ

لتولّتهُ الرقابهْ

ومحتْ كلَّ كلامٍ

يُغضبُ الوالي الرجيمْ

ولأمسى مجملُ الذكرِ الحكيمْ

خمسُ كلماتٍ

كما يسمحُ قانون الكتابهْ

هي : «قرآن كريمْ

... صدق الله العظيم »!

وإنّ تأثير القرآن الكريم في قصائد الشاعر يتجلّى في ثلاثة مجالات  :

أوّلها: اختياره لعناوين بعض قصائده ، كما يتّضح من العناوين التالية  :

ـ إنّ الإنسان لفي خسر .

ـ فأيّ آلاءِ الشعوب تكذّبان .

ـ إذا الضحايا سُئلتْ .

ـ لا اُقسم بهذا البلد .

والمجال الثاني : الاقتباس من آيات الكتاب وتضمينها في شعره ، وقد عرضنا نموذجين منه في قصيدتي : قلّة أدب ، وكلمات فوق الخرائب ، ومن نماذجه أيضآ قوله في قصيدة (جواز)  :

 قال : إلهي ، إنّني لم أحفظ السنّهْ

ولم اُقدّم لغدي ما يدفعُ المحنهْ

... ...

لكنّني ومنکَ كلّ الفضل والمنّهْ

كنتُ بريئآ دائمآ

من حبّ أمريكا

ومن حبِّ الذي يحبُّ أمريكا

عليها وعلى آبائه اللعنهْ

هل لي من شفاعةٍ ؟

«قيل ادخل الجنّة »!

وقوله في قصيدة (علامات على الطريق ) ، وهو يصوّر بسخرية  

وتهكّم الكثرة المفرطة لرجال المباحث والمخبرين ، وهم يضيّقون على الناس أنفاسهم ، ويترصّدون طرقهم وأبواب بيوتهم  :

حفظ الله أمير المخبرينْ

فلقد أتخم بالأمن بلاد المسلمينْ

أيّها الناس اطمئنّوا

هذه أبوابكم محروسة في كلّ حينْ

فـ«ادخلوها بسلامٌ آمنينْ ».

ومن الآيات الكريمة التي اقتبسها الشاعر وغيّر فيها قليلا، ما ذكره في قصيدة (إذا الضحايا سئلت )  :

  إذا الضحايا سئلت

بأيّ ذنب قتلتْ ؟

لانتفضت أشلاؤها وجلجلتْ

بذنب شعب مخلصٍ

لقائدٍ عميل .

ومثل ذلک ما أورده في قصيدة (الأمل الباقي )  :

   أيّها الحكّام بالله عليكم

أقرضوا الله ـلوجهِ اللهِـ

قرضآ حسنآ

وانقرضوا

وأمّا المجال الثالث ، وهو أوسع المجالات الثلاثة ، فإنّه يتعلّق بتأثّر الشاعر البالغ باُسلوب القرآن ، ومجاراته لطريقة التعبير القرآني في كثير من قصائده ، بنحو يجعل المتلقّي يعيش أجواء الأداء القرآني ، ويستمع لنغمات الآيات القرآنية تصدح وراء تفعيلات الشاعر، وتنمّ عن تأثّره الشعوري أو اللاشعوري بآيات الكتاب ، وهو يصوغ مقاطع شعره .

ففي قصيدة (الحبل السرّي ) ، 

نسمع صدى قوله تعالى : «جنّات تجري من تحتها الأنهار» ، يتردّد  

خلال قول الشاعر :

لقيطةٌ ؟

فما لنا نختلق الأعذارْ

في السرِّ والجهرِ

ونرتدي نيابة عن اُمّها

كلّ ثياب العارْ؟

وما لنا نعيش في جهنَّمٍ

واُمّها في جنّةٍ تجري

من تحتها الآبارْ؟

كما نسمعه في مقطع من قصيدة (المذبحة )  وهو قوله  :

إنّني في جنّةٍ من حولها الآبار تجري

لي منها النار والنور لغيري

وأمّا قصيدة (فبأيّ آلاء الشعوب تكذّبان ) فهي تشنِّفُ أسماعنا بألحانِ سورة الرحمان  :

غَفَتْ الحرائقُ

أسبلتْ أجفانها سُحُبُ الدخانْ

الكلّ فانْ

لم يبقَ إلّا وجهُ (ربّکَ ) ذي الجلالة واللجان

ولقد تفجّر شاجبآ ومندّدآ

ولقد أدانْ

فبأيّ آلاء الولاة تكذِّبان !

وحينما نقرأ قصيدة (أقزام طوال )  ينقلنا جرس التعبير إلى 

ما ذكره القرآن الكريم من موقف موسى  7 وهو يواجه فرعون ويدمغه بحجّته ، حينما يصوّر لنا الشاعر المفارقة المؤلمة في موقف الرئيس المعاصر المساوم على قضيّته ، وهو يتصاغر أمام خصمه ، ويقدّم التنازل تلو التنازل عن حدود وطنه وكرامة شعبه  :

هو إبليسُ

فلا تندهشوا

لو أنّ إبليس تمادى في الضلال

نحنُ بالدهشةِ أولى من سوانا

فدمانا

صبغت رايةَ فرعونَ

وموسى فلقَ البحرَ بأشلاءِ العيالْ

ولدى فرعونَ قد حطّ الرحالْ

ثمّ ألقى الآيةَ الكبرى

يدآ بيضاء من ذلِّ السؤالْ

وفي مستهلّ قصيدة (من المهدِ إلى اللحد)  ينقلنا الشاعر إلى تعبير 

القرآن وهو يصوّر مشهد إبراهيم  7 وهو يحطّم الأصنام  :

كان وحده

شاعرآ صعّر للشيطان خَدَّه

حينَ كانَ الكلُّ عبدَه

واحتوى في الركعةِ الاُولى

يدَ الفأسِ

وألقى هامةَ (اللاتِ )

لدى أوَّلِ سجدهْ

فتسامتْ بهِ أرواحُ السماواتِ

ولكن

وقفتْ كلُّ كلابِ الأرضِ ضدّه

ويرتسم أمامنا مشهد إبراهيم  7 وهو يحطّم الأصنام ، في مقطع من قصيدة (عاشَ يسقط )  :

لو أنَّ أربابَ الحمى حجرُ

لحملتُ فأسآ دونَها القدرُ

هوجاءَ لا تُبقي ولا تذرُ

لكنّما أصنامنا بشرُ

الغدرُ منهم خائفٌ حَذِرُ

والمكرُ يشكو الضعفَ إن مكروا

وفي القصيدة نفسها، نستعيد قوله تعالى : «وهزّي إليکِ بجذعِ النخلةِ تُساقطْ عليکِ رُطبآ جنيّآ»  في قول 

الشاعر :

وهزّي إليکِ بجذعِ مؤتَمَرٍ

يُساقط حولَکِ الهذَرُ

عاشَ اللهيبُ

ويسقطُ المطرُ!

وفي قصيدة (عزاء على بطاقة تهنئة )  نجد تأثّر الشاعر بقوله تعالى : «وكذلک جعلناكم اُمّةً وسطآ لتكونوا شهداءَ على الناس »  :

فوالينا

أدامَ الله والينا

رآنا اُمّةً وسطآ

فما أبقى لنا دنيآ

ولا أبقى لنا دينا!

وأمّا قوله تعالى : «كنتم خير اُمّةٍ اُخرجت للناس » ، وقوله : «وأنزلنا 

عليكم المنّ والسلوى » ، 

فنستحضرهما ونحن نقرأ قصيدة (آمنتُ بالأقوى )  :

حياتنا تهوي كما نهوى

وفقرنا قناعةْ

وذلّنا تقوى

والمرُّ في حلوقنا أحلى من الحلوى !

فنحنُ خيرُ اُمّةٍ

أخرجها الحكّام من بلوى إلى بلوى ...

ونحن في سفر المعالي

صفحة تهرّأتْ

وآنَ أن تطوى

يا ربّنا أنزلْ علينا الموتَ والسلوى !

وفي قصيدة (يوسف في بئر البترول )  نلاحظ تأثّر الشاعر 

بآيات من سورة يوسف  7 :

سبعُ سنابلَ خضرٍ من أعوامي

تذوي يابسةً

في كفِّ الأملِ الدامي

أرقبُها في ليلِ القهرِ

تضحکُ صفرتُها من صبري

وتموتُ فتحيا آلامي

يا صاحبَ سجني نبّئني

ما رؤيا مأساتي هذي ؟

فأنا في أوطانِ الخيرِ

ممنوع منذ الميلاد من الأحلامِ

وأنا أسقي ربّي خمرآ

بيدي اليمنى

ويدي اليسرى تتلقّى أمرَ الإعدامِ

وفي قصيدة (إعجاز) نسمعُ أصداء قوله تعالى : «ولو أنّ ما في الأرضِ من شجرةٍ اقلام ، والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر، ما نفدت كلمات الله، إنّ الله عزيز حكيم » ، 

في قول الشاعر :

لو البحار أصبحت

جميعُها دواةْ

لو شجرُ الغاباتْ

صارتْ جميعآ قلمآ

ما نفدت إفادتي لدى المخابرات

وفي قصيدة (موعظة ) ، نجد 

تأثّر الشاعر بقوله تعالى : «فاستقم كما اُمرت »  :

مفتي الموائد الأبي

قال : استقم كما اُمرتَ يا صبي ...

فلا تقلْ : ها أنذا

وانبحْ من المشرقِ حتّى المغربِ

كانَ أبي

كان أبي !

وفي مقاطع من قصيدة (لا اُقسم بهذا البلد) يحاكي الشاعر طريقة التعبير القرآني في مستهلّ سورة الطور، بقوله  :

والطورْ

والمخبر المسعور

والحبلِ والساطور

ونحرنا المشنوق والمنحور

خطى المنايا في البرايا دائرهْ

تركضُ من مجزرةٌ لمجزرهْ

والموتُ في بلادنا

خلاصة للموتِ في مختلف العصور

وأمّا قصيدة (تعاون ) ، فنجد في 

اُسلوب تعبيرها ملامح من آيات سورة البلد :

اُقسمُ بالله الصمدْ

ووالدٍ وما وَلَدْ

وكلّ ما في الدين والدنيا وَرَدْ

أنَّ الحرائقَ التي

قد أكلت هذا البلدْ

وما نجا من حرِّ نارِها أحد

أشعلها فيلٌ

بعيدانِ ثُقابٍ من حمارٍ

وبنفط من فَهَدْ!

وحينما نقرأ قصيدة (واحدة بواحدة )  نستحضر قوله تعالى في وصف المؤمنين بأنّهم «لأماناتهموعهدهم راعون » ، لنقارنه بما يذكره الشاعر من صفات (العاهل ) المعاصر :

العاهلونَ عندنا عن حقّنا ساهونْ

والعاهلون عندنا لعهرهم راعونْ

والعاهلون عندنا أشرفهم مأبونْ

هذا أنا، ماذا إذن تبغونْ ؟

منّي أنا المحزون والمطعون والمرهون ؟

أن أترکَ الشتمَ وأنْ

أتلو لكم : (والتين والزيتون )؟

وفي قصيدة : (الدولة ) ، نلمح 

تأثّر الشاعر بآيات سورة الكوثر.

قالت خيبر :

شبرانِ ... ولا تطلب أكثرْ

لا تطمع في وطن أكبرْ

هذا يكفي

الشرطةُ في الشبر الأيمن

والمسلخ في الشبر الأيسر

إنّا أعطيناکَ (المخفر)!

فتفرّغ لحماسٍ وانحر

إنَّ النحرَ على أيديکَ سيغدو أيسر!

وفي قصيدة (وصايا البغلِ المستنير) ، يجاري الشاعر اُسلوب 

بعضِ آيات سورة مريم  3 :

قال بغلٌ مستنيرٌ واعظآ بغلا فتيّا

يا فتى إصغِ إليّا

إنّما كان أبوکَ امرأ سَوْءٍ

وكذا اُمّکَ قد كانت بغيّا

أنتَ بغلٌ

يا فتى ، والبغلُ نغلٌ

فاحذرِ الظنَّ بأنّ الله سوّاک نبيّا

وأمّا قصيدة (ما بين النحرين ) ، 

فهي أطول قصيدة حرّة نظمها الشاعر، فقد استوعبت اثنتين وعشرين صفحة من ديوانه ، وهي تتحدّث أساسآ عن اجتياح الجيش العراقي للكويت ، وما نجم عنه من دمار هائل عاد معظمه على العراق والكويت ، وشمل بعض دول الخليج ، ولكنّه عَرَّج في بعض مقاطع القصيدة على دوائر مباحث النظام العراقي ، ليصوّر جانبآ من أساليب التحقيق والتعذيب البشعة التي تمارس هناک ، والقصيدة مفعمة بالسخرية المرّة ، وتحاكي في معظم مقاطعها اُسلوب التعبير القرآني ، وسأكتفي بإيراد قسم منها، وآمل أن تتاح الفرص للقارئ الكريم ، ليطالعها كاملة في الديوان ، فيبعثه اُسلوبها على الضحک بقدر ما يشعره مضمونها بالألم  :

ولمّا أوى الفتيةُ المؤمنونْ

إلى كهفهمْ

كان في الكهفِ من قبلهم مخبرون !

ظننتم إذن ، أنّنا غافلونْ ؟

كذلک ظنَّ الذين أتوا قبلكم

فاستجبنا...

ولو تعلمونْ

بما قد اُعدَّ لهم من قواريرَ

كانت قواريرَ منصوبةً

فوقها يقعدونْ

ولو قد رأيتم ، وثَمَّ رأيتُمْ

مرواحَ سقفٍ بها يربطونْ

وفازوا بفقدِ الشعور

... ...

وصعقِ الخصى ، واقتلاعِ العيونْ

وأنتم على إثرهم سائرونْ

لينشُرَ ماذا لكم ربّكم ؟

رحمةً ؟

تحلمون !

وهل قد حسبتم بأنّ المباحثَ ملهى

وأنّا بها لاعبونْ ؟!

سنملي لكم من لدنّا اعترافاتكمْ

ثمَّ أنتم عليها بأسمائكم تبصمونْ

... ...

وقيل لهم : كم لبثتم ؟

فقالوا: مئاتِ القرونْ

أنبعثُ ؟

قال الذي عنده العلمُ  :

بل قد لبثنا سنينآ

وما زال أولادُ اُمّ الكذا يحكمونْ

وما دام (بعثٌ )، فلا تبعثونْ

*          *          *

وأمّا الحديث الشريف فقد ترک آثاره في مواضع عدّة من قصائد أحمد مطر، تسنّى لي أن اُشخّص منها المواضع التالية  :

أوّلا ـ تأثير قول النبيّ  9 : «الناس سواسية كأسنان المشط »، في قول الشاعر في قصيدة (سواسية )  :

سواسيهْ

نحن كأسنانِ كلاب الباديهْ

يصفعنا النباحُ

في الذهابِ والإيابْ

يصفعنا الترابْ

رؤوسنا في كلّ حربٍ باديهْ

والزهو للأذنابْ

ثانيآ ـ تأثير قوله  9: «من رأى منكم منكرآ فليغيّره بيده ، فمن لم يستطع فبلسانه ، فمن لم يستطع فبقلبه ، وذلک أضعف الإيمان » في قصيدة (سلاحٌ بارد)  :

يا أيّها الإنسان

يا أيّها المجوّعُ ، المخوّفُ ، المُهانْ

آنَ النشورُ الآنْ

بأغلظِ الإيمانِ واجهْ أغلظَ المآسي

بقبضتيکَ حطِّم الكراسي

أمّا إذا لم تستطعْ

فجرِّدْ اللسانْ

قُلْ : يسقطُ السلطانْ

أمّا إذا لم تستطعْ

فلا تدعْ قلبکَ في مكانه

لأنّه مدانْ

فدقّة القلبِ سلاحٌ باردٌ

يتركه الشجاع بعد موتهِ

تحتَ يدِ الجبانْ

لكي يداري ضعفَهُ

بأضعفِ الإيمانْ !

ثالثآ ـ تأثير الحديث الشريف «المؤمن مبتلى » في قصيدة (واعظ السلطان)  :

حدّثنا الإمام

في خطبة الجمعةِ

عن فضائل النظامْ

وقال ما معناه  :

إذا أراد ربُّنا

مصيبة بعبدٍ ابتلاه

بكثرة الكلام

رابعآ: تأثير قوله  9: «كلّكم راعٍ ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته » في قصيدة (القضيّة )  :

زعموا أنَّ لنا

أرضآ، وعِرضآ، وحميّهْ

وسيوفآ لا تباريها المنيّهْ

زعموا...

فالأرضُ زالتْ

ودماءُ العِرضِ سالتْ

وولاةُ الأمرِ لا أمرَ لهمْ

خارجَ نصِّ المسرحيّهْ

كلّهم راعٍ ومسؤولٌ

عن التفريطِ في حقِّ الرعيّهْ !

خامسآ ـ تأثير قوله  9 : «جارَکَ ، ثمّ جارَکَ ، ثمّ جارَکَ ، ثمّ أخاک » في قصيدة (الجارّ والمجرور)  :

لي جارٌ مخبرٌ

في قلبه تجري دماءٌ وشراک

... ...

ذاتَ يومٍ

قالَ : إنّ الظلم كفرٌ

قلتُ : حقّآ هو ذاکْ

غير أنّي لم أكدْ أنطقُ

حتّى وضعَ القيدَ بكفّي

ومضىْ بي نحو حتفي

قائلا: تطعنُ في الحكمِ إذن ؟

تبغي القوانينَ على وفقِ هواک ؟

قلتُ : لكنْ ، أنتَ جاري

قال لي : احفظ وقارَکْ

لا تعلّمني بديني

فرسول الله وصّى

قال (جارَکْ

ثمَّ جارَکْ

ثمَّ جارک )

هل ترى أنّي تحيّزتُ

ولم أضبط من الجيرانِ

مشبوهآ سواک ؟

كلُّهم سلّمتهمْ

هيّا بنا

سوف يملّونَ انتظارَکْ

قلتُ : لكنَّ رسول الله

وصّى بعدنا (ثمَّ أخاک )

قالَ : خالفتُ رسولَ الله في العدِّ

فسلّمت أخي

من قبلَ أن تبرحَ دارَکْ !

سادسآ ـ تأثير قول الإمام علي  7: «سلوني قبل أن تفقدوني » في قصيدة (النبوءَة )  :

اسمعوني قبلَ أن تفتقدوني

يا جماعهْ

لستُ كذّابآ

فما كان أبي حزبآ

ولا اُمّي إذاعهْ

سابعآ ـ تأثير قوله  9: «ما أسكر كثيره فقليله حرام » في مقطع من قصيدة (كيف تتعلّم النضال في خمسة أيام بدون معلّم )  :

تريدُ أن تمارسَ النضال

تعالْ

كلُّ كثيرٍ مسكرٍ، قليلُه حرامْ

فأعلنِ الصيامَ عن إذاعةِ النظامْ

وأعلنْ الصيامَ عن صحافةِ النظامْ

وأعلن التوبة ألفَ مرّةٍ

عن خطبْ النظامْ

ثامنآ ـ اقتباس قوله  9: «أعفوا اللحى وحفّوا الشوارب » في قصيدة (اُرجوزة الأوباش )  :

ترمى لنا في البابْ

مواعظ الأربابْ

قلْ : يا اُولي الألبابْ

قصّوا من الجلبابْ

واعفوا اللحى ، وقصّروا الشواربْ

تاسعآ ـ تأثير قوله  9: «كيفما تكونوا يولّى عليكم » في قصيدة 

(مسائل غير قابلة للنقاش )  :

الشعوبْ

حينَ لم توصد بوجه الشرِّ

أبواب القلوبْ

وخطت سرّآ على دربِ الخطايا

وتعاطت خفية كلَّ الذنوبْ

ظهرَ الحكّامُ فيها

هكذا عاقبها الله وأخزاها

بإظهار العيوب

ونكتفي بهذا المقدار من الشواهد التي تمثّل إطلالة على جانب من جوانب انعكاسات التراث في قصائد أحمد مطر، على أمل أن يوفّقنا الله لتسليط الأضواء على جانب آخر من هذا الموضوع في فرصةٍ قادمة .