akdak

المقالات

القسم الولائي

في بيان آياته ومعجزاته في معان شتّى

132

ابن حمزة

وفيه : اثنا عشر حديثاً

۳٥۱ / ۱ ـ أخبرنا سعد الاسكاف ، عن سعد بن طريف قال : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا وألطاف ، وكان فيما أهدي إليه جراب فيه قديد وخبز ، فنشره أبو عبد الله عليه السلام قدّامه ، ثمّ قال : « خذ هذا القديد واطعمه الكلب » فقال الرجل : ولِمَ.

فقال : « إنّ هذا القديد ليس مذكّى » فقال الرجل لقد اشتريته من رجل مسلم وذكر أنّه ذكي.

قال : فردّه أبو عبد الله عليه السلام في الجراب كما كان ، ثمّ قال للرجل : « قم وادخل البيت ، وضعه في زاوية » ففعل الرجل ، وقد تكلّم أبو عبد الله عليه السلام بكلام لا أعرفه ، ولا أدري ما هو ، فسمع الرجل القديد وهو يقول : « يا عبد الله ، ليس مثلي يأكله أولاد الأنبياء (۱) ، إنّي لست بذكي » فحمل (۲) الرجل الجراب وخرج إلى أبي عبد الله عليه السلام ، وأخبره بما سمع منه ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « أما علمت يا هارون أنّا نعلم ما لا يعلمه الناس ؟! » قال : بلى ، جعلت فداك. وخرج الرجل ، وخرجت أتبعه حتّىٰ لقينا كلب ، فألقاه إليه فأكله حتّى لم يبق منه شيء.

۳٥۲ / ۲ ـ عن الحسن بن علي بن فضّال ، قال : قال موسى بن عطية النيسابوري : اجتمع وفد خراسان من أقطارها ، كبارها وعلماؤها ، وقصدوا داري ، واجتمع علماء الشيعة واختاروا أبا لبابة وطهمان وجماعة شتى ، وقالوا بأجمعهم : رضينا بكم أن تردوا المدينة ، فتسألوا عن المستخلف فيها ، لنقلّده أمرنا (۱) ، فقد ذكر أنّ باقر العلم قد مضى ، ولا ندري من نصبه الله بعده من آل الرسول من ولد علي وفاطمة عليهما السلام . ودفعوا إلينا مائة ألف درهم ذهباً وفضّة [ وقالوا ] : لتأتونا بالخبر وتعرّفونا الإِمام ، فتطالبوه بسيف ذي الفقار والقضيب والخاتم والبردة واللوح الذي فيه تثبت الأئمّة من ولد علي وفاطمة ، فإنّ ذلك لا يكون إلّا عند الإِمام ، فمن وجدتم ذلك عنده فسلّموا إليه المال.

فحملناه وتجهّزنا إلى المدينة وحلّلنا بمسجد الرسول (ص) ، فصلّينا ركعتين ، وسألنا : مَن القائم بأمور الناس ، والمستخلف فيها ؟ فقالوا لنا : زيد بن علي ، وابن أخيه جعفر بن محمّد ، فقصدنا زيداً في مسجده ، وسلّمنا عليه ، فردّ علينا السلام وقال : من أين أقبلتم ؟ قلنا : أقبلنا من أرض خراسان لنعرف إمامنا ، ومن نقلّده أمورنا. فقال : قوموا. ومشى بين أيدينا حتّى دخل داره ، فأخرج إلينا طعاماً ، فأكلنا ، ثمّ قال : ما تريدون ؟

فقلنا له : نريد أن ترينا ذا الفقار والقضيب والخاتم والبرد واللوح الذي فيه تثبت الأئمّة عليهم السلام ، فإنّ ذلك لا يكون إلّا عند الإِمام.

قال : فدعا بجارية له ، فأخرجت إليه سفطاً ، فاستخرج منه سيفاً في أديم أحمر ، عليه سجف أخضر ، فقال : هذا ذو الفقار. وأخرج إلينا قضيباً ، ودعا بدرع من فضّة ، واستخرج منه خاتماً وبرداً ، ولم يخرج اللوح الذي فيه تثبيت الأئمّة عليهم السلام ، فقال أبو لبابة من عنده : قوموا بنا حتّى نرجع إلى مولانا غداً فنستوفي ما نحتاج إليه ، ونوفّيه ما عندنا ومعنا.

فمضينا نريد جعفر بن محمّد عليهما السلام ، فقيل لنا : إنّه مضى إلى حائط (۲) له ، فما لبثنا إلّا ساعة حتّى أقبل وقال : « يا موسى بن عطية النيسابوري ويا أبا لبابة ، ويا طهمان ، ويا أيّها الوافدون من أرض خراسان ، إليَّ فأقبلوا ».

ثمّ قال : « يا موسى ، ما أسوأ ظنّك بربّك وبإمامك ، لمَ جعلت في الفضّة التي معك فضّة غيرها ، وفي الذهب ذهباً غيره ؟ أردت أن تمتحن إمامك ، وتعلم ما عنده في ذلك ، وجملة المال مائة ألف درهم ».

ثمّ قال : « يا موسى بن عطية ، إنّ الأرض ومَن عليها لله ولرسوله وللإِمام من بعد رسوله ، أتيتَ عمّي زيداً فأخرج إليكم من السفط ما رأيتم ، وقمتم من عنده قاصدين إليَّ ».

ثمّ قال : « يا موسى بن عطية ، يا أيّها الوافدون من خراسان ، أرسلكم أهل بلدكم لتعرفوا الإِمام وتطالبوه بسيف الله ذي الفقار الذي فضّل به رسول الله (ص) ونصر به أمير المؤمنين وأيّده ، فأخرج إليكم زيد ما رأيتموه ».

قال : « ثمّ أومى بيده إلى فصّ خاتم له ، فقلعه ، ثمّ قال : « سبحان الله ، الذي أودع الذخائر وليّه والنائب عنه في خليقته ، ليريهم قدرته ، ويكون الحجّة عليهم حتّى إذا عرضوا على النار بعد المخالفة لأمره ، فقال : أليس هذا بالحقّ ؟ » ( قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) (۳).

قال : ثمّ أخرج لنا من وسط الخاتم البردة والقضيب واللوح الذي فيه تثبيت الأئمّة عليهم السلام ، ثمّ قال : « سبحان الذي سخّر للإِمام كلّ شيء وجعل له مقاليد السماوات والأرض لينوب عن الله في خلقه ويقيم فيهم حدوده كما تقدّم إليه ليثبت حجّة الله على خلقه ، فإن الإِمام حجّة الله تعالى في خلقه ». ثمّ قال : « ادخل الدار أنت ومن معك بإخلاص وإيقان وإيمان ».

قال : فدخلت أنا ومن معي فقال : « يا موسى ، ترى النور الذي في زاوية البيت ؟ » (٤) فقلت : نعم . قال : « ائتني به » فأتيته ووضعته بين يديه وجئت بمروحة (٥) ونقر بها على النور ، وتكلّم بكلام خفي.

قال : فلم تزل الدنانير تخرج منه حتّى حالت بيني وبينه ، ثمّ قال : « يا موسى بن عطيه ، إقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم لقد كفر ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) (٦) لم نرد مالكم لأنّا فقراء ، وما أردناه إلّا لنفرّقه على أوليائنا من الفقراء ، وننتزع حقّ الله من الأغنياء ، فإنّها عقدة فرضها الله عليكم ، قال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ) (۷).

وقال عزّ وجلّ : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (۸).

قال : ثمّ رمق الدنانير بعينه فتبادرت إلى كو (۹) كان في المجلس.

ثمّ قال : « أحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين ، وصلوهم ولا تقطعوهم ، فإنّكم إن وصلتموهم كنتم منّا ومعنا ولنا لا علينا ، وإن قطعتموهم انقطعت العصمة بيننا وبينكم لا موصلين ولا مفصلين » فردّ المال إلى أصحابه وأخذ الفضَّة التي وضعت في الفضّة ، والذهب الذي وضع في الذهب ، وأمرهم أن يصلوا بذلك « أولياءنا وشيعتنا الفقراء ، فإنّه الواصل إلينا ونحن المكافئون عليه ».

قال : ثمّ قال : « يا موسى بن عطية ، أراك أصلع ، أدن منّي » فدنوت منه ، فأمرَّ يده على رأسي ، فرجع الشعر قططاً (۱۰) ، فقال : « يكون معك ذا حجّة ».

فقال : « أدن منّي يا أبا لبابة » وكان في عينه كوكب (۱۱) ، فتفل في عينه ، فسقط ذلك الكوكب ، وقال : « هاتان حجّتان إذا سألكما سائل فقولا : إمامنا فعل ذلك بنا » وودَّعنا وودّعناه ، وهو إمامنا إلى يوم البعث ، ورجعنا إلى بلدنا بالذهب والفضَّة.

۳٥۳ / ۳ ـ عن داود الرقي ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالساً إذ دخل ابنه موسى عليه السلام وهو ينتفض (۱) ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « جعلت فداك ، كيف أصبحت ؟ » قال : « أصبحت في كنف الله ، متقلباً في نعم الله ، أشتهي عنقود عنب جرشي ، ورمّانة خضراء » ، فقلت : يا سبحان الله في الشتاء !! فقال : « يا داود ، [ إن ] الله قادر على كلّ شيء (۲) ، أدخل البستان فأخرج إليه عنقود عنب جرشي ورمّانة خضراء ».

قال داود : فلمّا أن دخلت البستان نظرت إلى شجرتين خضراوتين ، فإذا رمّانة خضراء وعنقود عنب جرشي فاجتنيتهما وقلت : آمنت بالله وبسرّكم وعلانيتكم ، فأخرجته إلى موسى عليه السلام فقال : « يا داود ، ادفعه إليه فإنّه والله لأفضل من رزق مريم ، وقد اختص به موسى من الأفق الأعلى ».

۳٥٤ / ٤ ـ عن داود الرقيّ قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام حاجّاً إلى مكّة ، ونحن نتساير ذات يوم في أرض سبخة إذ دخل علينا وقت الصلاة فقال : « هلم (۱) بنا إلى هذا الجانب لنتطهّر ونصلّي » فقلت : إنّها أرض سبخة لا ماء فيها ! فقال : « اطع إمامك » فملت ، وسرنا ما شاء الله ، فإذا نحن بعين فوّارة ، وماء بارد عذب ، وأشجار خضر ، فنزلنا وتطهّرنا وصلّينا وشربنا وأروينا رواحلنا وملأنا سقاءنا ، وقمنا ومضينا.

فلمّا سرنا غير بعيد قال لي : « يا داود ، هل تعرف الموضع الذي كنّا فيه ؟ » قلت : نعم ، يا ابن رسول الله.

قال : « فاذهب وجئني بسيفي فقد علّقته على الشجرة فوق العين ونسيته » فمضيت إليه فوجدت السيف معلّقاً على الشجرة ، وما رأيت أثراً من العين ، ولا من الأشجار الخضر ، وإنّما هي أرض سبخة لا عهد للماء فيها.

۳٥٥ / ٥ ـ عن داود بن ظبيان ، قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام أنا والمفضّل بن أبي المفضل ويونس بن ظبيان ، فقال أحدهما لأبي عبد الله عليه السلام : أرني آية من الأرض. وقال الآخر : أرني آية من السماء. فقال : « يا أرض ، انفرجي » فانفرجت مدّ البصر ، فنظرت إلى خلق كثير في أسفل الأرض.

ثمّ قال : « يا سماء ، انشقي » فانشقت.

قال : فلو شئت أن أجتذب السماء بيدي هاتين لفعلت ، فقال : « استشفّ (۱) وانظر » ثمّ تلا هذه الآية : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (۲).

۳٥٦ / ٦ ـ عن الحسن بن عطية ، قال : كان أبو عبد الله عليه السلام واقفاً على الصفا ، فقال له عبّاد البصري : حديث يروى عنك. قال : « وما هو ؟ » قال : قلت : « إنّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البنية » (۱).

قال : « قلت ذلك ، إنّ المؤمن لو قال لهذه الجبال : أقبلي ، أقبلت ».

قال : فنظرت إلى الجبال قد أقبلت ، فقال لها : « على رسلك ، إنّي لم أردك ».

۳٥۷ / ۷ ـ عن علي بن المبشر قال : لمّا قدم أبو عبد الله عليه السلام على أبي جعفر أقام أبو جعفر مولى له على رأسه وقال له : إذا دخل عليَّ فاضرب عنقه. فلمّا دخل أبو عبد الله عليه السلام ونظر إلى أبي جعفر أسرّ شيئاً فيما بينه وبين نفسه ، لم ندر ما هو ، ثمّ أظهر : « يا من يكفي خلقه كلّه ولا يكفيه أحد ، اكفني » فصار أبو جعفر لا يبصر مولاه ولا مولاه يبصره ، فقال أبو جعفر : يا جعفر بن محمّد ، لقد عنَّيتك (۱) في هذا الحرّ ، فانصرف. وخرج أبو عبد الله عليه السلام من عنده ، فقال لمولاه : ما منعك أن تفعل ما أمرتك به ؟! فقال : لا والله ، ما أبصرته ، ولقد جاء شيء فحال بيني وبينه. فقال له أبو جعفر : والله لئن حدّثت بهذا الحديث (۲) أحداً لأقتلك.

۳٥۸ / ۸ ـ عن أبي الصامت ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أعطني شيئاً أزداد به يقيناً ، وأنفي به الشكّ عن قلبي. فقال لي : « هات ما معك » وكان في كمي مفتاح ، فناولته ، فإذا المفتاح أسد ، ففزعت منه ، ثمّ قال : « نح وجهك عنّي » ففعلت ، فعاد مفتاحاً.

۳٥۹ / ۹ ـ عن داود الرقي ، قال : دخل كثير النواء على أبي عبد الله عليه السلام ، وكان كبيراً ، فسلّم ، فأجابه وخرج ، فلمّا خرج قال عليه السلام : « أما والله ، لئن كان أبو إسماعيل يقول ذلك لهو أعلم بذلك من غيره ».

وكان معنا رجل من أهل خراسان من بلخ يكنّى بأبي عبد الله فتغيّر وجهه ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « لعلّك ورعت ممّا سمعت ». قال : قد كان ذلك.

قال أبو عبد الله عليه السلام : « فهلا كان هذا الورع ليلة نهر بلخ » فقال : جعلت فداك ، وما كان بنهر بلخ ؟! قال : « حيث دفع إليك فلان جاريته لتبيعها ، فلمّا عبرت النهر افترعتها في أصل الشجرة ». فقال : لقد كان ذلك جعلت فداك ، ولقد أتى لذلك أربعون سنة ، ولقد تبت إلى الله من ذلك. قال رجل : لقد تاب الله عليك.

ثمّ إنّ أبا عبد الله عليه السلام أمر معتباً غلامه أن يسرج حماره فركب وخرجنا معه حتّىٰ برزنا إلى الصحراء فاختال الحمار في مشيته ـ في حديث له طويل ـ فدنا منه أبو عبد الله فمضينا حتّى انتهينا إلى جبّ بعيد القعر ، وليس فيه ماء فقال البلخي : اسقنا من هذا الجبّ ، فإنّ هذا جبّ بعيد القعر ، وليس فيه ماء. فدنا منه أبو عبد الله فقال : « أيّها الجبّ السامع المطيع لربّه ، اسقنا ممّا جعل الله فيك ».

قال : فوالله لقد رأينا الماء يغلي غلياناً حتّى ارتفع على وجه الأرض ، فشرب وشربنا.

فقال المفضّل وداود الرقي : جعلنا فداك ، وما هذا ، إنّما هذا يشبه فيكم كشبه موسى بن عمران. فقال : « رحمكم الله ».

ثمّ مضينا حتّى انتهينا إلى نخلة يابسة لا سعف لها ، فقال البلخي : يا أبا عبد الله ، أطعمنا من هذه النخلة. فدنا عليه السلام من النخلة فقال : « أيّتها النخلة اللينة ، السامعة لربّها ، المطيعة ، أطعمينا ممّا جعل الله فيك » قال المفضّل : فنثرت علينا رطباً كثيراً ، وأكل وأكلنا معه.

وقال المفضّل وداود الرقي : جعلنا الله فداك ، ما هذا إنّما هو أشبه فيكم كشبه مريم. فقال لهم : « رحمكم الله ».

ثمّ مضى ومضينا معه حتّى انتهينا إلى ظبي ، فوقف الظبي قريباً منه ، تنغم وتحرّك ذنبه ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « أفعل إن شاء الله تعالى ».

قال : ثمّ أقبل وقال : « هل علمتم ما قال الظبي ؟! » فقلنا : الله ورسوله وابن رسول الله (ص) أعلم.

قال : « إنّه أتاني فأخبرني أنّ بعض أهل المدينة نصب لأنثاه الشرك فأخذها ، ولها خشفان لم ينهضا ولم يقويا للرعي ، فسألني أن أسألهم أن يخلو عنها ، وضمن أنّها إذا أرضعت خشفيها حتّى يقويا أن ترد عليهم ، استحلفته ، فقال : برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أوفِّ ، وأنا فاعل ذلك إن شاء الله ».

فقال المفضّل وداود الرقي : يشبه فيكم ذلك كشبه سليمان بن داود. فقال لهم : « رحمكم الله ».

وانصرف وانصرفنا معه ، فلمّا انتهى إلى باب داره تلا هذه الآية :

« ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ) (۱) نحن والله الناس الذين ذكرهم الله في هذا المكان ، ونحن المحسودون ».

ثمّ أقبل علينا فقال : « رحمكم الله اكتموا علينا ولا تذيعوا إلّا عند أهله ، فإنّ المذيع علينا أشدّ مؤنة من عدوّنا ، انصرفوا رحمكم الله ».

۳٦۰ / ۱۰ ـ عن سدير الصيرفي ، قال : مرّ أبو عبد الله عليه السلام على حمار له يريد المدينة ، فمرّ بقطيع من الغنم ، فتخلفت شاة من القطيع واتّبعت حماره ، فتعبت الشاة ، فحبس عليه السلام الحمار عليها حتّى دنت منه الشاة ، فأومى برأسه نحوها ، فقالت له : يا ابن رسول الله ، أنصفني من راعيي هذا. قال : « ويحك ، ما بالك تريدين الإِنصاف من راعيك ؟! » قالت : يا ابن رسول الله ، يفجر بي. فوقف عليها حتّى دنا منه الراعي ، ثمّ قال له : « ويلك تفجر بها !! ».

قال : فالتفت الراعي إليه يقول : أمِنَ الشياطين أنت ، أو من الجنّ ، أو من الملائكة ، أو من النبيّين ، أو من المرسلين ؟ فقال : « ويلك (۱) ، ما أنا بشيطان ، ولا جنّي ، ولا ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل ، ولكنّي ابن رسول الله (ص) وإن تبت استغفرت لك ، وإن أبيت دعوت الله عليك بالسخط واللعنة في ساعتك هذه ». فقال : يا ابن رسول الله ، إنّي تائب عمّا كنت فيه ، فاستغفر الله لي. فقال للشاة : « أيّتها الشاة ، ارجعي إلى قطيعك ومرعاك ، فإنّه قد ضمن أن لا يعود إلى ما كان فيه إن شاء الله » فمرّت الشاة وهي تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، وأنّك حجّة الله على خلقه ، ولعن الله من ظلمكم وجحد ولايتكم.

۳٦۱ / ۱۱ ـ عن أبي سلمة السرَّاج ويونس بن ظبيان وحسين بن ثوير (۱) قالوا : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال لنا : « عندنا خزائن الأرض ومفاتيحها ، ولو شاء أن أقول (۲) بإحدى رجليَّ : أخرجي ما فيك ، لأخرجت ».

وقال بإحدى رجليه ، فإذا نحن بالأرض قد انفرجت ، فنظرنا إلى سبائك من ذهب كثيرة ، بعضها على بعض ، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام : « خذوها بأيديكم وانظروا » [ قلنا ] : قد أعطيتم ما أعطيتم وشيعتكم وعامّتكم فقراء ؟! ».

فقال : « سيجمع الله لهم الدنيا والآخرة ، ويدخلهم جنّات النعيم ، ويدخل عدوّنا الجحيم ».

۳٦۲ / ۱۲ ـ عن داود الرقيّ ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ، فقلت له : جعلت فداك ، كم عدد الطهارة ؟ فقال : « ما أوجب الله تعالى فواحدة ، وأضاف إليها رسول الله (ص) واحدة ، ومن توضَّأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له ».

فبينا أنا معه في ذلك المكان إذ جاء داود بن زربي فأخذ زاوية [ من البيت ] فسأله عمّا سألت في عدد الطهارة ، فقال له : « ثلاثاً ثلاثاً ، من نقّص عنهن فلا صلاة له » فارتعدت فرائصي ، وكاد أن يدخلني الشيطان ـ أعوذ بالله منه ـ فأبصر أبو عبد الله عليه السلام إليَّ وقد تغيّر لوني ، فقال لي : « اسكن يا داود ، هذا هو الكفر وضرب الأعناق ».

قال : فخرجنا من عنده ، وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبي جعفر المنصور ، وكان ألقي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربي ، وأنّه رافضيُّ يختلف إلى جعفر بن محمّد فقال أبو جعفر : إنّي أطّلع على طهارته ، فإن هو توضَّأ وضوء جعفر بن محمّد فإنّي لأعرف طهارته ، وحقّقت عليه القول فاقتله.

فاطَّلع وداود يتهيَّأ للصلاة من حيث لا يراه ، فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما أمره أبو عبد الله عليه السلام ، فما أتمّ وضوءه حتّى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه.

قال داود : فلمّا دخلت عليه رحّب بي فقال : يا داود قيل فيك شيء باطل ، وما أنت كذلك حتّى اطَّلعت على طهارتك ، ليست طهارتك طهارة الرفضة. فجعلني في حِلّ وأمر لي بمائة ألف درهم (۱).

قال داود الرقّي : فالتقيت أنا وداود بن زربي عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له داود بن زربي : جعلني الله فداك ، حقنت دماءنا في دار الدنيا ، ونرجو أن ندخل بحبّك (۲) الجنّة.

فقال أبو عبد الله عليه السلام : « فعل الله ذلك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين ».

ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام : « يا داود بن زربي ، حدَّث داود الرقيّ بما مرّ عليك ، حتّى يسكن روعه » فحدَّثني بالأمر كلّه ، ثمّ قال : « يا داود بن زربي ، توضَّأ مثنى مثنى ، لا تزدن عليه ، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك ».

الهوامش

۱. الهداية الكبرىٰ : ۲٥۰ ، دلائل الإِمامة : ۱۳۰ ، الخرائج والجرائح ۲ : ٦۰٦ / ۱ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ۲۲۲ ، الصراط المستقيم ۲ : ۱۸۷ ، مدينة المعاجز : ۳۹٥ / ۱۳۲.

(۱) في م : نبي ولا ولي.

(۲) في ش ، ص : فرفع.

۲. عنه في مدينة المعاجز : ٤۱۱ / ۲۱۲.

(۱) في ر : أمورنا.

(۲) في ش ، ص : حاجة.

(۳) سورة الأحقاف الآية : ۳٤.

(٤) في م : الدار.

(٥) المروحة : آلة يتروح بها في الحر « لسان العرب ـ روح ـ ۲ : ٤٥٦ ».

(٦) سورة آل عمران الآية : ۱۸۱.

(۷) سورة التوبة الآية : ۱۱۱.

(۸) سورة البقرة الآية : ۱٥٦ ، ۱٥۷.

(۹) الكو والكوة : الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه ، وجمعها : كوى ، « لسان العرب ـ كوى ـ ۱٥ : ۲۳٦ ».

(۱۰) القطط : الشعر الشديد الجعودة ، أو الحسن الجعودة « لسان العرب ـ قطط ـ ۷ : ۳۸۰ ».

(۱۱) الكوكب : البياض في سواد العين « لسان العرب ـ كوكب ـ ۱ : ۷۲۱ ».

۳. الخرائج والجرائح ۲ : ٦۱۷ / ۱٦ ، اثبات الهداة ۳ : ۱۱۷ / ۱٤۲ ، قطعة منه ، مدينة المعاجز : ٤۰٦ / ۱۸۲.

(۱) ينتفض : أيّ يرتعد كأنّه مصاب بالنافض ، وهي حمىٰ الرعدة. « لسان العرب ـ نفض ـ ۷ : ۲٤۰ ».

(۲) في ر : على ما يشاء.

٤. مناقب ابن شهراشوب ٤ : ۲٤۱.

(۱) في ش ، ص ، مل. وفي ر : هلمو.

٥. عنه في مدينة المعاجز : ٤۱٦ / ۲۳٥.

(۱) استشف : تبين ما وراء الشيء ، انظر « لسان العرب ـ شفف ـ ۹ : ۱۸۰ ».

(۲) سورة آل عمران الآية : ۱٤٤.

٦. الاختصاص : ۳۲٥.

(۱) في ش ، ص : هذا البيت.

۷. بصائر الدرجات : ٥۱٤ / ۱.

(۱) من العناء وهو النصب « لسان العرب ـ عنا ـ ۱٥ : ۱۰٦ ».

(۲) في ر ، ك ، م : الأمر.

۸. الخرائج والجرائح ۱ : ۳۰٦ ، باختلاف فيه ، مدينة المعاجز : ٤۱٦ ، عن كتابنا هذا.

۹. الخرائج والجرائح ۱ : ۲۹۷ ، مدينة المعاجز : ٤۰۷ / ۱۸٦ ، اثبات الهداة ۳ : ۱۱٤ ، بلفظ آخر.

(۱) سورة النساء الآية : ٥٤.

۱۰. وعنه في مدينة المعاجز : ٤۱٦.

(۱) في ر ، ك : ويحك.

۱۱. بصائر الدرجات : ۳۹٤ ، الكافي ۱ : ٤۷٤ ، الاختصاص : ۲٦۹ ، دلائل الإمامة : ۱٤٥ ، عيون المعجزات : ۸٦.

(۱) في الأصل : زيد بن ظبيان وحسين بن زيد ، وما أثبتناه هو الصحيح ، راجع « معجم رجال الحديث ٥ : ۲۰٦ و ۲۰ : ۱۹۲ ».

(۲) في ر : لو أشرنا بإحدى.

۱۲. رجال الكشي ۲ : ۳۱۲ / ٥٦٤ ، مدينة المعاجز : ٤۱٦ ، عن كتابنا هذا.

(۱) في ر : بألف درهم.

(۲) في ك ، م : بهمتك.

مقتبس من كتاب : [ الثاقب في المناقب ] / الصفحة : ٤۱٥ ـ ٤۲۷