akdak

المقالات

القسم الاجتماعي

المتسامحون يحولون أعداءهم إلى أصدقاء

120

الشيخ عبدالله اليوسف

المتسامحون والمحسنون يحولون أعداءهم إلى أصدقاء وأما الحمقى فيحولون أصدقاءهم إلى أعداء لهم.

إن من الحكمة كسب المزيد من المعارف والأصدقاء، وأنهم مهما كثروا فهو قليل، وتجنب العداء بقدر المستطاع مع أي أحد، لأنهم مهما قلّوا فهو كثير.

ولذا روي عن لقمان (عليه السلام) أنه قال لِابنِهِ: «يا بُنَيَّ اتَّخِذ ألفَ صَديقٍ، وَالأَلفُ قَليلٌ. ولا تَتَّخِذ عَدُوّاً واحِداً، وَالواحِدُ كَثيرٌ»، عنه (عليه السلام) -أيضاً- قال: «يا بُنَيَّ استَكثِر مِنَ الأَصدِقاءِ، ولا تَأمَن مِنَ الأَعداءِ؛ فَإِنَّ الغِلَّ في صُدورِهِم مِثلُ الماءِ تَحتَ الرَّمادِ ».

ولابد من اتباع قاعدة: (رد الإساءة بالإحسان) في جميع التعاملات الأسرية والعائلية والاجتماعية وغيرها، وأنها أفضل وسيلة لكسب الناس بما فيهم الخصوم والأعداء، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.

لقد طبّق رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه القاعدة القرآنية، واستطاع بتعامله الإنساني والأخلاقي حتى مع خصومه وأعدائه، أن يكسبهم إلى صفه، ويحولهم إلى أصدقاء حميمين له بعدما كانوا من أشد الأعداء؛ فلم يكن (صلى الله عليه وآله)

يرد الإساءة بمثلها، بل بردها بالحسنة، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾.

لذا من المهم للغاية أن يتعلم الإنسان (فن التعامل مع الخصوم والأعداء)، ويتقن أساليب ووسائل تحويلهم من أعداء إلى أصدقاء، ومن خصوم إلى أحبة، وهذا يتطلب حكمة وحنكة، وضبط المشاعر، وعدم الانفعال، ورد الإساءة بالإحسان، والتعامل الأخلاقي الراقي معهم؛ كما كان يفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع من نصبوا له العداء الدفين.

إن الحياة تقوم على التدافع بين البشر، وعلى الصراع بين الخير والشر، والحق والباطل، ولكل منهج أصحابه وشخوصه ورموزه، ولا تخلو حياة أي إنسان مهما كان طيباً وخلوقاً من أشخاص يكنون له العداء والكراهية والحقد والحسد والضغينة.

وكما يرتاح الإنسان إلى أصدقائه ومعارفه ينزعج من خصومه وأعدائه الذين يسعون لخلق المشاكل ضده، وإيجاد المنغصات أمامه، وربما يسعى بعضهم للإضرار به أشد الإضرار، ومن الحكمة أن يستوعبهم، والأفضل أن يحولهم إلى أصدقاء حميمين له إن استطاع فعل ذلك.

ومن الأمثلة على ما ورد في السيرة النبوية المباركة من مواقف إنسانية لا نظير لها في تعامل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأخلاقي والإنساني تجاه خصومه وأعدائه، ومن تلك المواقف النبيلة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رحيماً حتى بأعدائه، وكان يدعو لهم بالهداية بالرغم مما فعلوه به، لأن هدفه كان هو هداية الناس إلى التوحيد وطريق الحق، فقد روي: أنه لما كسرت رباعيته (صلى الله عليه وآله) وشج وجهه يوم أحد، شق ذلك على أصحابه شقاً شديداً، وقالوا: لو دعوت عليهم؟

فقال: «إني لم أبعث لعاناً، ولكني بعثت داعياً ورحمة، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون».

وعن ابن مسعودٍ قال: كأنّي أنظُرُ إلى‏ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَحكي نَبيّاً مِن الأنبياءِ ضَربَهُ قَومُهُ فأدمَوهُ، وهُو يَمسَحُ الدَّمَ عَن وَجهِهِ ويَقولُ: «اللّهُمَّ اغفِرْ لِقَومي فإنّهُم لا يَعلَمونَ».

وموقف إنساني آخر من السيرة النبوية: عندما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة المكرمة، وجاء إليها فاتحاً منتصراً، وهو في مركز القوة والقدرة، بينما خصومه كانوا في مركز الضعف والوهن، عفا رسول الإنسانية (صلى الله عليه وآله) عن كل أهل مكة حتى الذين حاولوا قتله أو قتلوا أعز أصحابه وأهل بيته. وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

وفي رواية أخرى: «قال فاني أقول كما قال أخي يوسف (عليه السلام): ﴿قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾».

من هنا تتبين أهمية وضرورة التأسي يسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، والتحلي بصفة التسامح والعفو والصفح تجاه المسيئ، وعدم رد الإساءة بمثلها، وإنما بالإحسان؛ فبه تملَك القلوب وتسترق النفوس.

ومع الأسف الشديد على وجود عداوات وخصومات بين بعض الأقرباء والأرحام تجاه بعضهم البعض، أو وجود خصومات بين بعض العوائل مع عوائل أخرى، أو عداوات مزمنة بين قسم من الناس والقسم الآخر بسبب خلافات مادية أو فكرية أو هامشية أو تافهة أو أمور قديمة، وقد تستمر العداوة لسنوات وسنوات من دون صفح وتسامح.

لذا لابد من التحلي بالعفو والصفح والإحسان تجاه من نخاصمه ونعاديه، وتجنب خلق العداوات والخصومات، والتحلي بمنقبة التسامح وفضيلة (رد الإساءة بالإحسان).