المقالات
قسم الفكر الاسلامي
ما يترتّب على الجبر من الفساد
إنّه على هذا المبنى يكون العقاب والثواب ظلماً وقبيحاً ، نظير عقاب العبد على طول قامته ، مع أنّ الأشعري بنفسه يعاقب من ضربه بالحجر ولا يعاقب الحجر الواقع بنفسه من مكان مرتفع على رأسه ، وقد اُورد هذا على رئيس الأشاعرة ، وهو أبو موسى الأشعري ، واُجيب عنه بجوابين :
الجواب الأوّل : أنَّ العقاب يكون على الكسب .
وفيه : أنّه ما المراد من الكسب ليكون العقاب عليه ، إن اُريد منه معناه المتعارف الظاهر من اللفظ في الاستعمالات العرفية ، كما في قوله تعالى : (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)([1]) وأمثال ذلك فهو الفعل ، والمفروض أنّه غير اختياري ، ولذا ذكر بعضهم أنّه معنى لا يعقل ولا يمكن بيانه ، وقد وجّهه بعضهم بوجهين :
أحدهما ـ أنّ العقاب يكون على تقارن الفعل مع القدرة .
وفيه : أنّ التقارن غير اختياري أيضاً ، وليس العقاب عليه إلاّ كالعقاب على تقارن أمر غير اختياري مع قصر قامة العبد أو سواد وجهه .
ثانيهما ـ ما ذكره الباقلاني من أنّ العقاب والثواب يكون على الاطاعة والعصيان ، فإنّ للفعل حيثيتين : فإنّه بما هو فعل مخلوق لله تعالى ، وبما هو إطاعة أو عصيان يوجب الثواب أو العقاب .
وفيه : أنّ الإطاعة والعصيان ليسا إلاّ عنوانين انتزاعيين ولا حقيقة لهما إلاّ بمنشأ انتزاعهما ، فالإطاعة تنتزع عن إنطباق المأمور به على المأتي به ، والمعصية عن انطباق المنهي عنه عليه ، ولا معنى للعقاب على ذلك .
وبعبارة أوضح : إن كانت الإطاعة أو العصيان فعلاً مستقلاً فننقل الكلام فيها ، إذ لو كانت مخلوقة للعبد يلزم الشرك المتوهّم عند الأشعري ، ولو كانت مخلوقة لله فالعقاب لماذا ؟
وإن اُريد من الكسب الإرادة والاختيار فننقل الكلام في ذلك ونقول : إن كان الاختيار فعلاً نفسانيّاً مخلوقاً للعبد فقد وقع المحذور وهو الشرك المتوهَّم عنده ، وعليه فلماذا لم يكن أصل الفعل مخلوقاً للعبد ؟ ! وإن كان هو أيضاً فعل الله تعالى فالعقاب عليه ظلم قبيح .
الجواب الثاني عن إشكال الظلم هو إنكارهم الحسن والقبح في الأفعال رأساً([2]) . ]كما سيأتي في الجواب عن الشبهة الاُولى حول الجبر ، فانتظر[ .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] البقرة : 286 .
[2] دراسات في علم الاُصول 1 : 154 ـ 155 .
اكثر قراءة