akdak

المقالات

قسم الفكر الاسلامي

الجواب عن العلّيّة المزعومة

87

---------

 

ويكفي في بطلان هذا القول الرجوع إلى الوجدان ، فإنّ كلّ أحد إذا راجع وجدانه ـ حتّى الأشعري الجبري ـ يدرك أنّ حركته نحو شيء يشتاق إليه غاية الاشتياق ليست كحركة يد المرتعش أو كحركة النبض ، ويجد فرقاً واضحاً بين حركة يد المرتعش وحركة يد غيره ، وكذا الفرق بين حركة قدمي الماشي نحو مطلوب وحركة دمه في عروقه وهكذا ، وما تمكّن ولم يتمكّن أحد من إنكار الفرق المذكور ، فإن إنكاره إنكار لأمر بديهي ، كإنكار أنّ الواحد تنصِّف الاثنين .

فالوجدان الضروري قاض بأنّ الشوق المؤكّد لا  يخرج الفعل عن تحت سلطان الفاعل فله أن يفعل وأن لا يفعل ، بل قد يفعل فعلاً بلا شوق إليه بل مع الكراهة عنه كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين في الاُمور التكوينية ، كما إذا دار الأمر بين قطع اليد وهلاك النفس فهو يقطع يده مع عدم الشوق إليه ، وكما إذا سقط أحد من شاهق ودار أمره بين أن يقع على ولده الأكبر الموجب لهلاكه وبين أن يقع على ولده الأصغر ، فيختار سقوطه على الأصغر مثلاً لشدّة علاقته بالأكبر ، ومن الضروري أنّ اختيار السقوط على الأصغر لا يكون مترتّباً على الشوق إلى هلاكه بل يختاره مع شدّة الكراهة ]له[ ، فيتخلّف الفعل عن الشوق المؤكّد وجوداً وعدماً بحكم الوجدان الضروري ، فكيف يكون الشوق المؤكّد علّة تامّة له ؟([1]) .

]وببيان أكثر تفصيلاً نقول :[ إنّ الإرادة بمعنى الاشتياق إلى الفعل ليست بعلّة تامّة في إيجاد الفعل ، بل هناك واسطة بينهما تسمّى بالإختيار أو الطلب .

بيان ذلك : أنّ الشوق المؤكّد أمر نفسي يحصل من ملائمة الطبع لشيء وعدم ملائمته لآخر ، وهو أمر غير اختياري بالضرورة ، وهذا الشوق ليس بعلّة تامّة بالاضافة إلى الأفعال الخارجيّة ; لأنّنا نرى بالوجدان أنّ هناك ما يتخلّل بين سائر أفعالنا وحصول الشوق بأعلى مراتبه ، وذلك الوسيط هو الطلب أو الاختيار الذي معناه طلب الخير ; لأنّ الاختيار مأخوذ من الإفتعال ، وقد اُخذ فيه الطلب ، ومعناه إعمال القدرة في تحصيل الفعل أو الترك ، بمعنى أنّ المكلّف يختار إيجاد الفعل أو عدمه حسب ما يلائمه بعد أن رزقه الله تعالى قوّة كافية لذلك .

وبديهي أنّ الاختيار بهذا المعنى فعل من أفعال النفس ، والشوق صفة من صفاتها كالعلم والشجاعة ، كما وإنّنا بالوجدان نرى فرقاً بين حركة المرتعش وحركة الأصابع ، ولو كان الشوق علّة تامّة في الفعل لما جاز تخلّف المعلول عنها ، والوجدان حاكم بجواز تخلّفه ، فهذا يكشف عن وجود واسطة بينهما تدعى بالإختيار ، التي هي عبارة عن إعمال القدرة في الفعل أو الترك .

أمّا الفلاسفة وغيرهم من الاُصوليين ـ كصاحب الكفاية (قدس سره)  ـ فقد ذهبوا]كما أسلفنا[ إلى الأوّل ، وادّعوا أنّ الشوق المؤكّد هو علّة تامّة في تحقّق الفعل خارجاً بحيث لا  يتخلّف الفعل عنه أصلاً ، واعتبروا ذلك غير مناف للإختيار ; لأنّ معنى اختياريّة الفعل سبقه بالإرادة التي هي عبارة عن الشوق المؤكّد ، أمّا نفس الإرادة فليست باختياريّة ; لعدم سبقها بالإرادة ، وإلاّ لدار أو تسلسل ، فالإنسان يفعل بالإختيار لسبق عمله بالإرادة ، وان كانت الإرادة غير اختياريّة([2]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] المصدر السابق : 261 ـ 262 .

[2] مصابيح الاُصول : 186 ـ 187 .