akdak

المقالات

قسم الثقافة و الفلسفة

نقد الشبهة المزبورة

216

---------

 

ولنأخذ بالنقد في هذه الشبهة على ضوء كلتا النظريتين ، يعني (نظريتنا ونظرية الفلاسفة) :

أمّا على نظريتنا فهي ساقطة جداً ولا واقع موضوعي لها أصلاً ، والسبب في ذلك هو أنّ الفعل الاختياري إنّما يفتقر في وجوده إلى إعمال قدرة الفاعل واختياره . فمتى أعمل قدرته نحو إيجاده وجد وإلاّ فلا ، سواء أكان هناك مرجّح خارجي يقتضي وجوده أم لم يكن ، وهذا بخلاف المعلول فإنّ صدوره عن العلّة إنّما هو في اطار قانون التناسب ، ويستحيل صدوره خارج هذا الإطار ، هذا من ناحية .

ومن ناحية اُخرى : قد ذكرنا في بحث الوضع أنّ الترجيح بلا  مرجّح لم يكن قبيحاً فضلاً عن كونه مستحيلاً ، وذلك كما إذا تعلّق الغرض بصرف وجود الطبيعي في الخارج وافترضنا أنّ أفراده كانت متساوية الأقدام بالاضافة إليه ، فعندئذ اختيار أيّ فرد منها دون آخر لم يكن قبيحاً فضلاً عن كونه محالاً . نعم ، اختيار فعل من دون تعلّق غرض به لا  بشخصه ولا  بنوعه لغو وقبيح ، لا أنّه محال .

فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين هي أنّ المشيئة الإلهيّة حيث تعلّقت بخلق العالم وإيجاده ، فاختياره تعالى هذا الشكل الخاص له والترتيب المخصوص المشتمل على الأنظمة الخاصة المعيّنة من بين الأشكال المتعدّدة المفترض تساويها لا  يكون قبيحاً فضلاً عن كونه محالاً . على أنّ الترجيح بلا  مرجّح لو كان قبيحاً لقلنا بطبيعة الحال بوجود المرجّح في اختياره وإلاّ استحال صدوره من الحكيم تعالى ، بداهة أنّه ليس بإمكاننا نفي وجود المرجّح فيه و]نفي[ دعوى تساويه مع بقيّة الأفراد والأشكال . وكيف كان ، فالشبهة واهية جداً .

وأمّا على نظرية الفلاسفة فالأمر أيضاً كذلك ، والوجه فيه أنّ صدور المعلول عن العلّة وإن كان يحتاج إلى وجود مرجّح إلاّ أنّ المرجّح عبارة عن وجود التناسب بينهما ، وبدونه يستحيل صدوره منها . وعلى هذا الأساس لا  محالة يكون وجود العالم بهذا الشكل والترتيب الخاص معلولاً لعلّة مناسبة له وإلاّ استحال وجوده كذلك .

وبكلمة اُخرى : قد تقدّم أنّ تأثير العلّة في المعلول على ضوء قانون التناسب بينهما ، وعليه فالتناسب الموجود بين العالم وعلّته لا يخلو من أن يكون موجوداً بين وجوده بهذا الشكل ووجود علّته ، أو يكون موجوداً بين وجوده بشكل آخر ووجود علّته ولا ثالث لهما ، فعلى الأوّل يجب وجوده بالشكل الحالي ويستحيل وجوده بشكل آخر ، وعلى الثاني عكس ذلك ، وحيث إنّ العالم قد وجد بهذا الشكل ، فنستكشف ]أنّ [وجود المرجّح فيه لا  في غيره([1]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] المصدر السابق : 96 ـ 98 .