المقالات
القسم العام
تحديد مراد الأشاعرة من الكلام النفسي ومناقشة ذلك
أقول : إن كان مرادهم من الكلام النفسي ما يتصوّره المتكلّم قبل التكلّم ـ فإنّ إلقاء كلّ كلام في الخارج مسبوق بتصوّره وترتيبه في الذهن ولا سيّما الكلام المشتمل على المزايا الكلاميّة المبني على الدقّة كالأشعار البليغة ـ ففيه : أنّ هذا المتصوّر قبل التكلّم لا يكون مدلولاً للكلام اللفظي بالدلالة اللفظيّة الوضعيّة ، بل بالدلالة العقليّة ، بمعنى أنّ صدور الكلام من شخص ذي عقل وشعور يدلّ على كونه متصوّراً في ذهنه قبل التكلّم .
ولذا لا اختصاص لهذه الدلالة بالألفاظ الموضوعة ، بل هي موجودة في صدور الألفاظ المهملة أيضاً ، فإنّ صدور لفظ ديز مثلاً من أحد يدلّ على كونه متصوّراً في ذهنه قبل التكلّم ، بل لا اختصاص لهذه الدلالة بالألفاظ ، فإنّ صدور جميع الأفعال الاختياريّة يدلّ عقلاً على كونها مسبوقة بالإرادة ومقدّماتها من التصوّر والتصديق بالفائدة وغيرهما ممّا هو مذكور في محلّه ، فيلزم أن يكون القيام ـ مثلاً ـ قيامين : قياماً نفسيّاً وقياماً خارجيّاً ، وهكذا الحال في كلّ فعل من الأفعال ، ولا أظنّ أن يلتزم به الأشاعرة .
وبعبارة اُخرى مختصرة : إنّ تصوّر مدلول الكلام قبل التكلّم به لا يكون إلاّ العلم التصوّري الموجود عند صدور كلّ فعل اختياري ، فكيف يمكن الالتزام بأنّه كلام نفسي مدلول للكلام اللفظي مغاير للصفات المعروفة من العلم والإرادة ونحوهما ؟ !
وإن كان مرادهم من الكلام النفسي هو ما ذكرناه في مقام الفرق بين الخبر والإنشاء ، من أنّ مدلول الجمل هو الأمر النفساني من قصد الحكاية كما في الجمل الخبريّة ، واعتبار لأمر نفساني كالزوجيّة والملكيّة ونحوهما كما في الجمل الإنشائيّة ; ففيه أنّه ليس من سنخ الكلام كي يقال إنّه كلام نفسي ; إذ من الواضح أنّ القصد والاعتبار النفساني ليس من الكلام في شيء ، ولا يكون كلّ موجود نفسانيٍّ كلاماً([1]) .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] مصباح الاُصول ج1 / القسم 1 : 256 ـ 257 .
اكثر قراءة