akdak

المقالات

القسم العقائدي

فصل : «في الكلام في التوحيد»

212

---------

 

طريق العلم باثبات الصانع- سبحانه - أن يعلم الناظر: أن هاهنا حوادث يستحيل حدوثها عن غير محدث .
وجهة ذلك : أن يعلم نفسه وغيره من الأجسام ، متحركاً ساكناً، ثم مجتمعاً مفترقآَ، أو ضحه ذلك .
فيعلم بتغايرهذه الصفات على الأجسام، أنها أعيان لها، لأنها لوكانت صفات لذواتها ، لم يجزتغيرها .
ويعلم بتجددها عن عدم ، وبطلانها عن وجود، أنها محدثة، لاستحالة الإنتقال عليها، من حيث لم تقم بأنفسها، والكمون المعقول راجع به إلى الانتقال .
فإذا علم استحالة ذلك على هذه الصفات ، علم أن المتجدد منها إنما يجدد عن عدم ، وهذه حقيقة المحدث والمنتفي ، وأن ما انتفى عن الوجود والعدم يستحيل على القديم لوجوب وجوده ، وما ليس بقديم محدث .
فإذا علم حدوث هذه المعاني المغايرة للجسم ، وعلم أنه لابد في الوجود من مكان يختصه مجأوراً لغيره أو مبايناً ، وقتا واحداً أو وقتين ، لابثا فيه أو منتقلاً عنه - وقد تقدم له العلم : انه إنما كان كذلك لمعان غيره محدثة علم أنه محدث ، لأنه لو كان قديماً لوجب أن يكون سابقا للحوادث بما لانهاية له .
فإذا علم أنه لاينفك من الحوادث ، علم كونه محدثا، لعلمه ضرورة بحدوث مالم يسبق المحدث ، ولأنه إذا فكرفي نفسه - وغيرها - فوجدها كانت نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظماً، ثم جنيناً، ثم حيا، ثم طفلاً، ثم يافعا، ثم صبيا، ثم غلاما، ثم بالغاً، ثم شاباً قوياً، ثم شيخاً ضعيفاً، ثم ميتاَ.
وأنه لم يكن كذلك إلا بتجدد معان فيه : حرارات ، وبرودات ، ورطوبات ، ويبوسا ت ،وطعوم ، وألوان ، وأراييح مخصوصة ، وقدر، وعلوم ، وحيا ة .
وعلم بطلان كل صفة من هذه الاغيار بعد وجود، وتجددها عن عدم ، والجواهر التي تركب منها الجسم باقية، علم أنها صفات مغايرة لها وأنها محدثه ، لاستحالة الكون
والانتقال عليها بما قدمناه .
وإذا علم حدوث جواهره - وغيره من الجواهر- بالاعتبار الأول ، وصفاته بهذه وصفات غيره بالاعتبار الثاني ، ولأنها لا تنفك من المحل المحدث .
وعلم أن في الشاهد حوادث - كالبناء والكتابة- وأن لها كاتباً وبانياً، هو من وقعت منه بحسب غيرها، وانما ذلك مختص بما يجوزحصوله وانتفاؤه ، فلا يحصل إلا بمقتض .
فأما ما وجب فمستغن بوجوبه عن مؤثر منفصل عن الذات ، كتحيز الجوهر ، وحكم السواد.
ولا يجوز خروجه تعالى عن هذه الصفات ، لوجوب الوجود له تعالى في حق كونه قديماً لنفسه ، يجب له وجوده تعالى في كل حال ، وكونها صفات نفسه يجب ثبوتها للموصوف ويستحيل خروجه عنها كل ما وجد، لكون المقتضي ثانيا(1) وهو النفس ، واستحالة حصول المقتضي وانتفاء مقتضاه .
وبعلمه سبحانه مدركاً إذا وجدت المدركات ، لكونه تعالى يستحيل فيه الآفات والموانع ، بدليل حصول هذا الحكم لكل حي لاآفة به متى وجد المدرك ، وارتفعت الموانع .
وبعلمه سبحانه مريداً لوقوع أفعاله على وجه دون وجه وفي حال دون اخرى، وذلك مفتقرإلى أمر زائد على كون الحي قادراً عالما، لكونه صفة للفعل زائدة على مجرد الحدوث والاحكام ، وارادته فعله إذ كونه مريداً لنفسه ، أو معنى قديم يقتضي قدم المرادات ، أو كونه عازما، وكلا الأمرين مستحيل فيه سبحانه .
والمحدَث لا يقدرعلى فعل الإرادة في غيره ، وقديم ثان نرد(2) برهان نفيه ، فثبت سبحانه مريداً بإرادة يفعلها إلا(3) في محل لاستحالة حلولها فيه أو في غيره ، ولا صفة له سبحانه زائدة على ما علمناه ، لأنه لاحكم لهما ولا برهان بثبوتهما، واثبات مالا حكم له ولا برهان عليه مفض إلى الجهالات .
وبعلمه سبحانه لايشبه شيئاَ من الأجسام والاعراض ، لقدمه تعالى وحدوث هذه الأجناس ، لتعذر هذه الأجناس على غيره .
وإذا علمه تعالى فكذلك علم استحالة ادراكه بشيء من الحواس ، لأن الادراك المعقول مختص بالمحدثات .
وعلم كذلك استحالة الاختصاص بالجهات والنقل فيها والمجأوزة والحلول وايجاب الاحكام والاحوال عليه سبحانه ، لكون ذلك من صفات الأجسام والأعراض المباينة له تعالى .
وبعلمه (4) عنها يستحيل عليه الحاجة لاختصاصها باجتلاب النفع ودفع الضرر واختصاص النفع والضر بمن يصح أن يألم ويكد(5)، واختصاص اللذة والألم بذي شهوة ونفار، وكونهما معنيين يفتقران إلى فعل ، وذلك لايجوز عليه لحدوث المحل وقدومه (6) سبحانه ، ولخلو الفعل من دليل على اثباته مسهيا(7) أو نافراً .
وإذا علم تخصصه تعالى بهذه الصفات من سائر الموجودات ، علمه(8) تعالى واحدا، لانهما لوكانا اثنين لوجب اشتراكهما في جميع الصفات الواجبة والجائزة، وذلك يوجب كون مقدورهما ومرادهما واحداً، مع حصول العلم الضروري بصحة إرادة أحد المتحيزين ما يكره الاخر أو لايريده ولايكرهه ، وقيام البرهان على استحالة تعلق مقدور واحد بقادرين ، وتقديرقديم ثان يقتضي نقض هذا المعلوم .
فثبت أنه تعالى واحدا لا ثاني له ، ولانه لادليل من جهة العقل على إثبات ثان ، وقد ورد السمع المقطوع بإضافته إليه سبحانه بنفي قديم ثان ، فوجب له القطع على كونه واحد .
____________
1 - كذا، والظاهر أن الصواب : ثابتاً .
2 - كذا، ولعل الصواب : مرّ.
3 - كذا، والظاهر أن الصواب : لا.
4 - كذا، ولعل الصواب : وبغناه .
5 - كذا، والظاهر أن الصواب : ويلذ.
6 - كذا، والظاهر أن الصواب : وقدمه .
7 - كذا، والظاهر أن الصواب : مشتهياً .
8 - كذا ، والظاهر أن الصواب : علم .